عام

لماذا حياة الآخرين أفضل من حياتي؟

احم نفسك من خطر المقارنات

  • نجوى عوض وسارة سلطان
  • ترجمة: وفاء ناصر
  • تحرير: إيثار الجاسر

مقدِّمة

الجميع لديه قَدَره الخاصُّ و مَهَمَّة في هذه الحياة، ويجب عليه إنجاز هذه المَهَمَّة على أكمل وجه. فلن يحل أحد آخر مكانه، ولن تتكرَّر حياته. إذن، مَهَمَّة كلِّ شخص فريدةٌ من نوعها بِقَدْر فرصته المحدَّدة على تأديتها وتنفيذها.

(فيكتور إي. فرانكل)

كلَّما دخل ياسر إلى صفحته في الفيسبوك شعر بالاختناق، صفحة المنشورات الرَّئيسة لديه مليئة بإنجازات لأصدقاء وصور لمنازل رائعة ورحلات خارجيَّة بتفاصيل خياليَّة. بينما هو في الجانب الآخر قد طُرِد للتَّوِّ من عمله والذي قضى فيه ثمان سنوات، وهو يعيش مع والدته المريضة. ولأنَّه العائل والابن الوحيد الذي بقي في منزل طفولته كان يعدُّ وضعًا صعبًا. لأوَّل مرَّة في حياته اضطرَّ ياسر أن يذهب إلى الخدمات الاجتماعيَّة ويقوم بتقديم طلب للحصول على إعانة ماليَّة؛ لأنَّ الرِّعاية الخاصَّة بوالدته كانت باهظة الثَّمن. بدت حياة النَّاس في مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ سلِسةً وسهلة وأخذ يتسائل في نفسه “إذا كان ما أقوم به عملًا نبيلًا؛ إذن فلماذا ظروفي صعبة إلى هذه الدَّرجة؟!” لقد كانت صور حفلات الزَّواج والأطفال في مواقع التَّواصل تشعره بالألم وأراد أن يؤسس عائلة ولكن على ما يبدو أنَّ النساء لم يرغبن بالارتباط به عندما عرفوا بأنَّه يهتم بوالدته، لم يكن ياسر يقوم بأفعال حماسيَّة ومثيرة مثل أصحابه ممَّا جعله يتسائل إن كان فاشلًا مملًا لأن هذا بالضبط ما يشعر به إزاء نفسه. أصبح يشعر بالقلق والاكتئاب كلَّما شاهد الصُّور ومقاطع الفيديو على الإنترنت ولكنَّه لا يستطيع أن يتوقف، وجد نفسه يعاني من غيرة هائلة وبدأ يتساءل لماذا أصبحت حياته بهذا الشكل!؟ كلُّ ما كان يريد أن يعرفه هو لماذا حياة الآخرين أفضل من حياتي؟

 

ما الذي يحدث لي؟

الحسد شعورٌ موجِعٌ، كأنَّه جسمٌ ثقيل جاثمٌ على صدرك وتحمله معك أينما تذهب ومهما يكن مقدار كرهك لهذا الإحساس لا تجد طريقة تستطيع بها نزع الألم من داخلك. نفسيًّا قد تشعر أيضًا بالحزن والقلق والارتباك، لا أحد يريد أن يشعر بالغيرة أو أن يستهلك نفسه بتمنِّي ما في يد الآخرين.

الحسد يعزِّز شعور الشَّفقة والجحود مما يؤدِّي إلى تراكم إحساسٍ داخليٍّ بالذَّنب، عندما تخرج تتساءل إن كان العبء الذي تتحمَّله جليًّا للنَّاس، الحسد غير مرئيٍّ ولكن يمكن رؤية تأثيره الواضح على من يمر به.

 بالنِّسبة للكثير من النَّاس، ينبع الحسد من التَّشويه المعرفيِّ المتمثِّل في استبعاد الإيجابيَّات وهذا يحدث عندما يستصغر الإنسان الخير الذي لديه ويقوم بالتَّقليل من نفسه، من أعماله، أو ما كُتِبَ له من رزق. قد تكون المقارنة في شيء محدَّد للغاية مثل: “حصل كلانا على درجة ممتاز في الامتحان ولكن أنا اجتهدت أكثر في المذاكرة”، أو يمكن أن تكون مقارنة عموميَّة وشاملة أكثر “تحب الجميع أكثر مني”.

 هذا الطَّريق المظلم ومقارنة الذَّات بالآخرين وهو ما يؤدِّي إلى الغيرة موجود منذ بداية الخلق، ففي الإسلام- والمسيحيَّة واليهوديَّة أيضًا- نعرف جميعنا قصَّة قابيل وهابيل عندما قدَّما قربانًا وتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتَقبَّل من الآخر، ونتيجة للغيرة قتل قابيل أخاه هابيل ثم غمره الإحساس بالنَّدم والحسرة. نَجِد أنَّ قابيل عانى من نواحٍ عديدة: الأولى معاناة فوريَّة لحظيَّة وهي الحسد الذي تملَّكه وسيطر عليه، والثَّانية معاناة مستمرَّة على المدى الطَّويل وهي تحمُّله خطيئة ارتكاب أوَّل جريمة قتل في التَّاريخ البشريِّ، والثَّالثة رفع منزلة أخيه دون قصد منه وجعله أوَّل شهيد في الإسلام. الغيرة والحسد من أكثر القوى تدميرًا في الحياة، فهي تُحْدث اضطرابات داخليَّة وأضرارا لا يمكن إصلاحها في العلاقات، في بعض الأحيان لا تكون الغيرة منطقيَّة وقد تبدو غير مبرِّرة أبدًا، ولكن أحيانًا نشعر أنَّه يمكن تبريرها إذا نظرنا إلى ظروفنا الصَّعبة.

عندما نكون في أوقات الشدَّة قد يرتبط الحسد أحيانًا بمشاعر الاستحقاق، وإن كان مصحوبًا بصدمة فهذا يضيف طبقة أخرى من الألم يجعله عائقًا للشِّفاء.

لماذا تُحرِّش بي وليس بها؟

لماذا طفلي المعاق وليس أطفال الآخرين؟

لماذا أعاني من مرض مزمن بينما من في عمري يتمتَّعون بصحَّة جيِّدة؟

إنَّ الشَّخص الذي عانى من صدمة أو مرض لا يرغب بالضَّرورة في إلحاق الأذى بالآخرين ولكنَّه قد يتساءل عن سبب اضطراره إلى مواجهة مصاعب شديدة في حين أنَّ غيره لا يواجهها مثله.

 

إدراك أفكارك ومشاعرك

في حين أنَّ مثال قابيل وهابيل يعدُّ متطرِّفًا، إلا أنَّه يمكننا القول أنَّ مقارنة أنفسنا بالآخرين في وقتنا الحاضر أسوأ مما كانت عليه في أيِّ وقت مضى، خاصَّة مع ظهور وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ. في الماضي، كانت تُشَارَك عادةً الإنجازات والبركات مع أفراد العائلة والأصدقاء والأقارب، بينما الآن تُشَارَك أدقُّ تفاصيل الحياة بشكلٍ علنيٍّ مع عامة النَّاس في نفس اللَّحظة بضغطة زر واحدة!

التَّعفُّف مفهوم مربك ولكن مشاركة كلِّ شيء بشكل مفرط في حين أنَّ الخطوط الحمراء تُعدُّ على الأصابع، جعلت الحياة الخاصة وهي واحدة فقط لا بديل لها متاحة للعالم أجمع!

الكثير يُكشَف ويوضع للآخرين لكي يعلِّقوا عليه بما فيها أفكار الشَّخص العميقة، الأنشطة اليوميَّة التي يقوم بها، الوجبات التي يتناولها، ما يشتري من أشياء، تقارير تقييم الأداء، جوائز من العمل، ارتباطات، حمل وولادة، وكأنَّه تلفاز ولكن أفضل لأنَّهم أناس تعرفهم، قد تكون وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ مفيدة جدًّا ولكنَّها تصبح سامَّة وخطيرة إذا لم تُستخدَم بحذر.

لا يجب عليك أن تكون (أونلاين) لكي تشارك في لعبة المقارنات هذه، فهم يختلقون شخصيَّات يمارسونها في الحياة الواقعيَّة اليوميَّة مع عامَّة النَّاس؛ لأنَّ كثيرًا من الأشخاص وحتَّى العائلات تصرُّفاتهم خارج المنزل مختلفة عمَّا يفعلونه داخله، فهم يروِّجون لأنفسهم بطريقة لا تظهر ما هم عليه حقيقةً.

تُختلَق الأوهام حول البيوت، سلوكيَّات الأطفال، المقتنيات و الزَّواجات. في تجمُّع ما، قد يفاخر أب بحصول ابنه على منحة دراسيَّة لإحدى جامعات النُّخبة ولكن لن يصرِّح عن إدمان ابنه للمخدِّرات. وأثناء يوم اللَّعب للأطفال، قد تتحدَّث إحدى النِّساء للأخريات كيف أنَّ زوجها يشتري لها الكثير من المجوهرات ولكنَّها لن تنطق أبدًا عن خيانته لها. وفي حفلة فخمة، قد يبدو المضيف كريمًا جدًّا ولا تشوب مناسبته شائبة ولكن لا أحد يعلم أنَّ العائلة غارقة في الدُّيون. هذه التَّصرُّفات المضلِّلة ولو لم تكن بقصد تولِّد الغيرة في أنفس الأصدقاء والعائلات الذين يقارنون أنفسهم بهذه المعايير غير الحقيقية أصلًا، ومن كانت ثقته بنفسه متدنِّية لتجاهله المستمرِّ للإيجابيَّات التي لديه فإنَّ شعور القهر وجلد الذَّات سيكون أعظم.

في أغلب المجتمعات والثَّقافات حول العالم، الشَّخص العاديُّ لا يناقش إخفاقاته ومآسيه إلَّا مع قلَّة قليلة. متى كانت آخر مرة سمعت فيها زميلًا في العمل أو أحد معارفك يقول “أشعر بالوحدة” أو “أعتقد أنَّ زوجتي لم تعد تحبني” أو حتَّى “أنا لست أبًا جيِّدًا مثل ما ينبغي أن أكون”؟ على الأغلب ستكون الإجابة “ولا مرَّة” لأنَّه وعلى الرَّغم من كونها صادقة وحقيقيَّة إلَّا أنَّها غير مقبولة مجتمعيًّا، فقد يُصنَّف بأنَّه سلبيٌّ، بائسٌ، أو يحاول جذب الاهتمام وإن لم يكن ضروريًّا، حتَّى ولو كان الجميع يمرُّون بهذا النَّوع من المشاعر. إذا بان أحدهم إيجابيًّا، جذَّابًا، بارعًا، ذكيًّا، ومثقَّفًا فإنَّه سيحصل على القبول الاجتماعيِّ والسُّمعة التي يطمح إليها جميع البشر، ونتيجةً لهذه القواعد الاجتماعيَّة المخفيَّة يُبذَل الكثير من الجهد لخلق شخصيَّات للمجتمع الخارجيِّ تعكس فقط أفضل الأجزاء في أنفسنا والتي بدورها تصنع الأوهام حول طريقة عيشنا للحياة في الحقيقة، حتَّى لو استوعب الشَّخص العاديُّ هذه المفاهيم فإنَّه لا تزال هناك منافسة وغيرة واستياء عميق عندما تبدو لنا حياة الآخرين أفضل من حياتنا.

 

تغيير عقلك وجسدك و قلبك

إذن ما هو علاج المقارنة بيني وبين الآخرين وإقصائي المستمر لصفاتي الإيجابيَّة؟ لا يوجد حلٌّ سهل، لكنَّه يبدأ باستيعاب المفاهيم الأساسيَّة حول كيفيَّة رؤيتك لنفسك ونظرتك إلى العالم، لا يمكنك تغيير مشاعرك أو سلوكيَّاتك حتَّى تركِّز على الأفكار التي تساهم في تعزيزها.

لمساعدتك في الخروج من دائرة الاعتقاد بأنَّ حياة الآخرين أفضل من حياتك، تذكَّر أنَّك استثنائيٌّ وأنَّه لا يمكن لأحد أن يستوفي الغاية التي قدَّرها الله سبحانه وتعالى لك، لديك القدرة ذاتها التي لدى الآخرين لتحقيق الحياة التي تتصوَّرها وتريدها، قد لا تبدو حياتك مثل حياة أصدقائك أو الأشخاص الذين تراهم على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، ولكن مرَّةً أخرى لماذا قد ترغب بذلك؟ إذا كنت حقًّا تعتقد اعتقادًا راسخًا أنَّك شخصٌ له قيمة لا يمكن تعويضها وبمقدوره أن يجلب للعالم معنى لا يستطيع أيُّ شخص آخر القيام به، فلن ترغب في أن تكون غير نفسك.

عندما تشعر بأنَّك تُسحَب إلى دوَّامة التَّفكير في أنَّ حياة الجميع أجمل من حياتك، فابدأ فورًا بتوجيه اهتمامك حول قيمتك الذَّاتيَّة وراجع مليًّا الكلام والرَّسائل التي تدور في رأسك، غالبًا تنبع هذه الأفكار غير الصِّحية أوَّلًا بسبب احترام متدنٍّ للذَّات، وثانيًا الفهم الخاطئ لنِعم الله وأرزاقه، وأخيرًا التَّوقُّعات غير الواقعيَّة والخاطئة عن كيفيَّة عمل العالم من حولنا.

 

تدنِّي احترام الذات

أنا لست جميلة مثل صديقاتي.

لن أكون أبدًا مثل أخي.

أبناء صديقي أذكى بكثير من أبنائي.

يسبِّب تدنِّي احترام الذَّات الارتياب الذَّاتيَّ وعدم الرِّضا وهذا يؤدِّي إلى تصغير الصِّفات الجيِّدة والتَّركيز على “السَّلبيَّة” والتي توجد لدينا جميعًا! إنَّ الشَّخص الذي يعاني من تدنِّي احترام الذَّات ليس في مكان يخوله أن يحكم بموضوعيَّة على ما إذا كانت حياته أفضل أم أسوأ من الآخرين لأنَّ سحابة المشاعر السلبيَّة تجاه نفسه تخيِّم على حكمه وتقييمه للأمور، عندما تنظر إلى نفسك بعين سلبيَّة فإنَّ الجميع سيبدون لك أفضل ضمنيًّا، أمَّا لو كنت تتمتَّع بتقدير جيِّد لذاتك فلن تكون نظرتك بهذا الانحراف.

من أين يأتي تدنِّي احترام الذَّات؟ أكبر مؤشرات تدنِّي احترام الذَّات هي الإهمال العاطفيِّ في مرحلة الطُّفولة المبكِّرة، العنف الجسديُّ والعاطفيُّ، طريقة تربية الأبناء ومقاييس النَّجاح والفشل التي توضع لهم -خاصَّةً في المجال الأكاديميِّ- ولا ننسى الجينات فهي تلعب دورًا مهمًّا في تقدير الذَّات. عوامل الطُّفولة هذه تترك آثارها الجسديَّة و العاطفيَّة العميقة على الأفراد إلى بلوغهم الرُّشد. من الضَّروريِّ أن تُستوعَب الآثار التي يخلِّفها الضَّرر العاطفيُّ؛ لأنَّ المعروف عالميًّا والمسلَّم به ضمن الإساءات هو العنف الجسديُّ بينما الكثير ممن نشؤوا بشعور متدنٍ لذواتهم وكان سببه الإهمال العاطفيُّ أثناء الطُّفولة لا يعرفون أنَّهم أيضًا ضحايا الأذى والعنف مثل الجسديِّ بالضَّبط.

من العوامل الأخرى التي تساهم في تدنِّي احترام الذَّات حدوث تجربة سلبيَّة، مثل الفشل أو الرَّفض. يمكن اعتبار التَّجربة السَّلبيَّة حدث مؤلم نفسيًّا قلَّل تصوُّر الفرد لقيمة الذَّات والقيم الأساسيَّة عن نفسه. كلُّ فردٍ لديه قيم أساسيَّة حول نفسه، قد يُنظَر إلى التَّجربة السَّلبيَّة على أنَّها حالة شاذَّة أو قد تفتح بابًا جديدًا لكيفيَّة رؤيتهم لأنفسهم.

على سبيل المثال، قد ينظر شخص مَّا تعرَّض لإساءة لفظيَّة عنصريَّة إلى التَّجربة على أنَّها حظٌّ، في حين أنَّ شخصًا آخرًا قد يجعل التَّجربة تتعمَّق في داخله إلى الحدِّ الذي تتغيَّر فيه نظرته لنفسه.

 قد تتحوَّل القيم الأساسيَّة من “أشعر بالانتماء” أو “أنا أستحقُّ أن أكون آمنًا” أو “أنا شخص جيِّد” إلى “أنا منبوذ لن يتقبَّلني أحد أبدًا”، ” أنا لست آمنًا “، و”هناك شيء خاطئ بي”.

العمل على رفع تقدير الذَّات في سِنِّ الرُّشد ليس سهلًا ولكن يمكن تحقيقه من خلال التَّركيز على الصِّفات الإيجابيَّة وتطويرها، ولمواجهة النَّظرة الدُّونية للذَّات حوِّل جلَّ اهتمامك وتركيزك على صفاتك الجيِّدة وكيفيَّة تطويرها مع الأخذ بالاعتبار أنَّها تختلف عن صفات غيرك من الذين تشعر بالغيرة منهم. قد يكون من الصَّعب العثور على تلك الصِّفات الإيجابيَّة في البداية، ولكن يمكنك تنميتها من خلال تعلُّم كيفيَّة تقويتها واستخدامها، مثلًا، إذا لم تكن تميل إلى المجال الأكاديميِّ ولكنَّك جيِّد في صنع الأشياء بيديك فركِّز جهودك على تحسين تلك المهارات. إذا لم تكن جيِّدًا في تكوين الصَّداقات، ولكنَّك متفوِّق في الكتابة، فاعمل على تطوير مهاراتك الكتابيَّة للارتقاء بنفسك ومساعدة العالم بأن يكون مكانًا أفضل للعيش. ولكن ضع في الاعتبار أنَّ عدم تقدير أحد الأشخاص لمهارتك الجيِّدة لا يعني أنَّها ليست جيِّدة، إذا كان والدك يعتقد أنَّ الرِّياضيَّات هي أهمُّ مهارة في العالم، لكنَّك بارع في اللُّغة الإنجليزيَّة، فهذا لا يعني أنَّ مهاراتك في اللُّغة الإنجليزيَّة ليس لها قيمة.

لرفع تقدير الذَّات لديك أيضًا فإنَّه من المهمِّ تغيير العوامل الدَّاخليَّة والخارجيَّة التي تساهم في تشكيل شعورك الدَّاخليِّ حول نفسك. من النَّاحية الدَّاخليَّة يجب عليك أن تنتبه للطَّريقة التي تتحدَّث بها مع نفسك أو تفكيرك الشَّخصيِّ عن ذاتك داخل عقلك، عندما تتحدَّث مع نفسك بطريقة سلبيَّة للغاية فتأكَّد أنَّ مزاجك ونظرتك العامَّة للحياة ستكون مرآة عاكسة لما تفكِّر فيه. لدقيقة واحدة فقط، تخيَّل أن تتواجد مع شخص يحطِّمك ويخبرك بعيوبك وسلبيَّاتك ليلًا ونهارًا! كيف سيكون شعورك؟ من المحتمل أنَّك لن تكون راضيًا عنه ولا عن نفسك، ماذا لو كان هذا الشَّخص هو أنت بالفعل؟ تغيير كلامك لذاتك من سلبيٍّ إلى إيجابيٍّ متعمدًا ذلك مع الاستمرار به قد يكون تأثيره عجيبًا على طريقتك في النَّظر إلى شخصك، لا أحد يستحق أن يُحبِطَك بشكل مستمرٍّ خاصَّةً من قِبل المرء نفسه.

أمَّا من النَّاحية الخارجيَّة، فكِّر فيما إذا كان بعض الأشخاص من حولك هم من يسببون لك هذا الشُّعور السَّلبيَّ أو حتَّى يقومون بالتَّلميح إلى ما تشعر نحوه -مسبقًا- بسلبيَّة. إذا كنت تعرف شخصًا في المنزل أو العمل أو المدرسة يقوم بالحطِّ من قدرك فابتعد عن هذا الشَّخص، إذا لم يكن بمقدورك فعل ذلك؛ لأنَّ الشَّخص من أفراد الأسرة أو كنت ملزمًا بالتَّعامل معه إذن فوضع الحدود المناسبة بينكم مهمٌّ لحماية نفسك. النَّاس يتصرَّفون بالقدر الذي تسمح فيه أنت لهم، لذا لا تسمح لهم بأن ينعتوك بألقاب سيِّئة وأن يحطُّوا من شأنك ويستغلوك.

 

الفهم الخاطئ لِنعَم الله

التَّقليص من قدر النِّعم هي طريقة مخادعة يقوم بها الشَّيطان لإحباط النَّاس روحيًّا و نفسيًّا من دون أن يشعروا بذلك. نحن نعلم نوع الحسد المتعارف عليه وهو تمنِّي ما لدى الغير، ولكن النَّوع الأشد إثمًا هو أن يتمنى المرء زوال النِّعمة من الآخرين، هذا النَّمط الثَّاني خطير جدًّا؛ لأنَّه متعلِّق بطريقةٍ ما حول حكمة الله في توزيع الأرزاق وكأنَّ المرء يستجوب ويحقِّق -والعياذ بالله- إرادة الله، أو ربَّما قد يصل إلى مرحلة الاستياء من قدر الله لإعطائه الآخرين ما لم يعطه إياه.

لماذا صديقي المقرَّب أوسم مني؟

لماذا أخي ذكيٌّ جدًّا وماهرٌ في أداء الامتحانات؟ ياليتني كنت أذكى منه.

لماذا أعمل بجدٍّ في وظيفتي التي تساعدني في تغطية نفقاتي بينما هذا الكسول الذي لا يقدِّم للمجتمع أيَّ فائدة يسكن في قصر وقد ورث ثروة من عائلته؟ أليس أنا من يستحق!

النِّعم والأرزاق هي هبة من الله سبحانه، في مراحل معيَّنة من الحياة قد ترى بعض من أفراد عائلتك أو أصدقائك لديهم أكثر مما لديك، ليس هنالك أيُّ علاقة بين كدحك وبذلك لمجهود أكبر ورغبتك الشديدة لشيءٍ مَّا وبين توزيع الرِّزق بين النَّاس. بعض النِعم رُزقت بها منذ ولادتك، وبعضها لحظيٌّ، وبعضها يدوم لفترات طويلة. قد يكون الجمال والثروة والنَّجاح مفيدة بالنِّسبة لبعض النَّاس ولكنَّها أيضًا قد تأخذهم بعيدًا عن الله وعن التَّقرِّب منه.

في النِّهاية، لقد خصَّص الله نصيبًا لكلِّ إنسان، والتَّساؤل عمَّا أعطى ولمن أعطى يدل على عدم فهم لحكمته.

هنالك طرائق عديدة لزيادة الرزق، وإذا لم تتمكَّن من الحصول على النِّعمة التي تتمنَّاها، فيجب عليك أن تحذر من التَّسخُّط، الله سبحانه وتعالى يحثُّنا بل ويأمرنا أن نكون من الشَّاكرين ويخبرنا بأنَّه سيزيدنا إن شكرناه.

قال تعالى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:٣٤]

وقال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل:١٨]

وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة:١٥٢]

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:٧]

وقال تعالى: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:٦٩]

إذا شعرت أنَّك تسير في طريق الكفر بالنِّعمة؛ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذه إحدى حيله لزعزعة طمأنينتك الرُّوحيَّة والنَّفسيَّة، قد يفقد الإنسان إيمانه بنفسه ولكن عليك أن لا تفقد إيمانك بالله سبحانه وتعالى وقدرته على العناية بك، الله هو الرَّزَّاق، الفتَّاح، المقيت، الكريم، إذا سألت و سعيت سيعطيك الله ما تريد، على الرَّغم من أنَّها قد تأتي في شكل مختلف عما توقعته. الله ليس له حدود فيما يستطيع أن يعطي، إذا رأيت شخصًا لديه شيء تريده، فلا تخف أبدًا من عدم وجود رزق لك أيضًا أو أنَّه لا يمكنك الحصول على الشَّيء نفسه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ “. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ قَالَيَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي

 

آمال غير واقعيَّة حول طريقة سير الحياة 

“لو كان مظهري أفضل لصعدت سُلَّم الشَّركة الوظيفيِّ في لحظات”

“أنا متأكِّد من أنَّني سأكون أكثر سعادةً لو تزيد ثروتي قليلًا”

“لو لم يكن زوجي كسولًا هكذا لكان زواجي أفضل بكثير”

عندما نلوم الآخرين (العالم، القدر، المجتمع، الوالدين، الحاكم، إلخ…) على الأشياء التي نريدها ولكن لا يمكننا امتلاكها، فإننا نخلق توقُّعات وآمال غير واقعيَّة لكيفيَّة عمل العالم ونعطي تلك القوى الخارجيَّة قوَّة أكبر ممَّا تملكه بالفعل. لوم القوى الخارجيَّة يجعلنا ننزع من مسؤليَّتنا و مهاراتنا العمل على إيجاد وسائل بديلة لسعادتنا. هناك العديد من الظُّروف في الحياة لا يمكننا السَّيطرة عليها ولكن هذا لا يعني أنَّه لا يمكننا التَّأثير أو تغيير الظُّروف الأخرى. ما يحدث لك ليس هو ما يحدِّد شكل حياتك، بل طريقتك التي اخترت الاستجابة بها لتلك المتغيِّرات غير المتوقَّعة التي تُؤثِّر على جودة حياتك وسعادتك بشكلٍ عامٍّ.

إنَّ عدم تقدُّمك في العمل لا علاقة له بمظهرك، وحتَّى لو حدث ذلك، فإنَّ مهنيَّتك ستجعلك تتقدَّم أكثر.

قلَّة الثَّروة لا تمنعك من أن تكون سعيدًا؛ لأنَّ طمعك للمزيد يعيق قدرتك على الرِّضا والاقتناع.

يمكن أن يكون زواجك أفضل لو لم يكن زوجك كسولًا، لكن زواجك سيكون أفضل أيضًا إذا بذلت المزيد من الجهد ونشرتي الإيجابيَّة فيه.

 

بدلًا من التَّركيز على أشياء في حياتك خارجة عن إرادتك، ركِّز على ما في مقدورك تغييره: 

أفكارك

مشاعرك

تصرُّفاتك

تقديرك للأمور ومعرفة ثمنها

الانفتاح والصَّراحة

المرونة

اللُّطف

الإبداع

المهارات

اللُّيونة

يمكن لقدرتك على التَّحكُّم في هذه الصُّفات وممارستها أن تتغلب على أيِّ ظرف؛ لأنَّك اخترت أن ترى العالم من حولك بطريقتك.

أنت من يحدِّد ما يهمُّك.

أنت من يحدِّد ما يزعجك.

أنت من يحدِّد ردة فعلك.

 

التَّحوُّلات المعرفيَّة اللَّازمة للكفِّ عن مقارنة الذَّات بالآخرين

بمجرد أن تبدأ في تغيير المعتقدات الخاطئة عن نفسك، قم باستبدالها بمفاهيم ومعارف أكثر قوة، ولا يكفي مجرَّد إزالة ما كان يعيقك، بل تحتاج أيضًا إلى استعمال الأدوات اللَّازمة لتحسين انتمائك للعالم و لمن حولك بطريقة مختلفة. الحفاظ على منظورك الخاص، وتطوير الذَّات، وإجراء المقارنات اللَّائقة، والامتنان.. هي طرق رائعة للقيام بذلك التَّحوُّل.

  • الحفاظ على المنظور: في الحياة، سيكون هنالك ما تريد الحصول عليه دائمًا، كما سيكون هنالك شخصٌ لديه أكثر منك في شيءٍ أو آخر. السَّعي وراء المال والجمال والمنازل والسَّيَّارات والشُّهرة وغيرها مثل الفأر الذي يركض في دولابه الدوَّار، لا ينتهي أبدًا، ولن يصل هذا الفأر إلى أي وجهه وهو يركض في مكانه ولن يحقق شيئًا سوى التَّعب والجهد. هذا يحدث لأنَّ عادة البشر التَّركيز على ما ليس لديهم أكثر من تركيزهم على ما يملكونه بالفعل. روى سعد بن سهل: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقُولُلَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلأً مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلاَ يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ“.

يذكرنا القرآن والسنة أيضًا بمسألة أنَّ الأرزاق لا تدوم فهي تأتي وتذهب ولا يبقى سوى العمل الصَّالح، لذا فإنَّ الصَّواب أن يجمع المرء الحسنات بدلًا من جمع الحاجيَّات. الأعمال الصَّالحة تزيدنا وترفع من مراتبنا في الدَّار الآخرة دار الخلود.

قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف:٤٦]

وقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:٢٠]

النظرة الاستيعابيَّة للأهداف طويلة المدى مثل رغبتنا في دخول الجنَّة، تساعد على استقرار الحالة المزاجيَّة للمرء عندما لا تسير الأمور بشكل صحيح أو عندما نرى أنَّ شخصًا ما لديه أكثر ممَّا لدينا. في الواقع، لا يمكنك معرفة إن كان حقًّا لديه أكثر مما لديك، وحتَّى ولو كان فأنت لن تهتم عندما تتذكَّر يوم الحساب والجنَّة والنَّار في ضوء هذا الحديث:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ“.

علاوة على ذلك، فإنَّ زيادة النِّعم التي تسعى إليها تؤدي إلى زيادة المساءلة في يوم القيامة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ “لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ” رواه التِّرمذيُّ.

لذلك، فإنَّ أيَّ شخص يبدو لك أنَّه يمتلك أكثر منك في الوقت الحالي قد يجعله هذا عرضه للمساءلة الطَّويلة والتي قد لا تكون من صالحه.

  • تطوير الذَّات من أجل النَّجاح: أحد جوانب الوقوع في فخِّ المقارنات وهو الأكثر تدميرًا، ابتعاد المرء عن العمل على ذاته وتطويرها. ساعتان في اليوم قد تنقضي بالتَّفرُّج على صفحات الآخرين في وسائل التَّواصل ولا ينجم عن ذلك سوى شعور المرء السيِّئ حول نفسه، هي ساعتان ولكن يمكن للمرء أن يستخدمهما لقراءة كتاب أو التَّطوُّع أو تعلُّم شيء جديد أو العمل على هدفٍ مهمٍّ. اضرب ساعتين في اليوم في سبعة أيَّام في الأسبوع؟ أربع عشرة ساعة في الأسبوع يتم التَّخلِّي عنها، أربع عشرة ساعة في الأسبوع تعدُّ وظيفة بدوام جزئيٍّ أو عدد السَّاعات التي يحتاجها الطَّالب للتَّسجيل بدوام كامل في الكلِّيَّة، اضرب ساعتين في اليوم في ثلاثين يومًا في الشَّهر وستحصل على ستِّين ساعة يمكن استخدامها لتطوير وتحسين نفسك، ستُّون ساعة في الشَّهر يمكن أن تصنع العجائب، يمكن للمرء أن يعمل على تأليف كتاب، أو حفظ الكثير من آيات القرآن، أو إنشاء برامج مجتمعيَّة، أو الحصول على أفضل لياقة بدنيَّة. تكمن السُّخرية في قضائك لحياتك وأنت تتفرج على ما يفعله الآخرون في أنَّك تتجاهل تمامًا ما يمكن أن تفعله بنفسك، إضاعة الوقت في مقارنة نفسك بالآخرين سيئ بما فيه الكفاية، ولكن الفقر النَّاتج لروحك بسبب إهمالها وعدم الاهتمام بها أسوأ بكثير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ“. 

إذا شعرت أنَّك انخرطت في التَّفكير بمقدار ما يملك شخص ما مقارنة بما لديك، فضع حدًّا لذلك فورًا.

قد تقول لنفسك: “حسنًا، لو كان بمقدوري أن أتوقَّف عن هذا التَّفكير، لفعلتُ” ومع ذلك، فإنَّ هذه التَّقنية تعمل على نحو يخالف ما تتوقَّعه بحدسك. حدِّد وقتًا مخصَّصًا لك للجلوس مع مشاعرك السَّلبيَّة لمدَّة خمس أو عشر دقائق، اضبط عدَّاد الوقت إذا كنت بحاجة إلى ذلك ثمَّ عندما يحين الوقت، حاول أن تبذل جهدًا باستخدام وعيك وغيِّر الاتِّجاه إلى القيام بشيء مثمر، هذه طريقة لتقسيم مشاعرك ومنعها من السَّيطرة على يومك، أن تسمح لنفسك بالشُّعور بالسُّوء لمدَّة خمس دقائق ثم القيام بشيء مثمر لمدة ساعتين مفيد أكثر من تشتيت انتباهك لمدَّة ساعتين، بمرور الوقت، ستشعر بأنَّ الجلوس والسَّلبيَّة عن قصد هو مضيعة للوقت، ولأنَّه الآن خارج نظامك، فلن تحتاج إليه بعد الآن.

  • إذا كنت ترغب في المقارنة، اجعلها مقارنة بين نسختك الحالية والقديمة أو بينك وبين من هم أقلَّ منك. الجميع يولد بظروف معينة وخاصَّة تضعه على مسار محدَّد لن يعبره أحد سواه، بالطَّبع يتشابه النَّاس بالاهتمامات، بالقيم، الأنظمة الأسريَّة ولكن لن تكون حياتهم تمامًا مثل حياتك، مقارنة ما لديك بالآخرين لن تفيدك بعكس تقييمك لذاتك القديمة و الحاليَّة ستزيد إنتاجيَّتك وتقديرك لنفسك، أن تلقي نظرة على نفسك قبل ستَّة أشهر، عامين، أو خمس سنوات وتقارنها بنفسك الآن، ستتَّضح لك الجوانب التي تطوَّرت فيها. أمَّا إن كنت تُصِرُّ على المقارنة فانظر دائمًا إلى من هم أقلَّ منك كما في هذا الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضى الله عنهقَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِانْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ, وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ, فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

عندما تنظر إلى من يبدون لك أنَّهم أقلُّ منك، يمكن أن يساعدك ذلك على تقدير النِّعم الصَّغيرة التي ربَّما لم تفكِّر فيها من قبل، قد تعتقد أن هذا يعدُّ مهانة لك في نظر المجتمع، عندها انظر إلى طفل صديقك الذي يعاني من مرض عضال و ستزول السَّحابة السَّوداء من فوقك. هذا التَّأمُّل في حال من هم أقلَّ يجعلك تقدِّر ما لديك.

  • الامتنان: أحد الطرق لمكافحة النظرة السلبية وتهميش الإيجابيات هو زيادة مستوى التقدير والشكر لما لديك، لا يهم كيف تمارس الامتنان بل المهم الاستمرار. القيام بوضع قائمة تحتوي على ما يشعر الشخص بالامتنان نحوه، أو تأمل النعم والإقرار بفضلها (النظر بشكل عام حول جميع الأشياء التي تشعر نحوها بالامتنان والشكر) أو القيام بزيارات بدافع الامتنان (مثل أن تكتب رسالة لشخص قدَّم لك معروفاً وتقرأها له) هذه التصرفات جميعها تدعمها الأبحاث فهي تجعل حياتنا أجمل.

 

جرِّب ممارسة التَّمارين الآتية:

أ. كلُّ يوم عندما تستيقظ حدِّد 3 أشياء تتطلَّع إليها، وعندما تذهب إلى النَّوم حدِّد 3 أشياء تشعر بالامتنان نحوها، ليس من الضَّروريِّ أن تكون أشياء مهمَّة وعظيمة طالما أن الامتنان والشُّكر من قلبك. من الأمثلة للأشياء التي قد تتطلَّع إليها: قهوة الصَّباح، المشي أثناء وقت الغداء، معانقة أحد أفراد الأسرة، الاعتناء بحديقتك، أو إعداد وصفة جديدة للعشاء. أمَّا الأمثلة على الأشياء التي قد تكون ممتنًّا لها فهي مثل: أنَّك تسلَّلت إلى اجتماع عمل دون أن يراك أحد متأخرًا، أو أنَّك وصلت إلى المحطة قبل أن ينتهي الوقود من الخزَّان، أو أن طفلك لم يمر بنوبة انهيار عند مغادرة متجر الألعاب، تناولك لوجبة لذيذة، أو حصولك على فرصة لقراءة فصل من كتابك المفضل.

ب. عندما تواجه صدمة أو صعوبات بشكلٍ عامٍّ، حاول أن تعثر على ثلاثة أشياء جيِّدة حصلت من هذا الموقف، لا يزيل هذا التَّمرين الألم أو المشكلات التي تواجهها ولكنَّه يمكن أن يساعدك على رؤية النَّافع في الضَّار. قد يكون النَّافع خلق علاقة جديدة، أو زيادة قدرة الصَّبر والتَّحمُّل، فرصة أو قوَّة جديدة لم تكن لديك من قبل، أو حظ في أن تساعد من هم في موقف مشابه. غالبًا عند إعادة صياغة الصَّدمة قد يجد المرء أنَّ الخير يفوق الشَّر على المدى الطَّويل.

ج. تطوَّع لمساعدة الضُّعفاء، تظهر الدِّراسات العلميَّة أنَّ مساعدة الآخرين هي بمثابة مساعدة لنفسك وشعور بتحسُّن تجاهها. يمكنك التَّطوُّع عن طريق: طبخ الطَّعام للمشرَّدين، وفي دور رعاية المسنِّين حيث يكون كبار السِّن بعيدًا عن أسرهم، والمستشفيات، والخدمات الاجتماعيَّة وما إلى ذلك، يمكنك أيضًا زيارة المرضى في مجتمعك المحلِّيِّ والحصول على أجر عظيم بهذه الطَّريقة.

عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ ـ يَقُولُمَنْ أَتَى أَخَاهُ الْمُسْلِمَ عَائِدًا مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ” 

بعض من الآيات والأحاديث للعظة:

قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ [الرعد:٢٦]

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لاَ يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ وَلاَ يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ…” 

 

ممارسة عمليَّة: 

زرع الامتنان في النَّفس

كلُّ صباح، حدِّد 3 أشياء تتطلع إليها:

كلُّ ليلة قبل النَّوم، حدِّد 3 أشياء تشعر بالامتنان من أجلها:

 

رفع مستوى احترام الذَّات وتحديد الأهداف

في بعض الأحيان يُشَد انتباه المرء إلى النَّظر إلى ما عند الآخرين بسبب احتقاره لذاته، حدِّد ما الخصال الفريدة التي رُزِقت بها؟

1…….

2…….

3…….

تظاهر بأنَّك قد أصبحت أكبر سنًّا وتلقي نظرة على نفسك القديمة، ماهي الأهداف الخمسة التي تودُّ أن تكون قد حقَّقتها؟ مع الأخذ بالاعتبار أنَّ هذه الأهداف تعكس قيمك وأفكارك الشَّخصيَّة وليس قيم الآخرين أو ما يتوقعونه منك، لاستيعاب أكثر، ضع أهدافًا في عدَّة جوانب مختلفة من حياتك: الأسرة، والمهنة، والجانب الرُّوحيّ، والجانب الخيريّ وما إلى ذلك.

1………..

2……….

3……….

ما الأهداف الثَّلاثة قصيرة المدى التي يمكنك البدء في العمل عليها اليوم للمساعدة في تحقيق أهدافك طويلة المدى؟

1……..

2………

3………

لتصبح أفضل نسخة من نفسك تحتاج أن تخصِّص بعض من الوقت كلَّ يوم للعمل على تحقيق أهدافك، نصف ساعة بشكل يوميٍّ يمكن أن تفعل المعجزات وتقلب حياتك للأفضل. اختر نفس الوقت كلَّ يوم، ويفضل أن يكون بعد الفجر (لما فيه من بركة) للعمل على أهدافك. إذا كنت ملتزمًا حقًّا بالعمل على نفسك فسوف ينخفض تركيزك على الآخرين وما لديهم بشكلٍّ طبيعيٍّ. عندما تكون مستعدًا لاختيار وقت ما، التزم به يوميًا لمدَّة شهر وشاهد كيف ستتغيَّر نظرتك وحياتك إلى الأفضل -إن شاء الله.

 

إعادة النَّظر في القضيَّة 

ذات يوم شعر ياسر بأنَّه لا يستطيع تحمُّل شعوره بعد الآن وكان يعلم أنَّ الأمور يجب أن تتغيَّر، أدرك ياسر أنَّ مزاجه قد تأثَّر بشكل كبير بمقدار الوقت الذي يقضيه على الإنترنت، لذلك بدأ يُقصِر استخدام وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ على ساعة واحدة في اليوم، وأدرك أيضًا أنَّه أُصيب بالإرهاق من رعاية والدته وأنَّه بحاجة ماسَّة للمساعدة إذا كان سيستمر في رعايتها لمدى طويل، قام بطلب المساعدة من أقاربه لكي يوفِّر الرِّعاية اللَّازمة لوالدته في المنزل، ساعده المختصُّون على رفع معنويَّاته و بدأ ياسر بالتَّركيز على نفسه وهو أمر لم يكن قادرًا على القيام به لفترة طويلة.

شعر ياسر بحاجة لأن يعدِّل نظرته للحياة، صحيح أنَّ ظروفه مختلفة عن أصدقائه لكن هذا لا يعني أنَّ حياته كانت سيِّئة، فهو يمتلك منزلًا ويتمتَّع بصحَّة جيِّدة وحصل على درجة عالية من التَّعليم، وهذا يسهِّل عليه الحصول على وظيفة جديدة. كما أصبح يرى بأنَّ رعايته لوالدته تعتبر فرصة ثمينة لا تعوَّض، فهو متفائل بأنَّ ذلك سيساعده في الوصول إلى الجنَّة -إن شاء الله.

جلس ياسر يتأمَّل في أهداف حياته، لقد أهدر الكثير من الوقت على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ قبل أن يدرك أنَّه ليس لديه أيُّ أهدافٍ طويلة المدى. من الأشياء التي برزت لياسر على الفور فكرة أنَّه لم يمارس الرِّياضة منذ فترة طويلة وهذا ما جعله يشعر دائمًا بالرَّاحة. انضم إلى فريق كرة سلَّة حيث كان يلتقي للَّعب معهم مرتين في الشَّهر، وجعلته الرِّياضة و لقاء أصدقائه القدامى يشعر بذاته مرة أخرى.

فيما يتعلق بالأهداف طويلة المدى: عرف ياسر أنَّه لا يملك السَّيطرة على الزَّواج والإنجاب، لكنَّه أدرك أنَّ بإمكانه أن يساهم في المجتمع بطرق أخرى. من خلال قدراته في تكنولوجيا المعلومات التي اكتسبها من تعليمه، قرر إنشاء مؤسَّسة على الإنترنت للمسلمين تهدف إلى رعاية الآباء المصابين بأمراض مزمنة. ستوفر مؤسَّسته طرائقَ لتواصل للمسلمين فيما بينهم ليستطيعوا الحصول على الدَّعم اللَّازم والتَّعرُّف على الموارد وتبادل المعلومات المفيدة.

ساعد تركيز ياسر على أهدافه في التَّوقُّف عن التَّقليل من قيمة الخير الذي لديه وعن مقارنة حياته بالآخرين. تحويل الانتباه إلى الأشياء التي لدى ياسر القدرة على التَّحكُّم بها جعله أقوى ولم يعد لديه الكثير من الوقت الذي كان يهدره في المقارنة. لو شعر ياسر يومًا مَّا وكأنَّه بدأ بالانجراف إلى عاداته القديمة فسيتأكد من تكثيف ممارسة تمارين الامتنان (معرفة الأشياء التي نتطلَّع إليها في الصباح وتعداد النِعَم في اللَّيل) وهذا من شأنه أن يساعده على العودة إلى المسار الصَّحيح.

المصدر
yaqeeninstitute

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى