- بدر ثاني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه قراءة مختصرة لكتاب النبأ العظيم، للدكتور: محمد دراز، وقد اشتملت على مقدمة قصيرة تضمنت عنوان الكتاب ومؤلفه، وقصة الكتاب والهدف منه، والمنهج الذي سلكه المصنف، بالإضافة إلى عرض محتويات الكتاب وموضوعاته، وأهم أفكاره، مختومة برأيي المتواضع كقارئ لهذا السفر، وقد حرصت في هذا الملخص على استخدام عبارات المؤلف قدر المستطاع. أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما.
المقدمة:
يعتبر كتاب النبأ العظيم لمؤلفه الدكتور محمد عبدالله دراز(1312-1376ه) -رحمه الله- من أجل الكتب في باب علوم القرآن، أثبت فيه أن مصدر القرآن هو الله-جل في علاه- وليس محمدا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، دحضا لادعاءات المستشرقين والمشككين وتفنيدا لأباطيلهم، ونصرة لهذا الدين العظيم. وبسبب قوة وفصاحة الكتاب وسلاسة أسلوبه، يقول دراز واصفا قارئه:(فلا يتطلب من قارئه انضواء تحت راية معينة؛ ولا اعتناقا لمذهب معين، ولا يفترض فيه تخصصا في ثقافة، بل يناشده أن يعود بنفسه صحيفة بيضاء، ورغبة صادقة في الوصول إلى الحق في شأن هذا القرآن).
قصة الكتاب والهدف منه:
يقول المصنف في الغاية من تأليف هذا السفر:( فهذه بحوث في القرآن الكريم، قدمتها بين يدي دروس التفسير لطلبة كلية أصول الدين بالجامع الأزهر المعمور، أردت بها أن أنعت كتاب الله بحليته وخصائصه، وأن أرفع النقاب عن جانب من الحقائق المتصلة به، وأن أرسم الخطة التي ينبغي سلوكها في دراسته).
منهج الكتاب:
يقول المؤلف:( وقد راعيت في أكثر هذه البحوث شيئا من التفصيل والتحليل، وشيئا من التطبيق والتمثيل، فلم أكتف بالإشارة حيث تمكن العبارة، ولا البرهان إذا أمكن العيان). مستخدما المنهج العلمي في عرض الأقاويل ونقضها واحدة بعد الأخرى، بأسلوب بياني جميل، وعرضا لأمثلة قياسية مادية محسوسة تارة ومعنوية تارة أخرى، وصولا لما يسمى بالمنهج المقارن.
موضوعات الكتاب ومحتوياته:
اشتمل الكتاب على بحثين أساسيين هما:
1- في تحديد معنى القرآن: تضمن هذا البحث على:
أ-المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظي: (القرآن) و(الكتاب)، وسر التسمية بهما جميعا.
ب-سر اختصاص القرآن بالخلود وعدم التحريف.
ج-هل يمكن تحديد القرآن تحديدا منطقيا؟
د-التفرقة بين القرآن والحديث النبوي والحديث القدسي.
2- في بيان مصدر القرآن:
هذا البحث غطى معظم الكتاب واشتمل على تمهيد وأربعة فصول أطلق الكاتب على كل فصل(مرحلة):
التمهيد
يجيب دراز على تساؤلات طرحها في بداية البحث وهي من أين جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن؟ أمن عند نفسه ووحي ضميره، أم من عند معلم؟ ومن هو ذلك المعلم؟، ويخلص الكاتب:(أن القرآن إذن صريح في أنه لا صنعة فيه لمحمد-صلى الله عليه وسلم- ولا لأحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله بلفظه ومعناه)، كما يقرر أن:
أ- تبرؤ محمد -صلى الله عليه وسلم- من نسبة القرآن إليه ليس ادعاء يحتاج إلى بينة، بل هو قرار يؤخذ به صاحبه.
ب- نسبة محمد-صلى الله عليه وسلم-القرآن إلى الله لا تكون احتيالا منه -عليه الصلاة والسلام- لبسط نفوذه، والا لِمَ لَمْ ينسب أقواله -عليه الصلاة والسلام- كلها إلى الله -عز وجل-.
ويدلل دراز على صدق محمد-صلى الله عليه وسلم- وأمانته في دعوى الوحي بنماذج من سيرته إزاء القرآن مثل حادثة الأفك وتأخره في جلاء الحقيقة، فلو كان القرآن من عنده -عليه الصلاة والسلام- لما تأخر في قوله ليحمي عرضه ويذب عنه.
ج- استدلال من علم النفس على انفصال شخصية الوحي عن شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
د-موقف الرسول-صلى الله عليه وسلم- من القرآن موقف المفسر الذي يتلمس الدلالات ويأخذ بأرفقها.
ه-توقف الرسول-صلى الله عليه وسلم- أحيانا في فهم مغزى النص حتى يأتيه البيان، كما حدث في صلح الحديبية.
المرحلة الأولى
في هذه المرحلة يناقش الباحث ويؤكد عددا من الحقائق التي لا تقبل الشك منها:
1- بيان أن القرآن لا يمكن أن يكون إيحاءا ذاتيا من نفس محمد صلى الله عليه وسلم.
2- طبيعة المعاني القرآنية ليست مما يدرك بالذكاء وصدق الفراسة:
أ- فأنباء الماضي لا سبيل إليها إلا بالتلقي والدراسة.
ب- والحقائق الدينية الغيبية لا سبيل للعقل إليها.
ج- أنباء المستقبل قد تستنبط بالمقايسة الظنية ولكنها لا سبيل فيها لليقين الأ بالوحي الصادق
د- النبي بدون الوحي قد يخطئ ظنه أحيانا رغم ذكائه وفطنته.
المرحلة الثانية
ناقش دراز في هذه المرحلة من البحث: بيان أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يكون أخذ القرآن عن معلم والبحث في الأوساط البشرية عن ذلك المعلم:
أ- البحث عنه بين الأميين: يقول دراز إن محمدًا-صلى الله عليه وسلم- لم يكن له معلم بين الأميين من قومه، فإذا عرفوا بالأمية، كيف يحملون وسام التعليم لغيرهم.
ب- البحث عنه بين أهل العلم: ويقرر أنه عليه الصلاة والسلام لم يلق ولم ير أحدا بعينه من العلماء لا قبل دعوى النبوة ولا بعدها.
ج- أن موقف محمد -صلى الله عليه وسلم- من العلماء هو موقف المصحح لما حرفوا الكاشف لما كتموا. وقد أورد الكاتب نموذجا من وصفه وتفنيده لأغلاطهم من الآي الكريم.
د- تحدى الكاتب القائلين بأن لمحمد-صلى الله عليه وسلم- معلما من البشر، بتسميته، وما الذي رآه وسمعه، ومتى وأين كان ذلك.
ويعقب قائلا: إن من ضاقت به دائرة الجد، لم يسعه إلا فضاء الهزل. وأن حيرة المعاندين وجدلهم ليست قضية حديثة.
ه- كما أشار الكاتب إلى نظرية الوحي النفسي وأنها ليست جديدة حيث حكاها القرآن عن الطاعنين فيه، وأنه لا يوجد للقرآن مصدر إنساني لا في نفس صاحبه، ولا عند أحد من البشر.
المرحلة الثالثة
في المرحلة الثالثة يبحث المؤلف في ظروف الوحي وملابساته الخاصة عن مصدر القرآن بعد أن دحض فكرة أن القرآن عمل إنساني، فيحلل ظاهرة الوحي وعوارضها على وجه النبي حين ينزل القرآن عليه، وأنها ظاهرة غير متكلفة وتقع بدون اختياره.
المرحلة الرابعة
يتناول الكاتب في هذه المرحلة البحث في جوهر القرآن نفسه، وأن هذا الكتاب الكريم يأبى بطبيعته أن يكون صناعة بشرية، ذلك أن قدرة الناس إن تفاوتت فهي محدودة. وأن طالب الحق بإنصاف عليه أن ينظر إلى القرآن من نواحي عدة: ناحية أسلوبه، أو علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالَم وغير به وجه التأريخ. كما قام الكاتب بدراسة النواحي الثلاث لإعجاز القرآن بشيء من التفصيل.
أ-المعجزة اللغوية للقرآن:
استقصى الكاتب تحت هذا العنوان الشبه الممكنة ورد عليها:
- توهم القدرة على محاكاة القرآن.
- القول بالصرفة.
- الظن بأن إعجاز القرآن ليس من الناحية اللغوية لأنه لم يخرج عن لغة العرب.
- الزعم أن عجز الناس عن مجاراة أسلوب القرآن ليس خصوصيا له، لأن أسلوب كل قائل صورة نفسه ومزاجه
- التسليم بإعجاز القرآن دون الدراية بتفسير وتعليله.
خصائص القرآن البيانية:
1- القرآن في قطعة قطعة منه: ووجه إعجازه.
*القصد في اللفظ والوفاء بحق المعنى.
*خطاب العامة وخطاب الخاصة.
*إقناع العقل وإمتاع العاطفة.
*البيان والإجمال.
*الإيجاز سواء في مواضع الإجمال أو التفصيل.
*خلوه من الكلمات المقحمة والحروف الزائدة.
*الإيجاز بالحذف مع الوضوح والطلاوة.
2-القرآن في سورة سورة منه:
*الكثرة والوحدة
*صنعة البيان في الانتقال من معنى إلى معنى أشق منها في التنقل بين أجزاء المعنى الواحد.
*نزول القرآن مفرقا بحسب الدواعي.
*عجز البشر عن الاهتداء إلى تحديد وضع كل جزء من أجزاء المركّب قبل تمام أجزائه.
رأيي في الكتاب:
الكتاب ممتع في بابه وثري بالمادة اللغوية العلمية الرصينة، حيث قام المؤلف فيه بالرد على الشبهات المثارة حول القرآن: مصدرا، وأسلوبا، وإعجازا، وأثبت-بما لا يدع مجالا للشك- أن مصدر القرآن هو من عند االله -عزّ وتعالى-، وأن الأساليب البيانية الواردة يستحيل أن يأتي بها بشر.