- جوناثان براون – عبدالله حامد علي
- ترجمة: مصطفى هندي – محمود عبد العاطي
- تحرير: مريم سالم
الجزء الأول: مشكلة الرق
هذا هو الجزء الأول في سلسلة من ثلاثة أجزاء حول مسألة الإسلام والرق/العبودية. يوضح هذا الجزء أن مصطلح “الرق” بحد ذاته غامضٌ لدرجة أنه لا يمكن توظيفه في مناقشة مظاهر الاستعباد المتطرف والاستغلال عبر التاريخ، لأن ما يجب أن نركز عليه هو شروط الاستغلال والاستعباد المتطرف، وليس المصطلحات المتغيرة. المقالة الثانية ستوضح مفهوم الرق في الشريعة والحضارة الإسلامية، والجزء الأخير سوف يدرس إلغاء الإسلام للرق.
مقدمة المترجم:
لطالما كان سؤال الرق وعلاقته بالإسلام محل أخذ و رد قديمًا وحديثًا، فقديمًا ناقش الفقهاء من شتى المذاهب الأحكامَ المتعلقة بالعبد والأمة والعتق والمكاتبة، وذلك يعكس الأهمية الاجتماعية لمسألة الرق – من حيث تعلقها بكرامة النفس البشرية – في الشريعة الإسلامية وحرص الإسلام على إرساء قواعد تصون كرامة الإنسان، والمتأمل لكتب الفقه وكلام الفقهاء في هذه المسألة يدرك عمق التشريع الرباني وحكمة الباري جل شأنه ومدى ملاءمتها لما جبلت عليه النفس البشرية.
وحديثًا، بدأت المسألة تأخذ شكلًا آخر، فمع بدء الاستشراق وقدوم موجة التغريب بدأت الشبهات تتوارد على نصوص الدين الحنيف، وكانت مسألة الرق حاضرة بشدة في جملة ما رُمي به الإسلام من باطل، ورغم أن أدنى نظر صحيح متزن بميزان الشريعة فيما كتبه الفقهاء وأصَّلوه حول هذه المسألة يكفي لدحض شبهات المبطلين التي اعتمل فيها الجهل والهوى، إلا أن عملية استنباط الأصول العامة الكامنة وراء التشريعات الجزئية المتعلقة بمسألة الرق لم يكن بالأمر السهل، وقد انبرى كثير ممن عاصر تلك الموجة – وحتى اليوم – لصد تلك الهجمات والانتصار للحق.
ورغم كثرة تلك الكتابات وحلها لكثير من الإشكالات التي أُوردت على التشريع الإسلامي حول مسألة الرق، إلا أن هذا البحث الذي بين أيدينا قد وضع المسألة في إطار جديد أوسع وأشمل، حيث ناقش الرق كظاهرة بشرية كانت موجودة في مختلف الفترات والحضارات البشرية، وليست ظاهرة خاصة بالمجتمع المسلم فقط. وبدأ بمطالبة الخصم بتحرير المعنى الذي يقصده عندما يتحدث عن الرق. ويبين المؤلف أن عامة ما يورد من تعريفات للعبودية أو الرق = لا جدوى منها في تحرير المسألة كما أن جميعها لم تستوعب كافة الوقائع المصاحبة للرق على مر التاريخ البشري، و من هنا انتهى المؤلف إلى أن التناول الصحيح للمسألة يجب أن يركز على الحقيقة الفعلية والواقع وليس على الأسماء، فلا يعني عدم وجود مسمى الرق أن الاستغلال والامتهان ليس موجودًا، كما أن مجرد وجود مسمى الرق لا يعني بالضرورة وجود حالة من الاذلال والقهر والسيطرة، وأورد المؤلف أمثلة على كلا الحالتين في إطار تاريخي تناول ظاهرة الرق وما صاحبها من ملابسات واقعية على مر التاريخ البشري.
ملاحظة: جميع الحواشي هي من وضع المؤلف، وما أدرجه المترجمان من تعريف مبهم أو توضيح إشكال وضعنا في نهايته اسم صاحبه، أما غير ذلك فهو من المؤلف.
-مصطفى هندي
مشكلة الرق
هل هناك رق في الإسلام؟
عندما يطرح الناس هذا السؤال، فعادةً ما يفترضون أن هذه الجزئية من الإسلام تحتاج إلى توضيح. الجميع يعرف بالفعل ما هي العبودية، لكن في الواقع، العبودية مختلفة تمامًا عن ما يظن كثير من الناس. إن المصطلح الإسلامي بسيط وواضح إلى حد ما، لكن المشكلة الحقيقية هي محاولة تحديد ما نعنيه نحن بالعبودية. وكلما سبرنا غور تلك الكلمة وحاولنا تعريفها، كلما وجدنا أن افتراضاتنا وحتى الكلمات لا تسعفنا. إن ما نعتقد أننا نعنيه بالعبودية بالكاد يتجاوز تجربتنا الأمريكية، وفي اللحظة التي نحاول فيها إصلاح ماهية العبودية وتعريفها كظاهرة إنسانية نجد أنفسنا في متاهة من المرايا ترد علينا افتراضاتنا. نعتقد جميعًا أننا نعرف ماهية العبودية، لكن هل سنتعرف عليها إذا رأيناها؟
تخيل أنه يمكننا استكتشاف ظاهرة العبودية عبر التاريخ، وأننا سنقوم برحلة في آلة زمنية تمكننا من السفر عبر الزمان والمكان. محطتنا الأولى هي صحراء قائظة نائية حيث تنتشر العبودية، ندخل منزلًا ثريًا ميسور الحال، حيث نجد بعض الأشخاص يؤدون الأعمال المنزلية بينما هناك رجل كبير السن يحتسي الشاي.[1] الجميع لديه نفس لون البشرة الداكنة. وفجأة يزجر صاحبُ الشاي المتكئ على أريكته الوثيرة شابًا من الخدم ويضربه بالسوط. نحن حريصون على معرفة هؤلاء الناس، لحسن الحظ، فإن مركبتنا الفضائية تترجم جميع اللغات مباشرة إلى عقلك، نسأل أحد الرجال الذين يقدمون الشاي عن اسمه فيقول أن اسمه “زعفران” وأنه “أحد الرقيق” الذين يعملون في خدمة هذا السيد. لقد عمل في هذا المنزل لخمس سنوات، لكنه أخبرنا أنه في غضون عام واحد، سيدفع ما يكفي من المال ليصير حرًا ويبدأ تجارته الخاصة. وعندما سألناه عن الشاب الذي يضرب بالسوط “ياله من شقي … سيظل هنا حتى يموت السيد العجوز”.
بالعودة إلى آلتنا الزمنية، نسافر عبر الزمان والمكان، هذه المرة سنقابل الوزير الأول لإمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف، يدخل الوزير الأول قاعة العرش محاطًا بعشرات من الجنود المسلحين، ونحن نرى الترقب والإثارة في عيون الحشود الغفيرة حولنا. همس أحدهم “هذا الوزير يساوي 80 مليون دوكة ذهبية”، ويجيبه آخر “إنه متزوج من ابنة الملك”. الوزير وحراسه جميعهم من ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر، بينما العديد من أولئك الموجودين هناك لتقديم فروض الطاعة والولاء لديهم بشرة داكنة.
بعد مقابلة الوزير الأول، نقوم الآن برحلة إلى أرض أكثر برودة حيث نلتقي رجلًا يعمل في مصنع ساعات، قد سئم من حياته تلك، لذلك اتفقنا على اصطحابه معنا، لكن صاحب المصنع أمسكه وهو يغادر، وزج به في السجن.
لا نزال نتنقل بآلتنا الزمنية، ننزل هذه المرة أرضًا جديدة حيث نرى، في طريقنا، فريقًا من الشباب ذوي البشرة الداكنة يقطعون الأشجار تحت أشعة الشمس الحارقة، وأرجلهم مقيدة بالسلاسل وكلهم مربوطون ببعضهم البعض بالحديد، ورجلًا أبيض يراقبهم بسوط في يده.
إلى أين أخذتنا آلتنا الزمنية في استكشافنا للرق عبر التاريخ ؟ أول مكان زرناه هو مكة المكرمة في القرن الثامن عشر الميلادي. كان “زعفران” عبداً في منزل أحد الأثرياء وكان لديه اتفاق مع سيده على إعادة شراء حريته بمبلغ من المال (المكاتبة). كانت كلمة “رقيق” هي المصطلح المتعارف عليه للعبيد، وكانت الأسماء المرتبطة بالأطعمة والثراء مثل الزعفران نموذجية جدًا. كان الشاب الأصغر سنا الذي تعرض للضرب بسبب سوء الخدمة – والذي سيظل مرتبطا بالأسرة إلى الأبد – هو ابن الرجل الثري.
المكان الثاني الذي زرناه هو عاصمة الإمبراطورية العثمانية في عام 1579. وكان الوزير هو صقلي محمد باشا، الوزير الأول(الصدر الأعظم) والحاكم الفعلي للإمبراطورية خلال فترة السلاطين الثلاث [سليمان القانوني وسليم الثاني ومراد الثالث]. في وقت زيارتنا، كان بالفعل أحد أغنى وأقوى رجال الإمبراطورية العثمانية لما يقرب من عقدين، وكان أيضا عبدًا للسلطان. وُلد في البوسنة، وكذلك جميع حراسه، الذين كانوا أيضًا عبيداً للسلطان.([2])
كانت الأرض التي قابلنا فيها الرجل الذي يعمل في مصنع الساعات هي إنجلترا عام 1860. على الرغم من أن العامل كان رجلًا حرًا، إلا أنه وفقًا لقوانين العمل في إنجلترا في ذلك الوقت كان العامل الذي يفشل في إثبات جدارته في العمل يُتهم بسرقة صاحب العمل ويحاكم كمجرم. آخر مكان زرناه هو أرض كانت فيها العبودية غير قانونية منذ فترة طويلة ألا وهي: ريف أريزونا في عام 2004، حيث كان قائد الشرطة المحلية يشرف على عصابة من الشباب تشتغل في قطع الأشجار.
مشكلة تعريف الرق
كيف نميز أثناء رحلتنا بين العبد وغيره ؟ ربما يعتقد معظم الغربين اليوم أن الشاب الذي تعرض للضرب والعمال المكبلين بالسلاسل كانوا عبيدًا، وذلك لأننا نربط العبودية بالإذلال البدني والعمل القاسي والعنف. ربما لن نفترض أن الشاب الذي قال عن نفسه أنه “أحد الرقيق” كان عبداً لأنه أخبرنا أنه سينتقل قريبًا إلى وظيفة أخرى وفق شروطه الخاصة، وذلك لأننا نربط العبودية بانعدام كامل لحرية التصرف ومن المفترض أن يستمر ذلك مدى الحياة. من المؤكد أننا لن نفترض أن الوزير الأول كان عبداً، لأنه من الواضح أنه كان يمتلك ثروة طائلة ويبسط نفوذه على جميع أنحاء الإمبراطورية.
عند بحثنا عن ظاهرة العبودية، ما الذي نبحث عنه حقًا؟ هل المهم هو تحقق وجود مسمى “العبد”؟ أم أن الأهم هي الحقيقة والواقع وراء هذا المسمى؟ كان الجنود والمسؤولون في أسرة مانشو تشينغ الصينية (1644-1912) عبيداً بالفعل (يُطلق عليهم Aha) للأسرة الحاكمة وكانوا يرون في ذلك مفخرة عظيمة. في وقت لاحق صار أي شخص من عائلة المانشو يُطلق عليه “عبد”، لكن الكلمة لم يكن لها أي صلة بالواقع المتدني والإهانة.[3] حتى القرن التاسع عشر، كانت الباب العالي للإمبراطورية العثمانية يديره أشخاص يوصفون بأنهم كول kul (بالتركية:عبيد السلطان المقربون)وهؤلاء كانوا يتمتعون بسلطة واحترام أكبر من نظرائهم الأحرار.[4]
عندما نتحدث عن الكلمة التي تعني “عبد” باللغة الإنجليزية، هل هذه الكلمة تعني بالضرورة ما نعنيه نحن بالعبودية أو الرق؟ إن كلمة “slave” الإنجليزية مشتقة من الكلمة اللاتينية في العصور الوسطى التي استعملتها الشعوب السلافية “سلافوس Sclavus”، لأنهم كانوا يسكنون البلقان التي كانت تزود تجار الرقيق الأوروبيين بشحناتهم حتى القرن الثالث عشر.[5] من بين التعريفات الشائعة للعبد في قواميس اللغة الإنجليزية هو “شخص مملوك قانونًا من قِبل شخص آخر ويُجبر على العمل من أجل ذلك الشخص بدون أجر”، وقد كانت فكرة العبودية هذه – باعتبارها تختزل البشر إلى أشياء مملوكة لأشخاص آخرين – عاملًا رئيسيًا في كيفية تشكل المفهوم الغربي للعبودية، وقد كان هذا المفهوم جوهريًا في معنى العبودية عند المؤيدين لإلغاء الرق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عندما بدأت حركة تحرير العبيد، لكن جذور هذا التعريف تتجاوز جذور التراث الغربي إلى القانون الروماني الذي قسم الناس إلى فئتين: الأحرار (الشخص الذي لديه “الحق الطبيعي” في فعل ما يشاء، ما لم تمنعه قوة القانون”) والعبيد: الذين يعاملون كممتلكات للآخرين.
لكن حتى تعريف العبودية من خلال مفاهيم مثل الملكية والاستغلال يولد أسئلة أكثر مما يعطي إجابات. ماذا تعني الملكية؟ في القانون الأمريكي، ننظر إلى الملكية على أنها “مجموعة من الحقوق”: حق الاستخدام والإتلاف والبيع. لكن في بعض الأحيان لا يتمتع المالك إلا ببعضها، وغالبًا ما يكون هناك قيود كثيرة، وأحيانًا يكون للمالك حق التصرف الكامل في كل هذه الحقوق. ربما لن نقول أن الأطفال “يمتلكون” ألعابهم لأنهم بوضوح لا يسيطرون عليها (بالكامل)، لكن الأطفال في أمريكا – من الناحية القانونية – “يمتلكون” الألعاب التي نوفرها لهم. ومع ذلك، فإن ملكيتهم ليست كاملة، لأن حقهم في استخدامها مقيد للغاية من قبل آبائهم.
إن مفهوم الملكية يعتمد على فهمنا للعلاقات مثلما يعتمد على مفهومنا للسيطرة والتحكم الكامل. كما أوضح المؤرخ الاجتماعي الشهير أورلاندو باترسون أن “من وما” نقول أننا نملكه هو في الحقيقة ليس إلا انعكاسًا لعاداتنا وسلوكياتنا.[6] كان الأميركيون المعاصرون يستهزئون بمفهوم “امتلاكهم” لأطفالهم، لكن منذ الحقبة الرومانية إلى فترة العصور الوسطى في أوروبا، استطاع الآباء فعليًا بيع أطفالهم كعبيد للدائنين من أجل سداد الديون. علاوة على ذلك، كان الآباء المعسرون الذين يتخلون عن أطفالهم مصدرًا منتظمًا لأسواق الرقيق في أوروبا.[7] ومع ذلك، فمن الناحية القانونية فجميع هؤلاء الأطفال قد ولدوا “أحراراً”، وليسوا ملكًا لأي شخص من وجهة نظر القانون. في الولايات المتحدة، تتمتع الزوجات والأزواج بالعديد من الواجبات والحقوق والسلطات على بعضهم البعض وعلى خدمهم، كما يتضح ذلك أثناء الطلاق.[8] لكننا لا نتحدث عن الزواج كعلاقة “يملك” فيها أحد الطرفين الآخر. كانت الأعراف والتقاليد في الإمبراطورية الصينية مختلفة، فعادة ما كان الأزواج يدرجون زوجاتهم (الحرائر!) كممتلكات في وصاياهم، و يورِّثونهن لبعض الأصدقاء.[9] ومن العجائب أنه بين عامي 1760 و 1880 – أي قبل أقل من قرن ونصف – كانت هناك 218 حالة لأشخاص إنجليزيين أقاموا مزادات لبيع زوجاتهم، وقد وصل الأمر إلى الإعلان عن هذه المزادات في الصحف.[10]
ماذا يعني “امتلاكك” شخصًا ما؟ هل يعني ذلك السيطرة الكاملة عليه؟ لدينا سيطرة كاملة على أطفالنا الصغار، ولكن تلك السيطرة تختلف عن امتلاكنا وسيطرتنا وتحكمنا بالكرسي أو القلم، فلا يمكننا إيذاء أطفالنا جسديًا دون أي عواقب قانونية. في الواقع، هذا التمييز بين الملكية والسيطرة ليس مفيدًا في تحديد مفهوم العبودية. وكما هو الحال مع أطفالنا اليوم، فقد حرمت الشريعة على المسلمين أن يقتلوا أو يصيبوا عبيدهم بجروح خطيرة، ومن يفعل ذلك فإنه يواجه عواقب قانونية بموجب الشريعة الإسلامية. في بعض السياقات، قد تفشل الملكية تمامًا في مساعدتنا على فهم العبودية، فقد كانت العبودية موجودة في الصين الإمبريالية، لكنها لم تعتبر فيها عامل الملكية، فلم يكن العبيد “مملوكين” على الإطلاق من الناحية القانونية وذلك لسبب بسيط للغاية وهو أن القانون الصيني لا يصنف الأشخاص على أنهم “أشياء”.[11]
إذا نظرنا إلى العبودية على أنها استغلال أو سُخْرة، فهل تعني العبودية عدم إعطاء المملوك مقابلًا عن عمله ؟ كان صقلي محمد باشا عبداً “مملوكاً” للسلطان العثماني، لكنه كان يتقاضى أجراً كبيرًا مقابل وظيفته (الصدر الأعظم). وكان زعفران مملوكًا لسيده، ولكن جزئيًا فقط، لأنه اشترى بالفعل جزءًا من حريته من خلال الأموال التي تحصل عليها من عمله في مكان آخر، لم يكن يتلقى أي راتب من سيده، لكن سيده كان يدفع ثمن طعامه وملبسه ومسكنه. بالمناسبة، في هذا الصدد، لم يكن العبد مختلفًا عن ابن سيده، فكلاهما كان من خدمه، ويعتمدون عليه في توفير احتياجاتهم الأساسية.
عادة ما ننظر إلى العبودية على أنها في تناقض تام مع الحرية. لكن ماذا تعني الحرية ؟ كما قال الباحث القانوني فوجان لوي، وهو يعكس مقولة روسو الشهيرة التي ترى أن الأصل في الإنسان الحرية، “يولد الإنسان مكبلًا بالسلاسل، لكنه دائمًا ما يرى أنه حر”[12]. تقريبًا، لا يخلو إنسان من التبعية أو الاعتماد على الآخرين أو المجتمع ككل، فكلنا مجبرون على العمل من أجل كسب المال لشراء الطعام. كان الابن في المنزل الذي زرناه في مكة المكرمة حرًا بالفعل ولكنه كان يتكل على والده في احتياجاته الخاصة وكان عليه أن يطيعه أويواجه غضبه وسخطه، وإذا هرب من منزله للابتعاد عن والده الشرير، فسوف ينبذه كل من يعرفه ويحبه. على الصعيد الآخر، كان العبد زعفران يقضي ليله في العمل لكسب ماله الخاص ليتحرر من سيده، من كان الحر ومن كان العبد في هذا الموقف؟
على المستوى النظري، فإن مفهوم الحرية في الغرب موروث من اليونان الكلاسيكية[العصر الهيليني] وروما، حيث كان “الأحرار” هو التصنيف القانوني للمواطنين في الجمهورية الديمقراطية. يتمتع الشخص الحر بالاستقلال الذاتي، ويحق له أن يفعل ما يريده ما لم يحظره القانون، وما سوى ذلك فهو عبد، لكن حتى في الأزمنة الكلاسيكية، لم يكن هذا التعريف القانوني للحرية أكثر من مجرد “خطابة فارغة”كما يقول أحد الباحثين، وذلك لأنه لم تكن هناك سوى قلة من الناس في العالمين اليوناني والروماني الذين ينطبق عليهم هذا التعريف. كان الجميع تقريباً مقيدين بالسلطات الاجتماعية والاقتصادية وحتى القانونية.[13] ومن المفارقات أنه حتى من الناحية النظرية، فإن فكرة الحرية تنطبق فقط على الديمقراطيات الليبرالية، بينما في الأنظمة الاستبدادية – التي ربما تمثل غالبية المجتمعات في تاريخ البشرية – لا يمكننا أن نصف أحدًا فيها بأنه حر طبقًا لهذا التعريف.[14]
ليست الحرية على مستوى واحد، بل غالبًا ما تكون ذات طبيعة مرنة تتوسع أوتتقلص حسب العلاقة المدروسة. في عالم البحر الأبيض المتوسط القديم والعصور الوسطى (أوروبا والحضارة الإسلامية على حد سواء)، لم تكن تبعية وطاعة الرقيق مطلقة، فقد كان العبد أو الأمة تابعًا لسيده، وليس للمجتمع كله. لذا استخدم أثرياء الرومان – والبيزنطيون من بعدهم – العبيد لإدارة متاجرهم ولكي يكونوا وجوهًا عامة لأعمالهم التجارية، حيث يتفاوضون ويتحاورون يوميًا مع عدد لا يحصى من العملاء “الأحرار”[15].لم يكن العبد هو الدرجة الدنيا في السلم الاجتماعي في شوارع روما أو القسطنطينية/إسطنبول. إذا كان السيد قويًا أو ثريًا، فإن العبد كان يتمتع بنفس القوة في الحياة العامة، فمكانة العبد من مكانة سيده.
كيف نرى العبودية الأمريكية الممتدة[16]
الآن سنرى أن أي سؤال حول العبودية معقد للغاية. إحدى أكبر التحديات التي يواجهها المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا المهتمون بظاهرة العبودية هي عدم وجود لون واحد من العبودية عبر الزمان والمكان حتى يتمكنوا من دراستها.[17] من المغري أن نفترض أنه على الرغم من أن التفاصيل قد تختلف إلا أن هناك شيئًا يسمى العبودية يظهر على مر التاريخ، وأننا نعرفه إذا رأيناه. ولكن، بالطبع، كما اتضح من رحلتنا الافتراضية في آلة الزمن، فإن ما نطلق عليه عبودية محكوم بخلفيتنا الثقافية الذاتية وما تعنيه كلمة “عبودية” بالنسبة لنا.
عندما يفكر الأمريكيون في العبودية، فإن أول ما يأتي في أذهاننا هي الصور التي قدمها فيلمي “اثني عشرة عاما من الرق” و”الجذور: ملحمة عائلة أمريكية” : رجال ونساء وأطفال أفارقة يحتجزهم تجار الرقيق الذين لا يرحمون، تُهدم منازلهم ويؤخذون قسرًا من عائلاتهم، ويُعَبَّؤون كـ “أشياء” في سفن الرقيق الخانقة، ويباعون كالماشية في مزاد علني لأصحاب المزارع البيض، الذين يستنزفونههم ويسخرونهم للعمل بلا رحمة ما بقي من حياتهم. العبودية في ذاكرتنا الثقافية هي “الخطيئة الأصلية” لأميركا: قهر شخص رغما عنه، وتحويله إلى سلعة مملوكة لشخص آخر له عليه سلطة مطلقة ويحرمه من حقه الطبيعي في العيش الحر وتكوين عائلة.
أطياف العمل بالإكراه
لكن كما رأينا، فإن الملكية والحرية والاستغلال ليست على مرتبة واحدة، بل لها صورٌ متعددة على طيف واسع. وقد حاول المؤرخون وعلماء الاجتماع تحديد فئات على هذا الطيف لتحديد ما إذا كان بإمكاننا التحدث حقًا عن العبودية كظاهرة منفصلة عن أشكال العمل بالإكراه أو السخرة. الفئات الرئيسية على طيف “الخضوع/التبعية المستمرة” غير العبودية هي[18] :
- عبودية الأرض: تعود جذور هذه الظاهرة في أوروبا إلى اليونان القديمة. حيث كان العمال – الذين كان أغلبهم من الفلاحين الفقراء – أحرارًا بمعنى أنهم يمتلكون ملابسهم وأدواتهم ومواشيهم، وكذلك ثمار عملهم. لكنهم كانوا مقيدين بالأرض التي يعيشون عليها أو مرتبطين بمالكها أينما ذهب.[19] تطورت عبودية الأرض في أوروبا وتدهورت معها أوضاع الفلاحين الأحرار وأسرى الحرب البربريين في أواخر عصر الإمبراطورية الرومانية، وتحولت إلى نوع واحد من “الرق الظاهري” لا يختلف كثيراً عن الاستعباد.[20] اختفت عبودية الأرض في معظم أنحاء أوروبا الغربية في أعقاب الموت الأسود في عام 1300، على الرغم من أنها استمرت في المؤسسات الإقطاعية في إنجلترا حتى حوالي عام 1600 واستمرت حتى 1800 في مناطق التعدين في اسكتلندا والأراضي الناطقة بالألمانية. كما ترتبط ظاهرة عبودية الأرض بروسيا، حيث حلت محل العبودية في الزراعة والأعمال المنزلية في أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن الثامن عشر.[21]
- علاقة السيد والخادم: عندما اختفت عبودية الأرض من أوروبا الغربية، حل محلها لون معين من العلاقة بين العامل وصاحب الأرض أو صاحب العمل. على عكس مفهومنا الحديث لعقد العمل، فإن الإخفاق في الوفاء بهذا العقد كان بمثابة جريمة جنائية. لم تظهر فكرة العامل الحر إلا في المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية في نهاية القرن الثامن عشر، ولم تدخل إلى بريطانيا حتى عام 1875.[22]
- عبودية الديون: كان هذا أحد أكثر أشكال العمل القسري/السخرة انتشارًا. عندما يكون الشخص غير قادر على سداد الدين، يصبح هو أو هي عبدًا للدائن. كان هذا شائعًا للغاية في جنوب شرق آسيا، حيث كان النموذج الغربي للعبودية نادرًا للغاية.[23]
- العبودية المؤقتة: تشبه هذه الصورة عبودية الدين، وكانت شائعة جدا في التاريخ. يبرم الشخص – عن طيب خاطر – اتفاقًا لبيع عمله وفقدان بعض الحريات لفترة محددة من الوقت مقابل خدمة ما أو مدفوعات مقدمة. تختلف هذه الصورة عن عبودية الدين لأن الشخص يتخلى عن شئ من حريته برضاه.
هذه الفئات لا تفصل بينها حدود واضحة، بل هي متداخلة مع بعضها البعض، مما يجعل من الصعب للغاية التوصل إلى خط واضح يفصل العبودية عن غيرها من أشكال السخرة أو العمل القسري. غالبًا ما كان يرتدي العبيد الاسكتلنديين الذين يعملون في المناجم أطواقًا عليها أسماء أسيادهم، وهو ما قد نربطه أكثر بنوع من العبودية.[24] وفي بريطانيا كان الخدم – الذين كانوا يشكلون ثلثي المهاجرين إلى أمريكا الشمالية المستعمرة من بريطانيا قبل عام 1776 – يباعون ويثقلون بالأعمال القاسية لساعات طويلة ويتعرضون للضرب إذا ساء سلوكهم، ولم يسمح لهم بالزواج. وفي فرجينيا، كانوا يتعرضون للتشويه والوسم إذا حاولوا الهرب، وفي ولاية مريلاند كانت عقوبة العبد الآبق هي الموت.[25]
كانتت العبودية في أمريكا الاستعمارية أسوأ، ولكن فقط من حيث إنها كانت دائمة. من ناحية أخرى، في وقت مبكر من القرن الثامن عشر في الإمبراطورية العثمانية، استوطن سبايا الحرب في بعض الأحيان أراضٍ مملوكة للسلطان للعمل فيها. على الرغم من أن هؤلاء العبيد كانت حالتهم أقرب إلى عبيد الأرض من الناحية الفعلية. شكل هؤلاء العبيد عائلات استمرت لأجيال وعاشوا في الأرض التي عملوا بها مع أطفالهم. وفقط إذا توفي رب الأسرة ولم يكن له أي أطفال، فإن ممتلكاته تعود إلى خزانة الدولة. فيما بعد، مع اتساع المدن العثمانية واتجاهها إلى الصناعة، فضل أصحاب المصانع استخدام العبيد لأن العبيد لن يغادروا للعمل الموسمي في أي مكان آخر. ومن خلال إبرام عقود المكاتبة مع هؤلاء العبيد – حيث يشتري العبد حريته مقابل دفعات من المال – كان أصحاب المصانع قادرين على زيادة إنتاجية العبيد إلى الحد الأقصى.[26] لقد كانوا في الواقع أكثر شبهاً بالعمال بأجر الذين يعملون لمدة محددة في صورة مشابهة لعلاقة السيد والخادم.
قد ننظر إلى الرق باعتباره متميزًا عن الأنواع الأخرى من السخرة والعمل بالإكراه في ضوء مسألة الاختيار، فنقول أن العمال اختاروا إبرام عقود عمل محددة الأجل والعمل بموجبها، ومن المعقول أن الرقيق لم يختاروا أبدًا أن يصبحوا عبيدًا، أليس كذلك؟ ولكن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير. فلم تكن “العبودية الطوعية” متميزة عن العبودية في الأمريكتين[27]. وفي الصين في عهد أسرة مينغ، باع العديد من المستأجرِين الفقراء أنفسهم كعبيد عندما لم يتمكنوا من دفع الإيجار[28]. في عام 1724، ألغى القيصر الروسي الرق وحول كل رقيق روسيا إلى “عبيد أرض” لأن عبيد الأرض كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم رقيق لتجنب دفع الضرائب؛ لأن العبد المرتبط بأرض سيده كان يدفع الضرائب على العكس من الرقيق والخدم[29] قديمًا في دوقية موسكو في القرن الخامس عشر، شاع ما وصفه العلماء بـ “عقد الاستعباد مقابل خدمات محدودة”. في هذا العقد، يطلب شخصٌ من أحد الأثرياء قرضًا لمدة عام، وفي خلال تلك الفترة يسدد المقترِض الديْن ويعمل لدى الدائن من أجل تجنب دفع الفوائد، وإذا عجز المقترِض عن سداد الدين خلال عام، يصبح حينها عبدًا للمُقرِض. وفي معظم الأحيان، يصبح المقترض عبدًا مدى الحياة. حل هذا النوع من الرق محل جميع أشكال الرق الأخرى في روسيا. وكانت هناك أيضًا “عقود الاستعباد طويلة الأجل” في نفس الوقت، وقد تميز هذا النوع من الرق عن باقى أشكال العبودية فقط في عدم إلحاق الأذى الجسدي بالعبد من قِبَل سيده[30].
وعلى عكس من يعملون سخرة وعبيد الأرض، فقد نرى أن العبيد هم أشخاص لهم حق قانوني ضئيل فى الحماية أو لا حق لهم على الإطلاق، وكثيرًا ما كان ذلك صحيحًا. في الصين في عهد أسرة مينغ، كان يشار إلى العبيد في كثير من الأحيان على أنهم “ليسوا من رتبة البشر”، ولم يتوقف الأمر على عدم السماح لهم بالتملك أو الزواج أو إنجاب أطفال شرعيين فحسب، بل إن قتل أحدهم لم يكن يمثل مشكلة قانونية[31].في قبيلة “توراجا” في إقليم سولاويزي بإندونسيا، كان من الممكن لأي شخص حُكِم عليه بالإعدام أن يُعدَم أحدُ عبيدِه بدلاً منه. كما صرح قاضٍ في ولاية جنوب كارولينا في عام 1847 أن العبد لا يمكنه أن يستند إلى المبادئ التي أرساها “الميثاق الأعظم”[32] ولا القانون العام، وأن شريعة العبد هي ما يمليه عليه سيده[33]. لم يكن الواقع القانوني معقدًا في أغلب الأحيان فحسب، بل أيضًا الواقع الاجتماعي الذي تقوم عليه القوانين. ففي القانون الروماني، كان يُنْظر إلى العبيد على أنهم أشخاص لا حقوق لهم، وبما أنهم كانوا- نظريًا- أسرى حرب معفيين من عقوبة الإعدام، إلا أنهم كانوا كالأموات في نظر القانون على أية حال[34]. في الجمهورية الرومانية (من القرن السادس حتى القرن الأول قبل الميلاد)، لم يكن هنالك أي قيد قانوني على معاملة السيد لعبيده. لكن مثل هذه القوانين لم تكن لتساعد كثيرًا في التمييز بين العبيد والأحرار، لأن رب الأسرة [أكبر رجل في الأسرة] في ذلك الوقت كانوا يتمتعون بسلطة استبدادية على كل رجل وامرأة بالعائلة[35]. ومع زيادة عدد العبيد في الإمبراطورية الرومانية، سُنَّت بعض القوانين لحمايتهم. في ظل حكم الإمبراطور هادريان – الذي تُوفي عام 138 م- مُنِعت العقوبات المُفرطة، وكذلك قتل الرقيق بدون حكم قانوني. أوضح الإمبراطور أنطونينوس پيوس – المُتوفَّى عام 161 م- ومن بعده قسطنطين- المتوفى عام 337 م- أنه إذا قتل السيدُ عبدَه بدم بارد أو بعقوبة مُفرطة، يكون مُذنبًا بارتكاب جريمة قتل. وفي المدونة القانونية للإمبراطور چستنيان- المتوفى عام 565 م- كان من الواضح أن حقوق السيد في ممارسة العنف ضد عبده تقتصر على التأديب المعقول[36]
في بدايات نشأة أمريكا، كان لدى جميع المستعمرات الثلاث عشرة قوانين تنظم العبودية والتعاملات بين الأعراق المختلفة، وكانت تُحدَّث من حينٍ لآخر. وعلى الرغم من أن قوانين العبيد فى عشر ولايات في الجنوب كانت تجرم إساءة معاملتهم، فإن سوء المعاملة كان يُحدد بمدى خطورة وشناعة العقوبات التي كان يوقعها السيد على عبده. سُمِح ببتر الأطراف والإخصاء والإعدام كعقوبات عندما تكون الجرائم المرتكَبة خطرة ومجازة للحد. وكان من المستحيل تقريبًا أن يستأنف العبيد على أية عقوبة في المحكمة، لأنهم لم يتمكنوا حتى من الشهادة. ومع ذلك، ففي ولاية جنوب كارولينا وڤرچينيا، أُعدم بعض السادة البيض وسجن آخرون بتهمة قتل وسوء معاملة عبيدهم[37].
تعريفات لا جدوى منها على الإطلاق
كأحد أكبر علماء الرق، قال ديڤيد ديڤيس: “كلما زادت معرفتنا بالرق، كلما ازدادت صعوبة تعريفه”[38]. وقد ثبت تاريخيًا أنه من الصعب للغاية العثور على تعريفٍ دقيقٍ للرق. كما أوضح أحد الباحثين البارزين في الرق العثماني أنه من الصعب التعامل مع الرق كظاهرة يمكن تعريفها داخل الإمبراطورية العثمانية، ناهيك عن العالم أجمع (كما شدَّد على أن أشكال العبودية في الدولة العثمانية كانت مختلفة في الدرجة وليس في النوع)[39]. كما أوضحت الكاتبة نور سوبرز خان أن العبودية في إسطنبول العثمانية كانت متنوعة لدرجة لا تُمكَّنك من اعتبارها ظاهرة مطردة حتى في مدينة واحدة، ناهيك عن منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها[40]. بل لم يتفق العلماء حتى على نقطة البداية، فقد سعى العديد من المؤرخين الماركسيين إلى تفسير الرق باعتباره ظاهرة اقتصادية بحتة، وشدَّد آخرون- وخاصة علماء الرق في العالم الإسلامي- على أنه ظاهرة اجتماعية.
تتمحور تعريفات الرق حول ثلاثة مفاهيم: العبد كغريب بلا أسرة، والعبد كشئ مملوك، والعبد كهدف لممارسة العنف[41]. ولكن كي نضع تعريفًا يجمع كل الأشياء التي يقرنها الناس اليوم بالرق، فإنه سيكون غامضًا بحيث يكاد يكون بلا جدوى. لذا فإن العبودية – وفقًا لبعض علماء الاجتماع – هي “العمل سخرة بالإجبار لمجموعة أخرى من البشر”[42]، واقترح آخرون أن العبد هو الشخص المنبوذ دائمًا[43]، ووفقاً لـ ديڤيز فإن التعريف الذي يمكن أن ينطبق على العبودية عبر تاريخ البشرية لن يخرج عن كون العبودية “انحطاطاً اجتماعياً متطرفاً”، فأياً كان التسلسل الهرمي فإن العبيد دائمًا ما كانوا في قاع الطبقات الاجتماعية[44]. [45]
واقترح بعض العلماء تعريفات أكثر تحديدًا للرق كظاهرة تتشابك فيها عوامل اقتصادية وقانونية واجتماعية. وصرَّح أحدهم بأن الرق هو طريقة استغلال تتسم على نحو فريد بوسائلها التي تتكاثر بها، سواء عن طريق العنف السياسي أو الأسر في الحرب[46].
إن التعريف الدقيق الأكثر تأثيرًا هو تعريف العالِم أورلاندو باترسون الذي يعرِّف الرق بأنه يتميز دائمًا بثلاث سمات: أولاً، ينطوي الرق على الهيمنة الدائمة التي يتم فرضها في نهاية المطاف عن طريق العنف. وثانياً، ينطوي الرق على حالة من العُزلة عند الولادة، أي “فقدان روابط الأبوة والبنوة في كل من الأجيال الصاعدة والمنحدرة” التي تحول دون تقديم ادعاءات البنوة أو النسب أونقلها إلى الأطفال وتفصل الرقيق عن الأسرة والمجتمع إلا على نحو ما يسمح به السادة، فهم لا يرثون أي حماية أو امتياز ولا يمكنهم توريث أيٍ منهما لأطفالهم. ثالثًا، العبيد محرومون من أي شرف. وهكذا يُعرَّف الاستعباد بأنه السيطرة الدائمة العنيفة على أشخاص ممتهنين ومقطوعي النسب[47].
ولكن تعريف باترسون لا ينطبق على كثير من الحالات التى كنَّا نظنها رقًا. حيث سيطر العبيد في بعض الأحيان على الشعب الحر، كما حدث في حالة الجنود من العبيد الأتراك لدى الخلفاء العباسيين في القرن التاسع وأوائل القرن العاشر. حتى قبل أن يبدأ العثمانيون نظام الرق واستحداث طبقة “عبيد السلطان المقربين” كانت مصر وسوريا تحت حكم المماليك (والمعنى الحرفي لكلمة المماليك هو العبيد) نحو ١٢٦٠-١٥١٧م. وعلى الرغم من أنهم كانوا ينالون حريتهم بعد إنهاء تدريبهم العسكري، إلا أن القادة العسكريين من المماليك من الأتراك والقوقاز قد استنسخوا أنفسهم جيلًا بعد جيل باستيراد جنود جدد من العبيد وإلحاقهم بالنخبة العسكرية الحاكمة التي كانت نقطة قوتها هي تجربتها العسكرية مع العبيد[48]. وقد كانوا بعيدين كل البعد عن أن يسيطر عليهم أحد، حيث كانو أسياد أنفسهم وسيطروا على الدولة والمجتمع ككل. ويزعم پاترسون أن النخبة من العبيد في الحضارة الإسلامية ما زالوا “عاجزين” لأن مصيرهم ما زال معلقًا بنزوات أسيادهم، ولكن إعدام العبيد الأتراك في الدولة العباسية، والمماليك المصريين و الانكشاريين في الدولة العثمانية لساداتهم وأمرائهم حين سنحت لهم الفرصة = يشير بقوة إلى عكس ذلك.
كما أن أولئك الذين يُعرفون بأنهم عبيد لم يكونوا دائمًا معزولين عن أبنائهم. كان بإمكان عبيد الإمبراطور البيزنطي أن تكون لهم أملاك وأن يورثوها لأبنائهم[49]. كما استقر عبيد الأرض في الدولة العثمانية في أراضي السلطان وورَّثوا أملاكهم لأبنائهم جيلًا بعد جيل. وبخلاف العبودية الرومانية – حيث كانت حرية الطفل مرهونة بحرية والدته – فإن المستقر في الشريعة الإسلامية هو أن الأَمَة التي أنجبت طفلًا من سيدها تصير حرةً بعد وفاته، وكذلك طفلها. وبغض النظر عن إبعاد الأم عن طفلها، فإن كون الطفل مولودًا لرجل حر يضمن لأمه الحرية. لقد كان العبيد المقربين من السلطان من النخبة مثل صقلي محمد باشا مُغتربين/لا نسب لهم، حيث إن ثرواتهم كانت تعود إلى بيت المال بعد وفاتهم، وفقاً للشريعة في الأراضي العثمانية. ولكن في واقع الأمر، عندما مات عبد من عبيد السلطان المقربين مثل صقلي محمد باشا، كان ما حدث شكلًا من أشكال التفاوض بين مسؤولي الدولة والورثة. وبما أن العديد من هؤلاء العبيد كانوا قد ادخروا ثروة طائلة، فقد كان الأفضل أن تتفاوض الدولة على جزء منها مقابل السماح للورثة باستلام الباقي دون مشاكل قانونية. وفي هذه الحالة، كانت قطع نسب العبيد عند الولادة بمثابة ضريبة مِلْكية غير قانونية أكثر من كونها حرمانًا كاملًا من حقهم في نقل ممتلكاتهم إلى ورثتهم. وكانت هنالك أيضا وسائل أخرى سهلة للتحايل على توريث العبيد ممتلكاتهم، ومثلهم كمثل العديد من المواطنين الأثرياء في الإمبراطورية العثمانية، كان بوسع عبيد السلطان المقربين أن يجعلوا ثرواتهم “أوقافًا” وبذلك يصبح أحفادهم هم المستفيدين[50].
وعلاوة على ذلك، لم يتمكن أطفال عبيد السلاطين العثمانيين من نقل ثرواتهم إلى أطفالهم (لأنها أُرسلَت إلى خزانة الدولة بعد وفاتهم)، ولكن أطفالهم احتفظوا بامتيازات قرب آبائهم من السلطة فضلًا عن مكانة أمهاتهم. فقد كانت زوجة صقلي محمد باشا هي ابنة السلطان، فتولى ولداه مناصب رفيعة. والأمر اللافت للنظر هو أن عبيد السلطان العثماني المقربين حافظوا في العديد من المرات على علاقاتهم بعائلاتهم الأصلية في المناطق المسيحية من البلقان، مستخدمين نفوذهم الجديد لرفع مستوى معيشة أقربائهم[51]، فعيَّن صقلي محمد باشا أخاه في منصب بطريرك أرثوذكسي في البلقان، ثم تبعه ابن عمه إلى مكتب الصدر الأعظم[52]. وفي وقت لاحق، في أواخر القرن الثامن عشر، حافظ نخبة العبيد الجورجيين المسؤولين عن إدارة شئون الدولة العثمانية في مصر على العلاقات الوثيقة بينهم وبين أسرهم في القوقاز، بل واستقبلوا منهم الزيارات[53].
كان استغلال العلاقات العائلية أحيانًا أحدَ أهداف الرق الرئيسية. ورغم أن الأوروبيين المسيحيين الذين أسرتهم القوات البحرية العثمانية في الجزائر في القرن الثامن عشر كانوا عبيداً بالفعل، فإنهم كانوا في كثير من الأحيان أشبه بالرهائن، وتمكنوا من إرسال وتلقي الرسائل من أسرهم، وإذا كانوا محظوظين فإن أسيادهم يرضون بأن تدفع أسرهم فدية لتحريرهم. وفي الوقت نفسه، كان بوسعهم أن يتَمَلَّكوا وأن يتكسَّبوا (وكان من عُيِّنوا منهم في وظائف رفيعة مثل القهوجي – صانع القهوة بالتركية – يعيشون حياة أفضل من حياتهم في بلدانهم الأصلية) وأن ينعموا بحياة حرة[54].
الرق في الإسلام: مناقشة سياسية
قبل الخوض في كيفية وجود الرق في الإسلام، ينبغي أن نلاحظ أن هذا السؤال لم يأت من الفراغ، ولم يكن مطروحًا قبل قرنين من الزمان.[55] في المحادثات والمناقشات كان سؤال “هل يعني ذلك أن العبودية ستكون مقبولة؟” هو الورقة الرابحة ضد شخص يُنازِع ويبرر تمسكه بمعايير قيمية مختلفة وزائفة. إن الرق هو خير مثال لاختبار تلك المعايير لأن قُبحَه واضحٌ ومعترفٌ به على نطاق واسع. من سيدافع عن العبودية؟ بالتأكيد إنه “هتلر” القيم الإنسانية. ومع ذلك، نادرا ما نقف على تعريف جامع مانع لكلمة «الرق» رغم كل ما تحمله من سطوة أخلاقية. ولذا فإنها تشبه كثيرًا كلمة “الإرهاب”، فقوة تلك الكلمة تأتي من الافتراضات الكامنة وراء معناها وفي الإدانة الأخلاقية التي تحملها، ولكنها على الرغم من ذلك ليس لها تعريف يسلم من النقد.
والرق – شأنه شأن الإرهاب – هو أيضًا قضية سياسية عميقة، ليس بالمعنى السياسي الذي نراه في الأخبار الليلية، بل بمعنى أنه مرتبط ارتباطًا أصيلا بقضايا السلطة. وكما أن ممارسة الرق هي ممارسة متطرفة من جانب بعض البشر على الآخرين، فإن استخدام لغة الرق هو نوع من ممارسة سلطة أخلاقية على الآخرين. وليس من المستغرب أن المؤيدين لوضع حد للممارسات الوحشية أو الاستغلالية بشكل غير مقبول مثل المصانع المستغلة للعمال، والاتجار بالأطفال لأغراض جنسية، والزواج القسري، وتجارة الأعضاء البشرية = يطلقون على هذه الظواهر “عبودية العصر الحديث”. إن سبب التمسك بمصطلح “العبودية” بدلًا من بعض المصطلحات الأخرى مثل “السخرة” أو “عمالة الأطفال” واضح: فكلمة الرق أو العبودية تثير رد فعل عاطفي يحفز الناس على العمل ودعم قضية ما، وعلى جميع المستويات من الطلاب إلى نجوم الروك: من لا يؤيد القضاء على الرق؟
ورغم أن مثل هذه الممارسات تستحق الشجب حقًا، إلا أننا نواجه بعض المشاكل المألوفة مع “عبودية العصر الحديث“. فإذا أخذنا تعاريف الرق التي يستخدمها ناشطو مكافحة “عبودية العصر الحديث” وطبقناها على التاريخ الغربي وحده، لوجدنا أنه لا يوجد أحد حر بمعاييرهم[56]. وكما لاحظ بعض العلماء، فإن أبرز المدافعين عن وقف الرق المعاصر لم يُلحِقوا صفة العمل القسري أو السخرة بأوصاف المجرمين في نظام العقوبات الأمريكي[57]. مما لا شك فيه أن هذا خيار سياسي بحت لأن عددًا أقل من الشرائح المجتمعية قد يُبدون نفس الاستعداد لاتهام حكومة الولايات المتحدة بالترويج للرق. لذا، فحتى عندما تستخدم كلمة الرق اليوم باسم القضايا النبيلة، فإنها لا تزال كلمة لها أبعادها السياسية العميقة، سواء في رد الفعل العاطفي الذي تثيره، أو في الرقابة الذاتية التي يمارسها الناس على بعضهم البعض.
ويتجلى الطابع السياسي للرق بشكل خاص في تاريخ الإسلام والغرب. فأثناء القرن الثامن عشر وحتى التاسع عشر، كان الخوف من الوقوع في قبضة القراصنة المسلمين في المحيط الأطلسي وغرب البحر الأبيض المتوسط يلوح في أذهان الأوروبيين والغربيين (خاصة البريطانيين). وبالفعل الآلاف من البريطانيين والأميركيين أُخذوا كعبيد بهذه الطريقة وما زلنا نرى الأثر الثقافي لهذا الخوف في أفلام مثل “Never Say Never Again” (1983)، حيث أنقذ جيمس بوند “كيم باسنجر” من مزاد عربي للعبيد، ومرة أخرى عام 2008 حيث ينقذ ليام نيسون ابنته من بعض الألبان المسلمين و من شيخ عربي فاسق. ولكن، مثل الاستخدام الانتقائي لمصطلح “عبودية العصر الحديث”، فإن هذه اللهجة انتقائية في احتكامها إلى منظومتها الأخلاقية الغربية، لأنه في نفس الحقبة التي كان يندد فيها الأوروبيون والأمريكيون باستعباد المسلمين لمواطنيهم، كان استعباد المسلمين العثمانيين من قِبَل الأوروبيين سائدًا[58].
وحتى ذكرياتنا عن الثقافة الغربية أكثر انتقائية. ومن المرجح أن رواد المسرح الغربيين لم يشعروا بأي حرج في فيلم (الجاسوس الذي أحبني) – الذي صدر عام 1977- عندما زار بوند حريم صديقه الشيخ العربي وعرض عليه إحدى نسائه. على الصعيد الآخر في محاولة ترامب في 2015 ابتزاز صحيفة التابلويد البريطانية، رفض الكثيرون الزعم بأن المسلمين في شمال إنجلترا كانوا يُغرون الفتيات البيضاوات بالرق الجنسي، كان بعض المسلمين يقومون بذلك، ولكن تقارير وسائل الإعلام ذكرت أن أغلبية الجناة كانوا من ذوي البشرة البيضاء[59].
الخاتمة: التركيز على الوقائع لا على الكلمات
إن كلمة “الرق” كانت كلمة سياسية حتى عندما استُخدمت من أجل الدفاع عن قضايا نبيلة. وكثيرا ما أعاقت القوى السياسية التي شكلت مفهوم الرق جهودَ أولئك الذين يكافحون الاستغلال المفرط لإخوانهم من البشر. فقد اختار مؤيدو إلغاء الرق في القرن التاسع عشر تعريف الرق باعتباره معاملة البشر باعتبارهم ممتلكات، وذلك لأنهم إذا عرفوا الرق باعتباره حرمانًا قاسيًا أو استغلالًا مفرطًا، فإن معارضيهم المؤيدين للرق ما عليهم سوى أن يشيروا إلى المصانع في إنجلترا وأمريكا خلال الثورة الصناعية ويقولون إن العمال “الأحرار” يعاملون بنفس القدر من السوء[60].
وبعد التأكيد على أن الرق يتضمن معاملة البشر على أنهم أشياء مملوكة، لم يستطع دعاة إلغاء الرق تقديم أي اعتراض على استمرار استغلال نفس الأشخاص الذين كانوا قد حرروهم للتو بمجرد أن أصبح امتلاك الناس أمرًا غير قانوني. وقد نجح دعاة إلغاء الرق البريطانيون في إنهاء الرق في المحيط الهندي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ولكن بعد ذلك وجدوا أن العمال لا يزالون يُنقَلون إلى شرق إفريقيا من الهند في نفس الظروف المروِّعة التي كان يُنقل بها العبيد وبنفس معدل الوفيات المرتفع. كانوا يسمونهم فقط “القلي”[61] وليس عبيدًا[62]. اليوم، وبعد عقود من إلغاء الحق القانوني في امتلاك بشر آخرين على مستوى العالم، بادر الناشطون المعروفون باسم دعاة إلغاء الرق الجدد – الساعين إلى حشد اهتمام الرأي العام بشأن العمالة الاستغلالية – إلى إعادة تعريف الرق باعتباره “عدم القدرة على ترك العمل”.[63]
في النهاية، كلمة “الرق” قد تعني الكثير من الأشياء لدرجة أنها ليست مفيدة للتواصل السليم. وغالبًا ما ينتهي الأمر إلى الإشارة إلى أمور لا نعنيها عندما نفكر في الرق، أو تفشل في مجاراة الأمور التي نربطها بالعبودية. وعلى هذا النحو، فإن كلمة “الرق” لها استخدام محدود كفئة أو أداة مفاهيمية. ومن المفيد أكثر أن نتحدث عن الاستغلال المفرط للعمال وحرمانهم الشديد من حقوقهم. وفي أي مجتمع، سواء كان هنالك “رق” أو لا، من المرجح أن نجد مثل هذه الظروف. وبدلًا من التركيز على كلمة أو فئة غير محددة بشكل واضح، فمن الأفضل كثيرًا التركيز على تنظيم الظروف وتحسين الواقع وحماية حقوق الناس من أجل منع الحط من قدرهم إلى أقصى حد. وكما ستُظهِر مقالتنا التالية، فإن هذا هو- على وجه التحديد- ما كانت الشريعة تعتزم القيام به.
[1] – لم يكن الشاي معروفًا لدى العرب في الجاهلية ولا في صدر الإسلام وحتى الدولة الأموية كما أشارت (الموسوعة العربية العالمية)، لكن هذا لا علاقة له بالبحث، ولو قال “النبيذ” لكان أقرب للواقع. (مصطفى).
[2] -ربما يكون التقليد العثماني المتمثل في استعباد النخبة قد ورثوه عن الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية المتأخرة، حيث يمكن أن يتقلد عبيد الإمبراطور (الذين غالباً ما يكونون مخصيين) مناصب عليا في الجيش والحكومة؛ انظر: يوفال روتمان، العبودية البيزنطية والعالم المتوسطي. جين ماري تود (كامبريدج، رسالة ماجستير: مطبعة جامعة هارفارد ، 2009)، 104؛ كام جراي، “العبودية في العالم الروماني المتأخر”، موسوعة كامبريدج للتاريخ العالمي: المجلد الأول، عالم البحر الأبيض المتوسط القديم، أد. كيث برادلي وبول كارتليدج (كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج، 2011)، 499.
[3] -باميلا كايل كروسلي، “العبودية في الصين الحديثة”، موسوعة كامبريدج للتاريخ العالمي للرق: المجلد 3 م 1420-1804، أد. ديفيد إيلتس وستانلي إنجرمان (كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج ، 2011)، 200.
[4] -كريستوف ك. نيومان، “أحمد جودت باشا: عمن كان نائبًا؟” نهاية المجتمع العثماني، أد. إليزابيث أوزدالغا، 117-134. لندن: روتليدج ، 2005)، 117.
[5] -ديفيد بريون ديفيس، اختراق حدود الرق (كامبريدج ، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفارد ، 2003)، 17-18.
[6] – أورلاندو باترسون، العبودية والموت الاجتماعي (كامبريدج ، ماجستير: مطبعة جامعة هارفارد ، 1982) ، 22.
[7] – غراي، “العبودية في العالم الروماني المتأخر”، 496 ؛ روتمان، العبودية البيزنطية، 174-76.
[8] – باترسون، العبودية والموت الاجتماعي، 22.
[9] – كروسلي، “العبودية في أوائل الصين الحديثة”، 191.
[10] – جوليا أوكونيل دافيدسون، العبودية الحديثة: حدود الحرية (نيويورك: بالجريف ماكميلان، 2015) ، 162.
[11] – كروسلي، “العبودية في أوائل الصين الحديثة”، 187.
[12] – فوجان لوي ، القانون الدولي: مقدمة قصيرة جدًا (أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2015)، 1. قلتُ -مصطفى- ومقولة روسو التي يعنيها الكاتب هي (يولد الإنسان حرا، ولكنه فى كل مكان يستصحب سلاسل الاستعباد).
[13] – نقلا عن يوفال روتمان، العبودية البيزنطية، 19.
[14] – روتمان، العبودية البيزنطية ، 17-18.
[15] – روتمان، العبودية البيزنطية ، 97-98.
[16] – العبودية الممتدة أو (chattel slave) هو نظام كان قائم في المجتمعات السابقة ويعامل فيها العبد وكل من هو من نسله كممتلكات شخصية أو سلع تُباع وتُشترى، فالعبودية ليست مقصورة على واحد فقط بل تشمل أولاده وأولاد أولاده، وقد دعمت الحكومات الأوروبية والملوك هذا النوع من العبودية، وكانت موجودة في المستعمرات الأوروبية في القرن السادس عشر وما بعده. (مصطفى)
[17] -جوزيف سي. ميلر، مشكلة العبودية تاريخيًا (نيوهفن: مطبعة جامعة ييل، 2012) ، 12.
[18] -ديفيد إيلتس وستانلي إنجرمان، “الخضوع، والإذلال، والسخرة”، موسوعة كامبريدج لتاريخ الرق في العالم، المجلد 3 ، 3.
[19] -ريتشارد هيلي، “الرق الروسي وعبودية الأرض بين عامي 1450 – 1804″، موسوعة التاريخ العالمي كامبردج، الجزء 3، 276-77.
[20] -كام غراي، “العبودية في أواخر العصر الروماني” ، 484-6.
[21] -هيلي، “الرق الروسي”، 284 ، 292-93.
[22] -إيلتس – إنجرمان، ” الخضوع، والإذلال، والسخرة “؛ ديفيدسون ، “العبودية الحديثة” ، 86. في إنجلترا، كانت هذه المسألة محكومة بقانون الحرفيين، الذي اعتمدته المستعمرات الأمريكية ولم تطبقه إلا في نطاق ضيق.
[23] -كيري وارد، “العبودية في جنوب شرق آسيا بين عامي 1420-1804” موسوعة كامبريدج لتاريخ الرق في العالم، المجلد 3 ، 165-66.
[24] – إيلتس – إنجرمان، ” الخضوع، والإذلال، والسخرة “، 6.
[25] – كينيث مورغان، العبودية والسخرة في مستعمرات أمريكا الشمالية (نيويورك: مطبعة جامعة نيويورك ، 2000)، 8-9 ، 20؛ ديفيد جالنسون، “صعود وسقوط العبودية المؤقتة في الأمريكتين: تحليل اقتصادي” ، مجلة التاريخ الاقتصادي 44 ، رقم. 1 (1984): 4.
[26] – كان من مصلحة الدولة العثمانية الحفاظ على استقرار النظام الزراعي؛ هاكان إردم، “العبودية في الإمبراطورية العثمانية وزوالها 1800-1909 (نيويورك: مطبعة سانت مارتن ، 1996)، 12-13 ، 15.
[27] -ستانلي إنجرمان، “العبودية في أوقات وأماكن مختلفة”، المراجعة التاريخية الأمريكية 105 ، رقم. 2 (2000): 481.
[28] -كروسلي، “العبودية في أوائل الصين الحديثة”، 189.
[29] -هيلي، “الرق الروسي” ، 284 ، 293.
[30] -المرجع السابق، 279-80 ، يشير المؤلف إلى التشابه بين هذا التقليد الروسي والعادات الفارسية القديمة الخاصة بمكافحة الأزمة (كما سماها المؤلفون اليونانيون).
[31] -كروسلي، “العبودية في أوائل الصين الحديثة” ، 191.
[32] -“ماجنا كارتا” أو الميثاق الأعظم هي وثيقة إنجليزية وصفت بأنها الميثاق العظيم الذي أرسى مبادئ الحريات في إنجلترا، واشتملت على أمورعدة منها مطالبة الملك بأن يمنح حريات معينة وأن يقبل أن حريته ليست مطلقة. (محمود)
[33] -لورانس م. فريدمان، تاريخ القانون الأمريكي، الطبعة الثانية. (نيويورك: سيمون وشوستر ، 1985) ، 225.
[34] – و.و. بوكلاند، “قانون الرق الروماني”،1969، 2-3.
[35] – يان توماس ، “Vitae Necisque Potestas: Le Père، La Cité، La Mort” ، منشورات المدرسة الفرنسية في روما (1984): 499-548.
[36] – بوكلاند، قانون الرق الروماني، 36-8.
[37] – كينيث مورغان، العبودية في مستعمرات أمريكا الشمالية، 35 ، 77 ؛ إيرا برلين، القرنان الأولان من العبودية في أمريكا الشمالية (كامبريدج، 1998) 116؛ بول فينكلمان ، العبودية: قانون الولايات المتحدة، موسوعة أكسفورد لتاريخ القانون، 5/258-262؛ فريدمان ، تاريخ القانون الأمريكي ، 225-6.
[38] – ديفيد بريون ديفيس، العبودية والتقدم البشري (أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد ، 1984) ، 8.
[39] – إيهود توليدانو، العبودية والاستغلال في الشرق الأوسط العثماني (سياتل: مطبعة جامعة واشنطن ، 1998) ، 164-65 ؛ توليدانو، روابط الاستعباد في الشرق الأوسط الإسلامي (نيو هافن: مطبعة جامعة ييل ، 2007) ، 21
[40] – انظر أيضًا نور سوبرز خان ، عبيد بلا قيود: العمل القسري والإفلاس في سجلات محكمة جالاتا، 1560-1572 (برلين: كلاوس شوارز فيرلاج ، 2014).
[41] – مارتن كلاين ، “مقدمة” ، في كسر السلاسل: العبودية ، والعبودية ، والتحرر في إفريقيا الحديثة وآسيا ، أد. مارتن كلاين (ماديسون: مطبعة جامعة ويسكونسن ، 1993) ، 4.
[42] – رودني كوتس ، “الرق” في موسوعة بلاكويل لعلم الاجتماع ، أد. جورج ريتزير (أكسفورد: بلاكويل ، 2007).
[43] – A. Testart ، “مدى عبودية الديون وأثرها” ، Revue Française de Sociologie 43 (2002): 176.
[44] – ديفيس ، العبودية والتقدم البشري ، 17-19 ؛ بريندا ستيفنسون ، ما هي العبودية؟ (مالدن ، ماساتشوستس: بوليتي ، 2015) ، 8.
[45] – مع ملاحظة أن حتى هذا التعريف والذي يليه لا ينطبق على الرق في الدولة العثمانية، فكما أورد المؤلف – وسيورد بعد قليل – كان الرق في الدولة العثمانية يتمتعون بامتيازات ربما لم يكن يتمتع بها كثير من الأحرار، وكانوا يتاجرون ويتعاملون مع الناس وكان منهم الصدر الأعظم، كل ذلك والعبد أوالرقيق لم يكن في قاعدة الهرم الاجتماعي. (مصطفى)
[46] – كلاودو ميلاسوكس ، أنثروبولوجيا الرق (لندن: أثلون ، 1991).
[47] – أورلاندو باترسون ، العبودية والموت الاجتماعي (كامبريدج ، ماجستير: مطبعة جامعة هارفارد ، 1982) ، 7-8 ، 13.
[48] – ناصر رباط ، “المفهوم المتغير للمماليك في الدولة المملوكية في مصر وسوريا”؛ صفوة الرقيق في الشرق الأوسط وأفريقيا، أد. ميورا تورو وجون إدوارد فيليبس (لندن: كيغال بول ، 2000) ، 89،97.
[49] – روتمان ، العبودية البيزنطية ، 104.
[50] – انظر Yaycıoğlu ، “الثروة والسلطة والموت: تراكم رأس المال والمضبوطات الإمبراطورية في الإمبراطورية العثمانية (1453-1839)” المتاحة في http://www.econ.yale.edu/~egcenter/Yaycioglu٪20- ٪ 20Wealth٪ 20Death٪ 20and٪ 20Power٪ 20-٪ 20November٪ 202012.pdf.
[51] – ليزلي بيرس ، حكايات الأخلاق: القانون والجنس في المحكمة العثمانية في عينتاب (بيركلي: مطبعة جامعة كاليفورنيا ، 2003) ، 315 ؛ توليدانو، 25؛ Ebru Boyar and Kate Fleet، A Social History of Ottoman Istanbul (Cambridge: Cambridge University Press، 2010)، 147-48.
[52] – درور زئيفي ، “عبدي، ابني، ربي: العبودية، الأسرة والدولة في الشرق الأوسط الإسلامي” ، في عبيد النخبة في الشرق الأوسط وأفريقيا ، 75. انظر أيضًا مقال ميتين كونت القصير، “التضامن العرقي (الإقليمي) في المؤسسة العثمانية في القرن السابع عشر” ، المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط 5 ، العدد. 3 (1974): 233-39.
[53] – فيينشتاين ، ج. ، “صقلي محمد باشا” ، في: موسوعة الإسلام، الطبعة الثانية ، تحرير: ب. بيرمان ، ث. بيانكيس ، سي. بوسورث ، إي. فان دونزيل ، دبليو، نشر على الإنترنت في 21 نوفمبر 2016 <http://dx.doi.org.proxy.library.georgetown.edu/10.1163/1573-3912_islam_SIM_7090> نُشر لأول مرة على الإنترنت: 2012.
[54] – دانييل كريشيليوس وجوتشا جاباريدز ، “علاقات المماليك الجورجيين في مصر بوطنهم في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر” ، مجلة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق 45 ، رقم. 3 (2002): 326.
[55] – بمعنى أن هذا السؤال هو نتاج سيطرة مزاج ثقافي وفكري محدد لم يكن موجودًا قبل ذلك، وعلى ذلك فلا ينبغي إهمال الإطار الفكري والثقافي الذي خرج منه هذا السؤال عند مناقشته والإجابة عليه. (مصطفى)
[56] – كريستين سيرز، “في الجزائر، مدينة العبودية”: العبودية الحضرية في سياق مقارن، الاتجاهات الجديدة في دراسات الرق، الطبعة. جيف فوريت وكريستين إي سيرز (باتون روج: مطبعة جامعة ولاية لويزيانا ، 2015) ، 203 ، 207 ، 211.
[57] – جوليا أوكونيل ديفيدسون ، العبودية الحديثة: هوامش الحرية (نيويورك: بالجريف ماكميلان ، 2015) ، 3 ، 6 ، 22-23 ، 37-39 ، 69 ، 169 .
[58] – ديفيدسون ، الرق الحديث ، 100.
[59] – وليام كلارينس سميث وديفيد إيلتس، “الرق الأبيض” ، 139 ، 144.
[60] – thestar.co.uk/news/majority-of-rotherham-child- Exploitation-suspects-are- white-claims-new-report-1-739263
[61] – بالأردو قلی تعني العامل، وبالتركية تعني العبد وأصلها “قول” بمعنى الأسير، وفي الاصطلاح هو الحمال الذي يحمل أمتعة الناس في محطات السفر. (مصطفى)
[62] – ديفيدسون ، العبودية الحديثة ، 33.
[63] – كيفن بالز ، فهم العبودية العالمية (بيركلي: مطبعة جامعة كاليفورنيا ، 2005) ، 52-54.
المصدر: Slavery and Islam