عام

هل أفاد فرنسيس بيكون وجون ستيوارت ميل من ابن تيميَّة؟

عايض بن سعد الدوسري

من القضايا التي دار حولها الجدل، ولا يزال يدور، قضية استفادة الغرب في القرون الوسطى (عصور الظلام) من التراث الإسلامي في عصوره الذهبيَّة في علوم ومعارف شتى، نظرية وعمليَّة. فلقد ثار جدلٌ حول مدى وحجم اقتباس واستفادة كُتَّاب الغرب من التراث العلمي التجريبي أو الفلسفي أو المنطقي، من أمثال: ابن الهيثم، و الرازي الطبيب، وجابر بن حيان، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد. ولعل من أشهر الحالات، المعروفة لدى عامة المثقفين والقرَّاء، التي احتدم حولها الجدل والنقاش؛ مدى أصالة أفكار أمثال رينيه ديكارت في تقريراته وأمثلته حول تجربة الشك، ومدى قربها أو تطابقها مع أفكار أبي حامد الغزالي –رحمه الله- في الموضوع ذاته.

ومن الحالات التي طُرِحَت أيضًا في هذا السياق؛ مدى إفادة أمثال فرنسيس بيكون وغيره من أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيميَّة –رحمه الله- في موضوع نقد المنطق الأرسطي، والتأكيد على أهمية التجارب الحسيَّة والتطبيقات العمليَّة. وفي هذه الحيثيَّة بالذات أكتب هذه الورقة للإثراء ومحاولة الإجابة عن سؤال ما إذا كانت تلك مجرد دعوى لا أساس لها من الصحة، وأؤكد في هذا السياق أنَّ الدعوى، نفيًا أو إثباتًا، لا يحسن تقريرها بدون دليل أو حجة. والمفترض من المتكلِّم في تلك المباحث خاصَّةً أن يحرر كلامه ويقدم أدلته وحججه على ما يطرحه، دون إرسال الكلام.

والسؤال هنا هو: هل إفادة فرنسيس بيكون وغيره من شيخ الإسلام ابن تيمية مجرد دعوى لا دليل عليها، وكلامٌ مرسَلٌ لا برهان عليه؟ 

قلتُ: قبل الإجابة المباشرة عن هذا السؤال، فإنَّه يحسن الكلام عن أنَّ عملية إثبات الإفادة تكون من خلال ما يلي:

  1. نص المستفيد اللاحق صراحةً على اسم المستفاد منه السابق، وهذا قاطع في المسألة.
  2. دليل مادي يثبت وقوف اللاحق على كتاب السابق واستفادته منه، كوجوده في حوزته، أو وجود خطه عليه. وهذا قاطع في المسألة.
  3. وجود أدلة داخليَّة تقوم مقام النص، كأن توجد مقاطع متطابقة حرفيًا ومتشابهة إلى حدٍّ كبيرٍ جداً بين الكتابين، تدل أنَّ اللاحق أفادَ من السابق. وهذه أيضًا قويَّةٌ جدًا في الدلالة، ما لم يكونا قد أخذا من مصدر ثالث!
  4. أن يُصار –في حالة غياب النقاط الثلاث السابقة- إلى المقارنة الأدبية النصيَّة بين الأثرين، ودراسة المحتوى وأفكاره، ومقارنتهما ببعضهما، مع غياب الموانع الجازمة، ثم الخلوص إلى النتيجةِ ترجيحًا. وهذا النوع هو الأغلب في الدراسات المقارنة.

لمتابعة القراءة :

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى