- جميس إيه ميلوارد*
- ترجمة: أنسام البهكلي
- تحرير: المها العصفور
عزيزي القارئ تخيل أنك في كل يوم: وأنت تقود سيارتك في طريقك للعمل أو أثناء تأديتك لمهمة تمر بنقطة تفتيش كل 100 متر. الكاميرات في زوايا الشوارع وعلى أعمدة الإنارة تتعرف على وجهك وتتعقّب تحرُّكاتك. عند نقاط التفتيش المتعددة يقوم ضباط الشرطة بفحص بطاقة هويتك وقزحية العينين ومحتويات هاتفك. عند زيارتك المحلات التجارية أو البنوك تُفحص مرة أخرى، وتُفحص حقائبك بالأشعة السينية ويُمرِّر الضابط عصا التفتيش على جسمك –إن كنت من ضمن الجماعة العرقية الخطأ- في حين يعبر بقية السكان عادةً بصورة طبيعية.
وسيتعين عليك تعبئة استبيان لمعرفة عرقك، ممارساتك الدينية، ومستواك الثقافي، وامتلاكك جواز سفر، وجود أقارب أو معارف في الخارج، وإذا ما كنت تعرف شخصًا قُبِض عليه أو ضمن ممن تسميهم الدولة بـ “الفئة السكانية الخاصة”.
كل هذه المعلومات الشخصية بالإضافة إلى بياناتك الطبية تقبع في قاعدة بيانات مرتبطة برقم هويتك الشخصية. يقوم النظام بتحليل بياناتك لتصنيف نتيجتك إلى واحد من هذه التصنيفات: آمن – عادي – غير آمن. وبالاعتماد على هذه التصنيفات ستُحرم أو يُسمح لك بـ: زيارة المتاحف، المرور من الأحياء الخاصة، دخول المحلات التجارية، دخول الفنادق، حجز شقة، التقديم لوظيفة أو شراء تذكرة للقطار. أو قد تُحتجز لتخضع لإعادة تأهيل كما هو حال آلاف السكان.
هل يبدو الأمر كما لو أنه ضرب من ضروب الخيال العلمي أو تصوير لمدينة فاسدة (دستوبيا)؟
ليس هذا بخيال، بل هكذا تعيش شعوب الأويغور في الشمال الغربي من الصين.
قد لا تكون الصين بعد الآن الأرض التي تكتسي بصور ماو تسي، ومكبرات الصوت التي تُطلق شعارات الشيوعية، إنها تزدهر الآن بقطارات الرصاص اللامعة ومراكز التسوق الفاخرة وحياة المستهلك المُيسرة بالهواتف.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالأويغور -سكان البلد الأصليين في المنطقة الغربية الشاسعة من سنجان- قام الحزب الشيوعي الصيني (C.C.P) بتحديث أساليبه الشمولية القديمة باستخدام أحدث التقنيات.
الأويغور هم مجموعة عرقية ناطقة بالتركية الأصلية في منطقة سنجان المُستقلة اسميًا فقط، يُعرّفهم الحزب الشيوعي على أنهم “انفصاليون خطرون”. في القرن الثامن عشر قامت إمبراطورية تشينغ باحتلال سنجان، ثم خرجت المنطقة عن حكم بكين، حتى أعاد الشيوعيون احتلالها بمساعدة السوفييت عام 1949. واليوم تشكل العديد من شعوب آسيا الوسطى بما في ذلك الأويغور والكازاخستانيون والقرغيز، حوالي نصف سكان المنطقة. البقية هم هان وهوي، الذين وصلوا من شرق الصين ابتداء من منتصف القرن العشرين.
خلال الأعوام المُنصرمة، قامت مجموعة صغيرة من الأويغور بمواجهة السلطات وأقدموا على أعمال عنيفة، لا سيما أثناء القيام بأعمال الشغب عام 2009. ولكن الحزب الشيوعي الصيني أخضع جميع شعب الأويغور البالغ عددهم 11 مليون للاعتقال التعسفي والمراقبة الوحشية والتعصب المنظّم. الأويغور شعب ذو ثقافة إسلامية، وغالبًا ما تستشهد الحكومة الصينية بالتهديدات الايدولوجية الإسلامية لتبرير تعسُّف سياساتها الأمنية.
درستُ سنجان على مدى ثلاثة عقود، حيث كان التوتر العرقي شائع خلال تلك السنوات وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأت السلطات الصينية باستحضار شبح قوى الشر الثلاثة المتمثلة في: الانفصالية والتطرف والإرهاب، لاستخدامها كذريعة لقمع شعوب الأويغور.
جهّز السيد تشين مدينة سنجان بشبكة من نقاط التفتيش، ومراكز الشرطة، والعربات المدرعة والدوريات المستمرة. والتي قد أتقنها عندما كان في منصبه السابق في التبت. الحزب الشيوعي الصيني ينسب له الفضل في إسكات مجموعات عرقية مضطربة غير راضية بحكمها. وفي سنته الأولى لحكم سنجان جنّد عشرات الآلاف من أفراد الأمن الجدد.
كما أقرت العديد من المنافذ الإخبارية فقد نشر أدوات عالية التقنية في الخدمة لإنشاء دولة بوليسية أفضل.
يُجمع الحمض النووي DNA أثناء عملية الفحوصات الطبيعية التي تقوم بها الدولة. تقوم السلطات المحلية حاليا بتثبيت نظام تتبع GPS لجميع المركبات. وتفرض الحكومة تحميل أنظمة التجسس الحكومية في الهواتف، جميع برامج الاتصال محظورة باستثناء تطبيق WeChat والذي يضمن وصول الشرطة لاتصالات المستخدمين ورسائلهم وجميع المحتوى المنشور.
عندما يشتري أحد الأويغور سكين مطبخ تُطبع بياناته الشخصية على الشفرة كرمز QR. هذه المعتقلات الرقمية هي أسلوب حديث يذكرنا بالثورة الثقافية في الستينات والسبعينات. أفاد بعض أفراد الأويغور أن العملاء الأمنيين يطرقون أبوابهم بعد إجراء المكالمات الخارجية. في الخريف الماضي أخبرني أحد الأويغور أنه بعد عدة زيارات مريبة أرسل له والداه المسنان “شاشة الهاتف مضرة لأعيننا؛ لن نستخدمها بعد الآن” ولم يسمع عنهما منذ ذلك الحين. حاليا فرضت السلطات في سنجان مجموعة من اللوائح ضد عادات الأويغور، بما في ذلك بعض اللوائح التي تنافي المنطق السليم. يحظر القانون تغطية الوجه، وكذلك إطالة اللحى “بشكل غير طبيعي”. قُللت رتبة زعيم حزب القرية لعدم تدخينه زعمًا بأن هذا الفشل ينبو عن عدم التزام بالعلمانية! في جنوب غرب سنجان زعم المسؤولون في مدينة كشغر أن العديد ممن سجنوا حاليا من رجال الأعمال الأويغور البارزين لم يؤدوا الصلاة بخشوع في جنازة ما يعني أنها علامة على التطرف. أي انتهاك من هذا القبيل أو حتى لمجرد كونك فنانًا من الأويغور أو رجل أعمال ثري من الممكن أن يؤدي بك إلى الاعتقال إلى أجل غير مسمى فيما تسميه الحكومة بـ “مراكز التدريب السياسي”: إحياءً لمعسكرات إعادة تأهيل الماويين التأديبية، وهي مسيّجة بجدران مرتفعة وأسلاك شائكة وكشافات وأبراج حراسة. ويقال إن عالمًا مسلمًا موقرًا قد قضى نحبه في أحد تلك المعسكرات هذا الأسبوع.
وفقًا لإذاعة آسيا الحرة تلقّى مسؤول في المقاطعة وضابط شرطة في جنوب سنجان أوامرًا باعتقال نسبة 40% من سكان الأويغور المحليين. يقدّر آدريان زينز -باحث في المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوت- أن نسبة 5% من الأويغور في أنحاء سنجان قد احتُجزوا أو هم محتجزون حاليا، ما يعني أكثر من 500،000 شخص!
ملاجئ الأيتام المحلية تفيض بالأطفال المحتجزين، وبحسب ما ورد أن بعض الأطفال يُرسلون إلى مرافق في الأجزاء الشرقية من الصين.
لمَ تتعرّض شعوب الأويغور لهذه المعاملة الغليظة؟ بيّن مسؤول صيني في كشغر: “لن تستطيع اقتلاع كل الحشائش الضارة المخبّأة بين المحاصيل في الحقل واحدة تلو الأخرى ولكن سيتعين عليك رش كيماويات لقتلهم جميعًا”!
يبدو أن الحزب الشيوعي الصيني الذي كان ليبراليًا في منهجه للتنوع قد أعاد تعريف الهوية الصينية …
الاختلاف العرقي بحد ذاته يُعرف على أنه تهديد للدولة الصينية، يشعر القادة المحليون مثل السيد تشين أن باستطاعتهم استهداف شعوب الأويغور وثقافتهم بشكل كامل.
تختلف بعض الشخصيات البيروقراطية الصينية والأوساط الأكاديمية مع هذا النهج، ويُعربون عن قلقهم بأن إغلاق مقاطعة بأكملها واضطهاد عرق كامل سيؤدي إلى غرس الاستياء على المدى البعيد بين الأويغور. هم قلقون كذلك بشأن سياسات السيد تشين المكلّفة للغاية والتي يصعب تحملها: يشكو سكان الهان الصينيون في سنجان من صعوبة المعيشة في مثل هذه الدولة البوليسية.
وتوجد كذلك التبعات الدولية، القمع الشامل في سنجان قد يضرّ بسمعة الصين وبمحاولاتها لتحصيل تقدير عالمي، وذلك عندما توفر السياسة الخارجية الفوضوية لإدارة ترامب لبكين الفرصة لتعزيز مكانتها. اِنسَ صورة الرئيس تشي باعتباره أمميا مسؤولا في دافوس؛ لا شيء يمزق القوة الناعمة في الخارج مثل لفائف الأسلاك الشائكة في الداخل.
توجد نكتة صينية عن الأويغور كونهم رواد الأعمال البارزين في طريق الحرير، تقول: “عندما يضع أول رائد فضاء صيني قدمه على القمر سيجد أحد الأويغور قد بدأ ببيع لحوم الضأن هناك”. وحتى مع قيام السيد تشين بقمع سنجان فإن الحكومة الصينية تعتبر المنطقة بوابة لمبادرتها: “حزام واحد طريق واحد” مشروع السياسة الخارجية للسيد تشي.
تجمع الفكرة الرئيسية خطط لإنفاق بلايين الدولارات في قروض التنمية ونقل الاستثمارات عبر أوراسيا مع محاولة استراتيجية لترسيخ السيادة الدبلوماسية للصين في آسيا. لكن في حين أن حكومة تشين تعد العالم بطريق حرير جديد عبر آسيا الوسطى المسلمة والشرق الأوسط تحاول السلطات في سنجان احتواء “مشكلة الأويغور” بزيادة العديد من المواطنين الصالحين والتجسس عليهم من جميع أركان الشوارع وأجهزة الهواتف. تتعارض السياسات الحالية للحزب الشيوعي الصيني مع تطلعاته الدولية.
كيف يعتقد الحزب أن توجيهات حظر الصيام في رمضان في سنجان -والتي تطلب من متاجر الأويغور أن تبيع الكحول وتمنعهم من تسمية أبنائهم بأسماء إسلامية- ستمر مرور الكرام … إن آلاف اللاجئين الأويغور سيعرقلون دبلوماسية الصين.
يعرف التبتيون هذا الوجه المخزي للصين جيدا. يجب أن يقلق سكان هونغ كونغ من تجريم ثقافة الأويغور، وإذا ما كان الحكم المستقل المفترض لسنجان خدعة، هل ستبتلع الدولة البوليسية ذات البيانات الضخمة بقية الصين؟ ماذا عن بقية العالم؟
مع نمو صورة الصين على في المشهد الدولي، يستحسن بالجميع أن يتساءل عما إذا كان ما يحدث في سنجان سيبقى محصورا داخلها أم سيتجاوزها!
إضافة:
اقرأ ايضًا: كيف مُنِع الإيغور من إيصال معاناتهم للعالم
- جيمس إيه ميلوارد: أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون، ومؤلف كتاب: “مفترق طرق أوراسيا: تاريخ شينجيانغ”