- محمد الفارس
- تحرير: إسراء سالم
- اسم الكتاب: ظاهرة الألعاب الإلكترونية، وهوية النشء المسلم
- اسم المؤلف: الهيثم زعفان.
- دار النشر: آفاق المعرفة.
- سنة النشر: 1442هـ.
- تحرير: إسراء سالم.
يُسلِّط الكتاب الضوءَ على قضية حيّة، وظاهرة فاشية، وما تزال تتفشى ويزداد نفوذها وتأثيرها يوما بعد يوم؛ وهي ظاهرة الألعاب الإلكترونية. ويسعى الكتاب إلى تأكيد أهمية الالتفات إلى هذه الظاهرة، بحشد أبرز الإحصاءات التي تجلّي حجم الاستثمار الضخم في سوق الألعاب الإلكترونية؛ لتكشف مستوى تعلّق كثير من النشء بها، وإدمانه عليها؛ مما سهّل انتقال الحمولات الفكريّة، والخلفيات الثقافية لتلك الألعاب إلى فكرِهم وأذهانِهم، وامتدت تأثيراتها حتى إلى سلوكِهم وممارساتهم. ونبّه على هذه الفئة بالذكر -كما يُرى- لكونها فئة صاعدة، سريعة التأثر، ضعيفة المكتسبات العلمية، ولا زالت لا تملك بناءً إيمانيّا متماسكا، وإلا فالواقع صارخٌ أنَّ ظاهرة الألعاب الإلكترونية بسطت نفوذها حتى بلغت صفوف الكبار.
تضمّن الكتاب مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة. تحدّث المؤلّف في المقدمة عن “طبيعية” و”فطرية” النزوع للعب في نفوس الأطفال، وأنها حاجة مرحلية ينبغي أن نتعامل معها بحكمة. لكن مع تطوّر العالم في الجوانب التقنية، وشراسة المنافسة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، استُغلّت تلك الطبيعة الإنسانية لجني الأموال، على حساب القيم والأخلاق…، بل والعقائد أحيانًا.
ولفَت الانتباهَ إلى مشكلة يقع فيها كثيرٌ من المربين، وهي أنّ تصوّرهم للألعاب الإلكترونية الحديثة، يشبهُ تصوّرهم عن الألعاب التي كانوا يلعبونها وهم صغار، ومن ثَمّ فتصورهم عن أثر الألعاب المعاصرة وانعكاسها على واقع النشء، تصوّرٌ قاصر؛ مما يحمل كثيرًا منهم على التغاضي، والتغافل عن معالجةِ هذه الظاهرة بشكل جادّ.
ثم تحدث في الفصل الأول المعنون بـ”ظاهرة الألعاب الإلكترونية بين الصناعة والانتشار” عن التنافس الأممي في صناعة الألعاب الإلكترونية؛ فهي مرتبطة بتطور التقنية أولاً، وبالسّوق العالمي التّنافسي ثانيًا؛ فليس من الغريب التنافس الكبير على مدى عقود. ومن تجليات ذلك السُّعار الاستثماري، ما يقع بين الشركتين العملاقتين: مايكرسوفت الأمريكية، وسوني اليابانية.
وأشار في هذا الفصل إلى ملاحظة دقيقة، وهي إجابة على سؤال: ما السر في زيادة المبيعات يومًا بعد يوم في ميدان الألعاب الإلكترونية، والأجهزة التقنية بصفة عامة؟ قال: “كلمة السر في مبيعات وصناعة الحواسيب والهواتف الذكية هي (التحديث)؛ أعني تحديث الألعاب وترقيتها، وشهرةُ ألعابٍ بعينها تتطلب مواصفات خاصة معقدة دائمة التحديث والتطوير، لا تتوفر مواصفات تشغيلها في كل جهاز،… وبهذا تَضمن جميعُ شركاتِ المنظومةِ التقنيّة، ديمومةَ الإنتاج وزيادة حجم المبيعات”.
وبيّن في هذا الفصل حجم الانتشار الرهيب على مستوى الأجهزة، أو الألعاب، فذكر دراسةً إحصائيّة في العالم العربي لإحدى الباحثات، أجرتها في مدرسة ابتدائية في منطقة “الجبيل”، حيث تبين أن 93% من الأطفال يمتلكون أجهزة الألعاب الإلكترونية في البيت.
ونقل عن بعض الشركات المصنّعة للألعاب التقارير السنوية التي تفيد عدد التنزيلات في بعض الألعاب كـ (call of duty حيث بلغت أكثر من 100 مليون تنزيل)، وأن عدد لاعبي EA) sport) فاق 90 مليونًا. -الإحصاءات عام 2019-.
وأما ما يتصل بعدد ساعات اللعب التي أفادتها كثير من الدراسات؛ فقد توصلت شركة (ESET) المتخصصة في مجال الأمن الإلكتروني، إلى أنّ لاعبًا من عشرة لاعبين، يستمر لعبه عبر الأجهزة لمدةٍ لا تقل عن ١٢ ساعة في اليوم، وذكر إحصاءات أخرى مشابهة. ومما يؤكد ما سبق، ما ذكره المؤلف من أن قطاع صناعة الألعاب وتسويقها، تتجاوز أرباحه السنوية 150 مليار دولار، وهذا يؤكد عظيم تأثير هذا القطاع، وامتداد نفوذه على مستوى العالم.
بعد ذلك تحدّث في الفصل الثاني المعنون بـ”الألعاب الإلكترونية والهوية الإسلامية”، عن أن مطوِّري وصانعي الألعاب هم شركاء التربية، وصناعةُ الثقافة الآن، وأنهم يعكسون ثقافاتهم ومعتقداتهم على صناعاتهم الإلكترونية، وفَهْمُ هذا مهمٌّ لتصور واقع تلك الألعاب.
ثم ذكر تجلّيات ومظاهر تلك التأثيرات على الهوية الإسلامية، وتحت كل مظهرٍ ذكر جملةً من الأمثلة، والوقائع الحقيقية؛ ومن ذلك: الصليب، ومظاهر الوثنية، وألعاب الرعب، والخيال، وهوس نهاية العالم، وأنَّ محورَ ارتكازِ معظمِ هذه الألعاب، هو الحربُ المباشرة على الإسلام والمسلمين، وصناعةُ العداء لهما، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلالها. كذلك تعمل الألعاب الإلكترونية في صالحِ خدمة السياسة الأمريكية، وغرس قيم العنف والإرهاب في نفوس اللاعبين، والذي يؤدي بدوره إلى الهبوط الأخلاقي والقيمي، ويرفع معدّلَ المخاطر النفسية والاجتماعية. وذكر لكل واحدة مما سبق، ما يؤكد وقوعها؛ إمّا على سبيل تسمية بعض الألعاب، أو بِنقلِ بحوثٍ ودراسات علمية؛ فيحسن مراجعة موضِعها من الكتاب.
وختم فصله الثاني بذكر جملة من الألعاب الهادفة التي تنمي مهارات النشء، ويمكن الاستعاضة بها عن تلك الألعاب الفاسدة. وأوصى بضرورة تفرُّغ مبرمجين متخصصين، لتصميم ألعاب إلكترونية تعليمية، والعمل في المدارس جنبا إلى جنب مع المعلمين، وتوفير دورات ومعارض للمعلمين، وللمشرفين؛ لتوعيتهم بأهمية توظيف الألعاب كطريقةٍ من طرق التّعليم والتربية.
أمّا الفصل الثالث، فكان معنونا بـ: “آليات التعامل مع ظاهرة الألعاب الإلكترونية داخل العالم الإسلامي”، وأكّد فيه على دور الأسرة، ووجوب قيامها بالمسؤولية العقدية والتربوية، وذكر بعض التوصيات إزاء ذلك، منها: الإشراف على الألعاب التي يمارسها الأبناء -إشرافًا يتسم بالمرونة-: من خلال الحوار معهم، ومعرفة حقائق تلك الألعاب، والمشاركة معهم في بعضها أحيانا.
ومن التوصيات أيضا: تجنّب إعطاء الناشئ جهازًا إلكترونيًّا مستقلًّا، لا سيما إن كان متصلاً بالإنترنت، وأن يكون الجهاز واضحًا ومكشوفًا، وفي أوقات محدودة ومعينة. ونبّه الكاتب على خطورة ترك عملية “تنظيم الوقت” للنشء أنفسهم. وذكر أن مما يحتاجه الوالدان: الوعي بهذه القضية ومعرفة أبعادها، والقرب من ميدانها بمتابعة جديدها، والعلم بكيفية التعاطي معها.
ومن توصيات الكتاب المهمة: التوصية بتنشيط حملات توعوية في المدارس، والجامعات، ومنصات التواصل، ووسائل الإعلام حول مخاطر كثير من الألعاب، والإرشاد إلى بدائل إيجابية.
وفي الخاتمة أشارَ المؤلف إلى ملاحظة مهمة؛ قال: “حيث تبين أن الأمر لا يقتصر على كون الظاهرة لهوًا عابرًا، أو ألعاب تسلية يقضي بها النشء أوقات فراغهم؛ بل تمتد لتشمل دوائر متعددة شديدة التعقيد على كافة المستويات: العقدية، والأخلاقية، والثقافية، والأسرية، والتربوية، والسلوكية، والصحية، والأمنية، والاقتصادية،… وكل ذلك يوضح أن الظاهرة تتقاطع مدخلاتها ومخرجاتها مع كافة مكوّنات الهوية..”. والمداولة الجادة لمثل هذه الظواهر بالنقاش، والدراسة في أوساط المهتمين من أهم الوسائل لمعالجتها، وتنضيج طرق التعاطي معها.
اقرأ ايضاً: البيدوفيليّون يستعملون الإنترنت جاعلين الأطفال غَرَضاً لجرائمهم الجنسيّة