- وائل وسام
- تحرير: ريم الطيار
من المواضيع المنتشرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، وفي النقاشات العامة بين البشر موضوع العلاقة بين العلم والدين؛ فريق يري أن العلم والدين يمكن التوفيق بينهما، واستخدام كل منهما للإجابة على أسئلة البشر الكبرى، وفريق يرى أن العلم والدين أعداء، ويجب أن يحل العلم محل الدين في الإجابة على أسئلة البشر، وأنه عاجلاً أو آجلاً سيتمكن من الإجابة على كل الأسئلة، فهل يستطيع العلم الإجابة على كل أسئلة البشر؟ وهل هو فعلاً عدو للدين أم يمكن التوفيق بينهما؟
– العلم لا يستطيع الإجابة على كل الأسئلة:
– العلم بطبيعته له حدود لا يمكنه أن يتخطاها لسببين يذكرهما عالم الفيزياء Marcelo Gleiser صاحب كتاب جزيرة المعرفة: حدود العلم والبحث عن المعنى [1].
السبب الأول: الأدوات المستخدمة لاستكشاف العالم من حولنا، مثل: التلسكوبات والميكروسكوبات بالرغم من أن هذه الأدوات تعمل بشكل جيد، ومكنتنا بالفعل من التعرف على أشياء مثل الكائنات الحية الدقيقة كالبكتريا والفيروسات، المجرات التي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية، الذرات والجسيمات دون الذرية التي تصنع المادة إلا أنها دوماً ستكون صالحة للعمل ضمن نطاق معين محدود، وبدقة معينة محدودة أيضاً، ويضرب مثال على ذلك بمصادم الهادرونات الكبير، مصادم الهادرونات الكبير يعتبر أكبر أداة قياس صنعها البشر، ومهمته أن يقوم بصدم الهادرونات (البروتونات) عند مستويات طاقة عالية، ثم يبحث عن الجسيمات الجديدة التي تظهر نتيجة عملية الصدم هذه، بفضل هذا المصادم مثلاً تم التعرف على جسيمات بوزون هيغز (الجسيم الذي يعطي الجسيمات دون الذرية الأخرى كالكواركات، كتلتها)، لكن لأن هذا المصادم مثله مثل أي أداة قياس هو صالح فقط للعمل ضمن نطاق معين، فهو يعمل فقط لحد مستوى طاقة يساوي 7 تيرا إلكترون فولت، لن يستطيع أبداً أن يكتشف كل ما هو في الطبيعة، عند مستويات طاقة أعلى من 7 تيرا إلكترون فولت نحن لا نعرف شيء، عندما نصل لمستوى طاقة أعلى من 7 تيرا إلكترون فولت، نحن لا نعرف كيف تتصرف المادة؟ لا نعرف هل هناك جسيمات أخرى جديدة غير التي نعرفها الآن عند هذا المستوى أو لا؟ وهكذا الحال مع أي أداة قياس سيبنيها البشر، أي أداة حتى لو في القرن 7000 من الميلاد سيكون لها حدود دوماً فلن تتمكن من معرفة كل شيء تجريبياً.
السبب الثاني: إن الطبيعة نفسها تفرض قيود على ما يمكن معرفته، ويضرب مثال على ذلك بسرعة الضوء الذي هو أسرع شيء في الوجود، عندما ينظر علماء الفلك والفيزياء في الكون باستخدام أدوات القياس لا يمكن لأي أحد منهم أن يرى أبعد من أفق يسمى الأفق الكوني، فلا أحد يعرف ما هو موجود خلف أو خارج هذا الأفق؛ لعدم وجود إشارات ضوئية تصل إلينا على الأرض من هذه الأماكن الموجودة خلفه، فكل ما يمكن رصده هو جزء بسيط جداً من حجم الكون الفعلي يطلق عليه اسم الكون المرصود The Observable Universe، أما بقية الكون لا نعرف عنه شيئا، وذلك بسبب أن الضوء نفسه له سرعة محدودة لا يتمكن من الوصول لنا هنا، عابراً مسافات شاسعة جداً، فلا يمكن أبداً بالتجربة أن تثبت مثلاً هل الكون يمتد خلف هذا الأفق لمالانهاية في الماضي أي أزلي أم هل له بداية؟ هل الفضاء نهائي أم لانهائي؟
– العلم لا يتمكن أيضاً من الإجابة على الأسئلة الوجودية مثل لماذا نحن هنا؟ لماذا هناك شيء بدلاً من لا شيء؟ لا يستطيع أيضاً أن يصدر أحكاماً أخلاقية على الأفعال هل السرقة جيدة أم سيئة مثلاً؟ لا يستطيع أن يخبرك كيف تستخدمه؟ يمكن أن تستخدمه لصناعة قنبلة نووية تقتل بها الناس، ويمكن أن تستخدمه لصناعة محطات تولد كهرباء للناس، لا يستطيع أن ينفي أو أن يؤكد وجود كيانات ميتافيزيقية، بدليل مباشر هذه الأشياء بطبيعتها لا تخضع لقوانين العلم.
مثلاً الإله المفترض أنه هو خالق قوانين الطبيعة نفسها لا يمكن أن يخضع لقوانين الطبيعة التي خلقها وإلا فهو ليس إله [2].
– الدين ليس عدو للعلم، فبنظرة في تاريخ العلم يمكن إدراك أن التفكير الديني ألهم التفكير العلمي كثيراً [3]؛
– فمثلاً أفكار أرسطو العلمية التي ضاعت طورها مفكرون في كنائس (مسيحيين) ومساجد (مسلمين).
– الفيلسوف والعالم المسيحي روبرت جروسيتيست طور مفاهيم العلم التجريبي، ودرس الضوء، وخمن أنه بالإمكان صناعة الميكروسكوبات والتلسكوبات قبل زمن من اختراعهم، حتى تمكن من وضع نظرية مشابهة لنظرية الانفجار العظيم الحالية، النظرية التي يتبناها كل علماء الفيزياء الآن كتفسير لعملية تطور الكون، الدافع الذي دفعه باتجاه العلم كان التفكير الديني؛ إيمانه أن الإنسان يملك نزعة تمكنه من فهم الطبيعة وهو يملك هذه النزعة؛ لأنه مخلوق بواسطة الإله على صورته.
– نفس الشيء مع علماء المسلمين مثل ابن سينا، وابن رشد، والخوارزمي، وابن حيان، علماء المسلمين ساهموا في تطوير الكثير من العلوم؛ مثل: الفلك، والرياضيات، والبصريات، والهندسة.
وأكبر وأكثر العلماء تأثيراً في التاريخ -نيوتن-مخترع التفاضل والتكامل أحد أهم فروع علم الرياضيات، مخترع أول تلسكوب، واضع قوانين الحركة، كل إسهاماته العلمية كانت بسبب إيمانه الديني أن الإنسان يملك هبة من الإله (الحواس والعقل) التي تمكنه من فهم أسرار الوجود، نفس الشيء مع مؤسس علم الكيمياء بالمفهوم الحديث وأحد رواد استخدام الطريقة العلمية التجريبية روبرت بويل.
– نظرة العلماء للعلاقة بين العلم والدين:
قد يعتقد معظم الناس أن معظم العلماء ملحدين يعتبرون أن العلم والدين أعداء، ولا يمكن الجمع بينهما، لكن في الواقع هذا الاعتقاد ما هو إلا خرافة، في دراسة عالمية ضمت علماء من إيطاليا، أمريكا، بريطانيا، تيوان، تركيا، الهند، الصين، فرنسا أجرتها جامعة رايس الأمريكية بقيادة عالمة الاجتماع Elaine Howard Elkland وجدت هذه الدراسة أن أكثر من نصف العلماء في الهند، وإيطاليا، وتايوان، وتركيا متدينين، وفقط 32% من علماء بريطانيا يعتقدون أن العلم والدين في صراع، وفقط 29% من علماء أمريكا يعتقدون أن العلم والدين في صراع [4] وبناءات على إحصائيات هذه العالمة، وإحصائيات لمركز بيو الأمريكي فنصف علماء أمريكا متدينون [5].
فلا يوجد سبب لجعل الدين عدواً للعلم، كل منهما يلعب دوراً مهماً في حياة البشر، ومن يعترض على ذلك بالقول إن العلم قائم على التجربة؛ أما الدين قائم على الإيمان، هو لا يعرف أن العلم كله قائم على فرض إيماني ميتافيزيقي؛ فالعلم كله كما يقول عالم الفيزياء الحاصل على جائزة نوبل شيلدون غلاشو في كتابه الكون الكمومي قائم على فرض أن الكون بسيط، ويتبع نظام وقوانين محددة قابلة للفهم من قبل العقل البشري، هذا الفرض مجرد إيمان من قبل العلماء ليس عليه ولا أي دليل تجريبي فلم يقم أحد بتجربة أثبت فيها أن الكون قابل للفهم، لكن بدون هذا الفرض لن يكون هناك شيء يسمى العلم [6].
اقرأ ايضاً: التضليل باسم العلم
[1]https://www.washingtonpost.com/posteverything/wp/2014/07/14/theres-so-much-science-will-never-be-able-to-explain/ [2]https://undsci.berkeley.edu/article/0_0_0/whatisscience_12 [3]https://www.dur.ac.uk/news/allnews/thoughtleadership/?itemno=33463 [4]https://news.rice.edu/2015/12/03/first-worldwide-survey-of-religion-and-science-no-not-all-scientists-are-atheists/ [5]https://www.nature.com/articles/nnano.2009.321 [6]https://physicstoday.scitation.org/doi/full/10.1063/1.1404868