- كيندرا شيري
- ترجمة: ليان الفارس
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: عبير الشهري
النظرية الاجتماعية والثقافية: هي نظرية ناشئة في علم النفس، والتي تناقش الإسهامات التي يقوم بها المجتمع في سبيل نمو الفرد. تُشدّد هذه النظرية على التفاعل الحاصل بين نمو الأشخاص والثقافة التي يعيشون فيها، تقترح النظرية الاجتماعية والثقافية أيضًا أن التعلم البشري هو بالأصل عملية اجتماعية.
مقدمة للنظرية الاجتماعية والثقافية
تطورت النظرية الاجتماعية والثقافية من جهود عالم النفس السوفييتي: ليف ڤيجوتسكي الذي اعتقد بأن كلًّا من الوالدين، ومقدمي الرعاية، والأقران، والثقافة بمفهومها الأوسع، مسؤولون عن تطوير أنظمة الوظائف العليا.
تبعاً لڤيجوتسكي فإن التعلّم يكمن أساسه في التفاعل مع أُناسٍ آخرين، عندما يحدث ذلك؛ فإن المعلومات تندمج على الصعيد الفردي.
كان ڤيجوتسكي معاصراً لمفكرين عظماء أُخر، مثل: فرويد، سكنر، وبياچيه، ولكن موته المبكر في سن السابعة والثلاثين، وقمع أعماله في روسيا الستالينية؛ وضعا جهوده في غياهب النسيان تقريباً حتى الآونة الأخيرة، عندما نُشرت أعماله على نطاق واسع، غدت أفكاره تنمو وتحظى بالقبول بشكلٍ متزايد، مؤثرةً في العديد من المجالات ومنها، نمو الطفل، علم النفس المعرفي، والتعليم.
لا تركز النظرية الاجتماعية والثقافية على كيفية تأثير البالغين، والأقران على تعلم الفرد فحسب؛ بل تركز كذلك على كيفية تأثير الاعتقادات، والسلوكيات الثقافية على طريقة التعلم والتعليم.
وفقاً لڤيجوتسكي، يُولد الأطفال بقيودٍ بيولوجيةٍ أساسية في عقولهم. ومع ذلك، تُقدم كل ثقافة “أدوات التكيّف العقلي” كما يسميها ڤيجوتسكي. هذه الأدوات تسمح للأطفال باستخدام قدراتهم الذهنية الأساسية بطريقةٍ متكيفة مع ثقافتهم التي يعيشون فيها، على سبيل المثال. في حين قد تركز ثقافة ما على استخدام استراتيجات الذاكرة -كتدوين الملاحظات-تستخدم ثقافاتٌ أخرى أدواتٍ مثل التذكيرات، أو الحفظ والاستظهار عن غيب.
بياچيه مقابل ڤيجوتسكي: فروقاتٌ جوهرية
إذاً كيف تختلف النظرية الاجتماعية والثقافية لدى ڤيجوتسكي عن نظرية النمو المعرفي عند بياچيه؟
أولاً، يولي ڤيجوتسكي اهتماماً أكبر لطريقة تأثير العوامل الاجتماعية على النمو، ففي حين ركزت نظرية بياچيه على كيفية تأثير اكتشافات وتفاعلات الطفل على النمو، شدّد ڤيجوتسكي على الدور الأساسي الذي يلعبه التواصل الاجتماعي في عملية النمو المعرفي.
فرقٌ آخر مهم بين تلك النظريتين يكمن في أن نظرية بياچيه تشير إلى أن النمو عالمي بدرجةٍ كبيرة، في حين يقترح ڤيجوتسكي بأن ذلك النمو المعرفي قد يختلف باختلاف الثقافات.
عملية النمو في الثقافة الغربية -على سبيل المثال-ربما تكون مختلفة عن تلك التي في الثقافة الشرقية.
منطقة النمو القريبة
مصطلح هام في النظرية الاجتماعية والثقافية يُعرف بمنطقة النمو القريبة، طبقاً لڤيجوتسكي تُعرّف منطقة النمو القريبة بأنها: “المسافة بين مستوى النمو الفعلي الذي ينشأ من حل المشكلات بصورة مستقلة، ومستوى النمو المحتمل حدوثه، والناشئ من حل المشكلات تحت توجيه البالغين، أو بالتعاون مع أقرانٍ أكثر قدرة”.
إنها تضم بصورةٍ أساسية جميع المعارف والمهارات التي لا يستطيع الشخص فهمها أو أدائها بمفرده، ولكنه قادرٌ على تعلمها تحت التوجيهات. عندما يُسمح للأطفال بتوسيع معارفهم، وتطوير مهاراتهم -غالباً من خلال ملاحظة شخص أكثر خبرة منهم-فإن بمقدورهم توسيع منطقة النمو القريبة.
ملاحظات حول نظرية التعلم الاجتماعي
في كتابه المعنون بـ “التنمية الاجتماعية والشخصية”، شرح المؤلف ديڤيد آر شافر[1] أنه بينما يعتقد بياچيه أن النمو المعرفي عالمي نسبياً، يرى ڤيجوتسكي أن كل ثقافة تُقدم اختلافاتٍ فريدة. ولأن الثقافات قد تختلف بشكل كبير جداً، فإن النظرية الاجتماعية والثقافية لڤيجوتسكي ترى أن كلاً من عملية النمو الذهني، وفحواها ليستا عالميتين كما يعتقد بياچيه.
تطبيقات عملية لنظرية ڤيجوتسكي الاجتماعية والثقافية
حظيت النظرية الاجتماعية والثقافية بشعبيةٍ كبيرةٍ في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في الأوساط التعليمية.
إليك بعض الأمثلة لكيفية تطبيق هذه النظرية على أرض الواقع:
في الفصل الدراسي
إن فهم مستويات منطقة النمو القريبة، قد يكون مفيداً للمعلمين. في بيئة الفصل، يمكن للمعلمين أن يساعدوا طلابهم في البداية لتحديد مستوى مهارتهم الحالي، وبمجرد تحقق ذلك، يستطيع المعلمون تقديم المعرفة التي توسّع حدود قدرات كل طفل.
قد يحتاج الطلبة إلى المساعدة من بالغٍ، أو قرينٍ أكثر علماً في البداية، ولكن -لاحقاً-ستتسع منطقة النمو القريبة لديهم.
يمكن للمعلمين تخطيط دروسهم، وطريقة تعليمهم. على سبيل المثال، للمعلم أن يُقسّم طلاب الفصل إلى مجموعات، حيث يكون الأطفال الأقل مهارة مصاحبين لأطفال ذوي مهارةٍ أعلى. قد تُستخدم التلميحات، والتشجيعات، والتوجيهات المباشرة لمساعدة الأطفال على الارتقاء بمستويات قدراتهم. وربما يستفيد المعلمون من مفهوم “الدعامات” (أو السقالات التعليمية) [2]، وذلك عندما يقدم المعلم التشجيع والتوجيه للطفل؛ حتى يحقق الهدف تدريجياً.
التنشئة الاجتماعية واللعب
تركز نظرية ڤيجوتسكي أيضاً على أهمية اللعب في عملية التعلم. يمكن للمعلمين والوالدين توظيف هذه المعلومة في تقديم العديد من فرص خبرات اللعب للأطفال. يرى ڤيجوتسكي أن من خلال اللعب والتخيّل تَمكّن الأطفال من زيادة قدراتهم المفاهيمية، ومعرفتهم بالعالم.
يمكن لبعض أنواع الألعاب أن تحسن عملية التعلم وتشمل: ألعاب الخيال، لعب الأدوار، وألعاب إعادة تمثيل الأحداث الواقعية. تساعد مثل هذه النشاطات على تعزيز نمو التفكير المجرّد.
[1] ديڤيد شافر: هو أستاذ الطب النفسي للأطفال في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. – المترجم.
[2] في السقالات التعليمية يساعد المعلم الطالب على إنجاز مهمة أو استيعاب معرفة لا يـستطيع الطالـب إدراكها منفرداً، وعندما يعتمد الطالب على نفسه، يبدأ المعلم بإزالة هذه السقالات تدريجياً؛ فالسقالات تعمل كجسر للوصول إلى المعرفة التي يجهلها الطلاب-المترجم.