- بول ديڨيز
- ترجمة: سهيل محمود
- تحرير: بلال الخصاونة
يُقال لنا مرارًا وتكرارًا إن العلم هو الشكل الأكثر موثوقية للمعرفة عن العالم لأنه يعتمد على فرضيات قابلة للاختبار. على النقيض من ذلك، يقوم الدين على أساس الإيمان. مصطلح “توما المشكك” يوضح الفرق جيدًا.[1] في العلم، يعتبر الشك ضرورة مهنية، بينما في الدين، يعتبر الإيمان بدون دليل فضيلة.[2]
المشكلة مع هذا الفصل الدقيق الذي يؤدي إلى ”صلاحيات غير متداخلة“ -كما وصف ستيفن جاي جولد العلم والدين- أن العلم له نظام اعتقادي خاص به، وهذا النظام قائم على الإيمان. العلم كله قائم على افتراض أن الطبيعة منظمة بطريقة عقلانية ومفهومة. لا يمكنك أن تكون عالِمًا إذا كنت تعتقد أن الكون عبارة عن خليط لا معنى له من الفوضي والعشوائية. عندما ينظر الفيزيائيون إلى مستويات أعمق من الطبيعة كبنية العالم ما دون الذري، أو يوسع علماء الفلك مدى أدوات الرصد الفلكي، فإنهم يتوقعون مواجهة مزيدٍ من الترتيب الرياضي الأنيق، وحتى الآن هذا الإيمان سائغ.
يتجلى التعبير الأكثر دقة عن الوضوح العقلاني للكون في قوانين الفيزياء، تلك القواعد الأساسية التي تعمل وفقها الطبيعة. قوانين الجاذبية والقوى الكهرومغناطيسية، القوانين التي تنظم العالم داخل الذرة، قوانين الحركة؛ وجميعها يعبر عنها بعلاقات رياضية مرتبة. لكن من أين تأتي هذه القوانين؟ ولماذا هي على ما هي عليه؟[3]
عندما كنت طالبًا، كان يُنظر إلى قوانين الفيزياء على أنها محصنة تمامًا ونهائية. قيل لنا إن مهمة العالم هي اكتشاف هذه القوانين وتطبيقها، وليس التحقق من مصدرها. تعاملنا مع القوانين على أنها ”معطاة هكذا“ ومطبوعة على الكون مثل توقيع صانع في لحظة الولادة الكونية، وثابتة إلى الأبد. لذلك، لكي تكون عالماً، يجب أن يكون لديك إيمانٌ بأن الكون تحكمه قوانين رياضية يمكن الاعتماد عليها، وغير قابلة للتغيير، ومطلقة، وعالمية، وأصلها غير محدد. عليك أن تعتقد أن هذه القوانين لن تُختَرق، وأننا لن نستيقظ غدًا لنجد الحرارة تتدفق من البارد إلى الساخن، أو أن سرعة الضوء تتغير كل ساعة.
على مر السنين سألت زملائي الفيزيائيين كثيرًا عن سبب كون قوانين الفيزياء على ما هي عليه. اختلفت الإجابات من ”هذا ليس سؤالًا علميًا“ إلى ”لا أحد يعلم“، والرد المفضل هو: ”لا يوجد سبب لكونها على ما هي عليه، إنها كذلك وحسب“.
إن فكرة وجود القوانين بلا سبب هي فكرة مناهضة للعقلانية بعمق. فبعد كل شيء، فإن جوهر التفسير العلمي لبعض الظواهر هو أن العالم منظَّم منطقيًا وأن هناك أسبابًا لكون الأشياء كما هي. إذا تتبع المرء هذه الأسباب على طول الطريق وصولاً إلى حجر الأساس للواقع – قوانين الفيزياء – فلا يمكنه ببساطة تجاهل سؤال ما هو سبب كون قوانين الفيزياء على ما هي عليه، ستكون هذه سخرية من العلم.
هل يمكن أن يكون الصرح العظيم للنظام المادي الذي ندركه في العالم من حولنا نابعًا في نهاية المطاف من عبث لا معنى له؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الطبيعة ستبدو حيلة شيطانية، حيث اللامعنى والعبثية تتنكر بطريقة ما في صورة نظام عبقري وقابل للفهم.
على الرغم من ميل العلماء منذ فترة طويلة لتجاهل مثل هذه الأسئلة المتعلقة بمصدر قوانين الفيزياء، فقد تغير هذا الميل الآن بشكل كبير. جزء من السبب هو القبول المتزايد بأن ظهور الحياة في الكون، وبالتالي وجود مراقبين مثلنا، يعتمد بشكل أساسي على شكل القوانين. إذا كانت قوانين الفيزياء مختلفة، فمن شبه المؤكد أن الحياة لن تكون موجودة.
السبب الثاني لإدخال قوانين الفيزياء الآن في نطاق البحث العلمي هو إدراك أن ما اعتبرناه لفترة طويلة قوانين مطلقة وعالمية قد لا يكون كذلك على الإطلاق، ولكنه يشبه إلى حد كبير القوانين المحلية/الموضعية. يمكن أن تختلف القوانين من مكان إلى آخر على نطاق كوني ضخم. عين الإله الذي يرصد الوجود قد تكشف عن مجموعة كبيرة من الأكوان المتعددة، ولكل منها مجموعة مميزة من القوانين الداخلية. في هذا ”الكون المتعدد“، ستنشأ الحياة فقط في تلك البقع ذات القوانين المصاحبة للبيولوجيا، لذا فليس من المستغرب أن نجد أنفسنا في عالم مناسب تمامًا للحياة. لقد اخترناه من خلال وجودنا ذاته.
تزداد شعبية نظرية الأكوان المتعددة، لكنها لا تفسر قوانين الفيزياء بقدر ما تفسد القضية برمّتها. يجب أن تكون هناك آلية فيزيائية لتكوين كل تلك الأكوان وإضفاء القوانين الداخلية عليها. ستتطلب هذه العملية قوانينها الخاصة أو قوانينها الأعلى. من أين جاءت هذه القوانين؟ لقد تحولت المشكلة ببساطة إلى مستوى أعلى من قوانين الكون الواحد إلى القوانين العليا للكون المتعدد.
من الواضح إذن، أن كُلًّا من الدين والعلم مؤسسان على الإيمان -أي على الإيمان بوجود شيء خارج الكون، مثل إله لا تفسير لوجوده أو مجموعة لا تفسير لوجودها من القوانين الفيزيائية، وربما حتى مجموعة ضخمة من الأكوان غير المرئية أيضًا. لهذا السبب، يفشل كل من الدين التوحيدي والعلم الأرثوذكسي في تقديم وصف كامل للوجود المادي.[4]
هذا الفشل المشترك ليس مفاجئًا، لأن فكرة القانون الفيزيائي هي فكرة لاهوتية في المقام الأول، وهي حقيقة تجعل العديد من العلماء يرتبكون. حصل إسحاق نيوتن أولاً على فكرة القوانين المطلقة والعالمية والكاملة وغير القابلة للتغيير من العقيدة المسيحية القائلة بأن الله خلق العالم وسيّره بطريقة عقلانية. يتصور المسيحيون الله على أنه يحافظ على النظام الطبيعي من خارج الكون، بينما يعتقد الفيزيائيون أن قوانينهم تسكن عالمًا مجردًا من العلاقات الرياضية المثالية.
ومثلما يزعم المسيحيون أن العالم يعتمد كليًا على الله في وجوده، في حين أن العكس ليس كذلك، فإن الفيزيائيين يعلنون عن عدم تناسق مشابه: الكون تحكمه قوانين أبدية (أو قوانين عليا)، لكن القوانين مطلقة تمامًا. ومنيعة ضد ما يحدث في الكون.
يبدو لي أنه لا يوجد أمل في شرح سبب بقاء الكون المادي كما هو طالما أننا نركز على قوانين ثابتة أو قوانين عليا موجودة بلا سبب أو مفروضة من قبل العناية الإلهية. البديل هو اعتبار أن قوانين الفيزياء والكون الذي تحكمه هذه القوانين هما جزء لا يتجزأ من نظام موحَّد، وأن يتم دمجهما معًا في مخطط توضيحي مشترك.
بعبارة أخرى، يجب أن يكون للقوانين تفسير من داخل الكون ولا تنطوي على مناشدة كينونة خارجية.[5] تفاصيل هذا التفسير هي مسألة بحث في المستقبل. ولكن حتى يأتي العلم بنظرية قابلة للاختبار لقوانين الكون، فإن ادعاءه بأنه متحرر من الإيمان هو إدعاء زائف بشكل واضح.
***
عقّب على هذا المقال بطريقة نقدية بعض من العلماء – من بينهم ملحدون معروفون – مثل لورانس كراوس (عالم كونيات وفيزياء فلكية)، چيري كوين (عالم بيولوجيا تطورية)، آلان سوكال (عالم رياضيات)، لي سمولين (عالم من كبار علماء الفيزياء النظرية اليوم)، بول مايرز (عالم أجنة وبيولوجي)، شون كارول (عالم فيزياء نظرية وعالم كونيات)، سكوت اتران (عالم أنثروبولوجيا)، جيريمي برنشتاين (عالم فيزياء)، ناثان ميرفولد (كاتب، درس الرياضيات وفيزياء الفضاء)، جون هورغان (محرر مجلة ساينتيفيك أميريكان الشهيرة)، بول ديڨيز لخص انتقادهم والذي كان عبارة عن:
”أنت مخطئ، لا يمكن مقارنة العلم بالدين فالعلم يختبر الفرضيات دوماً وخاضع للتغيير عندما تتعارض الأرصاد مع الفرضيات في حين الدين يعتبر افتراضاته مطلقة ولا تخضع افتراضاته لأي اختبارات، الاعتقاد أن الكون يسري وفق قوانين عقلانية ليس إيمانًا بل شيء تدعمه الأرصاد الكونية، وصحيحٌ العلماء يعتقدون بوجود هذه القوانين هكذا بدون تفسير مصدرها، لكن هذا يعني أن مصدرها غير معروف فقط، وربما نعرفه بعد ذلك“.
وهذا كان رده:
لقد شعرت بالحزن من عدد المنتقدين الذين أساءوا فهم ما كتبته[6]. في الواقع، حملت ردودهم بصمات رد فعل سطحي غير عادي على كلمات ”العلم“و ”الإيمان“ جنبًا إلى جنب.
الفخ الأكثر شيوعًا الذي وقع فيه نُقّادي هو خلط تفسير الظواهر الطبيعية باستخدام قوانين الفيزياء، مع تفسير القوانين نفسها. أنا لا أقترح أن ممارسة العلم هي مسألة إيمان. ممارسة العلم تنطوي على توظيف فرضيات قابلة للاختبار، وتنقيح النظريات وإجراء التجارب – في تناقض صارخ مع ممارسة الدين. الطريقة العلمية هي الطريقة الأكثر موثوقية للوصول إلى الحقيقة التي نعرفها، ولا يوجد عالم أكثر التزامًا أو شغفًا بها مني أنا. نعم، ”العلم يعمل“ كما يشير جون هورغان. يتم اختباره مرارًا وتكرارًا كوصف للطبيعة. نحن جميعاً متفقون على هذه النقطة. لكنها ليست النقطة التي حاولت توضيحها. حجتي لا تشير إلى المنهج العلمي، ولكن إلى القوانين الأساسية للكون نفسه، مما يثير أسئلة مثل ما مصدر هذه القوانين؟، ولماذا تملك هذا الشكل الذي تعمل به؟، وما إذا كان هناك أي شيء خاص بالقوانين الفعلية للكون (مثل ”ضبط القوانين“ للحياة)، مقارنةً بالقوانين الأخرى الممكنة. الموقف الأرثوذكسي (والموقف الذي قررت أن أتحداه في كتاباتي) هو أن الكون تحكمه مجموعة ثابتة من القوانين في شكل علاقات رياضية دقيقة بشكل لانهائي مطبوعة على الكون منذ ولادته. بالإضافة إلى ذلك، يُفترض أن العالم المادي يتأثر بالقوانين، لكن القوانين نفسها لا تتأثر بما يحدث في الكون – فهي غير قابلة للتغيير. ليس من الصعب أن نرى من أين تأتي هذه الصورة: فهي موروثة من التوحيد، الذي يؤكد أنّ كائنًا عقلانيًا صمم الكون وفقًا لمجموعة من القوانين المتقنة. هناك عدم تناظر بين الله والطبيعة: يعتمد الكون كليًا على الله لوجوده بينما وجود الله لا يعتمد على وجود الكون. يدرك مؤرخو العلوم جيدًا أنّ نيوتن ومعاصريه كانوا يؤمنون أنهم أثناء ممارسة العلم كانوا يكشفون عن الخطة الإلهية للكون في شكل نظامها الرياضي الأساسي. أشعر بالاكتئاب؛ لأن تذكير العلماء بهذه الحقيقة التاريخية المعروفة، يثير مثل هذه الردود المرعبة. كما يشير سكوت أتران، فإن الحجة القائلة بأن العلم يقوم على الإيمان ليست جديدة. من الواضح أن المجتمع الغربي غارق في التوحيد لدرجة أن النظرة التوحيدية للعالم، التي اعتمدها العلم، تُعتبر الآن “واضحة” و”طبيعية”. نتيجة لذلك، يجهل العديد من العلماء الأصل اللاهوتي لفكرة القوانين الثابتة. كما أنهم لا يتوقفون عن التفكير في الافتراضات الخفية الكاسحة التي يتبنونها عندما يؤيدون تلك النظرة العلمية/اللاهوتية للعالم، الافتراضات التي في الواقع لا تشاركنا إياها معظم الثقافات الأخرى.
ومع ذلك، لا يتصور جميع العلماء قوانين الطبيعة بالطريقة اللاهوتية التي وصفتها. من الواضح أن بول مايرز، أحدهم، حيث يقول:
”اعتقاد ديفيز أن النظام يجب أن يحكم في كل مكان وعلى كل مستوى هو افتراض مسبق أقوى مما يبرره المنهج العلمي، ويبدو أنه لاهوتي“.
حسنًا، نعم، هذا هو بيت القصيد من مقالتي! إنها وجهة نظر لاهوتية – لكنها مع ذلك وجهة النظر الأرثوذكسية بين علماء الفيزياء النظرية، وخاصة أولئك الذين يعملون على البحث عن نظرية موحدة. يعتقد هؤلاء الفيزيائيون أنّ هناك قوانين كاملة “موجودة”، في عالم مجرد، حتى لو كانت القوانين التي نجدها في كتبنا المدرسية اليوم مجرد مقاربة لهذه القوانين أو لما يسميه ستيفن واينبرغ “النظرية النهائية”. وهذا هو الموقف الذي، على عكس تصريح مايرز، سعيت إلى تحديه في كتاباتي. أثناء القيام بذلك، واجهت معارضة شديدة من زملائي الفيزيائيين، على سبيل المثال، عندما اقترحت في كتابي أنّ الاعتقاد بأن القوانين الرياضية الثابتة الدقيقة للغاية، اعتقاد غير مبرر، أي أنه قد يكون هناك شك في ذلك أو مرونة وتغير في القوانين، كان العديد من زملائي الفيزيائيين منزعجين من هذا الكلام. يسأل جيري كوين، في رده على مقالتي، ”ما الذي نعتقد نحن [العلماء المخلصون للعلم] أنه صحيح بدون دليل؟“ ماذا عن الإيمان بقوانين دقيقة بشكل غير محدود تتضمن الأعداد الحقيقية وقابلية التفاضل؟ أرني الدليل على ذلك. أو لنأخذ مثالًا آخر معروفًا، القوانين التي تتجاوز الكون المادي وتوجد بمعنى ما قبله، لأن هذه القوانين المذكورة مطلوبة لشرح أصل الكون. يؤمن العديد من علماء الكونيات بمثل هذه القوانين، والتي يجب قبولها دون تفسير أو اختبار، كأساس لنظرية علمية تصف ظهور الكون.[7]
أشارت مقالتي إلى أنّ الاعتقاد السائد في قوانين سابقة متسامية كاملة غير قابلة للتغيير والتي يقوم عليها الكون المادي، رغم أنه اعتقاد ليس خاطئًا بالضرورة، إلا أنه مع ذلك يعتبر فعلًا إيمانيًا، مشابهًا في طبيعته للإيمان بمشرع إلهي كامل. اسمحوا لي أنْ أكون واضحًا بشأن المعنى الذي أستخدم فيه كلمة الإيمان هنا. من الواضح أن الإيمان بقوانين الفيزياء لا يتساوى مع ”الإيمان“ بالمعنى الديني الشائع (مثل الإيمان بالمعجزات والنبوة والكتاب المقدس كحقيقة تاريخية، وما إلى ذلك،…). بدلاً من ذلك، في استخدام كلمة الإيمان، أشير إلى الإطار الميتافيزيقي، المشترك بين التوحيد والعلم، إنه الإيمان المشترك الذي نعيشه في كون متماسك، كون يُظهر مخططًا رياضيًا محددًا للأشياء، كونًا، جزئيًا على الأقل، يمكنه فهمه من قبل البشر الواعين. يمكن تحدي هذه الافتراضات الضمنية التي تجري عبر العلم، والتي تنبع من التوحيد. لا يجب أنْ يكون الكون بهذه الطريقة! لكن معظم العلماء يعتقدون أنّ الأمر على هذا النحو.
لأنّ النظرة التوحيدية إلى العالم التي تسود العلم متجذرة بعمق، فإنّ التساؤل من أين تأتي قوانين الفيزياء؟ أو لماذا لديها هذا الشكل؟ هو أمر مستهجن. لقد أثارني العديد مِن مَنْ ردّوا على مقالتي بسبب المغامرة في مثل هذه المياه العكرة، أو لتوقع وجود إجابة عن هذه الأسئلة. أنا ممتن لشون كارول للتعبير بشكل مقنع عن وجهة النظر الأرثوذكسية بين الفيزيائيين بأن قوانين الفيزياء يجب ببساطة قبولها كحقيقة قاسية – أي أنها موجودة بدون تفسير وبدون سبب. كتب كارول:
”هكذا تسير الأمور“. ”هناك سلسلة من التفسيرات المتعلقة بالأشياء التي تحدث في الكون، والتي تصل في النهاية إلى القوانين الأساسية للطبيعة وتتوقف“.
بالنسبة لكارول، كما هو الحال بالنسبة للعديد من العلماء، فإن القوانين غير المفسرة هي نقطة البداية للتفكير العلمي، تمامًا كما أنّ الله هو التفسير النهائي للوجود في الأديان التوحيدية، بعد ثلاثين عامًا من الاستماع إلى المشاحنات العقيمة في النقاش حول العلم/الدين، أشعر بالملل تمامًا ”فالمتدينون يؤمنون بالله كتفسير أفضل، ومعظم العلماء يؤمنون أيضاً بقوانين خارج الكون كتفسير أفضل”. لذلك حاولت رفع مستوى المناقشة والمضي قدماً.
لتحقيق التقدم، شرعت في معرفة إلى أي مدى يمكننا أنْ نذهب في وصف أعمق لخصائص الكون المادي دون مناشدة أي شيء خارجه – مثل إله متعالٍ لا يمكن تفسير وجوده، أو مجموعة من القوانين الطبيعية المفروضة بطريقة سحرية والتي لا يمكن تفسير سبب وجودها، أو الاعتقاد بوجود العديد من الأكوان غير المرئية. أقرّ بأنّه طالما أننا عالقون في أنماط التفكير البشرية، فسوف يتعين علينا في النهاية قبول شيء ما على أساس الإيمان[8]، لكنني لا أرى أي سبب للتوقف عند قوانين الفيزياء. لذا فإنني أتسائل عن المفهوم المثالي للقوانين المثالية الثابتة التي يجب قبولها ببساطة كحقيقة قاسية – ”كإيمان“. لقد حان الوقت للبحث عن نظرية للقوانين، ولوضع قوانين الفيزياء في نطاق البحث العلمي، وإذا أمكن شرح مدى وضوحها، وكفاءتها الرياضية “غير المعقولة” ومدى ملاءمتها الحيوية المحيرة. هناك طريقة ممكنة لصياغة نظرية عن القوانين تم طرحها قبل ثلاثين عامًا من قبل جون ويلر، الذي تخلى عن المفهوم اللاهوتي التقليدي للقوانين الثابتة الأبدية. لقد سعيت في كتابي إلى توسيع نطاق أفكار ويلر في ضوء العمل الأخير في أسس ميكانيكا الكم، ونظرية الحوسبة وعلم الكونيات الهولوغرافي. تم تطوير نهج آخر ممكن لنظرية عن القوانين بواسطة لي سمولين، وقد ذكرها باختصار في رده على مقالتي.
اهتماماتي في متابعة هذا المشروع هو دراسة التفسيرات النهائية للوجود بشكل نقدي، والتي لها تراث طويل في الدين، وتقليد قصير نوعًا ما في العلم. أعترف بالذنب في شكوى لورانس كراوس بأنني أتجنب بعض القضايا المهمة للغاية، مثل البعد الأخلاقي للإيمان الديني، ومأساة الوجود البشري والمعاناة، ومسألة الغرض من الكون. من المسلم به أن قلقي ينصب على أجندة محدودة في الفيزياء/علم الكونيات، لأن هذا هو المجال الوحيد الذي يمكنني فيه المطالبة ببعض السلطة المتواضعة. ومع ذلك، فإن الإطار المفاهيمي الذي أقوم بتطويره يمكن أن يستوعب كونًا فيه شيء مثل ”الغائية“، وإن كان متأصلًا في الكون، بدلاً من فرضه عليه من الخارج.[9]
[1] حسب الروايات المسيحية: توما المشكك هو المشكك الذي رفض الإيمان دون تجربة شخصية مباشرة، في إشارة إلى توما الرسول، الذي رفض الإيمان بقيامة يسوع وظهوره للرسل العشرة الآخرين، حتى رأى ولمس الجروح التي تلقاها يسوع على الصليب. (الإشراف).
[2] الإيمان في اصطلاح القوم تسليمٌ بلا دليل، وعند المسلم: الإيمان فطريٌّ غريزيًا وضروريٌّ عقليًّا، ثم تفاصيل فروع العقيدة والشريعة مبناها على التسليم فهو تسليم علميّ واعٍ لا تقليدٌ أرعن ساذج.(المحرر)
[3] سؤال السبب التقليدي، ومفتاح جوابه التفريق بن السبب وفاعليته (العلة الفاعلية) ولم هو سبب؟ فتلك (العلة الغائية).(المحرر)
[4] الدين المقصود هنا بالمقام الأول هو المسيحية، إذ أنها تفصل من البداية المجالين؛ وإلا فنظرة الإسلام هي من الأساس تعددية وتستوعب العلم من البداية، وترشد إلى التأمل في الكون وفحصه والوقوف على قوانينه. (الإشراف).
[5] لماذا؟ من الناحية العلمية والرياضية: أثبت كورت جودل مبرهنة عدم الاكتمال؛ بمعنى أنه لا مناص لأي نسق من البناء على مصادرات من أنساق خارجة عنه، فالنسق لا يمكنه البرهنة من داخله على كل مسلماته. (الإشراف).
[6] هذا شاهدٌ آخر على أن للإلحاد ميليشا تنشره وتدافع عنه وتُشكِّل إرهابًا فكريًا وإعلاميًا لكل باحثٍ محايدًا كان أو رساليًا يُخالفهم!(المحرر)
[7] ذكروا في ذلك الجاذبية مثلًا والتقلبات الكمومية.(المحرر)
[8] نعم. لا مناص، من لم يؤمن بالله قدّس سواه من قانون طبيعي أو ما شاكله، لم الفرار من المقدّس؟ أليس هذا أيضًا سلوكًا يُحوجك للبحث عن سبب؟(المحرر)
[9] هو رجع للغائية لتفسير السبب، غير أن الغايات ليست من جنس الأسباب، ألا ترى مَشيك وكلامك له سبب فيزيائي بيولوجي لكن غايتك من المشي أو الكلام لا علاقة لها بميكانيكا المشي أو الصوت!(المحرر)