- كيلسي بايبر
- ترجمة: تماضر إبراهيم
- تحرير: منيرة العثيمين
كيف لنا أن نطور المدارس ونحسن تعليم الأطفال؟
يبدو سؤالًا بسيطًا، لكنه مخادع، لأن تحسين المدارس و قياس ما إذا تحسنت بالفعل وكتابة توصيف للتحسينات المدرسية التي يمكن استخدامها في أي مكان آخر هي مشكلة صعبة للغاية.
أنفق فاعلو الخير في الولايات المتحدة الأمريكية مئات الملايين من الدولارات لإصلاح نظام التعليم، لكن غالبًا لم ينعكس ذلك على درجات الاختبارات ولو بشيء بسيط. إن الاستثمار في “المدارس الصغيرة” لا يحقق النتائج المأمولة، ولا يدفع إلى تقييم المعلمين وتسجيل تقدمهم، أو تقييم البرامج التعليمية. ومن ناحية أخرى، اعترض المعلمون على أن درجات الاختبارات لا تقيس ما يهتمون بشأنه حقا وهو ما إذا كان الطلاب يتعلمون بنجاح أم لا.
أما على الصعيد العالمي، فالوضع أسوأ. حيث لا يحظى الكثير من الأطفال في كثير من أنحاء العالم بفرصة الالتحاق بالمدرسة؛ ومن ينجح منهم في الذهاب إلى المدارس؛ يلتحقون بمؤسسات تعليمية متدهورة بشكل كبير.
90 بالمائة من الأطفال في سنة العاشرة في الدول ذات الدخل المنخفض لا يستطيعون القراءة. كما تعاني بعض المدارس من المعدل غير العادي لتغيب المعلمين. وبالكاد يمكن للأطفال قضاء سنوات في تعلم أي شيء ذي قيمة، وذلك بسبب البيئة التعليمية غير الملائمة. في الدول النامية تم تجربة الكثير من الأشياء لتحسين جودة التعليم؛ حيث اشترت المؤسسات غير الربحية و الحكومات و الباحثون الزي الرسمي للطلاب ومولوا منحهم الدراسية وقاموا ببناء المزيد من المدارس و شراء الكتب المدرسية والأجهزة التقنية الحديثة و دفعوا المزيد لتقليل أحجام الفصول الدراسية وزيادة عدد المدربين و الموجهين والمعلمين؛ وتشير الأبحاث إلى أن العديد من هذه الإجراءات يفترض أن تحدث فرقًا جوهريًا في العملية التعليمية؛ ولكن معرفة الفرق الأكبر والفعال من حيث التكلفة وأين يجب الاستثمار هو أمر صعب للغاية.
هذا هو الموضوع الذي تناولته ورقة بحثية جديدة من مجموعة البنك الدولي، “كيف يمكن تحسين نتائج التعليم بأكبر قدر من الكفاءة؟ مقارنة بين 150 تدخلًا باستخدام مقياس سنوات الدراسة الجديدة المعدلة للتعلم”. تقدم الورقة البحثية مشكلة بسيطة وهي: لدينا ثروة هائلة من الأبحاث التي تدرس آثار التدخلات في العملية التعليمية في المدارس، ولكن ليس لدينا فرصة كبيرة لمقارنة البرامج و أي منها يعمل بشكل أفضل.
عندما قارن الباحثون أكثر من 150 تدخلًا في البلدان النامية، برز اتجاه واحد وهو:
الاستثمار في المعلمين هو الأفضل من حيث التكلفة. فمن الشائع مساعدة الطلاب في البلدان الفقيرة من خلال بناء المدارس و شراء الزي المدرسي أو الكتب المدرسية أو الدفع مقابل المنح الدراسية. لكن وجد الباحثون أن التدخلات الشائعة مثل هذه لا تقارن مع تلك التي تركز على عملية التدريس نفسها. فإذا أردنا تحسين المدارس، فإن الطريقة الأكثر فاعلية هي تلقي المعلمين للتدريب المهني المناسب.
لماذا من الصعب أن نقارن بين البرامج التعليمية؟
اكتشفت إحدى الأوراق البحثية أن دفع الرسوم للمنح الدراسية يمكّن الطلبة من البقاء في المدارس لمدة أطول بثلاث سنوات. وبحث آخر اكتشف أن بناء مدارس جديدة يحسّن نسبة حضور الطلاب بنسبة 20 بالمائة، وبحث آخر اكتشف أن الطلاب الذين قدمت لهم مناهج جديدة يقرؤون بطلاقة أكثر من غيرهم.
لكن بإمكان صنّاع السياسة الذين يحاولون تحسين المدارس في بلدانهم تحمل تكلفة أحد هذه التغييرات وليست جميعها. إذن ما الذي يجب عليهم القيام به؟
تؤكد وثيقة البنك الدولي بأن الأبحاث الحالية غير مؤهلة لإجابتنا عن هذا السؤال. وذلك لأن جميع الأوراق البحثية تقيس نتائجها بطرق مختلفة.
غالبًا ماتصف الأوراق البحثية تأثير برامجها بزيادة السنوات التي يقضيها الطلاب في المدرسة أو تحسين الأداء في نتائج الاختبارات المحلية .
لكن لأننا نهتم بالمقام الأول بعدد السنوات التي يقضيها الطلاب في المدرسة كمقياس لكيفية تعلمهم؛ فليس من السهل المقارنة بين مختلف التدخلات، حتى و إن ذكروا مقدار ما تعلمه الطلاب.
تشير العديد من الأبحاث إلى مدى تحسن الطلاب في أداء الاختبارات المحلية، وهي اختبارات تختلف من حيث الموضوعات والفئات العمرية، ومن ثم لا يمكن مقارنتها على مستوى دولي. وتؤكد وثيقة البنك الدولي أنه “عندما نقارن بين الدراسات التي استخدمت انحرافات معيارية مختلفة ونضعها كمقياس لتأثير العملية التعليمية في أماكن أخرى، فإننا نضع افتراضا مفاده أن الاختلاف في مستويات التعلم بين المتوسط و 66 في المائة من الطلبة في مادة الرياضيات للصف الرابع في كينيا يعادل الاختلاف في مستويات التعلم بين المتوسط و66 في المائة من الطلبة في مادة التاريخ للصف الثاني عشر في البيرو”.
ومن الواضح أن هذا الافتراض خاطئ. فبعض البلدان سيكون لديها تفاوتات كثيرة في درجات الطلاب أكثر من غيرها. ومن ثم فالاعتماد عليها سيجعل من الصعب تحديد أي التدخلات تعمل بشكل أفضل.
فهل يجب فقط أن نعلن أن هذه النتائج لا يمكن مقارنتها ببعضها البعض على الإطلاق؟ لكن القيام بذلك يعني أن صنّاع السياسة ذوي الموارد المحدودة ليس لديهم طريقة لتحديد التدخلات الأفضل.
ومن هنا ندلف إلى سنة التعلم معدلة الجودة؛ الفكرة هنا هي النظر إلى مدى ما يتعلمه الطالب في سنة خلال برنامج تعليمي عالي الجودة (مثل مدارس سنغافورة). بعد ذلك، يمكن قياس التدخلات الأخرى من خلال عدد الأشهر أو السنوات التي يحتاجها الطالب لقضائها في بيئة تعليمية لتعلم نفس المقدار الذي تعلمه.
أخبرني ديفيد إيفانز -أحد الكتاب المشاركين في البحث- أن السنوات الدراسة المعدلة للتعلم تترجم المكاسب إلى صيغة مُيسرة لصنّاع السياسة. ولكن إذا تم اعتماد النظام على نطاق واسع، فستقوم الأبحاث مباشرة بذكر المعلومات المطلوبة لحساب سنوات الدراسة معدلة الجودة. مما يسهل على الأبحاث مقارنة النتائج و التعلم من بعضها البعض.
صحيح أن هذه الطريقة لا تحل جميع المشكلات المتعلقة بأبحاث التدخلات في العملية التعليمية، مما يعني أنه من المحتمل أن تستمر معاناتها من صعوبة الحصول على نتائج مماثلة من التدخلات في سياقات مختلفة. ولكن إذا تم اعتمادها على نطاق واسع، فإن مقياسًا مثل سنوات التعليم المعدلة يحل أحد العوائق التي تمنع تعلم الباحثين من نتائج بعضهم البعض و إضافة لذلك تحدد بعض المجالات الواعدة بشكل خاص.
ماهي أفضل التدخلات التعليمية؟
هناك بالفعل بعض التدخلات التعليمية تبرز في تحليل فريق البنك الدولي.
استنتجت الوثيقة “أنه يمكن لبعض التدخلات الأكثر فعالية من حيث التكلفة أن توفر مايعادل ثلاث سنوات من التعليم عالي الجودة (أي ثلاث سنوات من التعليم في بلد عالي الأداء مثل سنغافورة) مقابل 100دولار لكل طفل. فمع عدم وجود مكاسب قابلة للقياس في سنوات الدراسة المعدلة للتعلم، لا يمكن للباحثين الآخرين أن يحققوا شيئًا فعليًا.
كانت قائمة الإجراءات الأكثر فعالية من حيث التكلفة مفاجئة بعض الشيء. توصلت الورقة البحثية إلى أن التدخلات التي تحقق أقصى استفادة مقابل كل دولار تشمل: “حملات إعلامية” لإعلام العائلات بالأسباب التي تجعل أطفالهم يذهبون إلى المدرسة، و “تدخلات لاستهداف تعليم التدريس حسب المستوى التعليمي” أي تعليم الأطفال بناءً على المهارات التي يحتاجونها وأن يتقن المعلمون بالفعل المهارات التي يعملون عليها بالإضافة إلى “خطط الدروس المنظمة مع مواد الطلاب المرتبطة، والتطوير المهني للمعلم، والمراقبة”.
لتوضيح ذلك أكثر: نقول إنه إذا كان الطلاب في فصل دراسي يتم تعليمهم مادة سهلة للغاية أو صعبة للغاية، فلن يتعلموا. وبالتالي، فإن تشجيع المدارس على تعليم الطلاب بناءً على المهارات التي يمتلكونها هو وسيلة فعالة من حيث التكلفة لتحسين الأداء.
فإذا كان المعلمون لا يعرفون كيفية التدريس، فلن يتعلم الطلاب. لذلك فإن خطط الدروس وتدريب المعلمين والمراقبة لتحديد أي المعلمين يقوم بعمل جيد =هي طرق فعالة للغاية بالنظر إلى تكلفتها.
ختامًا، يجب توعية الوالدين والمجتمع بأهمية التعليم، وهذه الطريقة فعالة من حيث التكلفة لزيادة فوائد التعليم (على الأقل في بعض الأحيان).
يمكن أن تعني “الفعالية مقابل التكلفة العالية” أن التدخل يعمل بشكل جيد للغاية و لكنه مكلف إلى حدٍّ ما، أو أنه لا يثمر إلا القليل ولكنه رخيص جدًا. الحملات الإعلامية فعالة إلى حدٍّ ما، ولكنها غير مكلفة مقارنة بخطط الدروس وتدريب المعلمين ومراقبتهم وأعمال تطوير المناهج الدراسية، فهذه التدخلات تعد من التدخلات عالية التكلفة.
أخبرني إيفانز أن “الحملات الإعلامية” لإخبار الناس عن فوائد تعليم أطفالهم “يمكنها أن تحقق مكاسب كبيرة جدا”، على الرغم من “وجود اختلاف كبير حول هذه التدخلات أكثر من بعض التدخلات التربوية “. يبدو أن الحملات الإعلامية لا تعمل إلا في بعض الأحيان ولا نعرف سبب نجاحها في بعض الأحيان وعدم نجاحها أحيانًا. وعلى العكس من ذلك يبدو أن التحسين من جودة التعليم ينجح دائما.
لماذا الاستثمار في المعلمين فعال جدا؟
لا تقدم وثيقة البنك الدولي الكثير حول هذا الأمر، لكن الأبحاث التي تستشهد بها حول تدخلات تطوير المناهج الدراسية توضح ذلك. على سبيل المثال، أحد التدخلات التعليمية التي تبدو فعالة من حيث التكلفة في كينيا هو برنامج توسومي الوطني لمحو الأمية. حيث يتضمن التوقعات الوطنية لأداء الطلبة و زيارات الفصول الدراسية و تقييم المعلمين.
قد يبدو كل هذا بدائيًا جدًا. لكن في كثير من الحالات يعكس تغييرًا هامًا في كيفية عمل المدارس. يناقش بحث نشر عام 2018 تأثير توسومي؛ “فلسنوات -إن لم يكن لعقود- عملت المدارس و المعلمون في عزلة افتراضية عن نظام التعليم … متقبلين القاعدة السائدة بأنه لا يتوقع منهم أداء وظيفتهم وفقا لأي معيار معقول (مثل الانتظام في المدرسة)”. فالكثير من المعلمين لا يقومون بعملهم، وذلك لعدم وجود مراقبين يتفقدون ما إذا كان المعلمون قد حضروا إلى المدرسة او قاموا بعملهم أم لا. من الممكن أن يكون النظام الوطني لمراقبة المعلمين و تتبع النتائج فعالًا بشكل كبير فقط من خلال توعية المعلمين بأنهم يلعبون دور مهنيًا حيث من المتوقع أن يحققوا نتائج محددة.
قد لا تستمر التدخلات التعليمية غير فعالة على هذا النحو دائما
من الجدير بالذكر أن بعض التدخلات التعليمية رفيعة المستوى التي يعرفها عامة الناس أكثر من غيرهم ليست ضمن القائمة. فإن توفير الكتب المدرسية على سبيل المثال، ليس له أي فوائد. كما أن بناء المدارس ليس طريقة فعالة من حيث التكلفة لتحسين التعليم، كما أن المنح الدراسية للطلاب ليس لها تأثير. والجهود المبذولة لتقليل أحجام الفصول، وتوفير الزي المدرسي، أو توفير التكنولوجيا للمدارس (بدون إصلاحات إضافية) ليس لها أي تأثير على الإطلاق.
إنه لأمر محبط أن نرى مثل هذه النتائج السيئة للتدخلات التي تبدو -للوهلة الأولى- وكأنها يجب أن تحدث فرقًا كبيرًا. تقدم العديد من المنظمات غير الربحية للمانحين تقارير ضخمة عن عملهم في بناء المدارس وتزويدهم باللوازم المدرسية الأساسية. لكن الحقيقة أنه يجب أن تكون هذه التقارير في الغالب متواضعة من حيث النتائج التي تحققها. من الصعب محاولة فهم كيفية تعليم الطلاب حول العالم؛ ومجرد أن شيئًا ما يبدو كفكرة جيدة لا يعني أنه سيحدث فرقًا على أرض الواقع.
بطبيعة الحال، فإن عدم فعالية تلك التدخلات الأخرى مرهون بالظروف المحيطة بها. قد يكون إبقاء الأطفال في المدرسة لسنوات أكثر مفيدًا لهم إذا كان لديهم معلمون جيدون، ولكنه قد يكون عديم الفائدة إذا لم يكن التعليم الجيد متاحًا.
في البلدان الفقيرة، يقضي العديد من الطلاب سنوات في المدرسة، لكنهم يخرجون منها دون إتقان أبسط المهارات الأساسية. فبالتأكيد لن يؤدي إعطاء الكتب المدرسية للطلاب الذين لا يستطيعون القراءة إلى أي شيء، ولكن بمجرد زيادة نسبة الأطفال الذين يمكنهم القراءة، سيغير ذلك تأثير توزيع الكتب المدرسية.
من المرجح أن يكون إبقاء الأطفال في المدرسة لفترة أطول أكثر فاعلية بمجرد أن تصبح هذه المدارس فعّالة في التدريس، لذا فإن تنفيذ الإصلاحات الواعدة التي تم تحديدها قد يفتح الباب أمام إصلاحات أخرى، مما يجعلها فعالة من حيث التكلفة، لكنها ليست كذلك الآن.
في الوقت نفسه، يجب أن نضع في اعتبارنا أن العديد من التدخلات التعليمية -حتى تلك التي تبدو فكرة جيدة ولديها أدلة أولية لصالحها لن تنجح على الأرجح. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، حاول المحسنون مرارًا وتكرارًا إصلاح التعليم، ولكنهم غالبًا ما جعلوا الأمور أسوأ.
التعليم معقد، ويتطلب دعم المعلمين وأولياء الأمور والطلاب والمجتمعات المحلية. لن تنجح الكثير من التدخلات التي تبدو واعدة؛ ولا بأس بذلك. فالشيء المهم هو أن نقيس النتائج ونبلغ عنها باستمرار، بحيث يمكن للباحثين التعلم من الأبحاث التي أجريت في مكان آخر، ولذلك يمكننا تركيز جهودنا على ما هو أكثر أهمية بالنسبة للأطفال.