- ر. إدوارد فريمان وبيدهان (بوبي) ل. بارمار
- ترجمة: يارا عمار
- تحرير: لطيفة الخريف
هل ينبغي أن تكون هناك ضرورةٌ -أخلاقية أو غير ذلك- لاعتبار معايير الأخلاق أثناء إجراء معاملةٍ تجارية؟
تأمل في هذه الحالة، ولنطلق عليها الحالة أ: أنت في ساحة بيع ورأيت “كمان” سعره خمسون دولار، لنتخيل أنك تعرف عن آلات الكمان كثيرًا، وتعلم أن هذا الكمان بالتحديد إن بِيعَ في المزاد فسيصل سعره إلى مليون دولار. هل ستخبر صاحب هذا الكمان أنه يرتكب خطأ فادحًا ببيعه بخمسين دولار فقط، أم ستشتريه ببساطة لتستفيد من إعادة بيعه؟
لقد سمعنا على مدار سنواتٍ من تدريب المديرين التنفيذيين وطلاب الأعمال آراء من كلا الطرفين؛ يزعم بعضهم أن السعر يعكس القيمة التي يراها البائع، وأن المشترين غالبًا ما يكون لديهم معلومات إضافية، وأن من الأخلاقي تمامًا الاستفادة من مثل هذا التباين في المعلومات. ويقول بعض إنه إذا كان البيع في منزلٍ لصديق فسيكون من الخطأ الربح على حساب هذا الشخص؛ فالعمل يدور حول العلاقات، وتستلزم العلاقات الجيدة عدم استغلال أحد الطرفين للآخر. ويرى بعضهم أنهم سيشترون الكمان لكن مع الشعور بالذنب لاستغلالهم البائع، ويرى آخرون أن الشعور بالذنب من إتمام هذه الصفقة سيمنعهم من شراء الكمان بهذا السعر المنخفض.
والآن تأمل هذه الحالة، سنطلق عليها الحالة ب: تتم الصفقة الآن في متجر موسيقى وتريد أن تشتري كمان لتتعلم العزف عليه، لكن ليست لديك أي خلفية عنه. قدّم لك البائع كمان قيمته خمسمئة دولار قائلًا: “هذا الكمان سيفي بالغرض” إن هذا الكمان الذي لا تعرف عنه أي شيء مصنوع بثمن بخس ولا يستحق خمسمائة دولار، لكنك اشتريته، فهل أخطأ صاحب المتجر؟
مرة أخرى سمعنا كثيرًا من الآراء المتضاربة بشأن هذه الحالة. يقول بعضهم إن الأمر يتعلق بالمشتري، فالقانون لا يحمي المشتري الذي لا يأخذ حذره -وهي السمة المميزة للرأسمالية والنظام القانوني-[1] ويرى آخرون أن صاحب المتجر يمارس الاحتيال عن طريق المبالغة في سعر الكمان. كما يرى غيرهم أن السعر يعكس القيمة التي يراها المشتري، فالمشتري في الحالة ب في نفس وضع البائع في الحالة أ، هناك تباين في وجهات النظر في الحالتين.
وبزيادة عدد المشترين والبائعين، فمن الممكن أن يقل هذا التباين إلى أدنى حد بمرور الوقت، ويصبح المشترون والبائعون أكثر ذكاء، ويبدأ آخرون في تقديم المعلومات المفقودة للمشاركين في السوق. بل إن بعضهم يغيّر من كيفية عرض سلعة معينة في ظل مزيد من الخيارات والأسعار.
ولكن قبل أن تتمكن الأسواق من معالجة كل هذه القضايا، ما الذي يجب أن نفعله في هذه الحالات بعينها؟ ومع أننا نعلم أن الأسواق ستعمل على معالجة مثل هذه القضايا على المدى البعيد والمتوسط، لكننا نعيش هنا والآن وليس في المدى البعيد أو المتوسط.
مغالطة الفصل
تعد كلتا الحالتين أ وب أمثلة لما يسميه علماء الأخلاقيات في عالم الأعمال بمغالطة الفصل. هذا هو الاتجاه السائد في نظرية الأعمال، ونظرية أخلاقيات العمل أيضًا: أن تفصل العمل عن الأخلاق. في الحالة أ تقول القاعدة التجارية “اشترِ الكمان مقابل خمسين دولارًا” وفي الحالة ب، تقول القاعدة التجارية “بِع الكمان مقابل أي مبلغ كان العميل على استعداد لدفعه”، وفي الحالتين تقول القاعدة الأخلاقية “لا تستغل الآخرين”.
ومع ذلك، يرغب كثيرون في معرفة كيفية التوفيق بين الأعمال والأخلاق. لماذا؟ لأن القرارات في هذه الأنواع من المعاملات لا تُسفر عن نتائج مالية وحسب، بل لها نتائج اجتماعية ونفسية أيضًا. لا شك أن هناك وجهة نظر بارزة في قطاع الأعمال تقول إن القاعدة الوحيدة تتلخص في محاولة تعظيم الفرد لمصلحته الذاتية، لكن هذا يحدد المصلحة الذاتية تحديدًا ضيقًا للغاية، نظرًا للعواقب التي قد تترتب على المصلحة الذاتية وحدها، والتي يمكن قياسها بالقيمة المالية.
وللاقتصادي آدم سميث وجهة نظر مختلفةٌ تمامًا عن المصلحة الذاتية. لقد أدرك سميث في القرن الثامن عشر أننا مخلوقات اجتماعية في الواقع. تقول الجملة الافتتاحية في كتابه “نظرية المشاعر الأخلاقية” الصادر عام 1759 “مهما وصلت درجة الأنانية في الإنسان، فمن الواضح أن لديه بعض المبادئ بطبيعته تجعله مهتمًا بأمور الآخرين وتجعل سعادتهم ضرورية له وإن لم يجنِ من هذه السعادة سوى متعة رؤيتهم”
إن التفريق الذي يفرقه كثيرٌ من الناس بين قضية الأعمال وقضية الأخلاقيات لا ينبغي أن يكون معللًا في عالم الأعمال. ومع ذلك سيتطلب دمج هذه الأمور إعادة النظر في الأفكار الأساسية لكلٍ من الأعمال والأخلاق.
النظرة العلائقية للأعمال
إن رؤية الذات في علاقةٍ مع الآخرين لها جذورٌ تطورية. زعم مايكل توماسيلو (معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية) وأمريشا فايش (جامعة فرجينيا) أن البشر أصبحوا “اجتماعيين للغاية” نتيجة لعملية الصيد وعملهم معًا لتعقّب الفرائس الكبيرة قبل أربعمائة ألف عام. فزاد انضمام البشر بعضهم إلى بعض من احتمالات بقائهم على قيد الحياة، لكن كان التعاون لجمع الطعام مجرد بداية. سمح لهم العمل المشترك برؤية أنفسهم فيما يتعلق بالآخرين بوصفهم جزءًا من مجموعة؛ ويتحدث توماسيلو وفايش عن مصطلح القصدية الجمعية، أي فكرة أن ينتبه عقلان لنفس الشيء ويعملان على تحقيق نفس الأهداف. إن القصدية الجمعية تعتبر أساسًا للأخلاق والأعمال والرأسمالية.
تُجري الآن كثير من الشركات محادثاتٍ حول الأخلاق متبنيةً وجهة نظر سميث، رافضةً وجهة النظر محدودة النطاق، وتميل إلى المقاربات التي تعطي العلاقات قيمة أكبر. فقد اتخذت بعض الشركات مثل: Unilever و The Container Store و Salesforce كافة الإجراءات التي تظهر نيتها في رؤية العمل كمجموعةٍ من العلاقات المترابطة بمرور الوقت.
يشير هذا النهج إلى أنك إذا كنت مشتريًا فعليك أن تتعامل مع البائعين كما لو كنت ستعمل معهم لفترةٍ طويلة، وإذا كنت بائعًا فعليك أن تعامل العميل كعميلٍ دائم لا ينبغي الاستفادة منه في معاملةٍ واحدة فقط.
تتطلب العلاقات الاستثمار والعمل؛ والعلاقات التجارية مماثلةٌ للعلاقات الأسرية والزواج، والتعاون بين المعلمين والطلاب، ولا يمكن اختزال أي من هذه العلاقات في مجموعةٍ من المعاملات؛ لأن العلاقات تشكّلنا بقدر تشكيلنا لها. لا شك أن المصلحة الشخصية تلعب دورًا مهمًا، لكن قدرتنا على رعاية الآخرين لها نفس الدور. يمكننا أداء أمورٍ تتعلق بالآخرين وتحقق المصلحة الذاتية في آنٍ واحد، فالبشر معقدون ولديهم دوافع متعددة في الحياة وفي العمل.
لنرجع الآن إلى القضايا التي أثرناها في بداية هذا المقال. يمكننا أن نتخيل حلولًا في كلتا الحالتين يكون فيها الطرفان أفضل حالًا: ففي الحالة أ، يمكن للمشتري أن يتعامل كوكيل للبائعين الذين لا يعرفون كثيرًا عن الكمان؛ وفي الحالة ب، قد يقرر البائع أن يعمل مع العميل بمرور الوقت، يبدأ أولًا ببيع الكمان بثمن منخفض، ويوجّه العميل إلى الدروس أيضًا، وفي النهاية يكون الكمان أكثر تكلفة لكنه جديرٌ بالاهتمام.
إن الرأسمالية هي أعظم نظامٍ للتعاون ابتكره الإنسان على الإطلاق؛ لأنها تتعلق بكيفية خلق قيمة للآخرين وكيفية التعامل معهم. وتلعب المنافسة والمصلحة الذاتية دورًا هامًا، والتعاون كذلك. إن أحد أهم عناصر التفكير في تأسيس شركة ناجحة هو النظر إلى الأعمال كمجموعةٍ من العلاقات الممتدة لفترات طويلة. ومع أن ترك الطرق المختصرة التي قد تعود بالفائدة علينا فقط أمرٌ مُغرٍ، فإننا نجازف بهذه الطريقة بتدمير نظام التعاون الذي يجعلنا بشرًا متميزين.
[1] -في القانون العام الإنجليزي والأمريكي تعتبر فكرة “ليحترس المشتري” قاعدة مفادها أن المُشتَري يشتري البضاعة على مسؤوليّته في حالة عدم وُجود ضمان صَريح من البائع بجودة هذه البضاعة. (المراجع)