- سعيد مساسي*
- ترجمة: زيد اولاد زيان
مدرسة النُّظُم[1] تبحث عن إعطاء رؤية شاملة للاشتغال التنظيمي. وهي تعتمد على النظرية العامة للنُّظم، المُستمَدَّة من المجالات العلمية، والتي ترتكز على فكرة أنه من أجل الإمساك التّام باشتغال «كُلٍّ»، يجب دراسة الروابط بين العناصر التي تشكِّلُه.
1- لودفيج فون بيرتالانفي والنظرية العامة للنُّظُم
لودفيج فون بيرتالانفي (1901-1972)، دكتور في البيولوجيا وبروفيسور بجامعة فيينا، يُعَدُّ المؤسِّسَ للمقاربة النُّظُميّة بكتابٍ مرجعي صدر سنة 1968، General System Theory»[2]» (النظرية العامة للنُّظُم).
يرى الكاتب أنه توجد في الطبيعة قوانين عامة يمكن أن تنطبق على كل النُّظُم أيّا كان حقلها التخصُّصي (البيولوجيا، الفيزياء، الطب، علم الاجتماع، الإدارة، …). هذا يدفع إلى تحليل الظواهر المُركَّبة ذات العناصر المرتبطة بعضها ببعض. يعرِّف إذن النظام باعتباره «مركَّب عناصرِ تَفاعُلٍ».
فرضيته الأساسية تدعو إلى أنه ينبغي اعتبار كل كيان كنظام مكوّن من أجزاء مترابطة، بهدف فهم آلية اشتغاله. وفقا له، يمكن أن يكون النظام من النوع المفتوح أو المغلق. النظام المفتوح يكون في تفاعل ثابت مع بيئته الخارجية. في المقابل، النظام المغلق لا يخضع لتأثير بيئته.
2- المقاربة النُّظُميّة وإدارة المنظمات (حسَب فوريستر، ولوساتو، وميليز، ومنتسبرغ)
العديد من الكُتّاب في الإدارة استلهموا من أعمال بيرتالانفي، مثل، على سبيل المثال: جاي فوريستر (J. FORRESTER)، هنري منتسبرع (H. MINTZBERG)، جاك ميليز (J. MÉLÈSE)، برونو لوساتو (B. LUSSATO)، إلخ. إنّ وَقْع النظرية العامة للنُّظُم في إدارة المنظمات هو في السعي إلى التقريب بين إسهامات مختلف مدارس الفكر الإداريّ (الكلاسيكية، العلائقية، الإمبريقية، …). وفي هذا الصدد، يوضح لوساتو (LUSSATO)[3] أن «باحثي نظرية النُّظُم يسعون ليس فقط إلى ردم الفجوة التي تتوسع دون توقف بين مختلف الحركات: النوعية (السيكوسوسيولوجية)، الكمّية والإمبريقية (النيوكلاسيكية)، ولكن أيضا إلى إلغاء الحواجز التي تفصل باقي علوم النشاط الإنساني: اقتصاد الشركة، المعلوميات، البحث التنفيذي، الاقتصاد الكُلي، الأرغونوميا [علم تنظيم الشغل]، علم النفس الصناعي، إلخ.».
حسب المقاربة النُّظُميّة، كلّ منظَّمة تُماثِل نظاما مفتوحا مكوَّنا من مختلف العناصر (أفراد، رؤوس أموال، معدّات، معلومات، …) وذا اشتغال يتوقف على التفاعلات:
- بين عناصره الخاصة (التدفقات المالية، والمادية، وتدفقات المعلومات، …)؛
- مع عناصر البيئة الخارجية (المنافسون، المُزوِّدون، الزُّبناء، الدولة، الشُّركاء، …).
هذه المقاربة تقدّم مزيّة تسليط الضوء على العلاقات والتفاعلات بين مختلف عناصر المنظمة وبيئتها بدلا من طبيعة العناصر نفسها. العنصر إذن يتحدّد بمكانه في النظام وليس بطبيعته الذاتيّة. وكذلك، خصائص أو سلوكات عنصرٍ في علاقةٍ معينة يمكن أن تتغير في علاقةٍ أخرى. على سبيل المثال، أداء زبونٍ في موقع قوّةٍ لا يبقى هو نفسه عندما يصبح هذا الأخير مسيطَرا عليه من قِبَل الشركة.
النُّظُميّة هي إذن مقاربة شاملة بما أنها تركز الاهتمام على «الكُلّ» وليس على الأجزاء المكوِّنة للكُلّ (كما هو الحال في المنهج التحليلي). في الواقع، عندما تتغير علاقةٌ، المجموع يمكن أن يتحول تبعا لذلك. فعلى سبيل المثال، تدهورٌ في المناخ الاجتماعي داخل الشركة يمكن أن يقود إلى تدَنٍّ في الأداء، وإلى عدم رضا الزبناء، وإلى فقدان حصة من السوق، وإلى انخفاض العائد، …
بحسب فوريستر (FORRESTER)[4]، نظام الشركة يمكن تحليله من خلال خصائصه التي يمكن عرضها كما يلي:
- نظام عملي: المكون من مجموعة من عناصر ملموسة (أفراد، معدات، محلّات، …) وغير ملموسة (ثقافة الشركة، تاريخها)؛
- نظام نهائي: الذي يتبع مجموعة من الأهداف العامة؛
- نظام مرتَّب: والذي يتوفر على بنية تتسم بتقسيم للعمل وآليات للتنسيق؛
- نظام دينامي [حيويّ]: والذي يعرِف بتفاعُله مع بيئته طفرةً دائمة؛
- نظام مُحكَم: مزوّد بأجهزة المراقبة التي تمكّن من ضمان إجراءات الضَّبط (القرارات أو الإجراءات التصحيحية الرامية إلى تحقيق الأهداف الكبرى للشركة)؛
- نظام للقيادة: والذي يتّخذ القرارات التي تمكّن من التصدّي للعيوب والاختلالات التي تعترض الشركة عادةً.
يميّز فوريستر بين ثلاثة أشكال للضّبط التي تمكّن من تفادي الاختلالات في المنظمات[5]:
- الضبط عبر الاستباق: يهدف إلى التصدي للاختلال قبل أن يمسّ اشتغال النظام؛
- الضبط عبر الإنذار: يسعى إلى تصحيح العيوب التي تُرصد في النظام للتّو، من أجل منع أي اختلال مهم للمنظمة؛
- الضبط عبر الخطأ: يتعلق بقرارات الإجراءات التصحيحية المتخذة من أجل تدارُك حالة حرجة موجودة سابقا.
بالنسبة لجاك ميليز، الذي يعتبر أحد مناصري تطبيق المقاربة النظمية في حقل المنظمات، يقدم منهجية لوصف المنظمة (تحليل الأنظمة لوحدات: AMS) يمكن أن يستعملها المسيِّرون لتحديد وفهم كل مشاكل منظماتهم. يوضّح بأنّ: «وصف نظامٍ يتمثّل في رسم نموذج العناصر والعلاقات».[6]
بالنسبة لميليز، فإن الشركة هي نظام معقد، مكون من أجزاء متعددة (أو وحدات) مترابطة، في طفرة دائمة تحت نشاط قادتها وبيئتها. تحليل الأنظمة لوحدات يرمي إذن إلى تحديد الأهداف، أساليب التوجيه، نطاقات القرارات، المعلومات الخاصة بكل جزء (أو وحدة) من النظام وتفاعلاته مع باقي الوحدات ومع البيئة.
منتسبرغ ، من جهته، يتصور تنظيم الشركة كترابُط دينامي لعناصر متنوعة. بالنسبة لهذا الكاتب الذي ينتمي في نفس الوقت للمدرسة الكلاسيكية الجديدة (néoclassique) وللمدرسة النُّظمية (systémique)، فإن كفاءة بنيةٍ تتعلق أساسا:
- التكييف المتبادل للعناصر التي تشكلها؛
- الكشف عن العوامل الطارئة والتحكم فيها.
يعتبر منتسبرغ [7] بأن المنظمات مكونة من خمسة أجزاء أساسية كما يوضح ذلك الرسم التخطيطي التالي.
من خلال هذا المخطط، المركز التنفيذي [التشغيلي/العملياتي] [1] مرتبط بالقمة الاستراتيجية [2] بواسطة خط هرميّ [3]، والتي ينبغي أن يُربط بها بنية تقنية (technostructure) [4] ودعم فني [5].
- النواة التنفيذية: تنجز العمل الأساس للمنظمة (عمل مرتبط بشكل مباشر بإنتاج وتوزيع السلع والخدمات)؛
- القمة الاستراتيجية: مكونة من أُطُر عُليا مهتمة بمجموع المنظمة وعلاقاتها مع البيئة؛
- الخط الهرمي: أو «المحور الأوسط»، مكون من أُطُر تكفل الرابط بين القمة الاستراتيجية والنواة التنفيذية؛
- البنية التقنية: مكونة من الأشخاص الرئيسيين للإنتاج، والمالية، والتخطيط، ولليد العاملة، إلخ.؛
- الدعم الفني: أو اللوجستي، مكون من وحدات متخصصة تقدم دعما للمنظمة بعيدا عن تدفق العمل التنفيذي[8] كالمشورة القانونية، البحث والتطوير، العلاقات العامة، المقصف (cafétéria)،…
هذه الأجزاء الخمسة متشابكة عبر مختلف الروابط المعقدة، التي يصفها الكاتب كما يلي:
- نظام السلطة الرسمية التابع للهيكل التنظيمي للمنظمة؛
- أنظمة التدفقات المنظَّمة للأعمال التي تضم تدفق العمل التنفيذي، التدفق المنظم للمراقبة والتدفق المنظم للمعلومات الفنية (تبادل شامل للمعلومات بين التنفيذي والفني)؛
- نظام التواصل غير الرسمي (المكون من روابط وصِلات غير رسمية وعفوية بين الأعضاء، التي يمكن أحيانا أن تتجاوز القنوات المنظَّمة للمعلومات والقرارات)؛
- نظام تشكيلات العمل (الروابط بين الأفراد المكونين لنفس مجموعة العمل)؛
- نظام إجراءات القرارات التي تُشرِك الأفراد في مستويات مختلفة من التراتبية الهرمية، حسب طبيعة القرار: تنفيذي، إداري، أو استراتيجي.
في نهاية المطاف، تمكّن أعمال منتسبرغ، وحسب مقاربة نُظمية، من تعيين حدود تنظيم الشركة من خلال التفاعل والخليط المعقد للأنظمة الخمسة المشار إليها أعلاه.
تسعى المدرسة النُّظُمية إلى توفير تمثيلٍ
للواقع في وحدته وتعقيده
لظاهرة التنظيم[9] .
إنها ترمي إلى إعطاء رؤية شاملة للاشتغال التنظيمي، بتسليط الضوء على أهمية التفاعُلات بين مختلف عناصر المنظمة وبيئتها.
(*) سعيد مساسي (Saïd MSSASSI): حاصل على دكتوراه في علوم الإدارة من جامعة باريس فال دو مارن (Université Paris Val de Marne)، وهو حاليا أستاذ جامعي بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة – المغرب.
[1] – بالفرنسية (L’école systémique)، وترجمتها الحرفية: المدرسة النظامية، أو: المنظوميّة، ولم أجد لها ترجمة مشهورة، ويترجمها البعض بمدرسة المنظومات، وفضّلت ترجمتها بمدرسة النُّظُم، والمدرسة النُّظُميّة، عُدولا عن “النظامية” و”المنظومية” التي تُحيل على معاني مشهورة مختلفة وبعيدة، ولو بالنسبة للجمع دون المفرد. [المترجم]
[2] – L. Von BERTALANFFY, General System Theory, New York, Georges Braziller Inc., 1968, traduction française : La théorie générale des systèmes, Paris, Dunod, 1973, nouvelle édition Dunod 1993.
[3] – B. LUSSATO, Introduction Critique aux Théories des Organisations, Dunod, 1977.
[4] – J. W. FORRESTER, Industrial Dynamics, MIT press, 1961.
[5] – Ibid.
[6] – J. MÉLÈSE, Approches Systémiques des Organisations, Les Editions d’Organisation, Paris, 1990.
[7] – H. MINTZBERG, Structure et Dynamique des Organisations, Les Editions d’Organisation, 1982.
[8] – التدفق التنفيذي للعمل (flot opératoire du travail) يشمل ثلاث عمليات: المدخلات (inputs)، التحويل (throughputs)، والمخرجات (outputs).
[9] – J. M. PLANE, Management des Organisations, Dunod, Paris, 2003.
المصدر:
Saïd MSSASSI, Précis du Management : concepts et processus de gestion, collection management des organisations, l’imprimerie AL BIDAOUIA, Tanger, Maroc, 2016, p. 72-77.