- جوليا حنا
- ترجمة: رانية محسن
- تحرير: سهام سايح
في هذا العصر الشحيح بالموارد الاقتصادية، تزيد الضغوط أكثر من أي وقت مضى على مدراء المؤسسات غير الربحية لتقديم نتائج قابلة للمعايرة. يناقش النور إبراهيم وصاحب الأعمال الخيرية ماريو مورينو أوجه الاختلاف والتشابه بين معايير الأداء في القطاعات الربحية وغير الربحية.
الشركات أو المنظمات الربحية لها هدف مشترك: تحقيق الفائدة للمالكين أو المساهمين من خلال تقديم خدمات للعملاء.
إنّه هدف يبدو واضحًا بشكل حاسم من منظور المنظمات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية الملزمة بالتحرك في مسار مرَاقب من قبل أصحاب المصلحة المتعددين والمموِّلين ومجالس الإدارات والعملاء؛ كل ذلك مع التزامهم بالحفاظ على لبِّ هدفهم والقيم الأساسية للمنظمة.
بسبب المناخ السائد اليوم من شحَّة الموارد الاقتصادية، تزايدت الضغوط على المنظمات غير الربحية لتقديم نتائج قابلة للمعايرة؛ ونتيجةً لذلك، فالمؤسسة التي ليس لديها حسٌ واع بالتوجهات الاستراتيجية والبيانات الداخلية لتصور وفهم نقاط قوتها وضعفها، قد تتأثر بشكل كبير بالمطالب الخارجية للمعايير التي قد لا تكون ذات صلة بنجاح هدفها النهائي.
“من دون فهم النتائج، لا يمكنك معرفة ما يصلح وما لا يصلح“
ماريو مورينو
كيف يمكن لقادة المؤسسات غير الربحية معالجة مثل هذه المطالب المتضاربة؟
أجرى قسم الدراسات العملية في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد مؤخرًا حديثا مع اثنين من قادة مجال إدارة المؤسسات غير الربحية.
– ماريو مورينو هو أحد مؤسسي ورئيس مجلس إدارة “شركاء العمل الخيري” الذي يستثمر الأموال والخبرات بشكل استراتيجي لتحسين حياة الأطفال والشباب من الأسر ذات الدخل المنخفض في منطقة واشنطن العاصمة، ومؤلف كتاب “قفزة العقل: إدارة المخرجات= النتائج في عصر الندرة”.
– النور إبراهيم هو أستاذ مشارك في قسم الإدارة العامة ومبادرة المشاريع الاجتماعية في كلية هارفارد لإدارة الأعمال. وقد ألف ونشر بتوسع عن تحديات وأساليب وإدارة الأداء التي تواجه المنظمات غير الربحية، ضمن الكتاب الحائز على جوائز “المنظمات غير الحكومية NGO والتغير في المنظمات: الحوار، إعداد التقارير، التعلم”. و نشر أيضًا ضمن المجلد المحرر “المساهمات العالمية: المشاركة، التعددية،الأخلاق العامة”. يقوم إبراهيم بتدريس مقرر ماجستير إدارة الأعمال “القيادة والسلوك التنظيمي”، ويرأس برنامج التعليم التنفيذي الذي يحكم التميز في المجال غير الربحي.
– س: ماريو، أخبرنا عن شركاء العمل الخيري (VPP) وكيف كانت هذه التجربة مختلفة عن تجربتك السابقة في قطاع العمل الربحي؟
– ماريو مورينو: حصلت على خبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث عملت في مجال إدارة الأنظمة، والتي تتعلق أساسًا بتتبع أداء وسلامة منصات الحوسبة الكبيرة. ما جربته في السبعينيات والثمانينيات كان مشابهًا جدًا لما أراه اليوم في القطاع غير الربحي. في ذلك الوقت، طُلب من عملاؤنا القيام باستثمارات كبيرة في تكنولوجيا المعلومات، لذلك تساءلوا بالطبع، ماذا سنربح؟ ونتيجة لذلك، انخرطت بقوة في بحث كيفية جمع المعلومات وتقديمها لإظهار مدى إنتاجية مجال تكنولوجيا المعلومات وتوضيح القيمة التي يصنعها للشركة، والتي كانت في الواقع مهمة مجردة للغاية ويصعب القيام بها.
لقد تركت القطاع الربحي في عام 1992 وأمضيت بعض الوقت في العمل مع منظمات غير ربحية مختلفة، حيث تحصلت على رؤية داخلية لما كان متاحًا حينها. وكان هذا سببًا في إنشاء VPP في عام 2000. وكان اعتقادي أنّه إذا تمّ التعامل مع منحة أو استثمار في مؤسسة غير ربحية بشكل استراتيجي فسوف يكون له تأثير أكبر على الأشخاص المنتفعين. في المنظمات ذات الرؤية والقيادة الطموحة والتي تمتلك مؤشرات على نتائج ملموسة أحدثت فرقًا في حياة من ينتفعون بها، نرى أنّه يمكننا الانطلاق معها باستثمار حقيقي يبدأ من 3 إلى 5 ملايين دولار والعمل بشكل مكثف مع فريق الإدارة كمستشارين إستراتيجيين لمساعدتهم على بناء تلك المنظمة.
وفي الواقع، قام بعض شركائنا في الاستثمار بخطوات كبيرة، أعني تغييرات حقيقية في الخدمات المقدمة لأولئك الذين يخدمونهم، من حيث الكم والجودة. بيانات الأداء كانت تقع في صميم تلك الجهود، لكنّها لم تكن عاملاً رئيسيًا.
– س: ما هو عملك الأساسي ؟
– مورينو: الأداء يبدأ فعليا من قيادة المنظمة. لم أكن قد شرعت بعد في الكتاب، لكنني في عام 2009 جلست في ثلاثة اجتماعات مختلفة مع كبار رجال أعمال الخير في البلاد، نناقش مسألة القيادة في المنظمات غير الربحية. و لم يكن هناك مدير تنفيذي واحد لمنظمة غير ربحية في تلك الاجتماعات، وهذا ما أثارني. فكتبت مقالة، ساقتني بدورها إلى كتابي، “قفزة العقل”.
– النور إبراهيم: أودُّ أن أعود لبضع تعليقاتك، ماريو، والتي أعتقد أنّها مهمة وتحتاج لتوضيح. فبالعودة إلى وجهة نظرك حول الاختلافات وأوجه التشابه بين معايير الأداء في القطاعات الربحية وغير الربحية، هناك ثلاثة أشياء تظهر بوضوح.
الأول هو أنّنا نميل إلى التفكير أن المنظمات الهادفة للربح ترتكز على معايير صلبة ملموسة مثل الربح أو القيمة السوقية. ولكن تلك المؤسسات تقوم أيضًا بالكثير من الأعمال المؤسسية لتقوية قدراتها. تدور استثمارات رأس المال حول بناء المؤسسة، عن طريق الاستثمار في القوى البشرية والنظم التي تؤدي بعد ذلك إلى نتائج.
ومن المفارقات أنّ هذا النوع من البناء المؤسسي أمر نادر الحدوث في القطاع غير الربحي. وهذا ما تطرحه VPP وبعض المنظمات المشابهة لها على الطاولة. على مدار العشرين أو الأربعين عامًا الماضية، كان هناك الكثير من الحديث حول بناء القدرات في المنظمات غير الربحية، ولكن في الواقع معرفة كيفية بناء ودعم المنظمات هو شيء نتعلمه من خلال العمل في العالم الربحي. من الأهمية بمكان أن نوضح ذلك أولاً، لأنك إذا لم تفعل، فمن الصعب معرفة الأشياء المهمة التي يجب قياسها. هذه أولى الأولويات: العلاقة المتكاملة بين بناء القدرات وإدارة الأداء.
– مورينو: أحيانًا ما يختلط مصطلح “بناء القدرات” مع تفعيل الأنظمة التقنية. لكنه في الحقيقة يتعلق ببناء المنظمة ككل. نحن نغفل ذلك.
– إبراهيم: هذا صحيح. ويجب دعمه بالتحدي الثاني، وهو مواءمة المصالح المختلفة لأصحاب المصالح. عندما تفكر في عمل تجاري، فالأمثل أن يدفع العملاء مقابل منتج، هذا المنتج هو المسؤول عن إيرادات الشركة، مما ينتج في نهاية المطاف قيمة تتشكل في الربح أو نوع من أنواع العائد لمالكي الشركة (إذا كانت ملكية خاصة) أو للمساهمين (إذا كانت عامة). هذه القيمة يجب أن تتماشى مع مصالح العملاء والشركة والمالكين ومع أهداف العميل الذي يدفع مقابل المنتج.
في القطاع غير الربحي نادرًا ما يكون لديك هذا النوع من التوافق، لأنّ الأشخاص الذين يدفعون مقابل عمل المنظمات غير الربحية -المؤسسات والحكومات والجهات المانحة- يختلفون عادة عن الأشخاص المستفيدين من عمل هذه المنظمات. هناك بعض الاستثناءات في المواقف التي تُدفع فيها رسوم مقابل الخدمات. ولكن بصفة عامة يتعامل المدير التنفيذي أو مجلس إدارة المنظمات غير الربحية مع مجموعة كاملة من أصحاب المصالح ذوي الاهتمامات المختلفة. ثم يصبح التحدي هو إحداث هذا التوافق، مما يتطلب من المدير التنفيذي تحديد الأولويات بناءً على مهمة المنظمة.
في الواقع العملي، نجد أنّ العديد من القادة يواجهون مشكلة في تحديد الأولويات لأنّهم يميلون لترجيح مصالح المانحين. قد يكون للممولين مصالح مشروعة خاصة بهم، ولكن إذا وجد المدير التنفيذي أنّها تتعارض مع مصلحة المنظمة أو المستفيد، فإنّنا هنا نواجه مشكلة حقيقية. وفي مجال الاقتصاد، فمن غير المرجح أن يتخلى الناس عن التمويل عندما يتعلق الأمر بمصالحهم. هناك بعضٌ من الممولين المستنيرين الذين هم على استعداد للعمل مع المنظمة التي تبني قدراتها وتحدد أولويات المحاسبة الخاصة بها، ولكن هذا لا يزال نادرًا نسبيًا.
المسألة الثالثة هي الفرق بين المقاييس المالية والاجتماعية. لدينا نظام للقياسات المالية المتفق عليها عمومًا بين الشركات، مثل الأرباح والإيرادات، هذه عموم المعايير القديمة. ثم هناك أسعار الأسهم والقيمة السوقية، وهي معايير تخمينية تتوقع قيمة الشركة. قد يكون هناك بعض الجدال حول ما هو مهم في مرحلة معينة من دورة حياة المنظمة، لكن الناس يتفقون في معظم الأحيان على معايير محددة. أما في القطاع الاجتماعي، فليس لدينا ما يقارب هذه الدرجة من الاتفاق حول ما يمثل مقاييس مفيدة ومشتركة، حتى في القطاعات الفرعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة.
في الوقت الحالي، هناك الكثير من الجدال حول تطوير مجموعة مشتركة من المقاييس، بحيث إذا كان الناس سيستثمرون في هذا القطاع، فيجب أن تكون هناك طريقة ما لقياس العائد من الناحية الاجتماعية، إنّه صراع قاسٍ يحاول الكثير من الأشخاص ذوي الخبرات والمتخصصين كسر حدته في الفترة الراهنة.
– س: تبدأ الحاجة للخدمات الاجتماعية في التزايد حين تقوم الحكومة بوقف البرامج على جميع المستويات. كيف سيؤثر هذا على تطوير إدارة الأداء؟
– مورينو: هناك تقدم ملحوظ نسبيًا في القطاع غير الربحي في مجال إدارة الأداء، ولكن الحاجة إلى التغيير لا تزال قائمة وكبيرة. يكمن التحدي في أنّه لا يمكننا حل مشاكل أي منظمة على مستويات أعلى دون أن تنظر المنظمة في النتائج داخليًا. فمن دون فهم النتائج، لا يمكنك أن تميز بين الفعال أو المؤثر و بين غير المؤثر.
الضربة القادمة في الاقتصاد ستفرض اضطرابًا كبيرًا، وما نأمله هو أن تُتخذ قرارات ذكية فيما يتعلق بتخصيص الأموال المتوفرة، لكن التأثير سيكون شديدا و سيسبب الكثير من التغييرات في القطاع.
– إبراهيم: الحديث حول النتائج وإدارة الأداء يُطرح على مستوى العالم، وليس فقط هنا في الولايات المتحدة، بل تتشاركه كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومؤسسة تحدي الألفية، ونظرائهم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى. قبل عدة سنوات، اجتمعت مختلف وزارات البلدان المتقدمة والبلدان النامية لتحديد كيفية تحسين أداء وجودة المساعدات الدولية، مما أدى إلى إعلان باريس عن فعالية المعونة، وعقد الاجتماع العالمي الرابع من نوعه في أوائل ديسمبر في بوسان، كوريا الجنوبية.
“نحن بحاجة إلى تشجيع المنظمات على الإقدام على المخاطرة، وجمع البيانات الدقيقة لتوفير قدر من الأمان“
النور إبراهيم
في هذا المناخ الاقتصادي خاصة، تميل الحكومات لتقليص المساعدات الخارجية أو التنموية، مما يخلق ضغطًا مماثلاً لما نراه في الولايات المتحدة. هناك مطالبة بنتائج أقوى بكثير. يوجد تحول يتمثل في محاولة حث البلدان (في حالة المساعدات) أو المنظمات (في حالة الدعم الأساسي) لبناء رؤيتهم للتغيير وقدراتهم التنظيمية. هذا، بحسب اعتقادي، هو تطور إيجابي. لكنه يأتي في وقت تزيد فيه الاحتياجات في حين تتناقص الموارد. إنه حقًا سلاح ذو حدين.
– س: يبدو أنّه من الصعب أن نقول إلى أي شيء سيؤول الأمر.
– مورينو: بعد أن عشت في عالم ربحي وآخر غير ربحي، يمكنني القول أنّه عندما تصيبك الأزمة، لديك فقط عدة طرق للتغلب عليها، واحد منها هو اتخاذ القرارات الذكية. فعندما تحل الكوارث، تختفي جميع المعبودات المزيفة.
كانت لدي تجربة محددة مع منظمة غير ربحية، وكان العامل المساعد لنا هو أنّنا طورنا نموذجًا للتنبؤ المالي لعدة أعوام. كنا نتعامل مع فرق تدريب البنوك، التي يُعرف بالشدة في التعامل، ولكن لأنه كانت لدينا هذه المعلومات، فقد فاجأناهم، لم يتوقعوا أن يأتي هذا النجاح من مؤسسة غير ربحية، مما أعطانا الوقت والمصداقية. بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نولي اهتمامًا لحقيقة أن هناك اختلافات واقعية في النظام الإيكولوجي لكل قطاع.
– إبراهيم: ماريو يشير إلى نقطة حاسمة. في العالم الذي يهدف إلى الربح، نميل إلى رؤية الشركات الفردية باعتبارها الوحدة المركزية للتحليل. فالشركات تحقق الربح، والمستثمرون يشترون الأسهم في تلك الشركات. لكن في القطاع الاجتماعي، النتائج ليست على مستوى الشركة بل على مستوى المجتمع، ولكي نرى النتائج على حقيقتها، علينا أن نسجلها من الواقع وأن نتحدث عن أنظمة بيئية بأكملها، نحتاج مجموعات من المنظمات التي تعمل على حل المشكلات المشتركة. لن نكون قادرين على معالجة مشاكل الفقر والتعليم والرعاية الصحية والبيئية على المستوى التحليلي للمنظمة ما لم نتوصل إلى طريقة لقياس الأداء الجماعي في حالة تعدد الجهات الفاعلة. بالرغم من ذلك فالمموِّلون يفضلون المنظمات الفردية. عندما يكون لديك 100 منظمة تعمل على مجموعة من القضايا المتداخلة حينها نحتاج إلى طرق جديدة للتعرف بشكل تعاوني على ماهية نظرية التغيير.
– مورينو: أخشى أن يكون هناك تردد كبير داخل القطاع للتعامل مع نتائج الأداء بطريقة منفتحة وصادقة وشفافة. لا يرغب الممولون في معرفة أنّ الأمور لا تسير جيدًا، و المنظمات غير الربحية لا ترغب في إظهار أن برنامجهم قد لا يكون جيدا كما يعتقده الناس. إنّها الثقافة السائدة التي تميل إلى استخدام هذه المعلومات لمعاقبة الأشخاص، بدلاً من أن تفكر في كيفية تحسين الأمور. يجب أن يحدث تحول عقلي وثقافي ضخم في هذا القطاع.
– س: هل يمكنكما أن تصفا لنا منظمات فعالة في إدارة النتائج؟ ما هو الشيء الذي يفعلونه بطريقة مختلفة؟
– إبراهيم: لدي مثالان مختلفان عن بعضهما البعض؛ صندوق أكيومن Acumen هو ممول وسيط يسعى للحصول على الدعم من المؤسسات والمستثمرين ويقننون هذا الدعم للمؤسسات الاجتماعية الهادفة للربح، في شكل علاقة الدَّين أو الأسهم. تتمثل فكرته في استرداد جزء من هذا الاستثمار، على الأقل 1x أو 2x، وإعادة تدويره مرة أخرى في دعم المؤسسات الأخرى. ما أجده مثيرًا للاهتمام في Acumen – وهي نقطة مثيرة للجدل في هذا القطاع – هو أنّ المقاييس التي يستخدمها لتتبع استثماراته موجهة إلى حد كبير نحو الإنتاج وليست موجهة نحو النتائج.
على سبيل المثال، استثمرت Acumen في شركة كينية تقوم ببناء مرافق دورات المياه والحمامات في المناطق التجارية المركزية وكذلك في الأحياء الفقيرة، وهي تقيس عدد زيارات العملاء لتلك المرافق. لا يخبرك هذا بأي شيء عن التأثير الاجتماعي، ولا يخبرك إذا ما كانت صحة الناس قد تحسنت نتيجة لذلك، أو إذا ما كانت الظروف البيئية والصحية قد تحسنت، على الرغم من ذلك فقد قررت Acumen هذا القياس ضمن معاييرها.
حجة Acumen أنّ لديها نظرية للتغيير تبرِّر بها هذا التدخل، أسستها بناءً على الأبحاث الحالية التي تشير إلى أن الصرف الصحي الحضري يحسن الصحة البيئية والبشرية. لكنها اتخذت قرارًا واعيًا بأن قياس هذه النتائج طويلة الأجل يتجاوز نطاق استثماراتها في الوقت الحالي. هذا سوف يوسِّع من مجال الشراكة بطريقة ما – على الأقل في هذه المرحلة – لن تكون مفيدة في بناء الشركة.
ما يعجبني في هذا النهج لبناء المنظمة هو أنّه حساس للغاية. لهذا أنت لا تحتاج 50 قياسا؛ أنت تستخدم 10 أو 15 فقط. و تركز بدرجة كبيرة على تعليم صاحب المشروع وبناء الشركة، لكنها مقاييس مثيرة للجدل لأن بعض الناس يقولون إن Acumen عليها أن تقيس النتائج وليس الإنتاج؛ ففي المحصلة، هو يريد الشعور بهذه النتائج، لكن بناء المنظمة له الأولوية القصوى الآن.
والثاني هو شركة تحدي الألفية (MCC)، وهي وكالة حكومية أمريكية تدعم التنمية الاقتصادية في مختلف البلدان. تعتمد معاييرها على نتائج وتأثيرات طويلة المدى، على سبيل المثال: الزيادة في دخل المزارعين. هذا تأثير بسيط إلى حد ما وواضح وقابل للقياس. لكن الجزء الصعب ليس القياس، إنّما إستراتيجية وكيفية الوصول إلى هذه القياسات بالفعل. على سبيل المثال، قدمت مؤسسة تحدي الألفية منحة بقيمة 550 مليون دولار لحكومة غانا التي ركزت على البنية التحتية مثل الرَّي والطرق التي تنقل السلع الزراعية إلى السوق، وكذلك الائتمان والإمدادات الزراعية لزيادة الإنتاجية، كما اهتمت بدعم السياسات الحكومية التي من شأنها أن تساعد في إنشاء هذا السوق الزراعي، ومعرفة ما يمكن أن يفعل لجلب تلك السلع ذات القيمة المضافة إلى الأسواق العالمية.
لا يوجد لدى شركة MCC أي توهُّمات بأنّ المنحة -وحدها فقط- قد تزيد من دخل المزارعين، لكنها مهتمة بالعمل على تحقيق الأهداف الأوسع للبلد المضيف بما يتلاءم مع أولويات التنمية الحكومية. أما ما تشترك فيه مؤسسة تحدي الألفية مع Acumen هو أنّها تستخدم المنحة كوسيلة ضغط تعطي القدرة للوكالات الحكومية على إنفاذ تغييرات طويلة الأجل. في نهاية المطاف إنّهم يقيسون النتيجة (زيادة دخل المزارعين) التي تشكل اتجاه “الشمال الحقيقي” للخارطة وتضبط بوصلة الجميع. لكن في مرحلة ما قد تحتاج إلى التحقق مما إذا كان دخل المزارعين قد زاد بالفعل نتيجة لهذا الاستثمار الضخم. يستغرق الأفق الزمني لشركة MCC حوالي 20 عامًا لجني هذه الفوائد المتوقعة.
– س: مورينو، حدثنا عن خبرتك في العمل مع المنظمات غير الربحية من خلال VPP؟
– مورينو: يتمثل أسلوبنا في VPP في العمل مع المنظمات و معرفة ما يحتاجه كل مسؤول تنفيذي في الوقت الحالي لتشغيل مؤسسته غير الربحية حتى يصبح لها تأثير. أعتقد أنّ هذا يمثل تحولاً جوهريا لهذا القطاع. نحن نحاول ببساطة أن نسأل المنظمات ما الذي تحتاجه لتعمل بفعالية ونساعدها على تصحيح المسار عند الحاجة. هذا هو الأساس.
كان على إحدى منظماتنا الاستثمارية، وهي مركز شباب أمريكا اللاتينية LAYC، تصحيح المسار عندما وجد أن برنامجها الجديد لمنع العنف الأسري يسير بالفعل في الاتجاه الخاطئ. السبب الوحيد وراء علم LAYC بهذا هو جمع معلومات عن حالة المشاركين قبل البرنامج وبعده. لقد كان من الشفافية لـ LAYC أن تعترف بذلك، وكانوا قادرين على إجراء تغييرات (في هذه الحالة، الانتقال من بيئة مختلطة بين الجنسين إلى بيئة من جنس واحد) مما أحدث تغييرًا إيجابيًا وإحصائيًا لكل مجموعة.
في حالة أخرى، عملت مدارس الصداقة العامة المستقلة – وهي مجموعة مكونة من أربع مدارس عامة تقليدية وست مدارس عامة مستقلة في واشنطن بمنطقة بالتيمور- مع الاستشاريين والمدرسين والإداريين لتصميم نظام لإدارة الأداء. وقد كان فعّالاً حقًا في جعل المعلومات قابلة للجمع وقابلة للتنفيذ. كانت البيانات سهلة الفهم ومفيدة للطلاب وأولياء الأمور، فقد شارك الجميع؛ ونتيجة لذلك، شهدت المدارس نتائج حقيقية وإيجابية من خلال العمل بشكل أكثر ذكاءً، وليس أكثر صعوبة.
ما نتحدث عنه هنا واقعي وقابل للتنفيذ جدًا. شهدت روكا، وهي منظمة مقرها بوسطن وتصل إلى الشباب المنفصلين عن ذويهم والمعرضين لخطر كبير، تحولاً جذريًا في مفاهيمها بفضل قيادة مديرها التنفيذي موللي بالدوين. بالإضافة إلى ذلك، فقد عدلت إلى طريقة التدخل الفردي مما قادها إلى زيادة تركيز وقدرة الوكالة على بناء أهداف ومعايير أداء ذات مغزى. تستخدم روكا أسلوب تتبُع الأداء وبيانات العملاء لضمان تقديم أفضل الخدمات لتطابق احتياجات الشباب/ والأخصائي لكل حالة بطريقة أمثل. كما أنّها وضعت طرقا لتوجيه الموظفين الجدد بشكل أسرع وأكثر شمولاً، وطرقًا لتحسين التزام أخصائي الحالات بأهداف وغايات جمع البيانات. إدراك روكا لقضايا معقدة مثل أثر التنسيق وتقديم الخدمات على نتائج البرنامج، يعتبر شهادة على مدى تقدمها، ويظهر لنا أنه يمكن القيام بهذه الأشياء بنجاح.
– س: كيف يتم زرع ثقافة الشفافية والتعاون في المنظمات؟
– مورينو: تبدأ بالقيادة الطموحة. يبدأ الأمر بتعيين الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة في المنظمة. يجب أن تهندس السلوك الذي تريد أن تتبعه المنظمة. وعليك أن تضعه في مجموعة من القيم والمبادئ التوجيهية، وهي الخطوة التي أعتقد أن الكثير من الناس يميلون إلى تجاهلها. فبدون إطار أخلاقي، من الصعب جدًا بناء ثقافة. إن امتلاك رؤية واضحة أمر ضروري للتثقيف. يحتاج الناس إلى معرفة ما هو متوقع منهم، ومن المهم تقديم ملاحظات بطريقة بناءة. يعد استخدام المعلومات أمرًا ضروريًا لثقافة جيدة لأنّه يتيح للأشخاص الانخراط، التحقيق، الاستكشاف، التقصي، التعلم والقيام بالتحسين المستمر، سواء للأفراد أو للبرامج. إنّها عملية معالجة، وهي بطيئة.
– إبراهيم: اتفق بشدة. بالنسبة لقائد مؤسسة غير ربحية، من المخاطرة الاعتراف بأنّ عملك ليس له الأثر الذي تريده، لاسيما في ظل هذا الاقتصاد. إذا تمكنا من قلب هذا الموقف بحيث تكون بيئة التمويل متقبلة للإفصاح عن الفشل والمخاطر، حيث يكون هناك تشجيع فعلي، يمكنها بذلك أن تعزز حل المشكلات بطريقة مبتكرة= فسنكون قد أحرزنا تقدمًا. نحتاج إلى تشجيع الإقدام على المخاطرة من قبل المنظمات، شريطة أن تكون مصحوبة بجمع دقيق للبيانات، حتّى نتمكن من معرفة ما هو فعَّال وما هو غير فعال.
فيما يتعلق برؤية مورينو عن القيادة، أودُّ أن أضيف أن هذه النقطة تشكل مصدر قلق أيضًا على مستوى مجلس الإدارة. العديد من مجالس إدارات المؤسسات غير الهادفة للربح ترى أن عملها يقتصر على مجرد رعاية النزاهة المالية للمنظمة و اتباع القوانين. كل هذا مهم، لكن على نفس القدر من الأولوية -إن لم يكن أكثر أهمية- هو التركيز على أهداف المؤسسة والتأكد من وجود استراتيجية قابلة للتنفيذ وقياس أداء الأهداف. أنت بحاجة إلى بيئة تشجع النقاش الفعَّال، حيث يشعر المدير التنفيذي بالراحة عند الحضور إلى مجلس الإدارة وقول: هذه مشكلة أواجهها، هل يمكنك مساعدتي في حلها؟.
– مورينو: عندما نقوم بالاستثمار في VPP، فإنّنا نعمل مع المنظمة لوضع علامات بارزة لذلك العام: المخرجات والنتائج المتعلقة بها والإنجازات. التوتر ينشأ دائمًا عندما لا نصيب الهدف. بعض المؤسسات تبتعد في تلك اللحظة وفي الوقت المناسب، نعتقد أنّه “بإمكانك أن تخطيء الهدف” هذه هي طبيعة الحياة. ونحاول أن نوجد طريقة نستمر بها، وكيف نمضي قدمًا بشكل أفضل. نحن نعيد تحديد التوقعات للسنة التالية. وأعتقد أن هذه خطوة مهمة يجب اتخاذها في علاقة الممول والمانح، لنحصل على هذا الانفتاح والنزاهة في العلاقة، والذي يمكننا من القيام بذلك. إذا لم نتمكن من الاتفاق على ما هو متوقع، يمكنك التراجع. ولكن المهم هو ألا تنسحب، لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله. ويمكنك استغلال الفرصة لقول: كيف يمكننا مساعدتك للتحسن في هذا المجال؟
أحد أكبر التحديات التي وجدتها هو عدم الاهتمام بمكافأة الإدارة وتشجيعها. في القطاع الخاص، تحصل على مكافأة كبيرة لأنك مدير تنفيذي جيِّد، والحوافز مرتبطة بذلك. أما في العالم غير الربحي، لا ترى نفس الاهتمام أو التقدير.
نحن نميل إلى منح المديرين لقب “فارس” بدلاً من تطوير مناصبهم، أعتقد أن هذا فرقُ مفاهيمَ كبير في القطاعات. القضية واضحة بشكل خاص في المؤسسات.
– س: حدثنا عن رؤيتك للتطورات الجديدة في مجال قياس إدارة الأداء. النور، هل تستطيع أن تطلعنا سريعا على ما يحدث في هذا المجال؟
– إبراهيم: بالتأكيد. أولاً، كان هناك الكثير من التطور من حيث الأساليب، ليس فقط لقياس الأداء، ولكن أيضًا لربط هذه الأساليب بإستراتيجية العمل والإدارة بشكل عام. لدينا الأدوات الكلاسيكية المطبقة منذ فترة طويلة – النماذج المنطقية وبطاقة النتائج المتوازنة، على سبيل المثال. لكن في التنمية الدولية، رأينا نقدًا متزايدًا لتلك الأساليب على أساس أنّها في بعض الأحيان خطيَّة للغاية ولا تتضمن تحديات النظام البيئي المعقدة والكاملة التي كنا نناقشها للتو. كان هناك الكثير من الحديث في الآونة الأخيرة حول استخدام نظرية التفكير ونظرية التعقيد لمساعدتنا على فهم التحديات على مستوى النظام البيئي.
هناك أيضًا اهتمام متزايد باستخدام تجارب المراقبة العشوائية في القطاع الاجتماعي، والتي نميل إلى ربطها بتجارب العقاقير. مختبر “جميل للفقراء” في معهد ماساشوتس للتكنولوجيا كان نشطًا للغاية في هذا المجال. السؤال الحقيقي هو، متى تكون هذه الأساليب المختلفة مناسبة، وتحت أي ظروف؟
في التطوير الدولي، كان هناك الكثير من التجارب التي لم تصل إلى الولايات المتحدة بعد. طورت وكالة كندية تدعى “المركز الدولي للأبحاث التنموية” أداة تسمى “خرائط النتائج” والتي يمكن أن تكون مفيدة لقياس نتائج النظام البيئي. إنّها طريقة تحاول الربط بين المجموعات المتنوعة من أصحاب المصلحة الذين يعملون على مشاكل متشابهة لتخطيط أدوارهم المختلفة وتوفيق نظرياتهم عن التغيير. الأمر يتعلق ببناء الشراكة واستخدام الحكمة مع الحشود، إن صح التعبير، للبدء في تحديد المسارات الحاسمة للتغيير.
هناك أيضًا نمو في أدوات “ملاحظات الدوائر”، سواء في الولايات المتحدة أو على المستوى الدولي. أحد النقاشات الكبرى يدور حول ماهية طرق القياس المناسبة لتيسير التعلم وبناء القدرات داخل المنظمة،مقارنة بالطرق التقيمية التي يتم استخدامها بعد الحدث.
ما يشغلنا أنا ومورينو هو بناء المناهج القائمة على التعليم والتي تدعم المخاطرة، والنظر في الفشل، وتحليل البيانات، ثم إجراء تصحيحات مختلفة في منتصف الدورات. في النهاية، أنت بحاجة إلى كل منهما: الأساليب التقيمية والأساليب القائمة على التعليم.
أخيرًا، بذلت بعض الجهود لجعل الممولين الوسيطين يوافقون على مجموعة من المقاييس لأداء المستفيدين من المنح التي يتم تجميعها بعد ذلك من أجل تطوير فئة الأصول، مثل تقارير الأثر ومعايير الاستثمار (IRIS). وسندات الأثر الاجتماعي التي تستخدم الاستثمار الخاص لدعم المشاريع الحكومية وغير الربحية، تأتي الآن من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة – قد تكون ماساشوتس من أولى الولايات التي حاولت استخدامها. أنا بصدد كتابة بحث عنها.
– مورينو: نعود لنقطة الضعف والتساؤل عن نوعية المعلومات التي لدى المنظمة حول أدائها. تبدأ المعلومات بما يبتكره العمل بخصوص أدائه. لدينا عكس هذا الوضع في القطاع غير الربحي.
– إبراهيم: هذه نقطة حرجة حقًا. إن التطورات مثل سندات التأثير الاجتماعي مهمة لجذب الاستثمار الخاص إلى البرامج المجربة، وتقلِّل التكاليف للحكومة والمجتمع. لكنك على حق في أن هذا لا يزال لا يعالج مسألة المعلومات التي ستساعد المنظمات غير الربحية أو الاجتماعية على تحسين عملهم، بغض النظر عما يحدث على مستوى التمويل.
هذا لا يعني أن المنظمات غير الربحية ليس لديها إحساس راسخ بالهدف. الكثير لديهم. كثير منهم ملتزمون بقوة، مدفوعون بمهامهم، ولديهم موظفون مخلصون وملتزمون للغاية. ولكن في النهاية يجب أن يمتد هذا الحس إلى الرغبة في النظر بشكل نقدي إلى ما تقوم به بشكل جيد وما تفعله بشكل سيئ ثم تحاول تحسينه.
– س: أريد أن أعرف المزيد عن اهتمامك بهذا الموضوع. هل لديك خبرة شخصية فيه؟
– مورينو: يتمحور عمل VPP حول ثلاث كلمات: الشباب، التعلم، المجتمع. هذه هي نقطة شغفي. عندما تذهب للعمل في تلك البيئات، تجد هناك أناسًا طيبين بشكل ملحوظ . لكن السؤال في ذهني دائمًا، كيف يمكننا أن نتحسن؟ إن ثقافة التحسين المستمر لمساعدة الأطفال الذين نخدمهم هو ما يدفعني لهذا العمل.
– س: هل أنا محق في تخميني بأنك نشأت في بيئة فقيرة؟
– مورينو: كانت عائلتي من ذوي الياقات الزرقاء[طبقة العمال]، لكننا لم نكن فقراء. هناك فرق بين العيش في فقر مدقع والعيش في عالم منخفض الدخل. كان لدينا طعام وملابس. وكان العالم مختلفًا في الخمسينيات. حتى الأحياء القاسية كان لا يزال لديها نسيج اجتماعي. اليوم اختفى النسيج الاجتماعي. لقد مُحيت القاعدة الاقتصادية لهذا المستوى من الدخل بصورة جذرية تقريبًا، وانتشرت البنادق والمخدرات. هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة تخلق حلقة قاتلة للمجتمع.
في نشأتي كان مختلف الناس يشجعونني، ويساعدونني على تخطي الأشياء. هذا ما ينقص المجتمعات اليوم. في المقاييس، لا نتتبع هل توجد رعاية من البالغين في حياة الطالب أم لا. ومع ذلك فهذا أكبر سبب لنجاح الطفل في المدرسة. أحاول تطبيق العالم التحليلي بشغف لمعرفة كيف تساعد الناس، وكيف تحدث فرقًا في حياتهم.
– س: ماذا عنك يا النور؟
– إبراهيم: لقد ولدت في تنزانيا، وجذور عائلتي تنحدر من الهند، حيث لا يزال لدينا العديد من الأقارب في المجتمعات الريفية. لقد كنا في وضع جيد عندما كنا نعيش في شرق إفريقيا، ولكن عندما غادرنا خلال فترة الاضطراب السياسي في السبعينيات، جئنا إلى كندا كمهاجرين بمال قليل جدًا. ولكن كما يقول مورينو، فإن الفقر الاقتصادي ليس مثل الفقر الاجتماعي. لم أشعر أبدًا بالحرمان لأنّه كان لدي عائلة ومجتمع يدعمونني، وفرصة للتعليم من خلال نظام المدارس العامة في كندا. لذا، هناك روابط شخصية وتاريخية تربطني بهذا العمل.
على المستوى الفكري، فإن العمل على تحسين الأداء الاجتماعي محفز بسبب صعوبة التحديات وأيضًا لما له من تأثير عميق. ومن المفيد بشكل خاص القيام بهذه المهمة في كلية إدارة الأعمال حيث يوجد الكثير من البصيرة والدراسة حول ما يلزم لإنشاء وقيادة المنظمات عالية الأداء.