عبد الله بن حمدان
أمجاد بنت عوده
لغة العرب هي كِساء حضارتهم وصوت أدبهم ولسان دينهم. فما إن أراد عدو لمزهم إلا بدأ بوعاء لغتهم قبل وعاء حضارتهم. فعندما اُتهم بنو العرب بالإرهاب؛ خرج أقوامٌ يرمون اللغة العربية بالإرهاب وأنّ أصواتها بشعة معينة على الدمار. فاللغة أول مرمى لسهام ذم جنسٍ بأكمله وإسقاط دينه وحضارته.
ولا يُستغرب من عدوٍ لمز، إلا أنه قد خرج نفرٌ منّا يستعملون لغتنا لذم لغتنا. ومن هؤلاء قِسمٌ للعربية محبون ولكنهم عن فصحى القرآن معرضون. ما إن يتكلم أحدنا بشيء قالته العرب قرونًا إلا ورموه بالتكلف والتشدق واختيار الغريب. فإن قال مثلًا (هلّا جاءنا أحدٌ بماء نشربه؟) نعتوه بالتكلف واستحسنوا (هل يستطيع أحدٌ أن يجلب لنا بعض الماء للشرب؟). وما حملهم على هذا الإنكار إلا استئناسهم اللغة العربية العصرية، التي جالت فيها العجمة وتأثرت بالترجمات التي أبعدتها عن فصحى العرب الأوائل. أمّا غريب المفردات، فقد كان العرب ينعتون كلمات مثل (متعثكل ومستشزر وسجحاء) بالغرابة، بينما أصحابنا اليوم يستغربون كلمات مثل (لَعمري، وقوم، وغداة، ولَبِث) وجميع هذه الكلمات ذُكرت في القرآن والسنة، وكثيرة في كلام العرب. تكاثر هذه الأقوال جعل من الناس من يقول لا تكتبوا بفصحى التراث لأنها نخبوية واكتبوا بالعربية العصرية لأنها أقرب للناس. ولهذا لوازم شديدة على العربية والدين والثقافة.
في مقالتنا هذه نبدأ بالكلام عن الفصاحة والبلاغة ونبيّن لماذا ترمى الفصحى بالتكلف والنخبوية. ثم ننقض قول من قال إن العصرية أسهل من الفصحى ونبيّن أنّه حتى العاميات بريئة من العصرية، بل هي أقرب إلى الفصحى من العصرية. ثم ننهي المقالة بلوازم هذه الأقوال. وسعينا لضرب الأمثلة لنُظهر لك تهافت أقوالهم.
ما الفصحى وما الفصيح وما البلاغة؟
رأينا كثير خلط بين البلاغة والفصاحة، فوُضعت الفصاحة مكان البلاغة، وعلى إثر ذلك نُعتت الفصاحة أنها ليست لأي أحد، ولا يفهمها عوام النّاس. وهذا الكلام على خلطه نفهمه في زماننا، لكن السبب تضييعنا للفصحى وزهدنا في تعلمها، وامتلاء ما حولنا مما نسمع ونقرأ بفصحى مقطوعة النسب إلا قليلًا بفصحى القرآن، فعلى هذا نشأت (نخبوية الفصحى)، وهي كارثة أيُّ كارثة.
غير أنّ ما ذكرنا في البداية؛ قد قرأناه في كتبٍ تتكلم في زمان العرب القديم، مدعية وجود مستويين من الكلام، لغة مثالية هي لغة الأدب، ولغة للحديث هي لعامة الناس، ومن خطأ استدلالهم قولهم:
“من ضرب المستحيل أن تتساوى لغة طبقات المجتمع في درجتها، فيستوي العبيد والأحرار وسائر طبقات المجتمع، ولا بد أن يكون بينهم تفاوت في اللغة”
ولقد رد الدكتور مختار الغيث وبسط الرد في كتابه (لغة قريش) فقال:
“أما الخلط فمقارنة السادة بالعبيد في عدم إمكان تساوي كلامهم في البلاغة، لأن البلاغة تتعلق بالمعنى، واللغة هي الألفاظ وبناؤها وأصواتها. فالناس لا يستوون في مقدرتهم البلاغية بالطبع، لكن التمييز الطبقي ها هنا ليس بصحيح، فقد يكون العبد أبلغ من سيده؛ لأن البلاغة موهبة، وإن كان تعلق كلام السادة بالأمور الجدية، وكلام العبيد بمبتذلات الحياة، يجعل كلام السادة غالباً أبلغ من كلام العبيد. والشعراء والخطباء أنفسهم يتفاوتون في البلاغة، ولا يعني ذلك تفاوتهم في اللغة التي يستعملون ولا اختلاف مستواها عند كل.”
ولنبيّن الأمر؛ فما الفصحى وما الفصيح وما البلاغة؟
لغةً الفصاحة تعني البلاغة. وقد استعمل الأولون الفصاحة لعدة معانٍ؛ منها:
1-البلاغة.
2-سلامة اللغة من التأثر بلغة العجم.
3-جمال اللغة وكثرة استعمال البلغاء لها
والمعنى الاصطلاحي للفصاحة:
الفَصَاحة عبارة عن الألفاظ البيِّنة الظَّاهرة، المتبادرة إلى الفهم، والمأْنُوسة الاستعمال بين الكُتَّاب والشُّعراء لمكان حُسْنِها… وفَصَاحة الكلام: سلامته بعد فَصَاحة مفُرداته ممَّا يُبهم معناه، ويَحُول دون المراد منه
أما الفصحى، فهي لغة قريش. قال ابن فارس: “حدثنا إسماعيل بن أبي عبيد الله قال: أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالهم، أن قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة”
أما الفصيح؛ فكان يُقصد به سائر لغات العرب الذين بقوا على لغتهم وسليقتهم، وكلها حجة كما ذكر ابن جني في كتابه.
واليوم الفصحى معناها الاصطلاحي كما في معجم المعاني: “اللُّغة العربيَّة الفُصحى: لغة القرآن والأدب، وهي لغة خالصة سليمة من كلِّ عيب، لا يخالطها لفظ عاميّ أو أعجميّ”
أما البلاغة: تأدية المعنى الجليل واضحًا بعبارة صحيحة فصيحة لها في النفس أثر خلاب مع ملاءمته للمقام والأشخاص المخاطَبين.
ما التشدق والتكلف؟ وما هو الذي ليس تكلفًا؟
“إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ…”
والمتشدِّقون: “الَّذين يتَوسَّعون في الكلامِ، ويَلْوون ألسِنتَهم به، ويَفتخِرون به بغيرِ حقٍّ، وقيل: معناه: الَّذين يَستهزِئون بالناسِ بلَيِّ أشْداقِهم، والشِّدقُ هو جانِبُ الفمِ”
وقد وضح الإمام الغزالي معنى التشدق في هذه النصوص وماذا يدخل فيه: “التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع والفصاحة، والتصنع فيه بالتشبيهات والمقدمات، وما جرى به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة. ثم قال: وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت…والتنطع هو التعمق والاستقصاء… ويدخل فيه كل سجع متكلف، وكذا التفاصح الخارج عن حد العادة، وكذلك التكلف بالسجع في المحاورات”
أي أنه من هذه التعريفات نفهم أنّ التشدق جزء من التكلف، لكن هل التكلف مذموم على إطلاقه؟
قال أيضاً رحمه الله: “ولا يدخل في هذا تحسينُ كلام الخطابة والتذكير، مِن غير إفراطٍ وإغراب؛ فإن المقصود منها تحريكُ القلوب وتشويقها، وقبضُها وبَسطها؛ فلِرَشاقة اللفظ تأثيرٌ فيه، فهو لائق به، أما المحاولات التي تجرى لقضاء الحاجات، فلا يليق بها السجع والتَّـشَـدُّق والاشتغال به من التكلُّف المذموم، ولا باعثَ عليه إلا الرياء، وإظهارُ الفصاحة، والتَّميُّز بالبراعة، وكلُّ ذلك مذموم، يكرهه الشرع ويزجر عنه”.
قال محمد جمال الدين القاسمي: “التقعر في الكلام هو التشدق، وتكلف السجع، والفصاحة، والتصنع فيه، فإنه من التكلف الممقوت، إذ ينبغي أن يقتصر في كل شيء على مقصوده، ومقصود الكلام التفهيم للغرض، وما وراء ذلك تصنع مذموم، ولا يدخل في هذا تحسين ألفاظ التذكير والخطابة من غير إفراط ولا إغراب، فلرشاقة اللفظ تأثير في ذلك.”
إذًا التكلف ليس مذمومًا بعمومه، بل ثمة تكلف محمود. والأهم أنّ التكلف أصبح كلمة سائلة، يرميها الرجل ولا يعلم لم قال عمّا سمعه تكلفًا غير أنه حكّم ذوقه، الذي لا يؤخذ حكمًا، لأن الذوق يكون حكمًا حين تستحكم معرفة الإنسان باللغة العربية، وتتكون ملكته صافية نقية. لا من شوهت ملكته بأساليب دخيلة أقرب إلى الأعجمية حتى صرنا نستوحش عربية القرآن، ونرمي ما يشابهها بالتكلف، والحق أنّ ذوقنا هو الذي فسد إن نظرنا بروية، كما قال الترجمان أحمد الغامدي في كتابه العرنجية، وبيّن أن الذوق ليس استحسان الناس، بل الملكة التي تميز الخطأ من الصواب.
إذًا ما التكلف المحمود؟
يقول الجاحظ: ” والإنسان بالتعلّم والتكلّف وبطول الاختلاف إلى العلماء ومدارسة كتب الحكماء يجود لفظه ويحسن أدبه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثر من ترك التعلّم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخيّر. “
والتكلف يظهر معناه صَرفًا في أوزان الكلام مثل (تفاعل)، فيظهر جليًا مثلًا في: تباكى، أي تكلُف البكاء وادّعاءه، لكنّه قد يأتي بمعنى استجلاب أسباب البكاء حتى يبكي. ولهذا شاهد في قصة عمر رضي الله عنه حين رأى النبي عليه الصلاة والسلام وأبا بكر يبكيان فقال: “يا رَسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِن أَيِّ شَيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا” فجليٌّ هنا أنّه سيتكلف البكاء لبكائهما لأنه عزيز عليه. وفي الحديث الموقوف: “وعن ابن أبي مليكة قال جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحجر فقال: ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا…”
فهذه شواهد تدل على أن التكلف قد يأتي بمعنى استدعاء الأسباب الجالبة للشيء، وهو محمود.
وفي زمانِ العرب حيث كانوا يذمون التكلف؛ كانت لغتهم فصيحة سليقةً. أما نحن فقد فقدنا السليقة، واحتجنا إلى تعلم الفصحى كما نتعلم أي لغة، ولا يخفى على أحد أنّه ما من امرئ يتعلم لغة إلا ويتكلف، لأنه سبيل التعلم والإتقان، فكذا في لغتنا الفصيحة التي بقيت حاضرة في لغة الكتابة والأدب. ومن ينفي أنّ حسن الصياغة واختيار الألفاظ وتجميل الجمل من الضروريات؟! ولا ينطلق اللسان إلا بطول الارتياض، لهذا تجد فصاحةً فيمن يكثر من سماع القرآن والشعر وقراءة كتب المتقدمين، والكتب التي لم تتأثر بالعجمة. وقد أحسن الرافعي حين أوجز المقال فقال:
“ولسنا نقول إن كل الناس يجب أن يخاطبوا في كل أمور دنياهم ودينهم من فوق المآذن؛ ولكن الخلاف بيننا وبين هؤلاء جميعاً ينحصر في أمر واحد هو تفسير لكل فروعه، وذلك أن هؤلاء الكتاب لا يريدون أبدأ أن تسمى الغلطـة باسمها. فإذا أخطأوا فلا تقولن أخطأوا، ولكن قل: إنه صواب جدید. فلا تزعمن لي أنك أنت من أنت وأن لغتك هي ما هي وأن الرأي ما ترى والكتابة ما تكتب، بل هلم إلى ميزانك من علماء الكلام وإلى ميزان لغتك من اللغة وإلى رأيك من الحقيقة وإلى كتابتك من الكتابة، وأنت بعد وقبل أيضاً لا تستطيع أن تهجم على علم من العلوم، فتقول فيه قولاً إلا على قياس من العلم نفسه ترد إليه قولك، وتقيم به حجتك، ثم لا يقبل قولك مع هذا ولا يعد قولاً حتى تكون من أهل هذا العلم وممن لابسوه وقتلوا مسائله درساً وبحثاً… فإذا أهملناها ولم نأخذها على حقها ولم تحسن القيام عليها وجئت أنت تقول: هذا الأسلوب لا أسيغه فما هو من اللغة، ويقول غيرك: وهذا لا أطيقه فما هو منها، وتقول الأخرى: وأنا امرأة أكتب كتابة أنثى… وانسحبنا على هذا نقول بالرأي ونستريح إلى العجز، ونحتج بالضعف، ويتخذ كل منا ضعفه أو هواه مقياساً يحد به علم اللغة في أصله وفرعه”
هل الفصحى للنخبة؟
تتردد على مسامعنا كلمات مثل: “نحن نكتب للعامة، لا للنخبة” في سياق لا يحوي كلامًا غريبًا ولا عجيبًا ولا مخالفًا لسنن العرب. ويتخذ أقوامٌ لغة يسمونها “وسطًا” لتصل إلى عامة الناس حتى لا تكون للنخبة لا غير.
والسؤال: من قال إن الفصحى للنخبة؟ وهل هذا القول مأمون العواقب؟
هذا القول ينقسم ظهوره إلى شيئين؛ أولهما: القول بلغة مشتركة نخبوية (مثالية) هي لغة الشعر والأدب كانت عند العرب قبل الإسلام وبداياته.
والثاني: إهمالنا للفصحى واستئناسنا بلغة أقرب للعجمة منها إلى العربية، أو الظن أنّ اللغة هي ذاتها علوم اللغة.
وسنفصل القول في كلاهما بإذن الله.
اللغة المشتركة:
لم يظهر القول بلغة مشتركة أو مثالية تستعملها العرب جميعًا في مقامات كالأدب والخطابة إلا في العصر الحديث، بل ظهر بعد الاستشراق، وتأثر كثير من اللغويين بهذا الرأي. وهي عندهم ليست لغة قريش حتى لا يُلبس عليك، ولا لغة غيرها، بل هي لغة مختارة من لغات شتّى، تختلف عمّا يستعمله العربي في سائر يومه كما يدّعون. والرد على هذا القول قد وفّى وكفى فيه الدكتور مختار الغوث في كتابه (لغة قريش)
ونوجز الرد في نقاط:
كان للعرب عدة لغات، ونعني باللغة اللهجة. اختلافها الأكبر كان في الأصوات، وفي غيره قليل، وكان كلّ عربي يتكلم بلسان قومه، ولا يعدل عنه إلا لضرورة الشعر، وكانوا بعض الأحيان لا يفهمون لغة غيرهم حقّ الفهم، ولو أنّه كان للعرب لغة مثالية يفهمها الكل، لما نزل القرآن على سبعة أحرف كما في الحديث “لقيَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ جبريلَ فقالَ: يا جَبرئيلُ، إنِّي بُعِثتُ إلى أمَّةٍ أمِّيِّينَ، منهمُ العجوزُ، والشَّيخُ الكبيرُ، والغلامُ، والجاريةُ، والرَّجلُ الَّذي لم يقرَأْ كتابًا قطُّ، قالَ: يا محمَّدُ إنَّ القرآنَ أُنْزِلَ على سَبعةِ أحرُفٍ”. وبقيت رخصة الأحرف حتّى اختلف الناس في عهد عثمان رضي الله عنه فجمعهم على حرف واحد، ولكن ما كان يحتمله الرسم من باقي الأحرف ظلّ يُقرأ.
وقد سجّل النحاة كلام الكبير والصغير والحر والعبد دون تفريق، وكلام العرب في حواراتهم وفي المحافل، وهذا لا يدل إلّا على أنه ما كان للناس مستويان من اللغة، إنّما كان الفرق في البلاغة كما ذكرنا آنفًا.
ونضرب لك أمثلة في النثر:
يروي الجاحظ: “ولمّا اجتمعت الخطباء عند معاوية في شأن يزيد، وفيهم الأحنف، قام رجل من حمير فقال: إنّا لا نطيق أفواه الكِمال، يريد: الجمال” وإبدال الجيم كافًا لغة أهل اليمن. وقال النعمان بن المنذر لرجل ذمّ عنده آخر: “أردت أن تذيمه فمدهته” قلب الحاء هاءً.
ولو كانت للعرب لغة مشتركة لما تكلم الحميري بلغته وهو في حضرة معاوية رضي الله عنه، ولما تكلم النعمان بلهجته وهو ملك، بل كان أولى لهما استعمال اللغة المثالية إن كانت للنخبة ولهذه المواقف. والشواهد كثيرة، وليس هنا مقام بسطها، فمن أراد الاستزادة وجد في كتاب لغة قريش كفايته.
فكانت اللغات كثيرة في وقت الاحتجاج، وقد استشهد النحاة بكثير منها، وكلها جائزٌ لا فرق بينها إلّا في الفصاحة، والفصاحة عندهم لا تأتي مقابل العامية.
فاستدلال القوم السابق باستحالة تساوي الكل في نفس مستوى اللغة، فلا يتساوى عندهم العبد بالحر ويتساوى الملك وسائر الناس ببعضهم البعض، فاسد في القياس. فهم يقيسون أنفسهم على تلك الأمة الأمية التي كان اختلاطها بغيرها من العجم قليلًا، ولم تكن عندهم وسائل تُدخل عليهم لغاتٍ أخرى كما اليوم، فاليوم لا تعجب إن رأيت الطفل لا يتكلم مثل والديه، بل يقلّد ما يسمعه في التلفاز واليوتيوب من شتّى اللهجات واللغات، أمَا في السابق، فأقرب مثال ما يزال ظاهرًا لتقيسه بالجاهلية هم البدو اليوم، فانظر إلى بعض الكبار في القرى الذين لا يزالون يتخوّلون البادية، وانظر إلى صغارهم ممّن لم يولدوا والهواتف في أيديهم، ستجدهم يتكلمون كما أبائهم، حتى أنّك تعجب من فصاحتهم وانطلاق لسانهم وإن كانت لهجتهم عامية لكنها شديدة القرب من الفصحى.
ونذكّر أنه خلط بين اللغة والبلاغة، فاللغة هي التراكيب والأصوات، والبلاغة في المعنى، والناس يتفاوتون في الثانية.
ويرون أن أقوى الأدلة عدم ظهور اللغات في الشعر، أو أن خصائص لغة بعينها لا تظهر في شعر أبناء هذه القبيلة. وهذا جوابه أنّ العرب كانت تتخير أحسن اللغات وتغيّر في لغة الشعر، ولأن الفرق لم يكن كبيرًا ساعدهم في هذا دون تغيّر في الأوزان. والشعر كان يُنشد بلغة ناقله، ومن شواهد ذلك قول البطليوسي: “والعلة في اضطراب هذه الروايات، أن الشاعر كان يقول الشعر وينشد في عكاظ أو في غيرها من المواسم، فيحفظه عنه من يسمعه من الأعراب، ويذهبون به إلى الأقطار فيقدمون ويأخرون ويبدلون الألفاظ” وقول البغدادي: “لأن العرب كان بعضهم ينشد شعره للآخر، فيرويه على مقتضى لغته التي فطره الله عليها”. فنحن نُنكر أنّه للغة قديمًا مستويان، وأخذها حجة لعربية اليوم.
أمّا الآخر، فهو: استئناسنا باللغة العربية العصرية المتأثرة بالترجمات (العرنجية) التي تُعرض علينا فيما نقرأ، ونسمع؛ حتّى تشربناها فما نرى غيرها مستساغًا، وما إن يرى المعتاد الفصحى حتى يراها تكلفًا، لا لأنها كذلك، بل لأنه اعتاد الأخرى.
وأي لغة ليست صعبةً على أهلها إن كان كل ما حولهم بهذه اللغة، فاستصعابنا للفصحى الحقّة ما هو إلّا لأنّا أهملناها. وإن أردنا التفاصح استعملنا بلا شعور (العربية العصرية) ليس لسهولتها، بل لتشربها وتمكنها منّا حتى صارت ملكة وذائقة، وما تتكون الملكة إلا بالتعلم والتكرار وتكلفها أولًا حتى تستقر بعد ذلك كما قال ابن خلدون.
فليست الفصحى صعبة في ذاتها، وليست العصرية سهلة في ذاتها، بل هي النفوس وما اعتادت. وقد قرأنا كثيرًا من عامة الناس قولهم عن الفصحى الموافقة للقرآن بأنها ليست من الفصحى في شيء بل إنّها أم التكلف، وما قالوه عنادًا، بل يعتقدونه حق الاعتقاد، ولو عُرض لهم وبيّن لهم التباين بين فصحى العصر وفصحى القرآن لعلموا غلطهم.
وبعضهم يستهزئ قائلاً: تلك فصحى المسلسلات التاريخية!
وهذا القول باطل، فالأصل أنّ أصول الفصحى محفوظة بحفظ القرآن الكريم، وما يتغير منها لا يمّس أساسها، فهي ليست بالجامدة، وحاجات كل عصر تختلف عمّا قبله، وهذه سنّة في تغير الدلالات مثلًا، وزيادة المصطلحات، وجديد التعبيرات بما يُحتاج إليه، ليس باستبدال ما عبّر به العرب وما يزال صالحًا، وابداله ما يوافق قول العجم، فنُميت بذلك كل أسلوب ومرادف لا تقابلها العجمة، بل كما قال الرافعي:”ليندمج في اللغة لا لتندمج اللغة فيه، وليكون من بعضها لا لتكون من بعضه، وليبقى بها لا لتذهب به”. وما نقول قولنا هذا تشديدًا، ولكنّها مصيبة لوازمها مريرة. ولن نعالج المشكلة حتّى نعترف بها. وفي كتاب (العرنجية) بسط القول وتفصيله.
هل اللغة العصرية أسهل؟
يكثر عند دارسي العربية العصرية قولهم إنّ هذه اللغة جاءت لتسهيل الفصحى للعامة، أو لسد الفجوة بين العامية والفصحى. فقد ذكرت د. ليلى السبعان في كتابها (قضايا اللغة العربية المعاصرة) أن هذه اللغة “نشأت نتيجة لرغبة إيصال الفكرة وإفهام المستمعين”. وذكر د. حسن محمد في كتابه (لغة الإعلام العربي المعاصر) أن العصرية إنّما هي لغة وسط بين فصحى التراث والعاميات المتعددة في البلاد، وأنها “تصل مباشرة إلى القارئ وتكون سهلة بسيطة بعيدة عن التقعير والحوشية”.
في هذه الفقرة سننقد كلا الرأيين، من يقول إنّ العصرية وسط بين الفصحى والعامية، ومن يرى أنها أسهل وأوضح من الفصحى.
العاميات متأثرة بالفصحى أكثر من تأثر المعاصرة بالعاميات. حيث أنّ العاميات؛ خاصة في جزيرة العرب، ما هي إلا امتداد للفصحى وللغات العرب الفصيحة القديمة؛ ثم تطورت بفعل تعاقب الأزمان وشذت عن الفصحى فيما نراه اليوم. وغالب هذا الشذوذ يقع في الإعراب والأصوات والمفردات. فيندر في عاميات البلاد العربية الإعراب، بل السمة الغالبة هي تسكين الحروف. أما الأصوات فالتغير فيها يزيد حسب بعد اللهجة عن جزيرة العرب، فغالب لهجات الجزيرة لم يتغير فيها إلا القاف والضاد، وإن كان وجد هذا في بعض لغات العرب القديمة. أما في لهجات باقي بلاد العرب ففيها تغيرات أُخر، كحرف الذال والظاء والثاء.
وباب المفردات ليس عن باب الأصوات ببعيد. وكل لهجة فيها من الدخيل بقدر تأثرها بالأعاجم؛ فلهجات البلاد المحاطة بالعجم أكثرها تأثرًا. فأهل العراق جاوروا الفرس قرونًا، وأهل الشام كانوا معقل البيزنطيين زمناً، ثم الأتراك والاستعمار. وبلاد شمال أفريقيا جال فيها الاستعمار وسكنها البربر من قديم الزمان وجاوروا قبائل أفريقيا بمختلف لغاتها. حتى البلاد التي يطلبها العجم تأثرت لهجاتها، فلهجات حاضرة الحجاز يكثر تأثرها بلغات شرق آسيا وتركيا. وبعض اللهجات تؤثر على بعض، فالحجازية الحضرية تأثرت بالمصريات حتى وجدت فيها كلمات من لغات شتى. ففي كل هذه اللهجات من المفردات الأعجمية ما يبعدها عن الفصحى، فلهجة حاضرة الحجاز فيها (خاشوقة) التركية/الفارسية (ملعقة)، وطرابيزة اليونانية (منضدة)، وبنجرة الهندية (سوار). ويندر التأثر في البلاد المسكونة من العرب من زمن بعيد، والمنغلقة على نفسها لطبيعتها أو لقلة ما يحتاجه الأجانب فيها. فبلاد نجد مثلاً من أقل البلاد تأثرًا بالعجمة لانغلاقها الجغرافي بسبب الصحاري والسلاسل الجبلية، ولأن ليس للأعاجم حاجة فيها.
أمّا باب الأساليب فتأثر العاميات فيه قليل جدًا، وقد يُعزى هذا إلى أنّ العامة إذا أرادوا فهم الأعاجم؛ أسئلتهم واستيضاحاتهم تكون في فهم المفردات لا في فهم الأساليب. فما فائدة فهم الأسلوب إن لم تُفهم الكلمات! على أنّ كثيرًا من أساليب عاميات الجزيرة توافق أساليب الفصحى، إلا أن أساليبها لا تشمل كل أساليب الفصحى، بل فيها منها. وأما الزيادة عنها فقليلة لا تكاد تُذكر إذا ما قُورنت بالعصرية. أما العربية العصرية فتأثرها بالأعجميات طال الإعراب والأساليب والمفردات. ولأن العصرية غالب تأثرها في اللغة المكتوبة عند الترجمة، فباب الأصوات فيها مشابه للفصحى وليس فيها كبير تأثير.
فإذا قلنا إنّ العاميات تتأثر بالقرب الجغرافي؛ فإن العصرية تأثرها لا يحده لا جغرافيا ولا ثقافة. فحركة الترجمة تعبر القارات والأزمان؛ ولذلك فاحتمالية تغيرها وبعدها عن الفصحى أشد من العامية إذ لا يمنعها مانع. ولأن المترجم يتشرب مفردات اللغة وأساليبها عند الترجمة فقد يقصر به قلمه ليدخل في اللغة ما ليس فيها. ومع مرور الأزمان وتصدّر من لم يتشرب الفصحى للترجمة، اختلفت العصرية عن الفصحى هذا الاختلاف الكبير في الأساليب وتحوير المفردات وكثرة الدخيل.
أُفاض العلماء في التأليف لتبيين ما للترجمة من أثر على انحراف العربية العصرية عن الفصحى وبيان الأساليب والمفردات الدخيلة. من ذلك كتاب: لسان غصن لبنان في انتقاد العربية العصرية، والعرنجية، وتقويم اللسانين، وغيرهم.
وسنعرض هنا اثنين من هذه الأساليب الشائعة في العربية العصرية والتي هي في أصلها أعجمي مع وجود البديل الفصيح.
التنكير: إذا أراد العصريون أن ينكّروا، استعملوا كلمة بعض. فيقولون: جاء بعض الرجال، وأعطني بعضًا من الماء. وهذا مأخوذ من استعمال الإنجليز لكلمة some. بينما في الفصحى نقول: جاء رجالٌ، وأعطني ماءًا. بلا حاجة لوضع (بعض) دائمًا.
الكلمات المساعدة: تكثر هذه الكلمات في العصرية حتى أخلت بأكثر ما يميز اللغة العربية، ألا وهو الإيجاز. فيقال في العصرية: هل سبق وأن رأيت، بدلاً من هل رأيت. ويقال: هل يوجد لديكم، بدلًا من هل لديكم. وأيضًا: اعتنق الدين الإسلامي بدلًا من أسلم.
توافق العامية في الأمثلة السابقة جميع أساليب الفصحى، بل كل ما ذكرناه في الفصحى هو مستعمل بين الناس في عامياتهم، حتى أنك لو قرأت هذه الأمثلة بلهجتك العامية لما وجدت فيها كبير اختلاف.
أما الأساليب في العربية العصرية فلا أحد يقولها في عاميته، بل لا تكاد تُسمع إلا في نشرات الأخبار أو إذا أراد العامي أن يتفاصح. حتى الأخطاء التي تُنتقد في العصرية قليلًا ما تقال في العامية، مثلا إضافة “تم” للتعبير عن فعل الشيء، مثلاً: (تم كتابة المقالة) لا تقولها العاميات بل لا تزال متبعة الفصحى في المبني للمجهول فتقول (انكتبت المقالة). حتّى تحور المفردات بين العامية والعصرية فيه اختلاف كبير، والعامية أقرب إلى الفصحى. لأن تحور المفردة في العصرية مفاجئ، وسببه الأساس التأثر بلغة العجم بينما تحورها في العامية متدرج وقلما يبعد عن أصله.
مثلًا: يطغى في العصرية استعمال سلبيات مرادفاً للعيوب وهذا جاء من Negative الإنجليزية، فيقال مثلاً: من سلبيات المقالة طولها. ولو حولنا هذا المثال إلى الجملة الفعلية أصبحت الجملة: تسلب المقالة الطول، أي أن المقالة تنفي الطول. وهذه الجملة لا معنى لها. بينما في العامية لا تزال كلمة السلب على معناها الفصيح الأصلي، أي النفي أو السرقة. وتستعمل العاميات كلمة “عيوب” كما في الفصحى فيقولون: عيبه كذا. إلا أنّه ولانتشار العصرية في كل مكان؛ بدأت العاميات باتخاذ كثير من هذه المفردات المتحورة.
لذلك نزعم في مقالتنا هذه أنّ العاميات، خاصة عاميات الجزيرة، أقرب إلى الفصحى من العربية العصرية في المفردات والأساليب. لكننا لا نعامل الاختلاف اللغوي على أنه اختلاف في بعد واحد كما يفعل أصحاب العصرية. لذلك هي ليست درجات على مقياس واحد كما وصفها السعيد بدوي في كتابه: مستويات العربية. المعاصرة في مصر، إذ جعل المقياس خمس درجات أعلاه الفصحى ثم العربية العصرية وآخره عامية الأميين، وعنده أنّ كل درجة هي وسط بين ما قبلها وما بعدها فصكها كلها في بعد واحد.
والحق أن الاختلاف اللغوي متعدد الأبعاد. فالعصرية مثلًا لا يصح أن تتوسط الفصحى والعامية إذ أنها شديدة التأثر باللغات الأعجمية في الأساليب، وهذا ما بينا أنه ليس من الفصحى أو العامية في شيء. ولو اضطررنا للركون لهذا المقياس ذي البعد الواحد؛ لكان الأولى أن تكون الفصحى هي الوسط. لأنها بين لغتين كلتيهما بدأت من الفصحى، واحدة مالت ذات اليمين فجالت العجمة في أساليبها (العصرية) وأخرى مالت ذات الشمال فتأثرت بسُنة التغير الزمني اللغوي (العامية).
ما الذي يراه البعض تكلفًا؟
سنضرب لك أمثلة لما يستنكره النّاس من مفردات وأساليب وهو من فصيح القرآن والسنّة:
- النعت السببي
إن قلت: رأيت فتاة شكلها جميلٌ. لن يستنكرها أحد، وهي صحيحة وفصيحة. لكن إن قلت: رأيت فتاة جميلٌ شكلها، أتتك التهم: لم التكلف؟؟
والنعت السببي ما أكثره في القرآن، لكن لأنّه لا يوافق أسلوب الإنجليزية كالأسلوب الأول؛ قلّ استعماله وصار تكلفًا!، ففي القرآن:
﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ [البقرة:69]
﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ [الزمر:21]
ولا أعجب من أنّه يستعمل في العامية، فإلى اليوم نقول أحيانًا: “حلو شكلها” “سيء طعمه”
- المفعول المطلق.
كقولنا: “ضربته ضربًا شديدًا” أو “نصرته نصرًا”. في الأولى بينّا جنس الضرب، والثانية أكّدنا النُصرة. والمفعول المطلق أسلوب من أساليب كثيرة، فنستطيع قول “ضربته بشدة”. والمشكلة أنّ الثاني مقبول، والأول في عين أقوامٍ تكلّف! على أنّه مستعمل في العامية، فنسمع “والله يا ضربته ضرب”
والعجيب استعمالهم لكلمة (بشكل) أو (بطريقة) بدلاً عن المفعول المطلق، فيقال: “طبخت بطريقة جيدة”.
وفي القرآن والسنة وكلام العرب كثيرٌ، ولن نكثرالأمثلة فليس المقام مقام بسط. في القرآن:
﴿إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ [الفجر:21]
و ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الإنشقاق:6]
و ﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح:3]
- لام ونون التوكيد
للتوكيد في العربية أدوات عدّة؛ منها لام ونون التوكيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّي لأُحبك”. وفي القرآن ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين﴾ [الأعراف: 124] استعمل اللام والنون التوكيديان. وفي الحديث: “وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ”.
ولكن في العربية المعاصرة يُعدل عنها وما أندر ما تستعمل، ويبدلونها بالإكثار من “جدًا” وأشباهها، فيُقال: أحبك جدًا، وللوصف يقال مثلًا: سيء جدًا. ولو قلت إنّه لسيء استُغربت.
والمنكر هنا هو الإسراف في استعمال جدًا وأشباهها وتغليبها على باقي الأساليب، بل أحيانًا التحرج منها، وما غلبت جدًا على كلامهم إلا لأنها توافق الأسلوب الأعجمي. وقد رأينا من يسخر من ترجمة استعمل فيها نون التوكيد واللام، وتنعت بالمتكلفة ولغة (المسلسلات)!
- بدل البعض من كل وبدل الاشتمال
هذان من الأساليب التي كادت أن تندرس في العربية المعاصرة، ويُرى أنها تكلف. يأتي البدل ليقويّ الكلام ويزيل عنه الإبهام.
ففي بدل البعض من كل كقولنا: أكلت الرغيف نصفه.
وفي بدل الاشتمال كقولنا: أعجبني زيدٌ أخلاقه.
وما استنكرناه إلّا لأنّا ما اعتدنا عليه فيما نقرأ ونسمع. وأمثلته في القرآن كثيرة، إليك بعضها:
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ﴾ [المزمّل:2-3]
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾
﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ﴾ [الزخرف:33]
﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ [الصافات:6]
وفي الكتابات المعاصرة قليلًا ما تراه، فقد أُستغني عنه بغيره من الأساليب-وهي صحيحة- لكنّها ما غُلبت عليه إلا لموافقتها الأسلوب الأعجمي.
- الاستغناء عن المبني للمجهول وفعل الماضي ب(تم).
وقد بلغت هذه الكلمة مبلغًا، فما أبقت بيتًا إلا دخلته، وما تكاد تقرأ نصًا في أيّ مكان إلا قرأتها. حتى في أخصّ الأماكن التي تُعنى بالعربية صارت تستعمل فعلًا مساعدًا! كأنهم يتحرجون من المبني للمجهول والفعل الماضي. أم تُراه يُرى تكلفًا؟ كأن العربية تحتاج إلى كلمة “تم” في كل شيء.
فيقال: تم القبض على السارق، تم التسميع، سيتم إبلاغك، إلخ..
ولو قلت: قُبض على السارق، سمّعت، ستُبلغ أو سَنُبلغك، لأديت المعنى وكنت غنيًا عنها.
وأغلب الظن أنها أتت من done الإنجليزية بمعنى أتممت الشيء، على أنها لا تستعمل بكثرة ما استعملها العرب الآن، فهم يستعملون الفعل الماضي في كثير من كلامهم.
وتفاديًا للاستدراك، كلمة تم تعني تمام الشيء، وقد ذكرت في القرآن وفي الحديث، ففي الحديث: “فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم” و”ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم له نسكه” . أي هي صحيحة بمعنى التمام وانتهاء الشيء، أما استعمالها بمعنى حدوث الشيء هو الخاطئ كقول مثلًا: تم إيداع الراتب. هي تعني: اكتمل إيداع الراتب، كيف يكتمل إيداع الراتب؟ أأخذ وقتًا طويلًا؟ بل هي أُودع الراتب. أمّا إن قلنا مثلًا: تم الكتاب، تم البناء، فهنا نقصد اكتمالهم بعد أطوار، وهذا الصحيح.
- تهميش حروف التحضيض
وهي حروف تعني الحضّ على الشيء والطلب وما تكاد تستعمل. فتراهم يقولون ويكثرون القول: “هل من الممكن أن تعطيني هذا؟” أو يقولون: “هل يمكنك اعطائي هذا؟”. أمّا إن قلت: هلّا أعطيتني؟ أو: لوما تأتيني بهذا، لولا تأكل؟ صرت متكلفًا، ثم يقال إن العصرية أسهل! وهي تطيل ما يمكن أن يختصر.
وأسلوب التحضيض في القرآن والحديث كثير، منه:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ [البقرة:118]
﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [المنافقون:10]
﴿لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الحجر:7]
ومن استعمال هلّا قصد التوبيخ والملامة. وهي كثيرة في الأحاديث، فمثلًا:
“هلّا مع صاحب الحق كنتم؟!”
و” هلّا تركتموه لعله أن يتوب؟!”
وكلّها ترجماتها إلى الإنجليزية: why do you not. وفي العصرية نحونا نحوهم واكتفينا بقول: لمَ لم تفعل كذا؟ وهمّشناها.
وحتّى لا نكثر القول، من هذه الأساليب إقحام أفعال مساعدة لغير حاجة. كقولنا: قامت أمريكا بمساعدة الصين. ونحن نستطيع القول: ساعدت أمريكا الصين. فأي حاجة لفعل(قام) وكأنا لا فعل لدينا يؤدي معنى الكلام؟
وتهميش أسلوب الندب والاستغاثة -بل والسخرية منه- كقولنا: واعُمراه. والقول في الاستغاثة: يا للناس للغريق. بمعنى أغيثوا الغريق. وهي أساليب تُغني عن كثير كلام.
المفردات:
- مفردة “لعمري”
كلمة وقعها جميل، تستعمل للتأكيد، وقد استعملت في القرآن والحديث وقد قالها الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم. ففي القرآن:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72]
وفي الحديث:
“فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلْ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ”
- مفردتا أمسك وأرسل.
إلى جانب معنييها المعلومين؛ قد تأتي بمعنى الحبس أو التوقف ل(أمسك) ومعنى الإفلات والترك ل(أرسل). ففي القرآن:
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ [الزمر:42]
وفي الحديث لمّا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه على النبي سورة النساء، بلغ آية فقال النبي عليه الصلاة والسلام: “أمسك”.
و: “أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، جَاءَ بِغُلاَمٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَ غُلاَمِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَاذَا سَرَقَ فَقَالَ: سَرَقَ مِرْآةً لاِمْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا. فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ.”
فصرنا نحصر هذه المفردتين في استعمالات قليلة، ونكثر من (توقف، ودعه أو اتركه) وأمثالها.
3-مفردة قوم:
وهذه لم تسلم من تهميش ونعتٍ بالتكلف، واقتصرنا على استعمال الناس أو الجماعات أو أشخاص. وهي تعني جماعة من الناس، وما أكثر ذكرها في القرآن والحديث وغيرهما. وهي شواهد لا أظنها تغيب على أحدٍ. نذكر من الحديث اختصارًا لتتأمل:
“يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير”
وقال النبي خاصًا جماعة بالنصح: “مَا بَالُ أقْوامٍ يَرْفَعُونَ أبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ في صَلاَتِهِمْ”
و: “ما بَالُ أقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أصْنَعُهُ؟”
وما ذكرناه قطرة من بحر للتمثيل لا الإحصاء.
لوازم هذه الأقوال
اتهام الناس الفصحى بالتكلّف سيخرجها من مكانتها ويجعلها لغة غريبة على أسماع الناس، وعندها ستتصدر إما العاميات أو العصرية لتنحي الفصحى. أما العاميات فلكثرتها واختلافها فيما بينها فلن يتفق الناس طوعًا أو كرهًا على تصدير واحدة من هذه العاميات. ثم إنّ العاميات لغات حديث لا كتابة، وليس لها معاجم معتبرة ولا قواعد إملاء أو نحو توحّد كتابتها. (وإن وجدت فهي سريعة التغير). فلم يبقَ إلا العصرية، وهي بالفعل المتصدرة الآن والمنحّية للفصحى.
العصريّة كما بيّنا وبيّن غيرنا، هي انحراف من الفصحى وتأثر بالعجمة. والتأثر هذا مستمر ما استمرت الترجمة، فالعصرية قبل قرنين كانت أقرب شيء إلى الفصحى ثم ابتعدت أكثر في القرن الماضي لنشاط حركة الترجمة وانفتاح العرب على باقي الثقافات. أمّا في عصرنا هذا، فقد كثر متحدثو اللغات الأعجمية البعيدون عن تشرّب فصحى التراث؛ فاتسعت الفجوة بين الفصحى والعصرية.
وليس شيء يمنع من تغيّر العصرية وابتعادها عن الفصحى واقترابها من الأعجميات، بل إن المترجم من العصرية إلى الإنجليزية لا يحتاج طويل تفكير للترجمة. فغالب ما يحتاجه تحويل المفردات، أما الأساليب فهي قريبة جدًا منها. فمثلًا جملة: الفصحى تعاني من المعاملة القاسية، وبشكل خاص من المجتمع اللغوي، وهذا قد يجعل الناس يتعاملون معها كلغة ثانية. لو ترجمناها للإنجليزية أصبحت الجملة: Fusha suffers from harsh treatment, especially from the linguistic community, which may lead people to treat it as a second language العربية والإنجليزية بعيدتان جدًا في شجرة اللغات ولكل منهما ثقافته المتطورة على مدى قرون، وجغرافيته المختلفة جذريًا عن أختها. فلا يُعقل أن تُنقل جملة شبه معقدة من أي منهما بمثل هذا التشابه التام. ولو كُتبت هذه الجملة بالفصحى لكانت: جفى أهل اللغة على الفصحى جفوةً لن تخرج منها إلا وهي لغة أجنبية عند أهلها. ولو ترجمناها إلى الإنجليزية كما فعلنا بالجملة العصرية لأصبحت: alienated the people of language Fusha an alienation from which it will not come out of unless it is a second language among its family.
ولمن له أدنى دراية بالإنجليزية لعلم أنّ هذه الجملة لا معنى لها ولو رتبناها لتناسب الترتيب الإنجليزي، بل لابد من إعادة صياغتها لتناسب الإنجليزية وأساليبها. وهذه الجملة كلماتها جميعها إنجليزية لكنها لا تناسب أساليب الإنجليز، بالضبط مثل الجملة العصرية السابقة. ولم نتكلّف في صياغة الجملة العصرية، بل كلماتها وأساليبها منتشرة عند العصريين، وستجد أشباهها في الكتب والأبحاث، أو أي مكان معتمدة فيه اللغة العصرية. لو جئنا بعربي لم يتشرّب العصرية كما تشرّبناها لما فهم المثال السابق، بل لسألنا من أي العجم نحن. ونزعم أنّه لو قرأ إنجليزي الترجمة الأخيرة لأقسم أنّ كاتبها لم يدرس الإنجليزية في حياته.
وخلاصة القول، إنّ العصرية استبدلت الفصحى، والعصرية في طريقها لأن تكون لغة أعجمية بحروف عربية. ولأنّ العصرية تغيرها ملازم للترجمة فهي سريعة التغيير وكثيرة التطورات. ولهذا لوازم كارثيّة على الثقافة الإسلامية والعربية.
أولًا: رمي الفصحى بالتكلف يرجع ضرورةً لأهم ما كُتب بها، ألا وهو القرآن، وعليه فمن يقول أنّ العصرية جاءت لتسهيل الفصحى فإن لازم قوله صعوبة القرآن على العربي.
ولأن الناس مالوا إلى العصرية عن الفصحى استئناسًا بالعجمة ولطغيانها على الفصحى في كل مقام، فقد بدت بوادر استصعاب الناس للغة القرآن. ولازم هذا أن يفهم الناس دينهم بواسطة وأن يُحكر الدين لفئة من الناس تعلم هذه الفصحى. فنصبح كأهل الكتاب وتضييعهم للغة كتبهم حتى استأثر علماؤهم قراءة كتبهم وما كان لعوامهم إلا أن يتّبعوهم. وهذا إن استفحل فسيجعل العربية عربيتان يُترجم فيما بينهما. فإن حصل، فكيف سيفهم العامي خطاب ربه وحديث رسوله، بل كيف سيظهر له إعجاز القرآن وبلاغته؟ وما معجزة القرآن الكُبرى والتي تُحديّ بها الإنس والجن إلا فصاحته وبلاغته؟ فبربّك قل لي كيف يتذوق هذا الإعجاز من اعتاد العصرية واستوحش فصحى القرآن؟
فنصبح حينها ككثير من مسلمي العجم الذين يقرؤون القرآن بإقامة حروفه دون فهم معانيه، وسيخرج علينا أقوام يشككون الناس في دينهم يقولون لمَ تقرؤون مالا تعقلون. لذلك، فالحفاظ على الفصحى هو حفاظ على الإسلام من الضياع.
ثانيًا: الدين ليس آخر الضياعات، وإن كان أعظمها. فالعرب على مر القرون الطويلة كتبوا في فنون وعلوم شتى، من الأندلس غربًا إلى حدود الصين شرقًا، ومن بدايات أوروبا شمالًا إلى بلاد أفريقية جنوبًا. كتبوا في الأدب واللغة والطب والفيزياء والرياضيات والفلك والرحلات. وكتبوا حتى في الطبخ ووصفات الطعام ولباس الناس وقصور الملوك والسلاطين ومعايش الناس وأخلاق الحيوانات.
أكثروا الكتابة حتى كتبوا كتبًا عن الكتّاب وصنفوا الرواة ورتّبوا الشعراء وفاضلوا بين البلدان. كل هذا بلغة واحدة لم تتبدل مع مرور الأزمان. وما ينبّهك على اختلاف القرون بينهم إلا المصطلحات.
فما نصنع بتراثنا كله بعد أن تتغير لغتنا إلى لغة هجينة ليس لها من العربية إلّا حروفها حين تتمكن الترجمات من العصرية فترمي بها إلى أحضان الأعجميات. حينها، ولو بعد عقود، سنصبح بين عربيتين: قديمة وحديثة، ككثير من لغات العالم، بما فيها الإنجليزية. فكيف بنا في ذاك الزمان عندما لا يقدر أحدنا على فهم كتابات الأولين إلّا بسلطان الترجمة بين العربية القديمة والعربية الحديثة. ألا ترانا في عصرنا هذا في فقرٍ من ترجمات الكتب الأعجمية ذات القدر؟ كيف بنا إذا احتجنا حينها أن نترجم مع كتب العجم كتب تراثنا العربي المكتوب بالعربية القديمة؟ وهل تظن أن أحدًا سينبري لها في ذاك الزمان؟ ألا ترى أن في عصرنا مخطوطات كثيرة لكتب عربية قديمة لا زالت في أدراج المكتبات تنتظر من يحققها؟ كيف وإن زاد الحمل فنكون بحاجة إلى تحقيق وترجمة كتب أجدادنا؟ وإن كان غالب الظن أن الناس لن ينظروا إليها، وكأني بهم يقولون: ومن يريد ترجمة كتب عفّى عليها الزمان وفيها من منافاة الحداثة والرجعيات ما فيها؟
حدثني بالله عليك عن العربي في ذاك الزمان، كيف سيفخر بانتصارات العرب الأقدمين واخضاعهم لممالك العالم، وكيف يتعظ بمواعظ حكمائهم، ويتسلّى بحكاياتهم، ويطرب بشعر فحولهم، ويتعجّب من غرائب أساطيرهم، ويتأدّب بأراجيزهم. ولا أظن أنّ خسارةً أعظم على الإنسان من خسارة قرونٍ من السيادة والعلوم والفنون، فضياع لغة ضياع ثقافة بأكملها.
يلوم اللغويون المحدثون من ينافح عن الفصحى ويطالب بإبعاد العصريّة، مستدلين بأنّ من أهم ما أثبتته اللغويات المعاصرة أن سنة اللغات التطور، وأن تجميد أي لغة في عصر من العصور كالوقوف أمام سيل جارف. قد يصدق قولهم على أي لغة في وجه الأرض، إلاّ أن العربية متفردّة في وجه الزمان. فالعربية نزل بها القرآن، وكلمات القرآن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل. والمسلمون متعبدون بتلاوته وتدبره وإقامة حروفه وحدوده كما نزل دون تعديل ولا تغيير ولا تطوير. والثقافة الإسلامية منذ أن كانت وجوهرها القرآن، فكان لزامًا أن تثبت العربية على مدى 1400 سنة على صبغة واحدة، حتى أنك لن تجد كبير فرق بين كتابين بينهما ألف سنة. والدين هو سبب بقاء العربية بقاءً لم تعرف اللغات مثله ولن تعرف، فتمسُّك المسلمين بدينهم حَفظ مع دينهم لغته. وما هذا إلا لأن اللغة إن شذّت عن لغة القرآن ولو قليلًا عادت إليه مرغمة لأن الثقافة كلها مبنية على القرآن. فأصبح القرآن حاكمًا على اللغة؛ يُثبت ما اقترب منه وينفي ما ابتعد عنه. ولا نعني بهذا أن أي جديد في اللغة مكروه، بل كل جديد وافق سمت العربية فهو عربي مقبول وكل ما خالف سمتها فهو أعجمي مرفوض.
وما نبرّئ أنفسنا فقد جالت العجمة حتى في مقالتنا هذه وإن كنّا حريصين على ألّا نكتب إلا ما كان عربيّا خالصًا، إلّا أن الاعتياد على العصرية ما ترك قلمًا إلاّ ولوّثه.
ختامًا، القرآن تولى الله بعظمته حِفظه، ومن حِفظه حِفظ لغته. أمَا وقد هُددت لغته فإن الله مُوكل أقوامًا لنصر لغته. فإما أن نكون منهم، أو نُستبدل بهم ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: 38].