- مات فاجالي
- ترجمة: مريم الحربي
- تحرير: مريم إياد
عُدّت الثقافة التنظيمية ثقافة عصرية وعابرة ومصطلحًا شائعًا في عالم الشركات لسنوات عديدة، لكنها مع مرور الوقت أصبحت أكثر من مجرد مرحلة عابرة، فالثقافة حاليًا هي أداة تساعد في توظيف الموظفين وإبقائهم في مناصبهم؛ بسبب معرفة مديري الموارد البشرية أن الثقافة الصحيحة تعزز الإنتاجية والمشاركة والابتكار.
وتُشير الثقافة إلى بيئة العمل التي أنشأتها قيم المنظمة ورؤيتها الاستراتيجية ورسالتها، كما أنها أيضًا تحدد العلاقات بين الناس في المنظمة. وإذا بحثنا عن أحد أكبر الأشياء المؤثرة في الثقافة التنظيمية سنجد أنها: القيادة.
ويسعى أفضل القادة إلى التأثير في الثقافة، عن طريق قيادتهم، إلا أن الطريقة التي يقومون بها بذلك -أسلوبهم في القيادة- هو الذي يشكل ثقافة المنظمة في النهاية.
كما يستطيع القادة توجيه الثقافة باستخدام سمات “القيادة والتحكم” التقليدية مثل القيادة من أعلى الهرم إلى أسفله والأنظمة الطبقية والحوافز لتحقيق الأرباح؛ أو بإمكانهم اختيار القيادة باستخدام عناصر نموذج القيادة الجديدة، ويتضمن هذا النموذج هياكل المساواة والشفافية والدوافع لتحقيق الأهداف.
وتحدد هذه الأساليب الخمسة المختلفة للقيادة الثقافة المنظمية:
١. القيادة التوجيهية: ثقافة الاستمرارية
تستخدم القيادة التوجيهية الهيكل الهرمي الذي تنتقل سلطته من أعلى الهرم إلى أسفله، بحيث يُعطي الأشخاص الذين في أعلى الهرم تعليمات ومهمات محددة للأشخاص في أسفل الهرم. وهذا الأسلوب لا يشجع ثقافة المشاركة التنظيمية التي تتسم فيها القيادة بالتعاون والانفتاح والمشاركة، بل يخلق الفوارق الطبقية بناءً على مكانة كل شخص في التسلسل الهرمي التنظيمي.
بالإضافة إلى استخدام المكافآت والعقوبات للتحكم بالعاملين وفي الثقافة التنظيمية عمومًا.
ثقافة الاستمرارية:
تُعرف القيادة التوجيهية بالاستمرارية، إذ إن القادة يقومون بوضع قيم وأنماط سلوكية محددة من المتوقع أن يتبعها الآخرون، فينتج عن ذلك أداءً متوقعًا ومتسِقا من قبل الموظفين وينتج عنه أيضًا ثقافة تنظيمية عمومًا. إلا أن الاستمرارية التنظيمية تأتي على حساب المرونة التنظيمية، وتظهرالدراسات أن أفراد الفريق الواحد بحاجة إلى المرونة والحيوية لتلبية متطلبات السوق المتغيرة أو الظروف بالابتكار والإبداع. وبالإضافة لذلك، يزيد احتمال “تأييد” أفراد الفريق لتغيير النظام بأكمله عندما يسمع لرأيهم في عملية التخطيط، إلا أن هذه السمة لسوء الحظ ليست من سمات القيادة التوجيهية التي تشدد على التغيير التنظيمي من أعلى الهرم إلى أسفله.
٢. القيادة التحويلية: ثقافة الإلهام
إن القيادة التحويلية تتمحور حول اكتشاف ما يحدد ثقافة المنظمة وبعد ذلك إجراء تغييرات لتحسينها. ويبدأ القادة في القيادة التحويلية بضم أعضاء فريق معا لتقديم مراجعة دقيقة، بعد ذلك يقوم الموظفين بتحديد التحديات والفرص، وكذلك الأهداف والتطلعات الشخصية لهم، حينها يقوم القائد بموازنة أهداف وقيم المنظمة مع أهداف وقيم أعضاء الفريق بينما يرسم أيضًا مسارًا لتغييرات إيجابية في المنظمة، لماذا؟ يساعد توافق القيم المنظمية والفردية في رفع المعنويات، وقد وجد أنه أيضًا يساعد في رفع مستوى الإنتاجية لدى الأفراد، لأن الهدف العام هو إلهام الميولات التحويلية لدى الموظفين على نحو يعكس أهدافهم وقيمهم.
ثقافة الإلهام
يتحفز الجميع لاستلام الراتب، لكن الموظفين الرائعين يلهمهم شيء آخر. في كتاب “ماذا يجدي في تحفيز الناس…وماذا لا يجدي”، كتبت سوزان فاولر(Susan Fowler): “إن الدوافع الناتجة عن القيم والأهداف والفرحة والعاطفة تختلف عن تلك الناتجة عن الغرور والسلطة والمناصب أو الرغبة في المكافآت الخارجية”. وتعد الأمور مثل المناصب والأموال دوافع قصيرة الأجل، لذلك تحفز القيادة التحويلية أعضاء الفريق عن طريق التأكيد لهم بأنهم يعملون لهدفٍ أسمى.
٣. القيادة الخادمة: ثقافة الاندماج
إن القيادة الخادمة تقلب الهرم التنظيمي عن طريق خلق بيئة يؤدي فيها الجميع دور القائد، وتكون مهمة القائد وضع أهداف مستقبلية وتوجيهات استراتيجية للمنظمة. وفي هذا النوع من القيادة يؤدي المدير دورًا مساعدًا بينما يعمل الموظفون لتحقيق الأهداف. ويركز القادة الخادمون على خدمة المساهمين التنظيميين والمجتمع الأكبر، فعنصر الخدمة هو العنصر الذي يميز بين أسلوب القيادة الخادمة وباقي أساليب القيادة. وعلى سبيل المثال، القيادة التشاركية تمكن الموظفين عن طريق إشراكهم في عملية اتخاذ القرارات، بينما يتولى القادة الخادمون دورًا مساعدًا لتمكين الموظفين ومساعدتهم في تحقيق الأهداف التنظيمية.
ثقافة الاندماج:
ساهم مايكل بوش مؤلف كتاب “بيئة عمل رائعة للجميع” في كتابة مجموعة مقالات في كتاب “عمل القيادة الخادمة” وكتب فيها أن هناك ثلاثة أركان مشتركة بين الثقافات التنظيمية الرائعة وهي: الثقة والفخر والاستمتاع. وأضاف بوش: “تقوم هذه المنظمات الناشئة بتطوير القادة وجعلهم يعتنقون مبدأ الخادم ونهجه، أي أنها تنمي القادة الخدم الذين يخلقون ثقافة يشعر فيها الجميع بالثقة والتمكين والدعم والمعاملة المنصفة”. كما أضاف بوش أيضًا أن الهدف العام هو مساعدة القادة على التخلي عن الأساليب “الاستبدادية والقيادية والتحكمية” والاستفادة من كل إمكانيات الموظفين لتحقيق تغيير شامل للنظام.
٤. القيادة التشاركية: ثقافة الإبداع
تعمل القيادة التشاركية على بناء توافق في الآراء بين أعضاء الفريق اعتمادًا على نهج الديموقراطية. وكما هوالحال مع القيادة التحويلية والقيادة الخادمة، تكتسب القيادة التشاركية الثقة والالتزام لتحقيق تغيير شامل للنظام. وفي هذا النوع من القيادة، يتخذ القادة القرارالنهائي بعد عملية تسوية ومشاركة وبناء توافق في الآراء يشارك فيه جميع أعضاء الفريق. وكما في أي نظام ديموقراطي، تتطلب القيادة التشاركية ثقافة تبادل المعلومات وهيكل المساواة الذي يسمح لجميع أعضاء الفريق بإدلاء آرائهم. وعلى نقيض مفهوم “منظور الأخذ” الذي يبذل فيه الشخص جهدًا لفهم وجهات النظر الأخرى، وجد الباحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية أن عملية “منظور العطاء” -مشاركة شخص ما قصته مع الآخرين- تعزز الثقة والتعاطف بين المجموعات مختلفة الرأي.
ثقافة الإبداع
أفادت مصادر داخلية تابعة لمدرسة ييل للإدارة أن الثقافة التنظيمية الإبداعية تتطلب قيمًا مشتركة وتعاونًا وحماسًا، والأهم من ذلك أنها تتطلب بيئة يشعر فيها أعضاء الفريق بالأمان للمخاطرة والانخراط في التفكير المستقل، فمن خلال الحوار المفتوح وعملية التواصل والقيم المشتركة، تعزز القيادة التشاركية ثقافة التعاطف المطلوبة لزيادة الإبداع. وكما وضح الأستاذ جيفري سانشيز بوركس الذي يعمل في كلية روس للأعمال في جامعة ميشيغان:
“التعاطف يعني أخذ منظور الآخرين في عين الاعتبار مع الاهتمام لما يقولونه وما لايقولونه، وعندما يعرف الشخص كيف يفعل ذلك بطريقة منتظمة، يصبح شخصًا فعالًا في معرفة كيف يطور الأفكار التي لديه.”
٥. القيادة الاستبدادية: ثقافة الامتثال
يضع القادة المستبدين الرؤية التي ستسير باتجاهها المنظمة ويوضحون الأدوار التي سيقوم بها الموظفين في هذه الرؤية طويلة الأمد، ويقود القادة المستبدون عن طريق وضع مثال يحتذى به وإلهام الموظفين باتباعه، لكنهم يستطيعون أيضًا خلق ثقافة أعضاء المنظمة التي تخنق المشاركة والابتكار والتطور المهني. كما أن الموظفين يعرفون مكانهم في التسلسل الهرمي التنظيمي، لذلك لا يتشجعون على الانحراف. وهذا يعارض مزايا القيادة والتحكم التقليدية وهيكل التسلسل الهرمي التقليدي.
تشترك القيادة الاستبدادية والقيادة التوجيهية بعدة سمات، إلا أن هناك اختلافًا كبيرًا بينها وهو أن السلطة توزع على نحو أوسع في القيادة التوجيهية، فعلى سبيل المثال قد يحدد مجموعة كبيرة من القادة الأهداف ويقومون بإعطاء تعليمات ومهمات محددة إلى مرؤوسيهم في القيادة التوجيهية. لكن السلطة تكون أكثر مركزية في القيادة الاستبدادية، فشخص واحد يضع السياسات والأهداف والاتجاهات بدون تدخل أي شخص أخرى في المنظمة.
ثقافة الامتثال
قد يكافح القادة المستبدون في تعزيز الثقافة التنظيمية التمكينية أو التطور المهني. وقد لا يشعر الموظفون بقيمتهم كأفراد وأيضًا قد لايرون صلة واضحة بين نجاحهم الفردي ونجاح المنظمة عمومًا. كما أن هذا النوع من الثقافة التنظيمية يشيرإلى جيل الألفية أنهم بحاجة إلى البحث عن عمل في مكان آخر لاكتساب التقدم المهني في النهاية، فحاليًا جيل الألفية يحوزون على أكبر حصة من سوق العمل في أمريكا ويفضلون العمل في نظام الإدارة الذاتية بدلًا من نظام التسلسل الهرمي.
ويعتقد جيل الألفية أن الفكرة الجيدة يجب الاستماع لها بغض النظر عن مصدرها، وهذه الفكرة تتناقض مع ثقافة أعضاء المنظمة التي تعززها الثقافة الاستبدادية. وبالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث بشكلٍ مفاجئ إلى أن مواليد الخمسينات أقل احتمالًا لرؤية فعالية التسلسلات الهرمية من جيل الألفية، فقد وجد بأن جيل الخمسينات يقدرون القادة الذين “يقودون بروح الفريق” و”يتشاركون” أكثر بقليل من جيل الألفية. وبالتالي، فإن ثقافة الامتثال قد تواجه معارضة من العمال من مختلف الأعمار.
تحديد اتجاه ثقافة منظمتك
يحدد أسلوب قيادتك ثقافة المنظمة، فالأمر المتروك للقادة ليس فقط وضع الأهداف والسياسات والاتجاه العام للمنظمات ولكن أيضًا تحديد من سيملك رأيًا في العملية وكيفية تنفيذ الأهداف والسياسات. وعند تقييم كيفية تحسين ثقافة شركتك، من المهم أن تنظر في أي أسلوب من أساليب القيادة تريده أن يحدد تلك الثقافة.
تشجع القيادة الخادمة والقيادة التحويلية التعاون والتبادل المفتوح للأفكار بطرق مختلفة، وتكافئ المنظمات بثقافات الابتكار والشمول والإلهام، كما تشمل العيوب المحتملة على اختلال داخلي والارتباك ومقاومة هياكل السلطة غير الهرمية أو الفشل في معالجة المشاكل الأساسية.
وتوفر القيادة التوجيهية والقيادة الاستبدادية اتجاهًا وأهدافًا وغايةً واضحةً، وتكافئ المنظمات بالاستمرارية والقابلية بالتنبؤ، لكنها قد يعوقها أيضًا الافتقار إلى التعاون والابتكار والافتقار إلى مسار تطوير القيادة. وهذا قد يجعل الموظفين يشعرون بعدم الانخراط والتهميش والإغراء بالبحث خارج المنظمة عن التقدم المهني. كما أن الشركة التي تساعد الأفراد على النمو، يساعدها الأفراد على النمو أيضًا في نهاية المطاف.