- بلير شيبارد وسوزانا أنفيلد
- ترجمة: ندى محمد
- تحرير: عبير الغامدي
في استبيان قامت به شركة PwC في عام 2019 عن الأزمات العالمية، توقع 69% من المشاركين حدوث أزمة عالمية في السنوات الخمس المقبلة، على الأرجح بسبب انهيارٍ مالي أو فشلٍ تقني. وقد صح تنبؤهم بالفعل، فبعد تسعة أشهر فقط من إطلاق الاستبيان، هزّت العالم أزمة صحية من نوع جديد وغير متوقعة أبدًا (كوفيد-19) وغيّرت العالم تغييرًا جذريًّا. فإذا كان إحداث التغيير في الوضع المضطرب الحاصل في بداية عام 2020 تحديًا صعبًا، فدرجة صعوبته الآن تضاعفت أضعافًا كثيرة.
كما لاحظنا مؤخرًا في مقال سابق، هناك خمس قوى عالمية تعمل بالفعل على تغيير أسلوب حياة وعمل ملايين الأشخاص، وهي: تفاوت الثروة، والاضطراب والفوضى، والتفاوت العمري، والاستقطاب، وفقدان الثقة، وهو ما أطلقنا عليها معًا مسمى “ADAPT”؛ وهذا الوباء أدى إلى تعزيز هذه القوى. وبالتالي، فإن المؤسسات لديها وقت أقل مما تعتقد لإعادة تشكيل نفسها حتى تحافظ على بقائها في عالم يتغير باستمرار.
في كتابنا القادم، نتوقع أن أمام البشرية “عشر سنوات حتى ساعة الصفر” التي يحل فيها الدمار، لكن مع التسارع الشديد للأحداث، يبدو أن لدينا وقت أقل حتى موعد تلك الساعة المصيرية. أما الخبر السار هنا فهو أنه من خلال التعرف على التحديات التي يواجهها المجتمع، واستيعاب الدروس المستفادة من الوباء، والاستفادة من الأدوات والتقنيات المتاحة، يمكننا رسم مسارٍ جديد أكثر ملائمة. لكن القيام بذلك سيؤدي إلى فرض مجموعة من المطالب الجديدة والضغوط الشديدة على القادة.
لم يواجه القادة أبدًا – في كل أنحاء العالم المترامي الأطراف- الكثير من المعضلات والحاجة إلى تسوية الاختلافات. أما الآن وبالإضافة إلى تعاملهم مع الجوانب المعروفة لأعمالهم، يتعين عليهم التعامل مع أهم القضايا الأساسية: الصحة والرفاهية والأمان والسلامة المالية، بالإضافة إلى تقديم التنازلات المؤلمة. يبدو أن ردود الأفعال تتعارض مع بعضها البعض، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات يُحتمل بنسبة كبيرة أن تكون خاطئة، فقد تظن العديد من الشركات أنه يجب عليها العودة إلى العمل كالمعتاد للحفاظ على صناعاتها ومجتمعاتها واقتصادها؛ ولكن مجرد العودة إلى طرق العمل المألوفة يمكن أن يعيق قدرة هذه الشركات على النجاح في المستقبل.
لقد زادت سرعة اتخاذ القرارات، فالتحركات الحاسمة -أو التي بدت حكيمة- واتُّخذت قبل شهر -أو حتى قبل أسبوع- يمكنها قريبًا أن تكون غير ضرورية، أو حتى طائشة. ففي وقت يصعب فيه التنبؤ بالمستقبل، يبدو التخطيط على المدى الطويل والمتوسط بلا جدوى، ويُقلّص نطاق التخطيط قصير المدى إلى بضع ساعات. ومع ذلك، فإن هذه الأوقات بالتحديد يتطلع فيها الناس إلى القادة ليستمدّوا منهم الاستقرار والأمل والطريق الذي سيتخذونه. إن الأزمات –مثل هذه الأزمة التي نمر بها- ما هي إلا إناء تنضح منه القدرات الحقيقية للقادة ويبنون عليها صيتهم وسمعتهم.
كما لاحظنا لأول مرة في عام 2018، في تحليلنا للمفارقات الست للقيادة، يجب على القادة الناجحين اليوم تجسيد مجموعة من المفارقات الواضحة والتعامل معها من أجل الازدهار في عالم سريع التغير؛ فيجب عليهم أن يتمتعوا بالثقة للتخطيط لاستراتيجيات واضحة مع التواضع لتصحيح المسارات والاعتراف بالحاجة إلى التغيير. كما يجب أن يتمتعوا بالمهارة في تأمل المناظر الطبيعية على ارتفاع 30000 قدم بقدر مهاراتهم في التأكد من أن أعمالهم تسير بشكل جيد على أرض الواقع. يجب عليهم أيضًا التمسك بالأساليب الأولية التي جعلت مؤسساتهم ناجحة مع تبني الابتكار باستمرار. كما يجب عليهم النظر فيما يحتاجون تحقيقه من قواهم العاملة، ومن ثم استخدام التقنية الفعالة للمساعدة في القيام بذلك. يجب عليهم أخذ العالم بأسره في عين الاعتبار أثناء العمل على المستوى المحلي. كما يجب عليهم إثبات قدرتهم على التفاوض حول وجهات النظر المختلفة للوصول إلى اتفاق بينهم مع الحفاظ على نزاهتهم في ذلك. نظرًا لسعي العالم باستمرار إلى الإصلاح وإعادة بناء نفسه بعد الخسائر الجماعية والأضرار التي لحقت به بسبب أزمة كورونا وسعيه للبقاء صامدًا في الأزمات المستقبلية، نحن بحاجة ماسة لأن يفهم القادة لهذه المفارقات وقبولها وتبنيها.
الإصلاح: ضرورة التصرف بسرعة وذكاء
الخطوة الأولى في التعافي هي إصلاح ما قد كُسِر. فمن أجل الرد بسرعة وبذكاء، يجب أن يتمتع القادة بالثقة لاتخاذ القرارات والتصرف في عالم مضطرب، مع التواضع لأخذ الاستشارات الموسعة، وللاعتراف بأخطائهم، ولتعديل المسارات. يجب أن يكونوا أبطالًا متواضعين، وهذا هو النوع الأول الذي سنناقشه من المفارقات في القيادة.
في ظل انتشار كورونا وتقييد تنقل الناس حول العالم، وجب على قادة العالم اتخاذ إجراءات حاسمة. في الصين ونيوزيلندا وألمانيا وجنوب إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، فُرضت ضغوطات هائلة على قادة الدول للعمل من أجل مصالح بلدانهم وكل فرد من مواطنيهم، وتم تسليط الضوء على كل خطوة قامت بها الحكومات في وقت لم يُعرف فيه سوى القليل عن كيفية احتواء الفيروس أو مكافحته. تطلب الأمر شجاعة وثقة بالنفس للتحرك بحزم بالرغم من معرفة الخسائر الفادحة التي ستحدث إذا اتُخذ قرارٌ خاطئ.
في الأيام الأولى للوباء، كان لا بد من اتخاذ القرارات بقدر كبير من التعاطف والإذعان، والاستعداد لتقبل النتائج على الرغم من عدم وجود طريق واضح للمضي قدمًا؛ لكن النتائج المحتملة لأي من الخيارات المتاحة ستتضح أكثر من خلال المشاورات الدقيقة مع الأطباء والاقتصاديين وعلماء الأوبئة والتقنيين وخبراء الصحة العامة. وفي ظل هذا الاضطراب، من الطبيعي جدًا أن يرتبك القادة، ويعجزون ويعانون لأجل اتخاذ قرارات صائبة وتنفيذها بشكل فعال. كما يصعب عليهم إجراء التعديلات في ظل الظروف المتغيرة.
عندما طُرحت السياسات العامة، كان من المهم حشد القادة للناس لتغيير سلوكياتهم واتخاذ إجراءات جماعية. فبعد وقت قصير من وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما ثبتت إصابة لاعب واحد فقط، استشار آدم سيلفر Adam Silver مفوض الاتحاد الوطني الأمريكي لكرة السلة المالكين واللاعبين وهيئات الصحة العامة، ثم قام بالإجراءات المناسبة فورًا. ففي 11 مارس، قرر اتحاد الدوري تعليق موسم 2019-2020. قال سيلفر: “توجب علينا في تلك اللحظة التراجع قليلًا إلى الخلف، والتقاط أنفاسنا، والتأكد من أن كل فرد في الاتحاد الوطني لكرة السلة بصحة وأمان، وبإمكانه القيام بكل ما يحتاج إليه لرعاية أسرته”. مهد هذا التصرف الطريق للرياضات الأخرى لتحذو حذوه (وأثبت فعاليته في ضوء الانتشار السريع للفيروس الذي أعقب ذلك). ظل سيلفر صريحًا طوال الوقت بشأن عدم تأكده من صحة قراره، لكنه كان أفضل خيار لديه في ذلك الحين. وفي 30 يوليو، استأنف الدوري الاميركي موسمه المعلق في فلوريدا.
للحد من الأضرار الناجمة عن أزمة كورونا وإصلاحها، كان على القادة فهم الصورة الكاملة (طبيعة الوباء، وتداعياته العالمية، وإمكانية حدوث نتائج مختلفة) إلى جانب الإحاطة بالتفاصيل الدقيقة لتحقيق الاستقرار في عمليات الشركة، وتشغيل سلاسل العرض مجددًا، والتأكد من قدرة أعضاء الفريق على العمل عن بعد. بعبارة أخرى، كان عليهم أن يكونوا منفذين استراتيجيين جيدين حقًا، وهذا نوع آخر من المفارقات في القيادة.
نظرًا لتسبب كورونا في حظر التجول، كان تأثير ذلك على العديد من الشركات والقطاعات مباشرًا ومدمرًا. كان على الرؤساء التنفيذيين الموازنة بين تأثير قراراتهم على السلامة الفورية لموظفيهم وبين العواقب طويلة المدى المتعلقة باستدامة أعمالهم وصلاحيتها. تصرف بعضهم بطريقة تضمن صمودهم مستقبلًا، بينما اجتهد آخرون باتخاذ الإجراءات فورًا، لكنهم قد أضروا بسمعة مؤسساتهم أثناء ذلك. في أوقات الأزمات، من السهل الانغماس في مشاكل الوقت الحالي، والتركيز على الحفاظ على الممتلكات الحالية، والقيام بأكثر المهام التالية وضوحًا لمحاولة النجاة، لكن أولئك الذين قاموا بذلك أضاعوا على أنفسهم الفرصة ليظهروا بمظهر الأذكياء، أو ليهيئوا أنفسهم للمستقبل، أو ليبقوا على اتصال بالموظفين والعملاء الذين يحتاجون إلى الإلهام والأمل. وفي الوقت نفسه، فإن أولئك الذين أمضوا وقتًا طويلاً للغاية في التركيز على النتائج طويلة المدى في محاولة للتنبؤ بمصير العالم، ووضع الاستراتيجيات دون التحرك خطوة للأمام، قد يجدون قريبًا ميزانيتهم العمومية في حالة يرثى لها وسلاسلهم التوريدية معطلة. وبإخفاقهم في التعامل مع الأزمة الحالية، قد يواجهون عواقب وخيمة على أعمالهم حتى لو كانت لديهم رؤية واضحة تمامًا للمستقبل.
على مستوى الدول القومية، سيطر القليل من القادة على حدة التوتر الحاصلة بين الاستراتيجيات وتنفيذها، وعلى رأسهم رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن Jacinda Ardern. فبعد أن أعلنت الدولة عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 28 فبراير، وضعت أرديرن خطة واضحة قابلة للتطبيق، حيث شجعت كل الشعب النيوزيلندي البالغ عددهم 5 ملايين نسمة على أن يكونوا جزءًا من مكافحة الفيروس. تضمن أحد جوانب نهجها الاستراتيجي نظام إنذار من أربعة مستويات، طُبّق في وقت مبكر من تفشي الوباء ونُفّذ بشكل شامل وفعال طوال مدة الوباء. وفي 8 يونيو، رفعت نيوزيلندا جميع القيود وأعلنت تعافيها التام من الفيروس.
دعت مكافحة الوباء إلى قدر كبير من الارتجال الفوري، سواءً كان ذلك من خلال ابتكار المستشفيات بروتوكولات علاجية جديدة أو من خلال اكتشاف الشركات لكيفية تطوير أنظمة تعديل الخدمات الشخصية عن بُعد. في كثير من الحالات، كانت الشركات ذات الباع الطويل من التميز العملي من ضمن أقدر الشركات على تطوير المنتجات والخدمات سريعًا لتلبية الاحتياجات الجديدة. وكانت قادرة على القيام بذلك مع الحفاظ على أهدافها الأساسية، حتى لو تم إيقاف أعمالها الرئيسة. وكم رأينا مرارًا وتكرارًا مثل هؤلاء المبتكرين يرتقون إلى القمة.
في إيطاليا -على سبيل المثال- واجهت الخياطات المتميزات انخفاضًا مفاجئًا في الطلب على الأزياء الراقية، فقررنَ إعادة توظيف قدراتهن للبدء في صنع أدوات الحماية الشخصية للمستشفيات المحلية. لقد قمنَ بهذا الإنجاز الارتجالي لتلبية الحاجة الماسة للأقنعة (الكمامات) (التي كانت قد طلبت من الخارج لكنها كانت مصادرة عند الحدود). كان عملهن هذا مثيرًا للإعجاب، كما وصفه كلوديو مارينزي Claudio Marenzi، الرئيس السابق لمؤسسة المنسوجات الإيطالية الشاملة Confindustria Moda. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اجتاح البلاد كلها نقص مفاجئ في أجهزة التنفس الصناعي، فقامت شركة جنرال موتورز General Motors (التي لها تاريخ طويل يقارب المئة سنة في الابتكار الهندسي ولكنها لم تصنع معدات طبية معقدة أبدًا من قبل) بالتخطيط في غضون بضع أسابيع، والعمل مع سلسلتها التوريدية، ومع الموظفين المدرَّبين لإنتاج الآلاف من أجهزة التنفس الصناعي.
اعتمدت هذه المؤسسات على الثقة التي اكتسبتها من قبل، فاستفادت من تلك الثقة، ومن خلال التمسك بأساساتها المتينة وسرعة الابتكار أخذت بزمام القيادة في وقت حاجة المجتمع إليها. ومع استمرارنا في مكافحة هذه الأزمة، من المهم أن تكون المؤسسات مفيدة وهادفة أكثر من أي وقت مضى.
في بداية عام 2019، طرح رئيس شركة Pfizer ومديرها التنفيذي ألبرت بورلا Albert Bourla نهجًا جديدًا للبحث والتطوير، والذي يسعى إلى إبطال الطرق التقليدية لاختبار الأدوية الجديدة مع التركيز على الغرض المعلن للشركة المتمثل في البحث عن “اكتشافات تغير حياة المرضى”. إن ما يترتب على ذلك من قدرة على زيادة سرعة حصول التركيبات الجديدة على موافقات هيئة الغذاء والدواء قد حسّنت من وضع الشركات لتدفعها للبحث عن لقاح تمس الحاجة إليه لكوفيد-19. لن يتمكن القادة من النجاة والمساعدة في إعادة تشكيل العالم إلا إذا كانوا قادرين على الابتكار بطريقة مجدية وحيوية.
إعادة التفكير: التخطيط للحاضر مع وضع المستقبل في الاعتبار
لعبت التقنية دورًا مهمًا في تكيف المؤسسات مع الواقع الجديد. ففي العديد من الحالات، لوحظ على منصات التقنية التي كان لها بالفعل تأثيرًا هائلاً على المجتمع سرعة زيادة قوتها وبلوغها وارتفاع قيمتها، حيث ارتفعت أسهم أمازون Amazon ونتفلكس Netflix بنسبة 30 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، كما ارتفعت أسهم زوم Zoom إلى الضعف. ولكن هناك حالات لا تساهم فيها التقنية بشكل منصف في المجتمع. فعند التفكير في أفضل السبل للاستفادة من التقنية لصالح البشرية، يجب أن يكون القادة قادرين على سد الفجوة بين القوة العظيمة للتقنية وبين احتياجات الناس. كما يجب أن يكونوا بارعين في الذكاء العاطفي كما هو حالهم مع الذكاء الاصطناعي. ليس هناك مكان تكون فيه حاجة المجتمع لمثل هؤلاء الإنسانيين البارعين في التقنية أشد من المجتمع التعليمي الكبير الذي يؤثر على حياة مليارات الأشخاص يوميًا. أجبر وباء كورونا المدارس والكليات والجامعات على إغلاق مرافقها الأساسية بسرعة وبشكل كامل، مما يتطلب تعليم الطلاب من المنازل. لا نعرف حتى الآن عواقب هذا التحول المفاجئ، ولكن في كثير من الحالات يُترك الطلاب بدون التنظيم والانضباط والدعم النفسي والمعنوي الذي يحتاجون إليه ولا يجدونه غالبًا إلا في المدارس والجامعات. على الرغم من إمكانية تقديم المحتوى إلكترونيًا وإجراء التقييمات افتراضيًا، إلا أن التقنية وحدها لا يمكنها تقديم القيمة الكاملة للتعليم؛ لأن الطلاب يفقدون الكثير والكثير عند انعدام الفرصة لبناء العلاقات، ومواجهة التحديات، وإجراء حوارات فعالة، والتعلم من خلال نظام تربوي يدعم الاحتياجات البشرية التي تعتمد عليها النتائج التعليمية. فيجب أن نحرص على ضمان عدم فقدان الطلاب لهذه الاحتياجات البشرية في ظل استخدام التقنية والانتفاع بها.
كانت المؤسسات التعليمية التي قد قامت مسبقًا بدمج التقنية مع أساليبها في التدريس أكثر قدرة على إدارة التحول إلى الفصول الدراسية الافتراضية مع الحفاظ أيضًا على العمل الجماعي بين الطلاب ودعم الاتصال المستمر بين المعلمين والطلاب. كما تقدم آخرون كثر خلال الأزمة، ففي مدونة حديثة وصفت فيونا كوتام Fiona Cottam مديرة مدرسة هارتلاند Hartland العالمية في دبي، كيف تم تدريب المعلمين في مدرستها بسرعة على مايكروسوفت تيمز Microsoft Teams لإعطاء مناهجهم الدراسية من خلال الفصول الدراسية الافتراضية وكيف أصبحوا خبراء في تويتر Twitter للوصول إلى موارد معلمين آخرين وإنشاء شبكات الدعم الإنساني التي يحتاجون إليها لتقديم أفضل التجارب للتلاميذ وأسرهم. إن مضاعفة قادة التعليم لجهودهم ودمج التقنية مع طرق التدريس تشتد أهميتها الآن أكثر من أي وقت مضى.
إعادة التشكيل: التنظيم للمستقبل
بينما يتعايش المجتمع مع هول الأحداث المشتركة التي خلّفها الوباء، تتسنى لنا الفرصة لتشكيل العالم بطريقة جديدة. توجب علينا كأفراد وعائلات أن نتعلم كيف نكون مكتفين ذاتيًا وصامدين، كما احتشدت المجتمعات المحلية لحماية الضعفاء ودعم المشاريع الصغيرة المعرضة للخطر. أما على مستوى الشركات، فقد اضطرت إلى التفكير في قواها العاملة على أساس محلي، حيث تمكنت الدول المنفردة (التي تعمل على انفراد لتحقيق نتائج طبية إيجابية) من إدارة الفيروس بطرق مختلفة، وفي أطر زمنية مختلفة. أدى اضطراب سلاسل العرض العالمية إلى قيام العديد من الشركات بإعادة تشكيل سلاسل عرضها داخل الحدود الوطنية. كما تدافع القادة في جميع الأصعدة لحماية مجتمعاتهم، وكانت النتيجة في كثير من الحالات زيادة في النزعة الوطنية، والتي تعزز الاستقطاب والتفاوت الموجود بالفعل في النظام العالمي. نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى قادة يفهمون القوى العالمية، وهياكل السوق، واحتياجات المجتمع، ويقدرون على فهم مجتمعهم المحلي ورعايته حق الرعاية. نحن بحاجة إلى أجسادٍ محلية بعقولٍ عالمية.
بينما يتعايش المجتمع مع هول الأحداث المشتركة التي خلّفها الوباء، تتسنى لنا الفرصة لتشكيل العالم بطريقة جديدة.
أهم درس نتعلمه من هذا الفيروس هو أنه لا يعرف حدودًا ولا يحتاج إلى دعوة لهزيمة أي دولة. ولن يسلم أحد من العدوى حتى يتم تطعيم الجميع تقريبًا. كما أن تطوير الأدوية واللقاحات وتصنيعها وتوزيعها سيتطلب تعاونًا عالميًا غير مسبوق. وفي الوقت نفسه، ستدعو الاختلافات العديدة في الثقافات والسلوكيات وأنظمة الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم إلى مكافحة الفيروس وهزيمته على المستوى المحلي.
نحن بحاجة إلى قادة يمكنهم إدارة التوتر الحاصل بين الحاجة إلى إيجاد حلول وبروتوكولات على المستوى العالمي وحقيقة أنه يجب تنفيذ هذه الحلول على المستوى المحلي. كان جاك ما Jack Ma – رائد الأعمال الملياردير ومؤسس شركة علي بابا Alibaba العملاقة للتقنية – القوة الدافعة لعملٍ عظيم يتمثل في شحن إمدادات طبية إلى أكثر من 150 دولة. كما كان له أيضًا من خلال مؤسسته تأثيرًا كبيرًا في نقل الأدوات الطبية الأساسية إلى البلدان التي تحتاجها، مع اتباعه للقواعد الدبلوماسية الصينية والحرص على خدمة بلده أولاً.
عندما تبدأ آثار الوباء بالتلاشي في جميع أنحاء العالم، فإن ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات القادرة على الازدهار ستعطي أيضًا فرصة لإعادة النظر في كيفية عملها. تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الناجحة قادة يتمتعون بالحنكة الكافية للتأثير على مجموعة أوسع من الجهات المعنية مع بناء مستويات أساسية من الثقة. فمن أجل إجراء تغييرات هادفة ودائمة، نحتاج إلى كادر من السياسيين ذوي النزاهة العالية.
يعد المناخ والاستدامة من الميادين التي تجتمع فيها المبادئ والسياسة. ويقوم بتهيئة المناقشات حول ذلك العديد من كبار رجال الأعمال، بما فيهم لاري فينك Larry Fink، الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الأصول بلاك روك BlackRock، الذي يعمل بحزم على إدراج المخاطر المناخية في القرارات الاستثمارية ويحث قادة الشركات على إعادة النظر في الافتراضات الأساسية حول التمويل الحديث. في الواقع، يمكن أن يكون الجانب المشرق لفيروس كورونا هو الطلب المتزايد من قادتنا لدفع المجتمع إلى مستقبل أكثر استدامة. ففي الوقت الذي يُختلف فيه حول العلوم والحقائق الأساسية، فإن صناعة أي مسارٍ مختلف يتطلب قيادة مشبعة بالثقة. كما يتطلب أيضًا مستوى من الشمولية لم يتم السعي إليه كثيرًا في التغييرات المنهجية الشاملة؛ شمولية قادرة على جمع وجهات النظر المتنوعة والمتضاربة أحيانًا والتوفيق بينها بحيث تكون النتيجة أفضل من أي اقتراحٍ فردي.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهي كيميائية (لكن لم تحصل على رخصة لمزاولة المهنة) قادت بلادها خلال أسوأ حالات الوباء وحافظت على سمعتها الحسنة. لقد نجحت في الاستفادة من خلفيتها العلمية ونهجها التحليلي العالي لبناء مستويات عالية من الثقة. ونتيجة لذلك، حافظت ألمانيا على مستوى عالٍ نسبيًا من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي مع مكافحة الفيروس بشكل فعال. وبدعم من صناعتها الدوائية المتطورة للغاية، تمكنت البلاد من إجراء حوالي 500000 فحص في الأسبوع لتتبع الفيروس بحلول أوائل أبريل؛ وذلك في الوقت الذي لم تتمكن فيه المملكة المتحدة من إجراء الفحوصات إلا لحوالي 7000 شخص فقط. سمحت هذه الجهود لميركل بالإعلان عن تخفيف إجراءات حظر التجول في وقت لاحق من الشهر، وقد سبقت بذلك العديد من الدول الأوروبية الأخرى.
إن المفارقات الست للقيادة عبء كبير يصعب على أي أحد تحمّله، ونحن بالفعل نتوقع الكثير من قادتنا. فعليهم أن يتحلوا بإتقان العمل، وفهم الأنظمة المعقدة، والتواصل بشكل فعال. كما أن الإقرار بهذه المفارقات يضيف الكثير من التعقيد والصعوبة عليهم. وبالتالي، فالعثور على شخصٍ يجسد كل ما سبق سيكون أشبه بالمستحيل، لأن القادة بشر في النهاية، لديهم عيوب ونواقص ومعرضون للفشل وخيبة الأمل. ولكن لأنهم بشر أيضًا، فهم قادرون على التعلم والتطور بسرعة كبيرة.
لذا فكر في مهارات القيادة لديك: أين تكمن قوتك؟ وسؤال آخر لا يقل أهمية عن الأول: ما هي نقاط ضعفك؟ وهل تجسد بالفعل بعض هذه المفارقات؟ على الرغم من أن ليست جميع المهارات تحددها وتطورها الدوافع، فإن الناس يميلون إلى عدم إيلاء الكثير من الاهتمام للمجالات التي لا يمتلكون فيها أي مواهب، أو في حالات أسوأ، يميلون إلى عدم احترام من يمتلك هذه المواهب. فيحتاج القادة إلى تعلم الاحترام والعمل بنجاح مع من يختلفون معهم في الاهتمامات لتحقيق التوازن الحقيقي بين المفارقات.
عند التفكير في هذه المفارقات الست، من المهم أن نلاحظ أن لا مفارقة منها تفوق الأخريات أهمية، بل إنها تكون في قمة فعاليتها عندما تعمل في اتساقٍ واحد. قد لا نتمكن من إيجاد كل عناصر هذا النوع من القيادة في أنفسنا، إلا أنه بإمكاننا الاجتهاد والعمل على تحقيقها، فقيامنا بذلك أمر مهم فعلًا. فعلى الرغم من صعوبة وباء كورونا، فلن يكون آخر أزمة نواجهها بالتأكيد.