- لويس بونيه Louis Boné
- فيليب ديفيد Philippe David
- جيرالد بيك Gérald Pech
- مارك بولو Marc Polo *
- ترجمة: نجم الدين محمود شعبان
- تحرير: أحمد العراك
خصصت ليديا جايجر Lydia Jaeger فصلين كاملين في كتابٍ حررته من مجموعة مقالات لبعض العلماء في فبراير/شباط 2011م بعنوان “من سفر التكوين إلى الجينوم” De la Genèse au génome)[1] )كأدلة علمية تدعم نظرية التطور. وهذان الفصلان هما: “أدلة ومسائل واضحة حول نظرية التطور” (من صفحة 55 إلى 67) لعالم الوراثة الإنجيلي باسكل توزيت Pascal Touzet، و”الحفريات والتطور” لعالم الحفريات الكاثوليكي مارك جودنوت Marc Godinot – مدير دراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا- (من صفحة 69 إلى 83). وفي هذا الكتاب المُجْمَع؛ أجمعَ المؤلفون على الاقتناع بنظرية التطور، ومنطِقها الدارويني، مؤيدين رأي عالم الوراثة ريتشارد غولدشميت Richard B. Goldschmidt، القائل بأن “جميع العقلاء يرون تطورَ عالم الحيوان والنبات حقيقةً لا تحتاج إلى دليل إضافي”. [مجلة العالِم الأمريكي 1952 – 40:84].
ويهدف هذا المقال إلى اختبار صحة أدلة ما طرحها عالمان مسيحيان – تم قبولها توافقيَّا من قبل المجتمع العلمي الدولي – للنظرية الاصطناعية الحديثة للتطور، أو ما يعرف أيضًا بالداروينية الحديثة. ولا ندَّعي أبدًا تقديم تفنيد شامل وممنهج للتطور؛ بل سنقف على الادعاءات التي تمت الإشارة إليها في كتاب “من سفر التكوين إلى الجينيوم”.
من الضروري -قبل الدخول في صلب الموضوع- تحديد المصطلحات المستخدمة في هذا المقال بوضوح، لتجنب اللبس. فلسنا نعتزم مناقشة سؤال أصل الحياة أو سؤال النشوء الحيوي هنا – كما يفعل المبشر المسيحي هنري بلوشر Henri Blocher-. وعليه فإن مصطلح التطور سيتم استخدامه في هذا المقال دلالةً على تحول في(النوع) يطرأ على نسل سلف مشترك عن طريق تغيرات في النوع، وهي ظاهرة تسمى في العلوم بـ “التطور الكبروي” (Macroevolution)، أما التباين في النوع الذي يشار إليه عادةً- عن طريق الخطأ- بـ “التطور الصغروي” (Microevolution) فلن يدرج ضمن هذا التعريف. كما تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن( توزيت) لم يكلف نفسه عناء التمييز بين المصطلحين حتى، فخلط بين المسارين من البداية، كما لو أن دليل التطور على نطاق صغير يُرسي دليل التطور العام، أو كأنهما مساران بالإمكان أن يأخذا مكان بعضهما.
- شهادة السجل الأحفوري.
الحفريات هي الدليل الوحيد المباشر على التطور.
لقد أدرك داروين في زمنه أن نظرية التطور مرتبطة مصيريًا بالحفريات، فوفقًا لهذه النظرية-إن صحّت – فإن كمية هائلة من حفريات الكائنات الوسيطة يجب أن تكون حبيسة الطبقات الجيولوجية للأرض. حيث أن هذه الحفريات هي الدليل الوحيد المحتمل على وجود فترة انتقال بين أنواع مختلفة في ما مضى. بيْد أن هذا الدليل الوحيد كان غائبا في عهد دارون. حيث أدرك داروين هذا النقص في الأشكال الوسيطة، لكنه عزاها إلى قلة عدد الحفريات المكتشفة والندرة الشديدة لتشكلها فيقول:”من المؤكد أن الجيولوجيا لا تكشف عن سلسلة عضوية جيدة التدرج؛ وهنا يكمن الاعتراض الأكثر خطورة على النظرية. لكنني أعتقد أن التفسير يكمن في القصور الشديد للوثائق الجيولوجية.”[2]
ظنَّ داروين، أو بالأحرى أملَ، أن أبحاث علم الحفريات Paleontology ستؤكد صحة نظريته في حياته، فقد ظل متمسكًا بهذه الفرضية التي أصبحت نظَّارته التي يرى بها العالم. ولكن متاحف العالم اليوم تعج بأكثر من 200 مليون حفرية، بحيث يستحيل القول بأن السجل الأحفوري غير مكتمل. وكما كتب كارل فيرنر Carl Werner مستشهدًا بعدد من علماء الحفريات المشهورين، “إن أرشيفات الحفريات مكتملة ومتوازنة ودقيقة ومثيرة للإعجاب.”[3] إذًا، ماذا تُعلمنا الحفريات؟ اليوم…بعد مرور 150 عامًا من البحث والتنقيب المكثفين، من الممكن القول إن الحفريات تشهد على تاريخ الأرض الذي يتسم بكوارث واسعة النطاق، وانقراض لبعض الأنواع، وتعقد بعضها الأخر واستقراره.
- الحلقات المفقودة من السجل الأحفوري:
تُظهر حفريات الأنواع الجديدة التي تم اكتشافها منذ ستينيات القرن التاسع عشر مليارات الأنواع المختلفة، حيث تبدو – بالكاد – جميع الحفريات إما أشكالًا قريبة، أو مطابقةً لأنواع معروفة بالفعل، وإما نماذجَ لفصائلَ فريدةٍ لأجداد مجهولين. ومن اللافت للنظر غياب العديد من الأشكال الوسيطة التي تعوزها نظرية التطور. حيث تتمايز أنواع اللافقاريات الإحدى عشر الكبار بشكل كامل عن بعضها البعض منذ بداية ظهورها في الأرشيفات الأحفورية؛ وهكذا ظهرت هذه المجموعات الأساسية بلا تاريخ تطوري. حيث تُظهر الحفريات الفروقات الهائلة بين جميع الأنواع، في الماضي والحاضر. وهذه الحقائق تبرر الآراء القاطعة لعدد من علماء التطور الأكثر شهرة:
- توماس نيفيل جورج Neville George: “… لا يزال السجل الأحفوري يتكون بشكل أساسي من الثغرات.”[4]
- ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould: “… السجل الأحفوري مع تحولاته المفاجئة لا يدعم التغير التدريجي … يعرف جميع علماء الحفريات أن السجل الأحفوري يحتوي على عدد قليل جدًا من الحفريات الانتقالية؛ والانتقال بين المجموعات الرئيسية مفاجئ وحاد على نحو مميز.”[5]
- ستيفن إم. ستانلي Steven M. Stanley: “… لا يوثّق السجل الأحفوري المعروف مثالاً واحدًا للتطور الفيلوجيني[6] الذي يؤدي إلى تحول شكلي كبير، وبالتالي لا يقدم أي دليل على أن النموذج التدريجي قد يكون صالحًا.”[7]
وبعبارة أخرى، لا تعكس الحفريات أبدًا تاريخًا انتقاليًّا متدرّجًا، وإنما تعكس ظهورًا مفاجئًا لمخلوقاتٍ فعَّالةٍ ومكتملةِ التشكيلِ، أو عمليةَ خلقٍ مميزة.
- التعقيد:
تُصنف الكائنات الحية اليوم في تسلسلٍ متصاعد من “البساطة” إلى “التعقيد”، ولكننا إذا نظرنا إلى كل مستوى على حدة، فسنلاحظ أن الأنواع “الأولية” ليست بسيطةً، بل على العكس، كائناتٍ بالغةَ التعقيد؛ حيث نجد الكثير من النماذج لكائنات حية معقدة تفوق الخيال في قاعدة العمود الجيولوجي؛ فعلى سبيل المثال/ العين معقدة بشكل لا يصدق في الترايلوبيت[8] trilobites، رغم أنها من أقدم الكائنات على الإطلاق.
ويدل الظهور الشبه متزامن لمجموعات الثدييات الكبرى منذ بداية الحياة على وجود أعضاء معقدة: العيون المركبة، الجهاز الهضمي، الجهاز العظمي، الجهاز العصبي، أعضاء الحس (كالتي توجد في أحفورات الحيويات الإدياكارية[9] وغيرها).
- استقرار وثبات الأنواع:
“الحفريات الحية” هي حيوانات أو نباتات حية، أو موجودة اليوم، لكنّها موجودة في نفس الوقت في السجل الأحفوري. فهي كائنات حية ظنَّ العلماء أنها انقرضت، لكنهم وجدوها على قيد الحياة،ويوجد مئات الحفريات الحية في يومنا هذا، أشهرها شَوكيّاتُ الجَوف – التي عُرفت في زمن ما على أنها حفرية، فضلًا عن أنها حفرية انتقالية-، والأسماكُ الرئوية، والترايلوبيت، وسرطانُ حدوة الحصان أو ملكُ السَراطين، والمحار، والنوتيلوس، وحاملات المخالب أو الديدان المخملية، والأسماك المخاطية، و الجَلَكَيات أو مصاصات الحجر وتسمى أيضًا رأسيات الشكل، والقرش الأبيض الكبير، والحفشية، وكثيرات الأرجل، و السمك الفضي أو لاحسات السكر، والصرصور، واليعسوب، و الطـُراطرة، والسمندر الناري، وجميع الزواحف الأخرى تقريبًا… ومن الممكن أن نذكر من الطيور: الغواصُ شائع، والغطاس المتوج، ورئيسُ البحر أحمرُ المنقار، والشَانِيَة أو الفرقاطات، والوقواق، والنورس… ثم يأتي من بعدها: حيوان الأوبوسم، والمدرعُ الثماني الحزم، والقُنْدُس، والـُخفاشيّات، وخروف البحر… أما النباتات، فغالبًا ما يتم الاحتفاظ بها في حالة حفريات: الرجلُ ذئبيات أو اللكوبوريات، وكنباث الحقول أو ذنب الخيل الحقلي، والسرخس أو الخنشار، وجنكو أو الجِنْكَة، والأروكاريا أو شمسية، والسكويا العِمْلاقَة … ناهيك عن العديد من الحشرات التي لم تتغير داخل حجر العنبر: الصرصور، والبعوض.
الـ “الحفرياتُ الحية” شهودٌ صادقون على استقرار الأنواع على مر الزمان، حيث إن الكائنات الحية ظلت مطابقة لأجدادها طوال الوقت. وهذا يتعارض مع الرواية التطورية التي تَزعُم وجودَ مراحلَ مؤقتةٍ ووسيطةٍ تربط الأميبا بالإنسان.
- استعراض ما يسمى بـ سلسلة التطور.
إزاء هذه الحقائق – التي من الممكن فحصها والتحقق منها – الدالة على شهادة واضحة لاستقرار وثبات الأنواع، كيف يمكن تفسير المزاعم الحماسية المعاد ترديدها – مرة أخرى – في 2011، بأن الحفريات تُثبت التطور؟! إليكم ما يقوله توزيت:
“تشهد – أيضًا – حفريات وسيطة ومتحولة على تطور الثدييات، ومرحلة الانتقال من الديناصورات إلى الطيور، أو عودة الثدييات المائية للحياة البحرية كما حدث مع الحيتان. وأخيرًا، تشير مجموعة حفريات نسل الإنسانيات (الذين انحدر منهم الإنسان الحديث) إلى تطورٍ نحوَ ثنائية القدم وشكل الجمجمة والفك وحجم الدماغ منذ السلف المشترك لمختلف الرئيسيات[10] الحالية، بما في ذلك الشمبانزي، أقرب ابن عم لنا.”
وقد أخذ عالم الحفريات مارك جودنوت هذه الأمثلة للعمليات التطورية وأضاف عليها. وبالتأكيد هناك “حلقات مفقودة” في السجل الأحفوري للكثير من الأنواع، ولكن فلنفحص – فقط – عدة أمثلة طرحها توزيت وجودنوت.
- السلسلة التطورية للخيول:
يبدأ جودنوت بالسلسلة التطورية للخيول، حيث إنها المثال الأكثر وضوحًا ورمزية. حيث وجد أوثنييل تشارلز مارش Othniel Charles Marsh، في سبعينيات القرن التاسع عشر، عظامًا وأسنانًا في ولاية وايومنغ وولاية نبراسكا، وجمعها في ثلاثين سلسلة مختلفة لحفريات خيول. وادَّعى أن هذه السلاسل تشير إلى “التطور” في الخيول. وقد عرض هذه المجموعات في جامعة ييل Yale University، ولاحقًا تم نقل أجزاء منها إلى العديد من المتاحف. وفي عام 1879، نشر مارش رسمًا تخطيطيًّا في المجلة الأمريكية للعلوم حاول فيه عرض التطور المزعوم لأعضاءٍ وأسنانٍ خلال مراحلَ مختلفةٍ لـ “تطور” الخيول. وقد تناولت المنشورات والكتب هذا الرسم التخطيطي على نطاق واسع، ما أدى إلى انتشاره وبقاءه حتى اليوم.
ويكشف التحليل الدقيق لهذا الرسم التخطيطي التطوري عن الإشكاليات التالية لتطور الخيول:
- يوجد عشرون سلسلة أحفورية مختلفة من متحف لآخر.
- لا يتواف القفص الصدري للحفريات الوسيطة المختلفة مع السلسلة. حيث إن الهيراكوثيريوم (أو الإيوهيبوس)، الذي من المفترض أن يكون الحيوان الأول في سلالة الخيول، لديه 18 زوجًا من عظام الصدر، والثاني( أوروهيبوس) لديه 15 زوجًا، و (بليوهيبوس) لديه 19 زوجًا، أما الخيل المعاصر الذي يُدعى خيل سكوت (Equus Scotti)، فلديه 18 زوجًا. ونجد نفس الشيء أيضًا في فقرات أسفل الظهر، حيث يتراوح عددها بين 6 إلى 8 فقرات ويعود في النهاية إلى 6 فقرات.
- يطلق الخبراء اسم الهيراكوثيريوم على الإيوهيبوس (خيل الصباح أو خيل الفجر) بسبب تشابهه مع حيوان الوبر. وقد رفضت العديد من المتاحف الإيوهيبوس لتطابقه مع حيوان الوبر الذي يعيش حاليًا في أفريقيا. كما تم اكتشاف ابن عم آخر [لـ الإيوهيبوس] لا يزال على قيد الحياة في أمريكا الجنوبية، ألا وهو حيوان الغرير.[11]… باختصار: لم يكن “الخيل” الأول خيلًا بالأحرى.
- لا توجد سلاسل حفريات للخيول إلا في المتاحف! . إذ لم يتم العثور على سلسلة واحدة كاملة للحفريات في ترتيب تطوري صحيح على وجه البسيطة. فعندما بحثوا عن “حفريات” في قارة واحدة، وجدوا حفريات بثلاث أصابع وأخرى بأصبع واحد في نفس الطبقة الجيولوجية، ما يعني أن هذه الحفريات معاصرة.
- ليس ثمة أحفورة انتقالية تفصل هذه الكائنات. فكما هو الحال مع جميع الحفريات الأخرى، ظهرت كل واحدة بشكل مفاجئ في الحقل الأحفوري وظلت كما هي بلا تغير.
- كثيرًا ما تم العثور على الحفريات – التي وجب العثور عليها في طبقات الأرض السفلى ( الأقدم) حسب النظرية التطورية – في الطبقات العليا، بل وحتى على سطح الأرض… وعلى هذا النحو، فقد تم العثور على حفريات لـ الإيوهيبوس في طبقات قريبة جدًا من السطح، بل وأقرب من حفريات الخيول المعاصرة!.
- في أمريكا اللاتينية، نجد حفرية الخيل أحادي الإصبع (الخيل المعاصر) في طبقة أسفل الخيل ثلاثي الأصابع (الأقدم)، مما يعنى أن الحفيد يَكبُرُ جَدَّه!!
- تم العثور على حفريات لـ “خيول” في مختلف أنحاء العالم: في أوروبا، وأمريكا الجنوبية والشمالية، والهند … وفي بعض المناطق تم اكتشاف “خيول” متحجرة معًا.
- نجد اليوم – أيضًا – خيولًا بثلاث أصابع.
- تعتمد سلاسل الخيول المعروضة في المتاحف بشكل عام على حجم الحيوانات، حيث يفترض أن يكون التطور من الأصغر إلى الأكبر. إلا أننا ننسى أن حجم الخيول المعاصرة يتسم باختلافات جوهرية. حيث إن نوع كلايدزديل هو أكبرها، وأصغرها فالابيلا، الذي يبلغ من الطول 43 سم. والاثنان يُشكلان جزءًا من نفس النوع، إذ لم يتطور أحدهما من الآخر.
- الزيادة في حجم الإيوهيبوس مقارنة بجنس الخيول المعاصر ليست ذات معنى بالنسبة للتطور، ذلك لأنه تحول من حيوان آكل للأوراق إلى حيوان عاشب؛ لذلك: كان من المنطقي وجود تطور في اتجاه آخر، وانطبق نفس الشيء على الزيادة في سرعة العدو، حيث اتضح أن الإيوهيبوس كان يعدو بنفس سرعة الخيول المعاصرة، وعليه: فلا داعيَ للانتقاء الطبيعي لتطوير الحيوانات ذاتِ الثلاث أصابع إلى أحادية الأصابع.
هذه الحقائق أجبرت المختصين المخلصين على الإدلاء بتصريحات تحطم الأيقونات. فإليكم ما قاله عالم الحفريات الأمريكي جورج جايلورد سيمبسون G.G. Simpson: “إن التحول المستمر والمنتظم من الهيراكوثيريوم[12] إلى جنس الخيول المعاصر لم يحدث في الطبيعة، حتى لو كان هذا عزيزًا على قلوب أجيال من كُتَّاب الكتب المدرسية.”، لا يمكن قول الحقيقة بطريقة أكثر وضوحًا ورسمية من هذه. ويؤكد عالم الأحياء هيريبيرت نيلسون Heribert-Nilsson[13] أن: ” شجرة عائلة الخيول رائعة ومثالية فقط في الكتب المدرسية.” فـ “تطور” الخيول ما هو إلا نتيجة لتفسيرات مضللة للحقائق لا غير. ويوضح والتر بارنهارت Walter Barnhart، في أطروحته العلمية، أن رسومات “تطور” الخيول المختلفة قد رسمها علماء تطوريون مختلفون اعتمدوا على نفس البيانات.”[14]
وبعد هذه الآراء السديدة؛ يجعلك إصرار مارك جودنوت تبتسم إذ يقول: “حفريات أجداد هذه المجموعات بالغة القرب من بعضها البعض، لذلك يجب عليك أن تكون متخصصًا حاذقًا حتى تستطيع وضعها في أماكنها الصحيحة.”… “تكون متخصصًا حاذقًا” هل هذا تعبير لطيف للحديث عن ضرورة ذاتية لإخضاع الحقائق لدلالة الخيال؟!
- تطور الحيتان :
تعد الحيتان من الثدييات المائية المنتمية لفصيلة الحيتانيات. وتؤكد نظرية التطور أن الثدييات الأرضية تطورت من الزواحف قبل ما يقرب من 220 مليون سنة مضت، وأن فصيلة الثدييات عادت إلى الماء وتطورت في شكل حيتان قبل ما يقرب من 50 مليون عام. وتزعم النظرية أن هذا ممكنٌ إثباته!
ولكن؛ هل هذا – حقًا – ما حدث؟ أولًا: ما هي الثدييات الأرضية التي تطورت إلى حيتان؟ لا نجد اتفاقًا بين التطوريين على ذلك؛ هل هو حيوان من فصيلة الضبعيات[15] (كما يزعم متحف التاريخ الطبيعي التابع لأكاديمية كاليفورنيا للعلوم)؟ أم حيوان من فصيلة القطط ( كما يدعي معرض متحف التاريخ الطبيعي التابع لجامعة ميشيغان)؟ أم فرس نهر (كما يقول علماء الأحياء اليابانيون)؟. إن هذه الحيوانات المختلفة تشترك في عدة خصائص مع الحيتان (كالأسنان والحمض النووي …). حيث يقول أستاذ الجيولوجيا ومدير متحف الحفريات التابع لجامعة ميشيغان فيليب جنجريتش Phil Gingerich: “تُعد الأسنان السمة الرئيسية المشتركة بين الضباع ذات الحوافر والحيتان المائية.” في حين اكتشف علماء معهد طوكيو للتكنولوجيا أن الحمض النووي لفرس النهر هو الأقرب للحمض النووي للحيتان مقارنة بفصائل الثدييات الأخريات. لكنّ أفراس النهر حيوانات عاشبة، على النقيض من الحيتان آكلة اللحوم (بما في ذلك الحيتان البالينية)؛ علاوة على ذلك، أكد عالم الحفريات والتشريح في جامعة هوارد داريل دومينغ Daryl Domning “أن أفراس النهر ظهرت في وقت متأخر، في حين ظهرت الحيتان منذ عشرات الملايين من السنين … وفي الحقيقة، من الهراء الربط بينهما إذا ما أُخذَ السجلُ الأحفوري على محمل الجد.”
إن الوسيط الثاني، الذي يعرف بـ الحوت الجوال Ambulocetus natans، لا يشبه – على الإطلاق – الحوتَ لدرجة أن تقول عالمة الحفريات أناليسا بيرتا Annalisa Berta “إنه حوت لأنه مُدْرَجٌ في هذه السلالة”!! ويعتري فيليب جنجريتش نفس الشك قائلًا: “من المستحيل أن يكون [الحوت الجوال] داخل السلالة الرئيسية [لتطور الحيتان].”
أما الوسيط الثالث، رودهوكيتوس Rodhocetus، فله هيكل عظمي في متحف آن آربر. وتقول عنه أناليسا بيرتا أنه كان يستخدم زعنفة ذيله للتحرك في الماء بدلًا من ساقيه الخلفيتين. وعندما سُئل فيليب جنجريتش كيف عرف أن للرودهوكيتوس ذيل حوت ونهاية الحيوان مفقودة في الأحفور المكتشف؟ ، أجاب بشيء من التردد: “لقد خمنت ذلك… لكنني أشك في ذلك الآن… حيث إن رودهوكيتوس لا يمتلك هذا النوع من الحوافر الخلفية التي من الممكن أن تتمدد إلى زعانف.” وفي الحقيقية، لقد تم رسم النموذج التوضيحي للحيوان( يدويًا) !!
وبالنسبة للوسيط الخامس، باسيلوسورس Basilosaurus، فإن خبير تطور الحيتان في متحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس لورانس بارنز Lawrence Barnes يشير إلى أنه لا يُشكل جزءًا من سلالة الحيتان الحديثة. بل ويعتقد أنه عاش في نفس وقت الحيوانات الأحدث.
- تطور الديناصورات إلى طيور:
يقول جودنوت: “كواحدة من الانتقالات الكبرى، يمكننا أن نستشهد بالديناصورات الصغيرة ذات الريش العائدة للعصر الطباشيري السفلي Lower Cretaceous في الصين، إضافة إلى الطيور التي تعادل بدائية أركيوبتركس أو الطائر الأول Archaeopteryx أو تتخطاها، والتي أكملت بطريقة رائعة عملية الانتقال بين الديناصورات والطيور”. يبدو من غير المعقول ومن العجيب أن يتناول جودنوت مثال أركيوبتركس، “الحلقة المفقودة بجدارة” في التطور المزعوم لانتقال الديناصورات إلى طيور، في حين أنه قد فقد مكانته كحلقة مفقودة وكقصة مرتبطة ارتبطًا وثيقًا بالخداع الفج.
أولًا،:دعونا نوضح بالتفصيل بعض الحجج العلمية الرئيسية مدعومة بالاكتشافات الحديثة، والتي أشار إليها عدد كبير من العلماء، عن أن الأركيوبتركس كان مجرد طائرٍ، ولم يكن شكلًا وسيطًا.
- في المقام الأول، يظهر الأركيوبتركس فجأة في السجل الأحفوري، في شكل كامل (تمامًا مثل بقية الفقاريات واللافقاريات)، ودون أي أثر لأي سلف مفترض.
- عظام الأركيوبتركس: إن لدى الأركيوبتركس عظامًا منحنية كباقي الطيور، وهو ما يمنحه الثبات والخفة من أجل الطيران، في حين أن لدى الديناصورات عظامًا سميكة وصلبة. ولذلك، فإنه من المستحيل أن تكون الديناصورات تطورت إلى طيور.
- أجنحتها متطورة وقادرة على الطيران،وريشها غير متناسق، مطابق لريش الطيور الطائرة، ما يبرهن على الخصوصية وقدرة الأركيوبتركس على الطيران.[16] وقد كتب المتخصص العالمي المشهور ألان فيدوتشيا Alan Feduccia: “إن الريش ملائم بشكل مثالي للطيران”، ذلك لأنه خفيف وقوي وله شكل ديناميكي هوائي ويمتلك بنية معقدة من ريش مختلف الأحجام.[17]
- لدى الأركيوبتركس ريش الطيور المعاصرة. وقد تم عرض هذا في دراسة عن ريش الأركيوبتركس قام بها ألان فيدوتشيا ونُشرت في مجلة ساينس Science [18]: “بفضل ريشها، يمكن للأركيوبتركس أن تُصنفَ ضمن الطيور”.[19]
- استحالة تحول الحراشف إلى ريش.لكن أغلب التطوريين، أمثال ريتشارد دوكينز يعتقدون أن “ريشَه حراشفُ زواحف معدلة”[20].؛ وهذا تفسير لا يمكنه أن يصمد للأسباب التالية:
- تُمثل الحراشف ثنايا في الجلد-شرائحًا قرنية- في حين أن الريش معقد للغاية في تركيبه، إذ هو مُكوًّن من جذع محوري تنبثق منه شُعيرات تحتوي على عقاف تسمح للشعيرات أن ترتبط ببعض، زد على ذلك أن الريش والحراشف تنشآن من طبقتين مختلفتين من الجلد، وتطور الريش يختلف اختلافًا جذريًا عن تطور الحراشف، فمنشأ الريش من بصيلات الجلد (وهي بنية تُرى بالمجهر أو بالعين المجردة على شكل حقيبة) تمامًا كالشعر.
- تختلف بروتينات الريش (كرياتين ف) كيميائيًا وحيويًا عن بروتينات الجلد والحراشف (كرياتين أ). يقول أستاذ الفسيولوجي وبيولوجيا الأعصاب في جامعة كونيتيكت أ.هـ. برش H. Brush: “على المستوى المورفولوجي[21]، يعتبر الريش مشابهًا لحراشف الزواحف. إلا أن البنية البروتينية للريش فريدة من نوعها في عالم الفقريات، فنحن لم نكتشف أنسجة جلدية لدى الزواحف من الممكن أن تعطينا نقطة انطلاق لريش الطيور”[22].
- تختلف الحراشف التي تغطى جسد الزواحف تمامًا عن ريش الطيور. فعلى عكس الريش، لا تخترق الحراشف الجلد، بل تمثل – فقط – طبقة صلبة على سطح الجسم. يقول التطوري ألان فيدوتشيا بشكل قاطع: “الريش هو سمة فريدة للطيور. وعلى الرغم من التكهنات حول طبيعة الحراشف الطويلة التي نجدها في بعض الأنواع مثل حيوان الـ Longisquama ، – فهي في بنية مشابهه للريش-، إلا أنه لا يوجد دليل واضح على أن هذه حقيقة”[23].
- للريش هيئة شجرية معقدة (تشابك منظم لشُعيرات متعددة)، ولا علاقة لها بشرائح الحراشف.
- استحالة تطور الشعر إلى ريش. فقد ذهب التطوريون في النهاية إلى تغيير حجتهم قائلين بأن الريش لم يأتِ من حراشف بل من شعر. ولكن… من أين يأتي الشعر إذًا؟ وكيف لبنية معقدة كالريش أن تنبثق من بنية بسيطة كالشعر؟! علينا ألا ننسى خفة الريش وشكله المثالي وألوانه وأطواله المتباينة حسب الدور الذي يقوم به، وثبات درجة صلابته، وتوجهه المثالي المتسق.. وهلم جرًا.
- أجهزة التنفس المختلفة: لدى الطيور رئة تمكن انتقالَ الأكسجين عبر قنوات، بينما في الزواحف، ينتقل الأكسجين عبر حويصلات هوائية. إذًا، من أوجد الحل لمثل هذا التطور؟ مع الأسف، يتم التغاضي غالبًا عن هذا النوع من الإشكاليات.
- تطور الإنسان:
عندما نتعرف على ظروف اكتشاف حفريات “ما قبل الإنسان”، يصير عدم تصديق النظريات المطروحة حول أصل الإنسان حقًا لنا. على سبيل المثال: تمت إعادة تشكيل الـ هسبيروبايثيكوس-إنسان نبراسكا-، استنادًا إلى ضرسٍ اتضح فيما بعد أنه ضرسُ خنزير!؛ ويقدم التطوري الفرنسي والخبير المرموق في علم الحيوان بييرباول جراسيه Pierre-Paul Grassé طرحًا شيقًا حول هذا الموضوع فيقول:
“في تاريخ الرئيسيات، يجب علينا أن نحذر من إعادة تشكيل أسلافنا بناءً على وثائق معدمة (بعض الأسنان، قطعة من الفك، الجزء العلوي من الجمجمة) قدمها بعض علماء الحفريات الطافحين بالخيال. وهذا يفسر السرعة التي تُبنى بها شجرة عائلة الإنسان، بيْد أنها لا تلبث أن تسقط. فنحن لدينا انطباع بأن الأعمال الأخيرة ليست مُرضية-رغم ما تحمله من اكتشافات جديدة ومثيرة للاهتمام- فليس لدى مؤلفيها المعرفة ولا الحس السليم الذي يسمح لهم بتفسيرها كما ينبغي”[24].
اكتُشِفَ “لوسي”، أو ما يسمى بالـ أسترالوبيثكس أو القرد الجنوبي الأشهر على الإطلاق، عام 1974 على يد دونالد جوهانسون Donald Johanson، وهو يُعد قردًا كما الآخرين، وليس من فصيلة الإنسانيات، وهذا يؤكده مارفن ل. لوبينو Marvin L. Lubenow بعد 25 عامًا من دراسة حفريات الإنسان.[25] كما أن لـ “لوسي” حوض، على وجه الخصوص، أكبر، وسلامياته المقوسة تَدُلُ على أنه كان يعيش على الأشجار.
تم تسميه الإنسان الحاذق أو الإنسان الماهر Homo habilis بهذا الاسم لأنه كان يصنع أدوات حجرية بدائية للغاية. بيْد أننا اكتشفنا أيضًا أن الشمبانزي المعاصر يستطيع أن يصنع أدوات بالغة البساطة: كأنواع مكانس لاصطياد النمل الأبيض. وعليه فإن الاختلافات بين القرد والإنسان الحاذق لم تعد موجودة.
ويطرح الإنسان المنتصب Homo erectus إشكالية خطيرة، ذلك لأنه بقي على حاله بلا تغير لمدة 1.7 مليون عام وفقًا للتطوريين. وهذا لا يدل إذًا على أي تطور تدريجي نحو الإنسان.
وحتى الـ الإنسان البدائي أو نياندرتال Neanderthal، والذي اعتُبر لفترة طويلة وسيطًا بين الإنسان والقرد، أصبح الآن إنسانًا عاقلًا Homo Sapiens [26] مثلنا.
- شهادة علم الوراثة:
حان الوقت لدراسة المجموعة الثانية من الدلائل الداعمة للتطور التي طرحها توزيت، وهي الأدلة الوراثية.
تتمثل المسلَّمة الكبرى للتطور البيولوجي الدارويني في الطفرات الجينية التي تُحدِثُ تغيُّرات ضئيلة في الجينوم[27] من خلال إضافة معلومات صالحة للفرد، ويلي ذلك الانتقاء[28] الذي يُقصي الأفراد الأقل تأقلمًا مع البيئة ويُحسّن سمة مميزة تستجيب للتغير البيئي. ومن الواضح أن توزيت وجودينوت اعتنقا هذه الرؤية ودمجا نظرية التطور بالتفسير الوحيد للدراروينية الحديثة. ولذلك يُلخص توزيت قائلًا: “إن القوتين أو عوامل التطور هما الصدفةُ مجتمعةً مع الوقت”!!
- الطفرات.
يتكون عدد كبير من الطفرات من طفرات دقيقة تقابل أخطاءً في قاعدة أو أكثر للحمض النووي، حيث تتكاثر باستمرار داخل الخلايا، تارة عند تناسخ الحمض النووي، وتارة بشكل عفوي، وتارة أخرى بفعل العوامل الكيميائية أو الأشعة فوق البنفسجية أو النشاط الإشعاعي. يقوم الإنزيم الذي يُضاعف الحمض النووي بإصلاح نفسه ذاتيًا عن طريق إعادة قراءة الحمض الجديد. والخلية تمتلك على الأقل 130 أنزيمًا له دور الإصلاح. وهذا يدل على الطبيعة الضارة للطفرات بالنسبة للخلية. ومع ذلك، قد يظل هذا عددًا ضئيلًا نسبيًا من الطفرات، ولكن نتائجها في أغلب الأحيان تكون محايدة أو سالبة. ويكفي ملاحظة السرطان والأمراض الأخرى التي تنتجها. وفي الوقت الحاضر، هناك ما يتراوح بين 6000 و7000 مرضٍ وراثيّ، كما أن هناك خمس أمراض جديدة تظهر أسبوعيًا، ولا يعتقد أي طبيب أن الطفرات شيء إيجابي. وفي المختبر، لم تنجح الطفرات التي أُجريت على الذباب الصغير، ذباب الفاكهة، في ظهور تطور إيجابي للحيوان، بل على العكس، ظلت ذبابة الفكاهة على حالها، وفي كثير من الأحيان أصبحت معاقة، وتبقى البكتيريا على حالها، رغم استعدادها الطبيعي على التحول. وعليه، فإن الطفرات موجودة بالفعل، ولكن الأكثرية منها محايدة أو ضارة للفرد، وبلا أثر يسمح بالانتقاء، كما يقول عالم الأحياء الياباني الشهير موتو كيمورا[29] Motoo Kimura.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: هل الطفرات عامل مُبتَكِر؟
سيكون للجين الجديد، أو المتحول، دور في ظهور بروتين جديد. بيْد أن للخلية ما يقرب من 10.000 بروتين مختلف، أغلبها إنزيمات لها دور في السماح بتفاعلات كيميائية محددة. ولكل إنزيم شكل دقيق للغاية يسمح له بالاندماج مع المادة التي يتفاعل معها بشكل مثالي،فتجتمع بعض ذراته أمام بعض ذرات المادة كي يغير فيها بدقة وديناميكية (نموذج القفل والمفتاح). ويتكون البروتين في سلسلة تحوي 400 حمضٍ أمينيٍّ كمتوسط. وابتداءًا من 20 حمضًا أمينيًّا أساسيًّا، يتوفر لدينا 20400 احتمالٍ لتكون بروتين. وعلى سبيل المقارنة، هناك 1080 جزيئًا فقط في الكون المحسوس. وعليه فإنه يتعين على الخلية إنشاء مليارات ومليارات الجينات المختلفة حتى يحالفها الحظ في إيجاد بروتين جيد، ولكنها ستكون ميتة منذ وقت طويل بسبب تكدُّس جميع البروتينات الضارة، ناهيك عن ضرورة تكرار هذه العملية مع كل بروتين، وهذا يعني 10000 مرة! وقد يكون من السهل أن نتخيل أن عدة طفرات تكفي لتحويل بروتين ما إلى آخر قريب (كالحالات التي يتم كثيرًا الاستشهاد بها مثل هيموجلوبين الدم أو أوبسين العين، وهلم جرًا)، ولكن من أجل هذا الكم من البروتينات، تُخبرنا البيانات الإحصائية باستحالة ظهور بروتين بالصدفة. ومن ناحية أخرى، فلننظر في مثال عين ذبابة الفاكهة، إذ يتحكم في بنيتها 2500 جينٍ أو 2500 بروتينٍ ! لذلك فإن نظرية التطور تصطدم بثلاثة مستحيلات:
- ظهور هذا الحجم الهائل من التعقيد والتنوع والتفرد للبروتينات.
- ظهور هذا الكم الهائل من البروتينات التي توجه نفس العضو وتنظمه.
- عملية الانتقاء الطبيعي التي تزيل-داخل نوع ما-جميع الكائنات الحية التي لديها عضو غير مكتمل لأنها غير نافعة.
ولذلك، لا يجدر الاعتقاد بأن طفرات إيجابية نادرة – واحد من 100.000، كما يعتقد البعض- تكفي لإنشاء أعضاء جديدة معتمدة على التطور الكبروي.
وأمام هذه الحقائق، لماذا يستمر التطوريون في التأكيد على أن الطفرات يمكن أن تكون إيجابية وأن تكون سببًا في تطور العالم الحي؟ فهم يستشهدون- بشكل عام- ببعض الحالات التي تمت ملاحظتها والتي لا تتعلق إلا بتغيرات صغيرة متعلقة ببعض الأنواع المحدودة للغاية.
إضافة إلى ذلك، يستشهد توزيت بالمثال التقليدي المتعلق بمقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية-وهي قدرة البكتيريا على التأقلم في وسط غذائي ضار- كدليل على التطور. وبالفعل، تتبادل البكتيريا المعلومات الوراثية بسهولة مع بعضها البعض. فعندما تخضع البكتيريا لمضاد حيوي، تلتصق جزيئات الدواء بأحد أجزاء ريبوسومات البكتيريا وتتداخل في عملية إنتاج البروتينات. وعندئذ، يكون الريبوسوم غير قادر على تجميع أحماض أمينية جيدة، ولا يستطيع إنتاج إلا بروتينات غير فعالة. ومع ذلك تنجو بعض البكتريا المتنقلة من هذا العلاج المفاجئ. وهذه البكتيريا هي التي تتكاثر وتحل محل البكتيريا التي قضى عليها العلاج. والطفرات تقلل من خصائص الريبوسوم: حيث تقوم الطفرات بتغيير موقع التصاق المضاد الحيوي، مما يمنع المضاد الحيوي من الالتصاق. وعليه فإن ضياع المعلومات يؤدي إلى ضياع حساسية الدواء، مما يُفضي إلى المقاومة. ذلك لأن هذا التأثير الذي يحدث في الجينات وراثي ويمكن أن تنشأ من هذه الطفرة سلالة بكتيريا مقاومة. كما أن أداء الريبوسومات المُعدَّلة يتدهور وتبدأ في إنتاج بروتينات بسرعة أقل. ومع ذلك، في حالة غياب المضاد الحيوي، تصبح البكتيريا غير المقاومة أكثر ملائمة للبقاء على قيد الحياة. وعليه فإن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تكون على حساب فقد المعلومات الوراثية، وهذا لا يُمثل أي ابتكار.
وهناك آلية أخرى ممكنة لمقاومة البكتريا، وهي طفرة وراثية تسبب تشوهًا بسيطًا في الإنزيم الذي يستهدفه المضاد الحيوي (إنزيم في البكتيريا يُفسد – عادةً – المضاد الحيوي). ولا وجود لجين إضافي ولا لوظيفة جديدة للخلايا في النوع الجديد الناشئ. بل والأسوأ من هذا، أنه يُصبح “معاقًا” لأن أحد إنزيماته معيب. ولكن النتيجة هي أن تبقى هذه البكتيريا وتموت البكتيريا المعدَّلة.[30] ونجد نفس الأرقام فيما يتعلق بمقاومة البعوض للمبيدات الحشرية، المثال الذي يُستشهد به دائمًا.
- الحمض النووي الخردة:
من المثير للدهشة قبول توزيت – بلا تريثٍ- مصطلحَ الحمض النووي الخردة (غير المشفر، ويسمى بالإنجليزية “Junk DNA”)، في نفس الوقت الذي يتم التخلي فيه عنه – أي عن المصطلح ودلالته -؛ وإليكم ما يقوله توزيت: “وهكذا لا يمثل الجزء المشفر للجينوم سوى 1% من الجينوم، في بحر الحمض النووي غير المشفر المتكون بدرجة كبيرة من عناصر متحركة (حوالي 50%)، من الطفيليات الفعلية للجينوم.”
لقد كنا نعتقد – حتى وقت قريب- أن الحمض النووي الخردة هو بقايا ماضينا الحيواني! إلا أننا اكتشفنا الآن أن هذه الأجزاء من الحمض النووي لها وظيفة.[31] وعرفنا أن أكثر من 90% من الحمض النووي غير المشفر للجينوم البشري نشط وراثيًا. [32]
قد تم اكتشاف خصائص الحمض النووي (DNA) غير المشفر، إذْ يتم نسخ جزء كبير من الحمض النووي (DNA) غير المشفر إلى الحمض النووي الريبوزي (RNA)، والذي يلعب دورًا هامًا في نسخ المناطق المشفرة – تفعيل أو إبطال عملية النسخ، وتحديد المناطق-، وفي تنظيم ترجمة الحمض النووي الريبوزي (RNA) في البروتينات. وكذلك يزيدُ الحمضُ النووي الريبوزي (RNA) المنبثقُ من الجينات الكاذبة Pseudogenes صياغةَ جينات ذاتِ وظائف متماثلة… وهلم جرّا.[33]
من ناحية أخرى، فإن الكائنات الحية المختلفة تتقاسم تسلسلات متشابهة للحمض النووي غير المشفر، وهو أمر لا ينبغي أن يحدث إذا كان الحمض النووي غير المشفر وظيفيًا. في الواقع، قد يكون للانتقاء الطبيعي طفرات متراكمة عن طريق الصدفة بحيث يكون الحمض النووي غير المشفر لهذه الكائنات مختلف تمامًا.
- كروموسوم 2.
يرى توزيت أيضًا تشابه جينوم الإنسان مع نظيره في الشمبانزي دليلًا على التطور. ويؤكد لنا أن “مبدأ السلالة المعدلة هو أبسط فرضية لشرح تشابه جينوم الإنسان مع نظريه في الشمبانزي. حيث إنه في عام 2005، أظهر تسلسل الجينوم في الشمبانزي تشابهًا كبيرًا بينه وبين جينوم الإنسان.” لكن التشابه الوراثي الخلوي بين كروموسوم( 2) في الإنسان وكروموسوم (2أ) و (2ب) في الشمبانزي لا يؤيد التفسير الانتقالي. حيث يعطينا جان فرانسوا موريل Jean-François Moreel، المتخصص في علم الوراثة الجزيئية وعلم الأجنة، الأسباب:[34]
- يستند هذا الادعاء على تكنولوجيا خمسينيات القرن الماضي، أي قبل ظهور المجهر الإلكتروني لتصوير تسلسل الجينات. حيث تم استخدام جهاز قياس بالألوان، مما جعل الكروموسومات تبدو كأنها عصى ذات أشرطة ملونة مميزة. فالعامل الذي يسمح بظهور الأشرطة حول الكروموسومات هو الآلية الكيميائية والهياكل التي يتم تثبيت الأصباغ عليها. وهكذا، فإن تأثير الكيمياء الحيوية على علم الوراثة الجيني لا يزال غير معروف.
- أظهرت الدراسات الجينية التي أصبحت أكثر دقة من ذي قبل-على وجه الخصوص- أن وجود قطعتين مركزيتين أو سنترومير Centromere في منتصف كل نصف كروموسوم 2 لا يُثبت بأي حال من الأحوال اندماج كروموسومين للقردة التي كانت تعيش في الماضي، حيث تم العثور على التسلسل الذي يدعى السنترومير الحديث Neocentromere في كل مكان تقريبًا على طول أذرع جميع الكروموسومات وفي كل الفقريات التي كنا نبحث عنها.
- في الرئيسيات، نجد أن لبعض الأنواع البعيدة تمامًا عن بعضها تقاربًا كروموسوميًّا شديدًا يصل إلى التطابق، بينما نجد لأنواع قريبة من بعضها اختلافًا تامًا في الكروموسومات.
- الانتخاب الطبيعي:
والآن، فلنتحدث عن الانتخاب الطبيعي… هو أحد “عوامل” التطور.
في الحقيقة، إن “الانتخاب الطبيعي” موجود منذ فترة طويلة، حتى قبل داروين، فداروين لم يبتكره، بل ذكره عالم الأحياء والحيوان المؤمن بالخلق إدوارد بليث (1810-1873) في كتاباته (1835-1837) باعتباره تَخلّصًا من الأقل قدرة على الحفاظ على الوضع الراهن للمجموعة[35]. حيث يستخدمه الرعاة لإنتاج أنواع ملائمة للهدف المنشود (نباتات مقاومة للصقيع، زهور بألوان محددة، أبقار منتجة لحليب أكثر، وهلم جرّا… )[36]. والتعليل القائل بأن “الرعاة يفعلون ما تستطيع الطبيعة فعله” تعليلٌ سفسطائي، فالراعي يستخدم ذكاءه في سبيل تنفيذ قوانين جينية، وهو من يحدد بنفسه الأفراد الذين سيجري عليهم عمله، بينما التطورُ الطبيعي أعمى ولا هدف له. أضف إلى ذلك، أن هذا الانتخاب لا يضيف شيئًا لجينوم النوع؛ لذلك لم ينتج المزارعون نوعًا جديدًا. كما أن جميع صفات النوع المنتخب موجودة بالفعل في جينوم النوع، فالطفرة والانتخاب،- طبيعيان أو اصطناعيان – ، لا يخلقان شيئًا، بل يعملان في أفراد النوع الموجودين.
علاوة على ذلك، يقطعُ الأكاديمي الفرنسي الذي كان طبيبًا وعالمَ رياضياتٍ مارسيل باول Marcel-Paul Schützenberger بأن القوة التفسيرية لآلية الانتخاب الطبيعي ضعيفة للغاية فيقول: ” إن ما نستطيع فعله، هو إدراك تأثير الانتخاب الطبيعي بعد وقوعه. فعلى سبيل المثال، نحن نلاحظ أن بعض أنواع الحلزونات تأكلها الطيور بدرجة أقل من الأخرى، ربما لإن لديها قوقعة أقل وضوحًا. فهذه البيئة مثيرة للاهتمام بالفعل. وباختصار، يُعد الانتخاب الطبيعي أداة إثبات ضعيفة، ذلك لأن ظواهر الانتخاب الطبيعي واضحة، ولكنها لا تثبت شيئًا من الناحية النظرية”.[37] بينما يقطع السير إرنست بوريس تشين Sir Ernst Chain، – الحائز على جائزة نوبل في البيولوجي- قطعًا أشد صرامة في قوله: “يبدو لي افتراض أن المسؤول الوحيد عن نمو وبقاء الأصلح هو طفرات عشوائية نظرية لا تستند إلى دليل ولا تتوافق مع الحقائق. فهذه النظريات التطورية الكلاسيكية تشكل تبسيطًا مبالغًا فيه لمجموعة من الحقائق المعقدة والمتشابكة للغاية، ومن العجيب أن يقبلها بسهولة-وبلا أي نقد- العديد من العلماء لفترة طويلة دون أن ينبس أحدٌ ببنت شفة”.[38]
رغم ذلك، يقبل المجتمع العلمي بالتوافق هذه العملية بالتحديد كآلية إنتاج تطوري لأنواع جديدة. لحدوث ذلك، يجب على الطفرات الإيجابية الصغيرة التي تحدث أن تمتد لتشمل مجموعة كاملة وكبيرة بما يكفي وأن تظل محافظة عليها، كما يجب أن تكون قادرة على أن تفرض نفسها وتنتشر (من خلال التكاثر)، وعلى الانتقاء الطبيعي أن يقضي على الأفراد الذين لا يحملون الخاصية الوراثية الجديدة التي من المفترض أن تكون أكثر تكيفًا. وعليه، فإنه من الممكن القول إن احتمال حدوث مثل هذه الأحداث في الوقت المحدد يتجاوز نطاق الممكن.
وتجدر الإشارة إلى أن التغيرات البيئية لا تؤثر على الجينات؛ حيث أنهما عمليتان مستقلتان تمامًا عن بعضهما البعض. وبالتالي يتعين على الطفرات الإيجابية العشوائية النادرة أن تُظهر في الفرد سمة نافعة لحظةَ تغير البيئة. وإذا أردنا تقييم فرصة حدوث مثل هذا الحدث، فإن الاحتمالية: صفر. مرة أخرى، هذا ليس سوى تغيُّرٍ واحد. وتغيُّرٌ واحد في نطاق عضوٍ ما يحتاج إلى مليارات التغيرات في الجينات. كما أن ظهور عضو جديد لا يكفي، حيث من الضروري تغير النظام العصبي وفقًا لذلك، وكذلك جميع التفاعلات الوظيفية-جميعها في نفس الاتجاه – بما في ذلك تناسق أنظمة الجينات منذ التخلق الجنيني Embryogenesis: وهذا يتطلب عشرات المليارات من المعجزات. ومن أجل تحولٍ في النوع (من ديناصور إلى طائر مثلًا …)، لا أحد يستطيع حساب الطفرات الإيجابية اللازم تراكمها وانتقالها إلى الذرية.
فمثلًا، في عام 1972 قدَّر أستاذ الميكانيكا العقلانية جورج ساليت Georges Salet أن احتمالية ظهور عضو جديد أبعد من “الاستحالة الكونية المطلقة” وهي احتمالية تقدّر بـ 200-10، حددها إيميل بوريل Emile Borel، الذي أكد أن حدثًا – غير عادي- ذا احتمال ضعيف بدرجة كافية لا يحدث مطلقًا داخل حدود المكان والزمان (وهو ما يسمى بـ single law of chance). ويخلص إلى أن وجود شيء كهذا مستحيل استحالة جذرية.[39] وخلال كل هذا العمليات، لم نضع في حسباننا – بعدُ – الكم الهائل للطفرات الضارة.
ومن ناحية أخرى، فإن الفترة الزمنية المحددة بعدة مليارات من السنوات لنمو الحياة على الأرض قليلة جدًا لتلبية احتياجات التطور، كما أن الزمن لا يملك أي قوة خلقية، وقد أظهر سانفورد Sanford أن تراكم الطفرات يقلل دائمًا من القدرة على التكيف، وقد اتضح مؤخرًا أن الحجب Epistasis – التفاعل بين الطفرات- يساهم في تقليص نسبة التكيف مع مرور الوقت. وبالتالي، كلما زادت الطفرات – التي تمثل محرك التطور- كلما نقّص من فاعليتها. وقد درس بيير بول غراس Pierre-Paul Grassé أجيالًا من البكتيريا تتكاثر 400 ألف مرة أسرع من الإنسان، أي ما يعادل 3.5 مليون سنة من الأجيال البشرية، “وقد وجد أن هذه البكتيريا لم تتغير مطلقًا طوال هذه الأجيال. وفي ضوء نتائج هذه التجربة، يمكننا القول بإنصاف أن في الفترة التي ظلت فيها البكتيريا محافظة على ذرية مستقرة، لم يتطور أيًا من النباتات أو الإنسان”.[40]
ولكي تعمل الآلية الداروينية، لا بد من الإيمان بالمعجزات بالمعنى الحرفي. في الواقع؛ كانت الكائنات الحية تتكيف بشكل مثير للإعجاب مع بيئاتها،[41] حيث كانت في أغلب الأحيان تعيش في انسجام مع الأنواع العديدة الأخرى. وقد لُحِظت هذه الحقيقة وسُجلت طوال الوقت وهي بالفعل مثيرة للدهشة.
وقد كتب عالم المستحاثات البشرية الفرنسي باسكال بيك Pascal Picq:
“أحد الأسئلة الكبرى في نظرية التطور هو: كيف تظهر أنواع وسلالات جديدة؟ فيما يدعى بـ التطور الكبروي، وفي هذه النقطة الأساسية تواجه النظرية الاصطناعية[42] مشكلة عويصة. ذلك لأن التطور الصغروي يعمل ببطء وبتدرج عبر الأجيال. والنظرية الاصطناعية تدافع عن الفكرة العزيزة لداروين حول التطور البطيء والتدرجي، وهو ما نسميه بـ نظرية تطور السلالات التدريجي Phyletic gradualism. فالطبيعية لا تقفز! حيث لا يمكن الانتقال من نوع إلى آخر إلا بعد سلسلة طويلة مستمرة من التطور الصغروي. وهذه الفكرة تثير العديد من الإشكاليات الحقيقية، خاصة بالنسبة للسلالة البشرية، ذلك لأننا كلما وجدنا حفريات أكثر، أصبحنا أكثر عجزًا عن تحديد الفوارق بين الأنواع،وبكل صراحة، مُذْ قام تشارلز داروين بنشر كتابه (أصل الأنواع) ، أحرزت نظرية التطور تقدمًا هائلة، ولكن مع معضلة كبرى: نشوء أنواع جديدة، وهو ما نسميه الانتواع Speciation” (انتهى كلامه).
وبتعبير آخر، حتى نعيد صياغة ما قاله بيك بوضوح، بعد مئة وخمسين عامًا من “التقدم الهائل” في نظرية التطور، تُشكّل فكرة نشوء أنواع جديدة مشكلة عويصة بالنسبة للآلية الداروينية. وهذا هو بالتحديد موضع الاعتراض الحالي الذي يتبناه العلماء المؤمنون بالخلق.
- فشل تفسير التطور بالقفزات:
ابتكر ستيفن جولد Stephen Gould ونايلز إلدريدج Eldredge Niles وستيفن ستانلي Steven Stanley وآخرون آلية تطورية تسمى “نظرية التوازن النقطي” Punctuated equilibrium (التطور بالقفزات)، حيث تهدف بالتحديد لسد غياب الأدلة الأحفورية على التطور؛ ووفقًا لهم، فإنه لم يحدث أي شيء غريب في حياة الأنواع لملايين السنين؛ وهي فترة الركود أو التوازن… وبعد ذلك، وبشكل مفاجئ، انعزل بعض أفراد نوعٍ ما في أطراف المنطقة الجغرافية التي يعيشون فيها ومروا بتطور سريع حتى أصبحوا نوعًا جديدًا. حيث تتكاثر هذه الأنواع وتبقى بلا تغير لملايين السنين؛ وبالتالي، لا بد أن يسفر هذا عن سجل أحفوري بلا “حلقات مفقودة”. ولكن هذه النظرية ليست أكثر إقناعًا من الداروينية؛ ذلك لأنها لا تزال تتحدث عن انتواع Speciation إلا أنه متسارع. واليوم، يدافع بعض التطوريين أمثال باسكال بيك عن هذه النظرية.
الختام
في هذه المقالة الوجيزة، أردنا وضع النظرية الاصطناعية للتطور تحت مجهر الحقائق الملاحظة. فعند الدراسة المنهجية والمتعمقة للحفريات، تبرز لنا ثلاثة أشياء:
- الغياب المنظم للأشكال الوسيطة، التي تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى الانفصال بين الأنواع المختلفة من نباتات وحيوانات.
- التعقيد الواضح لجميع الحفريات المكتشفة، والذي يتحدى فكرة تطور أشكال بسيطة لأشكال معقدة.
- استقرار الأنواع الملحوظ على مر الزمان.
هذه المعلومات تتحدى الاعتقاد السائد بأن الحفريات شاهدة على التطور. فبدلًا من رؤية الأشكال الوسيطة في حقول الحفريات نرى كل نوع، وكل فئة، وكل فصيل – حيواني أو نباتي – يبدو مختلفًا – بشكل مفاجئ- ومميزًا عن بقية الأنواع الأخرى، بلا أشكال وسيطة تربطه بها.
رأينا أيضًا الآليتين المفروضتين للنظرية الاصطناعية للتطور، وهما الطفرات الجينية المتراكمة على مدى فترات طويلة، والانتخاب الطبيعي الذي يتحكم بهذه الطفرات. إلا أن هاتين القوتين – أو عوامل التطور، وهما الصدفة مع الوقت-، عاجزتان عن تفسير الانتواع، وتفسير ظهور أعضاء جديدة.
كيف يمكننا أن نفهم ما يقوله جودنوت- بثقة كبيرة- أنه “بالنسبة لجميع المختصين في علم الحفريات، وكما هو الحال بالنسبة للمنهجيين الدارسين لعلم الوراثة العرقي الجزيئي Molecular phylogenetics، فإن التطورَ – كالتاريخ- حقيقةٌ ثابتةٌ بلا شك”؟
والجواب ببساطة وباختصار: أن الخيال الواسع قد سبق الدقة العلمية. لذلك أصحبت الفكرة الداروينية عقيدةً نمت وترعرعت وفرضت نفسها رغم أنف الحقائق العلمية؛ولقد كان البروفيسور ويليام ر. تومسون William R. Thompson محقًا عندما أكد، في تقديمه لكتاب أصل الأنواع (طبعة عام 1956) حيث الذكرى السنوية لداروين، على “أن قبول الداروينية قد صاحبه انخفاض في النزاهة العلمية”.[43] ويستطرد قائلًا: “إنه لمن الغريب أن يدافع علماء عن عقيدة لا يستطيعون أن يحددوها علميًا ولا أن يعرضوها بدقة علمية، وإن محاولتهم الحفاظ على رصيدها المجتمعي من خلال القضاء على الانتقادات وإزالة الصعوبات لهو أمرٌ غير طبيعي وغير مرغوب به في العلم”.
ولا يوجد تلخيص كالذي قدمه بول يموان Paul Lemoine، البروفيسور السابق والمدير الحالي في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في فرنسا:
“التطور ضربٌ من العقائد التي لم يعد يؤمن كُهَّانها بها، لكنهم يحافظون عليها من أجل شعبهم. وهذا يتطلب شجاعة للبوح به؛ حتى يتمكن رجال الجيل القادم من توجيه أبحاثهم بطريقة أخرى”.[44]
ولقد حان الوقت للعودة إلى تعاليم الكتاب المقدس الواضحة والأكيدة فيما يتعلق بأصولنا: ” فخلق الله كأجناسها” (سفر التكوين 21:1).
* لويس بونيه، حائز على درجة الدكتوراة في التجارة الخارجية، كاتب ومحاضر حول موضوع الخَلقية، قسيس كنيسة سابق، وهو أيضًا المدير التنفيذي لجمعية بوابة الأمل الدولية في فرنسا. فيليب ديفيد، حاصل على درجة الماجستير في الإلكترونيات والهندسة الكهربائية والتحكم الآلي وشهادة دراسات عليا في الحوسبة الصناعية والأجهزة، مدرس ثانوي في الفيزياء والكيمياء. جيرالد بيك، حاصل على شهادة في الهندسة الإلكترونية ودكتوراه في الاتصالات والشبكات من المعهد العالي للملاحة الجوية والفضاء Supaero، مارك بولو، حاصل على شهادة دراسات عليا في الكيمياء، وتقاعد بعد قضائه ما يقرب من 30 عامًا في العمل في معامل الأدوية التابعة لشركة سانوفي العالمية Sanofi في مجال التوثيق العلمي، وحازت إسهامات مارك بولو بشهره واسعة عقب نشر كتابه “الخديعة الكبرى حول الحفريات”، وهو الجزء الثالث من سلسلة الخديعة الكبرى، 2005، 268 صفحة.
[1] “من سفر التكوين إلى الجينوم”، نظريات إنجيلية وعلمية حول التطور، كتاب حررته الباحثة ليديا جايجر. (المترجم)
[2] C. Darwin, L’origine des espèces, Flammarion, 1992, 344.
[3] C. Werner, Evolution: The Grand Experiment, vol. 1. New Leaf Press 2007, 182, 183.
[4] T. Neville George, Science Progress, vol. 48, janvier 1960, p. 3.
[5] S.J. Gould, Natural History, vol. 86, juin-juillet 1977, 22 et 24.
[6] علم الوراثة العرقي أو الفيلوجيني هو علم دراسة العلاقات التطورية المختلفة بين مجموعات الكائنات الحية (مثل الأنواع أو التجمُّعات السكانية)، التي تُكتشف عبرَ التحاليل الجزيئيَّة ودراسة تشكيل الكائنات المختلفة. (المترجم)
[7] S.M. Stanley, Macroevolution, W.H. Freeman, San Francisco, 1979, 39.
[8] مفصليات ثلاثية الفصوص أو ثلاثية الفصوص أو الترايلوبيت، هي طائفة من مفصليات الأرجل تقع ضمن الأحفوريات البحرية المنقرضة. ظهرت الفصوص الأولى في سجل الحفريات خلال الفترة المبكرة من العصر الكامبري (540 مليون سنة) إلى العصر الديفوني، وهي جميعها كائنات بحرية. (المترجم)
[9] الحيويات الإدياكارية هي كائنات حية قديمة يرجع تاريخها إلى أول العصور التي ظهرت فيها أحياء على الأرض وكان ذلك خلال العصر الإدياكاري (ca. 635–542 مليون سنة سبقت، وقد وجدت أحفورات لهذه الكائنات في أنحاء كثيرة على الأرض، وهي تشكل أوائل الكائنات المعقدة المتعددة الخلايا. (المترجم)
[10] الرئيسيات أو الرئيسات أو المقدمات رتبة من طائفة الثدييات، تضم السعالي البدائية والسعالي. تطورت الرئيسيات من أسلاف شجريّة (قاطنة للأشجار) كانت تعيش في الغابات الاستوائية؛ وبرزت خصائص العديد منها نتيجة التأقلم مع الحياة في هذه البيئة الصعبة. جميع أنواع الرئيسيات الباقية شجريّة ولو جزئيًاً، ما عدا قلَّة قليلة تخلَّت عن الحياة على الأغصان. باستثناء البشر المتواجدين في كل القارات، تعيش معظم الرئيسيات في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في الأميركتين وإفريقيا وآسيا. (المترجم)
[11] Creation, volume 14, n° 2, janvier 2004, 5.
[12] الاسم اللاتيني للعنصر الأول المفترض في السلسلة التطورية للحصان. (المترجم)
[13] Heribert-Nilsson, Synthetische Artbildung, Gleerup, Sweden, Université de Lund, 1954, 551-552.
[14] W. Barnhart, A Critical Evaluation of the Phylogeny of the Horse, ICR, Santee, CA, 1987.
[15] La probabilité pour qu’une hyène se change en baleine par mutations a été calculée par Carl Werner : 2×10-1628 (Evolution : The Grand Experiment, 52-54).
[16] E. Olson et A. Feduccia, « Flight Capability and the Pectoral Girdle of Archaeopteryx », Nature, 1979, 248.
[17] A. Feduccia, The Origin and Evolution of Birds, New Haven, CT, Yale University Press, 1996, 130.
[18] A. Feduccia et H. B. Tordoff, Science 203, 1979, 1020.
[19] C.O. Dunbar, Historical Geology, John Wiley and Sons, New York, 1961, 310.
[20] R. Dawkins, Climbing Mount Improbable, Penguin Books, Harmondsworth, Middlesex, 1996, 133.
[21] المورفولوجي أو علم التشكل في علم الأحياء هو علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها المميزة من ناحية المظهر الخارجي (الشكل، الهيكل، اللون، النمط، الحجم)، وكذلك شكل وبنية الأجزاء الداخلية، مثل العظام والأعضاء (التشريح). وذلك على النقيض من علم وظائف الأعضاء، والذي يتعامل أساسا مع الوظيفة. وعلم التشكل هو فرع لعلوم الحياة يتعامل مع دراسة التركيب الظاهري للكائن الحي والأجزاء المكونة له. (المترجم)
[22] A.H. Brush, “On the Origin of Feathers”, Journal of Evolutionary Biol ogy, 1996, vol. 9, 131-142.
[23] A. Feduccia, On Why Dinosaurs Lacked Feathers, The Beginning of Birds, Jura Museum, Eichstatt, Allemagne, 1985, 76.
[24] P.-P. Grassé, Toi, ce petit dieu ! Essai sur l’histoire naturelle de l’homme, Albin Michel, 1971, 105.
[25] M.L. Lubenow, Bones of Contention. A Creationist Assessment of Human Fossils, Baker Books, 1992, 2000. Voyez aussi: D.T. Gish, Evolution: The Fossils STILL Say NO !, Institute for Creation Research, 1995.
[26] هو الاسم العلمي للنوع الوحيد غير المنقرض من جنس الأناسي والمعروف بهومو، الذي يحتوي أيضاً على نياندرتال وأنواع أخرى من القردة العليا. (المترجم)
[27] Y. Delage, L’hérédité et le grand problème de la biologie générale, 1903. Cité par D. Raffard de Brienne, Pour en finir avec l’évolution, Rémi Perrin, 1998, 5.
[28] E. Guyénot, Les sciences de la vie aux XVIIe et XVIIIe siècles ; l’idée d’évolution, BM. 90 10 a1. Cité par W.R. Thompson, dans la préface de l’édition de 1956 de : Charles Darwin, L’origine des espèces, Everyman’s Library Edition of the Origin of Species (n° 811), Londres, J.M. Dent & Sons, Ltd., 1956. Traduit par Claude Eon, Le Cep, n° 52, 3e trimestre 2010, 13.
[29] Cité par M.-P. Schützenberger, « Les failles du darwinisme », interview de M.-P. Schützenberger in La Recherche, 1996, 87-90.
[30] « Les preuves incontournables de l’évolution ne sont que du vent », http://lifeorigin.over-blog.net/article-20531150.html .
[31] J.C. Sanford, Genetic Entropy & The Mystery of the Genome, op. cit. Voir aussi deux DVD du même auteur: The Mystery of Our Declining Genes; How Evolution Hurts Science (Creation Ministries International; Creation Research Society)
[32] J. Tomkins, « Tweaking the Genetic Code: Debunking Attempts to Engineer Evolution », http://www.icr.org/article/5045/ .
[33] J. Wells, The Myth of Junk DNA, Discovery Institute Press, Seattle, 2011, 174 pages.
[34] J.-F. Moreel, « Noé et le chromosome 2 », Le Cep, n° 54, 1er trimestre 2011.
[35] R. Grigg, A review of Darwin’s Brave New World, Episode 1: Spot the Spin, http://creation.com/darwin-brave-new-world-1 ; épisode 2: Experiments that actually don’t prove evolution, http://creation.com/darwin-brave-new-world-2 ; épisode 3 : Natural selection and change, yes ; Evolution, no, http://creation.com/darwin-brave-new-world-3 .
[36] N.R. Pearcey et C.B. Thaxton, The Soul of Science. Christian Faith and Natural Philosophy, Crossway Books, Wheaton, 1994, 182, 183.
[37] M.-P. Schützenberger, « Les failles du darwinisme », op. cit.
[38] E. Chain, Responsibility and the Scientist in Modern Western Society, Council of Christians and Jews, Londres, 1970, 1. Cité par L.P. Lester et R.G. Bohlin, The Natural Limits to Biological Change, Probe Ministries International, 1984, 86.
[39] G. Salet, Hasard et certidude, Téqui, janvier 2003 (1972), 504 p.
[40] P.-P. Grassé, Traité de zoologie, tome VIII, Masson, 1976. Cité par D. Kelly, La doctrine de la création, talon d’Achille des évangéliques.
[41] P. Picq écrit : « L’idée du programme adaptationniste est que les populations sont en équilibre avec leur environnement. » (Darwin et l’évolution expliqués à nos petits-enfants, op.cit., 113.)
[42] يقصد بالنظرية الاصطناعية اتحاد أفكار من عدة تخصصات أحيائية تقدم اعتبارًا مقبولًا على نطاق واسع لنظرية التطور. يشار إليها أيضًا بـالنظرية الاصطناعية للتطور أو اصطناع الداروينية الحديثة أو ببساطة الداروينية الحديثة. (المترجم)
[43] W.R. Thompson, introduction à L’origine des espèces de Darwin, op. cit.
[44] Encyclopédie française, tome V, 1937, 5-82-3 et 5-82-8.