- إيرينا دوميتريسكو
- ترجمة: غفران فراج
- تحرير: عبد الفتاح أنور
الكتابة العامّة قد تكون موضوعًا حسّاسًا. فنحن نعيش في عصرٍ ذهبيّ من الفكر العام. وعلماء اليوم يمتلكون طرقًا عديدًة للوُصول إلى جُمهور عريضٍ- بدءًا من المجلات عبر الإنترنت المُتعطّشة لأخبار جديدة حول مواضيع اليوم، إلى المجلات المطبوعة التي تبحث عن مقالات موثوقة. هناك مدرّبون يقدّمون تدريبات على الكتابة، مثل مشروع “OpEd”؛ والذي يمنح فرصةً للتدريب على عرض المنشورات ذات الاهتمام العام، بينما تطلب وَكالات المِنح في أوروبا وأمريكا الشمالية بشكل متزايد من المُستفيدين؛ التواصل مع الجمهور.
بالنّسبة لبعض العلماء، فإنّ الكتابة العامّة تبدو وكأنّها مَهارةٌ من المُنتظر إتقانها لِتظلّ قادرة على المنافسة.
وفي الوقت نفسه، فإنّ الأكاديميّين غالبًا ما يتعاملون مع الصّحف والمجلّات والمواقع الإلكترونية بافتراضات مُستمَدّة من المصادر التي اعتدنا الكتابة فيها: المجلات العلميّة والمدونات التي تزدهر منذُ أوائل القرن الحادي والعشرين كوسيلةٍ بحثيّةٍ أسرع في المُبادلة العلميّة. وقد تعني مُحاولة الكتابة للجمهور سلسلة من المفاجآت غير السّارة حول ما يحدث لعملِنا في كل مرحلة من مراحل التحرير والنشر.
حتّى مع كونك من القرّاء ، يميل العلماء إلى إساءة فهم كيفية عمل الكتابة العامّة – أو كما يُسمّيها الجمهور، “الكتابة” – ما الغرض منها وما يجعلها جيدة!.
والنّتيجة تكون إحباطًا لا داعي له للأكاديميين الذين قاموا بهذه الخُطوة الأولى في الصّحف وقنوات الإنترنت، وهذا الاستياء في غير محلّه بين بعض العلماء الذين يعتقدون أنّ المقالات العامّة لزملائهم يجب أن تُقرَأ مثل العلوم.
خلال أكثر من عقدٍ من كتابة المقالات والمُراجعات للجمهور، سواء في غرفة القيادة الأكاديمية الخاصّة بي أو خارجها، قمت بجمع عددٍ من الدّروس التي أُقدّمُها لتجنيب الكُتّاب الآخرين بعض المُعاناة والانزعاج.
ملاحظاتي تتعلق بشكل خاص بعمليّة الكتابة – أحيانًا تكون من خلال عقد، ويُفَضَّل أن تكون مدفوعة الأجر- للمُحرّرين في المطبوعات المنشورة على الإنترنت والتي تستهدف الجمهور العام.
التّحكّم
فبِصفتك باحثًا، أنت معتادٌ على أن يكون لديك قدر هائل من الآراء حول كتاباتك وكيفية تقديمها. قد لا تشعر دائمًا على هذا النحو، لا سيما عند الردّ على قارئ بديل، ومُراجعة تلك المقالة للمرّة الخامسة. ومع ذلك فإنّ العمل النّهائي يمثل رؤيتك.
ومع ذلك، في اللحظة التي تَكتب فيها للقنوات ذات الاهتمام العام، فإنّك تخضع لرؤيتها التحريرّية. ماذا يعني ذلك من الناحية العمليّة: يعني أن يتم تحديد العناوين الرئيسية والرّسوم التوضيحيّة وتواريخ النّشر التي أدرجتها. في بعض الأحيان، يُحرّف عنوان المقال الذي يُعبّر عنه بشكلٍ خاطئ، أو يُبالغ في رسالتك لجذب النّقرات. وذلك يجعل القرّاء الغاضبون من العنوان يَميلون إلى توجيه غضبهم إليك، أيّها الكاتب. في بعض الحالات، سترى مُسودّة العُنوان أثناء عمليّة التّحرير، وسيكون بإمكانك تغييرها.
كُلُّ ما سبق ينطبقُ أيضًا على الفنّ، والذي يُمكن أن يتراوح ما بيْن الغير مُهذّب والمُسيء بشدة. وعادةً ما تظهر أسوأ العَناوين الرئيسيّة على الإنترنت، لكن الخبر السّار هو أنّه يُمكنك أحيانًا إقناع المُحرّرين في قنوات الإنترنت بتغيير عُنوان شنيع بشكل خاص. الشّيء نفسُه ينطبق على تاريخ النّشر، فما لم يتمّ ربط القِطعة بحدث إخباري سريع التطور، من المُحتمل أن تنتقل إلى قائمة الانتظار وتُنشر لاحقًا في أيّ مكانٍ بعد أسابيع أو حتى شهور.
قد يكون هذا تحدّيًا للكتّاب الذين نفد صبرُهم لرؤية أعمالهم منشورة. وحتّى عندما يمنحك منفذ البيع تاريخًا محدّدًا للنّشر، فيُمكنه أن يتأخر دون إشعار، إمّا بسبب المزيد من القِطع المُلحّة أو لأنّ المحررين قاموا بحفظها لاستخدامها مع مقالاتٍ أخرى حول نفس الموضوع. في إحدى المرّات، كان لديّ مُراجعة كتاب تظهر على الإنترنت كما تمّ الإعلان عنها، ولكن طباعتها كانت ستتمّ بعد شهر.
في هذه الأثناء، فإنّ القرّاء الذين اعتادوا على إمكانيّة النّشر السّريع للمُدونات المتوسطة أو الشخصية قد يَفترضون خطأً أنّ المقال المنشور حديثًا يعكس تفكيرك الحالي، بينما في الواقع قد يعكس فقط كيف نَظرْت إلى الأمر قبل ستّة أشهر. بالضبط كما يُعاني العمل في المجلات العلميّة من تأخّرٍ زمني، وكذلك يُعاني الكثير من الكتّاب العامة.
وحتى بعد نشر مقالتك، قد تُفاجأ عندما تجدها مُجمّعة في مواقعَ أُخرى أو مترجَمة إلى لغاتٍ أجنبية – كل ذلك بدون عِلمك أو إذنك. وفي بعض الحالات، ستتلقّى طلبَ إذنٍ ورسومًا لإعادة الطّباعة، لكن في حالات أخرى لن يتمّ إبلاغك بذلك.
قبل أن تَسمح بنشر عملك في مكان مُعين، اطلب من مُحرّرك توضيح ترتيب حقوق الطّبع والنّشر (نظرًا لأنّه ليس واضحًا دائمًا في “بنود وشروط” المنفذ). إذا كانت البنود لا تتضمن حقوق إعادة طبع غير حصرية، فيمكنك أحيانًا التّفاوض من أجل ذلك. تحقّق من المنشور للتأكد من أنّه يناسب أخلاقيّاتك، ولكن اعلم أنّه في اللحظة التي توافق فيها على بيع الحُقوق، يكون لديك رأيٌ محدودٌ حول كيفيّة عرض عملك.
التّحرير
عادةً ما يُحِبّ مُحرّرو المنشورات ذات الاهتمامات العامّة أن يلعبوا دورًا فعّالًا في تشكيل المقالات، إلى حدّ تعرّضهم للباحثين المُعتادين على الكتابة المنفردة. بالطبع مع بعض الاستثناءات القليلة، مثل المقالات الافتتاحية والأدبية، وعادةً ما تُحدّد المَهام مع عرضٍ تقديميّ يُوضِّح القصّة التي تُخطّط لروايتها وكيف ستبدأ في ذلك.
يُفضّل مُعظم المُحرّرين عرض المُسودّة، لأنّها تسمح لهم بالمشاركة في مرحلةٍ مبكرةٍ من العمل.
بمجرد الانتهاء من المُسودّة، تبدأ المُتعة حقًّا. يقوم بعض المُحرّرين بعمل تعليقاتٍ عامّة فقط أو تغييرات طفيفة، بينما يقوم آخرون بمُراجعة النّص بشكلٍ مُكثّف. نحن الأكاديميون نميل إلى أن يكون نثرُنا ذات قيمة. قد يكون من الصّعب تلقّي مسودّةً قام فيها المُحرّر بقطع فقراتنا العزيزة بلا رحمة، وإعادة كتابة جُمَلنا الرائعة وإدخال كتاباته الخاصّة.
النّظر إلى الكتابة كمَسعى تعاوني كان من أصعب الدّروس التي كان علي تعلّمها ككاتبة متعددة. فبمجرد أن تعلّمت ألّا أكون شائكة للغاية بشأن ما حدث لنثري، بدأت أرى الجانب المُشرق. إذا كان لديك مُحرّر عملي، فيُمكنك طلب النّصيحة في وقتٍ مبكرٍ من العمليّة، ولا تقلق بشأن تقديم مُسودّة مثاليّة – سيعمل المُحرّر معك لتحسينها.
كنتُ أعلم أنّني وصلت إلى نقطةٍ جديدةٍ في تعليمي الحُرّ عندما تلقّيت مُسودات للصفحة من مطبوعة جديدة، وذُهِلت أنّ المُحرّرين لم يُغيّروا كلمة واحدة. في وقتٍ لاحق، وعندما قارنت المُسودّات بمُسودّتي الأصلية، أدركت أنّه تمّت إعادة كتابة كلّ جملة مفردة.
الأُسلوب
لقد كُتِب الكثير عن النّثر الأكاديمي السّيئ، ولست بحاجة إلى تكراره هنا. ومع ذلك، فحتى النّثر الأكاديمي الجيّد لا يُناسب الجمهور العام.
إنّ العادات التي نتعلّمها في كتابة العلوم تخدِمنا بشكلٍ ضعيفٍ في الكتابة العامّة، فالدراسة الجامعية تُعلّمنا صياغة نثرِنا بشكلٍ دفاعيٍّ – لدرء الهجمات المُحتملة من زملائنا. نحن نتجنّب الادّعاءات القويّة، ونُخفِّف كلّ جملة بكلمة “ربّما” أو “يُمكن للمرء أن يقول. وفي أسوأ الحالات، نجعل نثرَنا غير قابلٍ للاختراق تمامًا، يكون لدينا اعتقاد بأنّه إذا لم يستطع نُقّادُنا فهمَ ما نقوله، فلن يتمكّنوا من هدمه. لكن الصّفات التي تجعل الكتابة العلميّة لا غُبار عليها تُعطّل القرّاء العاديّين.
أحد دفاعاتنا الرئيسيّة هو الاقتباس، وهو ما يجعلُ كتابة شيء بدون حواشي أمرًا مزعجًا للغاية – خاصة إذا كان المقال مرتبطًا بأبحاثنا. فالقطعة التي تُواجه الجمهور ولا يُذكَر جميع مصادرها. قد لا يستشهد بأيٍّ منها.
لقد رأيت هذا الذّعر الشديد بين الزملاء ، الذين يتذمّرون أنّ العمل التأسيسي للبروفيسور X لم يُرد ذكره في ميزة “نيو يوركر” (ذات القيمة). التي كتبها الأستاذ Z. لكن الجمهور لا يُريد أن يقرأ عن مُساهمات الأستاذ X. ولا يتوقّع قُرّاء مقالتك ذات الاهتمامات العامّة اقتباساتٍ نصيّة لكل ما قرأته بعد كتابته.
الغَرض
الكتابة العامّة لها روحٌ مختلفةٌ عن النّثر العلمي. نكتُب العلوم لتأسيس أوْراق اعتمادنا في مجالٍ ما، ولإعطاء مصلحة للمُطالبات الأصلية، وبناءِ اسمٍ لأنفسنا في المهنة. ومع ذلك ، بالنسبة للكتابة ذات الاهتمام العام، يجب اتّباع نصيحة هوراس للشّعر: أهدُف إلى التثقّف أو البهجة- من الناحية المثالية، افعل الأمريْن. أخبر القُرّاء بقصة، وامنحهم المعلومات الأساسية التي يحتاجون إليها لاستيعابها. تجنّب المُصطلحات الغريبة في مُعظم الأحيان، لكن علّم القُرّاء مصطلحًا رئيسيًّا يُساعدهم على فَهم مَوضوعك بشكلٍ أفضل.
وتُعَدُّ مُراجعات الكُتب إحدى أنواع المُراجعات التي قد تكون مُربِكة. فهي نُقطة دخولٍ سهلة إلى الكتابة العامّة، لأنّها تعتمد على المهارات التي يمتلكها الدّارسون بالفعل. لكن الهدف من كتابة مُراجعة كِتاب للجمهور؛ ليس إظهار مدى ذكائك أو الأخطاء المطبعيّة التي اكتشفتها في النّص. بدلًا من ذلك، فهي تُساعد القُرّاء على تحديد ما إذا كانوا يُريدون شراء الكتاب، وتزويدهم بأفكارٍ ومعلومات ليستمتعوا بها حتى لو اختاروا عدم القيام بذلك.
لكي نكون مُنصفين، فإنّ أكثر مُراجعات الكُتب المُفيدة في المجلّات الأكاديمية تفعل ذلك أيضًا في مُدوناتها الخاصّة، لكن المنشورات العامّة عادةً ما تكون مهتمّة بتجربة القارئ، أكثر من اهتمامها بغُرور المُستعرِض أو المُؤلف الذي تتمّ مُراجعة عمله.
هذا يعني أيضًا أنّه إذا كان كِتابك يتمّ مُراجعته في المنشورات الرئيسيّة قد تشعر بالاستياء عندما تجد أنّ “المُراجعة” هي مقالٌ مستقلٌّ يَستخدم كتابك كخطّاف.. فحاول أن تُقدّر المَنشور.
الجَوْدة
يُخطِئ الأكاديميّون أحيانًا في الاعتقاد بأنّ معاييرهم لا تحتاج أن تكون عالية الجودة بشكلٍ خاص عند الكتابة للجمهور. على الرغم من أنّك لن تَكتب بدقّة النّثر العِلمي أو تستشهد بكلّ مصدر، فلا يَزال عليك أن تسعى لِتكون دقيقًا وحذِرًا كما هو الحال في منشوراتك العِلمية، خاصةً إذا كنت تعتمد على تخصّصك.
لا يَزال هناك عددٌ قليلٌ من المطبوعات الرئيسية بها أقسام للتدقيق، لكن بشكلٍ عام، يُفترض أنّك تتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن ضمان حقيقة ما تكتبه. أنت مَدِينٌ للجُمهور بمستوى أعلى من الدّقة أكثر ممّا تفعله مع زملائك، حيث تزيد احتمالية أن يثق الجُمهور في وثائق اعتمادك، مع كونهم أقلّ قدرةً على الوصول إلى مصادرِك. فإذا حصلت على أدلّة قبل النّشر، فتحقّق منها بعناية للتأكّد من عدم وجود أخطاء في الدّقة.
الحقيقة المُزعجة هي أنّه – في حين أنّ العمل المُتقاطع مُهمّ قليلًا في طريق التّرقيات في الأكاديمية – إلا أنّه لا يزال من المُمكن أن يَضرَّ بسُمعتِك إذا قُمتَ بالعمل بشكلٍ غير مُتقَن.
وبالنّظر إلى كلّ تلك التحذيرات، لماذا تكتب أصلًا إلى الجُمهور؟
هناك أسبابٌ استراتيجيّة، مِثل إبراز وجودك أو إظهار أهميّة بحثِك. كما أنّه من الجيّد أيضًا الوُصول إلى القُرّاء المُهتمّين بمَجال عملك، لكن لا يمتلكون التأهيل اللازم لتقدير عُلومك. فبِصفَتك باحثًا عامًّا، لديك الحُرّية في الكتابة عن مواضيعَ خارج مجال تخصُّصك، والتي بدوْرها يُمكن أن تُثرِي بحثك وتَدريسك.
أخيرًا، يُمكن للعديد من الصّفات أن تجعل المقالات العامّة الجيّدة: الوُضوح، القَناعة، الأُسلوب، وأيضًا تحسينُ كِتابتك العلميّة.
اقرأ ايضًا: خمسة أشياء عليك تجنبها في الكتابة الأكاديمية