- نيك ويغنال
- ترجمة: ندى الحوشان
- تحرير: آسية الشمري
يظن معظم الناس أن الذكاء العاطفي مهارة يمكنهم بناؤها واكتسابها بالتدريب والممارسة، وهذا صحيح نسبيًا، إلا أن الحقيقة العميقة للذكاء العاطفي يجهلها أغلبنا وهي أن:
زيادة ذكائك العاطفي غالبًا ما يكون بالتخلص من عادات معينة، وليس باكتسابها.
بصفتي طبيبًا نفسيًا، فأنا أتعامل مع العديد من الناس الذين يبدو عليهم افتقارهم للكثير من الذكاء العاطفي، فهم:
- يلقون اللوم على الآخرين في كل مشكلة تعترض طريقهم.
- يحبسون أنفسهم في دوامات من الضغوط والقلق.
- يقللون من قدر أنفسهم حالما يحرزون أي تقدم.
ومن واقع خبرتي، فإني أعتقد أن معظم الناس لا يفتقر إلى الذكاء العاطفي حقيقةً بل إن أغلبهم يتمتع بمستويات عالية منه، لكن بعض العادات السيئة – مع الأسف – تعترضهم في استخدام ذكائهم العاطفي الفطري.
فإذا أردت أن تصبح أذكى عاطفيًا، فعليك أن تتعرف على هذه العادات في حياتك، وأن تعمل جاهدًا على التخلص منها، وحينئذ ستجد أن ذكاءك العاطفي الفطري كامن في داخلك.
. . .
1- انتقاد الآخرين
غالبًا ما يكون انتقادنا للآخرين آلية دفاعية غير مقصودة لتحسين ضعف ثقتنا بأنفسنا.
جميعنا ننتقد أحيانًا، وهذا ليس أمرًا سيئًا بالضرورة؛ فالتفكير النقدي حول العالم من حولنا مهارة ضرورية تساعدنا على تسيير العالم وإدارة علاقاتنا بطريقة موضوعية.
ولكن المبالغة في الانتقاد (خاصةً إذا تحول ذلك الانتقاد إلى عادة) تقود إلى نقيض الموضوعية، وتجعلنا ضيقي الأفق وعميانًا عن أنفسنا على وجه الخصوص.
شعورنا بالرضا حين ننتقد الآخرين هو أحد أسباب اتخاذنا له كعادة لنا: فعندما تقول لنفسك إن ذلك الشخص أحمق، فأنت في نفس الوقت تنوّه أنك ذكي، وهذا يشعرك بالرضا. وعندما تنتقد أحدهم لكونه ساذجًا، فأنت تخبر نفسك بطريقة ما بأنك فطِن، وهذا يشعرك بالرضا، وعندما تضحك سرًا على فظاعة ذوق أحدهم في ملبسه، فأنت تخبر نفسك بأنك تمتلك ذوقًا رفيعًا، وهذا يشعرك بالرضا.
النقد البنّاء هو ما يجعل العالم أفضل، بينما النقد الهادم هو ما يجعلك أنت تشعر بحالة أفضل.
وبالرغم من أن انتقادك للآخرين قد يمنحك الرضا عن نفسك مؤقتًا، إلا أنه عادةً ما ينقلب هذا الشعور إلى استياء وعدم رضا عن النفس على المدى البعيد.
ومن ناحية أخرى، فإن الأشخاص الذين يتسمون بالذكاء العاطفي والوعي الذاتي يدركون أن انتقاد الاخرين ما هو إلا آلية دفاعية ساذجة، وأن هناك آليات أكثر إنتاجية وأفضل منها بكثير للتعامل مع مخاوفنا وعدم ثقتنا بأنفسنا.
إن الناس الذين ينتقدون الآخرين باستمرار هم في الحقيقة يحاولون -من حيث لا يشعرون- تخفيف وطأة شعورهم بعدم ثقتهم بأنفسهم. وهنا عليك أن تستوعب أن انتقاد الآخرين ما هو إلا مضيعة للوقت والجهد اللذين بإمكانك بذلهما في تطوير نفسك والعالم من حولك.
“انتقاد الآخرين شكل من أشكال الثناء على الذات، فنحن نظن أننا نثبت لوحاتنا بشكل مستقيم على جدارنا بقولنا لجارنا إن جميع لوحاته مائلة”.
– فلتون ج. شين Fulton J. Sheen
2– القلق حول المستقبل:
القلق حول المستقبل يعني إنكار طبيعة الحياة غير المستقرة أساسًا. في حين أن طبيعتنا البشرية تسعى إلى التنظيم والاستقرار، وقد نجح أسلافنا وتفوقوا علينا في جعل حياتهم أقل اضطرابًا من حياتنا، فعاشوا – ولأسباب متعاضدة -حياةً أطول من أولئك الذين لم يسعوا إلى الاستقرار، وهذا يعني أن طبيعتنا البيولوجية تدفعنا للحد من الاضطراب وعدم الاستقرار.
لكن هناك فرق واضح بين اتخاذ الإجراءات المنطقية للحد من الاضطراب وبين الخوف الشديد منه لدرجة خداع النفس بإمكانية القضاء عليه تمامًا، وهذا ما يفعله مدمنو القلق. فهم خائفون جدًا من الاضطراب أو عدم الاستقرار ولا يرغبون أبدًا في التعايش معه، فيخدعون أنفسهم بتصور إمكانية جعل المستقبل أقل اضطرابًا من خلال التفكير به باستمرار.
مدمنو القلق يعيشون في وهمٍ فحواه أن التفكير الدائم يحلّ المشاكل، وأن التخطيط الدائم يؤدي إلى مستويات أعلى من الاستعداد، ولكن ذلك غير صحيح.
فمجرد تفكيرك بالمشكلة لا يعني أنك تفكر بها بشكل مثمر، ومجرد تخطيطك (وافتراضك لسيناريوهات مستقبلية لا حصر لها) لا يعني أنك أصبحت مؤهلًا أكثر للتعامل معها. غالبًا، تفكيرك وتخطيطك يجعلانك تشعر بأنك على استعداد أكثر فقط.، القلق يمنحك وهم الاستقرار، ولكن في النهاية كل ما يفعله هو تهشيمك.
إن الأذكياء عاطفيًا يدركون أن الحياة بطبيعتها غير مستقرة، ويدركون أيضًا أن مواجهة هذه الحقيقة بذكاء ونباهة أفضل من العيش في إنكارٍ لها، فعندما تتوقف عن تحطيم نفسك بالضغوطات والهلع المصاحبين للقلق الدائم تتفاجأ من كمية الطاقة والشغف التي ستعود لحياتك مجددًا، وعندما تتقبل عدم سير العالم بالطريقة التي تريد غدًا، سيسهل عليك كثيرًا التعامل مع العالم اليوم.
القلق لا يمحو مأساة الغد، لكنه يسلب طاقة اليوم.
– كوري تِن بوم Corrie Ten Boom
3– كثرة التفكير في الماضي
الندم على أخطاء الماضي محاولة غير موفقة لإحكام السيطرة. نحن البشر مهووسون بالسيطرة كما هو حالنا مع التنظيم والاستقرار،إننا مهووسون بفكرة أننا بالإرادة و بذل الجهد الكافي يمكننا فعل وإنجاز أي شيء.
لا شك أن معظم العالقين في أخطاء الماضي وإخفاقاته لا يعتقدون حقًا أن بإمكانهم تغيير الماضي، ولكن تأملهم وتفكيرهم في الماضي يوهمهم بالسيطرة،وإن كانت سيطرة مؤقتة سرعان ما تزول، فإذا كنت قد ارتكبت خطأً في الماضي أو فعلت فعلًا مشينًا فمن الطبيعي أن تشعر بالذنب والندم، لكن مدمنو التفكير يكتسبون عادة إعادة التفكير في أخطاء الماضي لا إراديًا، لأن هذه العادة تعطيهم شعورًا بالقوة والسيطرة لفترة وجيزة، والشعور بالسيطرة يساعد على محو الشعور بالعجز الذي ينتابهم حيال أخطائهم الماضية.
ولكن في الواقع، تفكيرك الطويل في أخطائك الماضية وتحليلك العميق لها لن يغير ما حدث، وهذا يعني أن الشعور بالعجز وقلة الحيلة أمر لا مفر منه. وهذه الحقيقة المرّة للحياة لا يفهمها فقط الأذكياء عاطفيًا، بل يتقبلونها أيضًا.
إذا أردت المضي قدمًا في الحياة بدلًا من البقاء عالقًا في الماضي، فعليك أن تتقبل الماضي كما هو، وهذا يتضمن تقبلك لعجزك عن تغييره. يجب أن تتوقف عن تكرار زياراتك اللامتناهية للماضي مهما كانت تحررك من ألمك الحقيقي؛ ألم العجز.
تقدم خطوة في الحاضر بدلًا من العيش في الماضي. افعل شيئًا مفيدًا حالًا مهما كان بسيطًا،وقاوم إغراء إعادة تذكر حدثٍ آخرٍ من ماضيك، لا تفقد السيطرة على مستقبلك من خلال تظاهرك بالقدرة على السيطرة على ماضيك.
التفكير الزائد مرض
– فيودور دوستويفسكي Fyodor Dostoyevsky
4– التوقعات غير الواقعية
التوقعات غير الواقعية هي محاولات غير موفقة للتحكم بالآخرين. فكما أن التفكير العميق في الماضي هو محاولة لتغييره وتغيير شعورنا تجاهه، فإن التوقعات غير الواقعية غالبًا ما تكون محاولة خفية للتحكم بالآخرين.
لا شك أن معظم ذوي التوقعات والآمال غير الواقعية لا يرون أنها كذلك، فيظنون أن توقعاتهم عن الآخرين أمر جيد (عقد آمال كبيرة على الآخرين يشجعهم على التطور والنضج وتحقيق أفضل نسخة من أنفسهم)!
قد يكون ذلك صحيحًا، ولكنه نوع خفي من أنواع السيطرة، فأنت تدرك ما ينبغي على الآخرين فعله أو تحقيقه، وتوقعاتك هي محاولتك لتحقيق ذلك على أرض الواقع. ولكن ما معنى أن تتمسك بتوقعات غير واقعية؟ ذلك يعني -ببساطة- أن تقضي وقتك في تأليف قصصٍ في مخيّلتك عما ينبغى على الآخرين فعله. وعندما يفشلون في الارتقاء لمستوى تطلعاتك، فإنك تقوم لا شعوريًا بمقارنة الواقع بتلك التوقعات فتشعر بالإحباط وخيبة الأمل. ثم تتصدى لهذه الإحباطات والخيبة عن طريق بناء توقعات أكبر وأعلى عما قبلها، لأن ذلك يشعرك بالرضا والسيطرة. لا شك أنك تهتم بالناس في حياتك وتتمنى الأفضل لهم، وتؤلمك رؤيتهم يتألمون أو يكافحون أو يعانون، لذلك عندما تقوم بتأليف القصص في مخيلتك عن نجاحهم وتفوقهم (توقعات وتطلعات) تشعر بتحسن قليلًا.
المشكلة هنا أنك لا تستطيع السيطرة أو التحكم بالآخرين بالقدر الذي تتمناه، حتى لو كان ذلك في صالحهم، وهذا يعني أنك تدور في حلقة مفرغة من التوقعات البالغة عنان السماء والإحباطات وخيبات الأمل البغيضة، فضلًا عن أن الناس في حياتك سيشعرون في نهاية المطاف بمحاولاتك للتحكم بهم وهذا يثير حنقهم، وقد يتعمدون مخالفة توقعاتك نكايةً بك إذا استمر ذلك لفترة طويلة.
الحل هو أن تتمسك بآمالك وتتخلص من توقعاتك. توقف عن تأليف قصصٍ عما تتمناه للآخرين وتقبلهم كما هم :
- قدم لهم يد المساعدة في كفاحاتهم الحالية، بدلًا من التمسك بأحلام اليقظة حول نجاحاتهم المستقبلية.
- ضع حدودًا واقعية وحقيقية لسلوكهم، بدلًا من تمني الكمال لهم.
- تقبلهم كما هم عليه، لا كما تريد أنت.
كان يسبح في بحر توقعاته عن الآخرين، وكم غرق أقوامٌ في بحور كهذه.
– روبرت جوردن Robert Jordan
. . .
ما تحتاج أن تعرفه: إن أردت أن تزيد ذكاءك العاطفي فحاول أن تفعل ذلك بطريقة عكسية، فبدلًا من محاولة تطوير مهارات الذكاء العاطفي لديك، اسعَ أولًا إلى معرفة العادات التي تتعارض مع ذكائك العاطفي الفطري وتخلص منها:
- توقف عن انتقاد الآخرين.
- توقف عن القلق حول المستقبل.
- توقف عن التفكير في الماضي.
- توقف عن رفع سقف توقعاتك بالآخرين.
اقرأ ايضًا: انقشاع الخوف بشهود المعية