- طارق العياضي
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أرسل إلي أحد الإخوة كلامًا لأحد الباحثين يتعقب فيه بعض المظاهر والممارسات الخاطئة والمعيبة لدى العديد من المشتغلين بدراسة علم العقيدة والدراسات الفكرية في بلادنا، وعلى الرغم من حرصه الشديد على صيانة مجال الدراسات الإسلامية إلا أنه وقع في أخطاء تحتاج إلى تصحيح وطرق موضوعات تحتاج إلى إيضاح وهذه هي الغاية الرئيسة للكتابة في هذه المسألة.
يقول الأستاذ الباحث: (ليست مشكلة الأبحاث الرسالية الأسلوب والنفس الذي كُتبت به، وإنما مشكلتها تكمن في تأثير الدوافع “الدينية” لدى الباحث في معالجة المسألة المبحوثة، فلأنه لا يكتب بدافع البحث وتقصي الحقائق، وإنما بدافع الانتصار أو الذم اللذين تفرضهما تلك الدوافع فيقع في إشكالات في النتائج؛ بسبب تساهله في تحرير المقدمات. وهذه أراها ظاهرة فيما طالعت من الأبحاث العقدية، آخرها رسالتا دكتوراه نُشرتا هذا العام الميلادي لا أستطيع أن أصفها إلا بالكارثية! وأحد هذين الباحثين صرح بدوافعه “الدينية” التي كانت وراء وقوعه في إشكالات عظيمة، والمشكلة عندما تنتقد ممارستهم في البحث قالوا لك: أنت تذم أهل السنة وتدافع عن المبتدعة!
الحقيقة يجب تحييد تأثير الدوافع الدينية في بحث القضايا الشرعية التاريخية؛ لأننا نريد أن نصل إلى الواقع كما هو قدر الإمكان، لكي يرتقي البحث الشرعي في بيئتنا الأكاديمية).ا.هــ
والحقيقة أن المشكلة لا تقف عند خطأ جزئي هنا وهناك كاستعمال تعبير “النَفَس” وهو لفظ غير علمي بحسب أصوله، بل إن الإشكال أعمق وأكبر وهو يتصل بالمعالجة المنهجية والمفاهيميّة في حقل الدراسات الإسلاميّة كما سنجتهد أن نوضح للقارئ الكريم.
ولهذا لن نخصص معالجتنا هذه في الرد الحصريّ على الأستاذ الباحث بل سنسعى إلى توسيع حدود النظر في الموضوع، ولهذا قد يلاحظ القارئ نقلنا لآراء متطرفة تماما في علمانيتها ولا نطابق بينها وبين آرائه بل نكشف مصادر الفكرة المؤثرة في هذا الرأي وأعني بالتحديد “فصل الدافعين الديني والعلمي” و”الموضوعية” ولهذا فإن سعينا يتجه إلى الأخذ بالمشكلات المثارة نحو وجهةٍ تساعد في إعلام القارئ بأفق الحلول المتاحة كي يتفطن إلى الخلل ويتبصر بالحل ونجتهد قدر وسعنا في هذا القصد.
وسنسمي دعوى الأستاذ الباحث باللارسالية تنزلًا من باب المشاكلة اللفظية بحسب علم البديع، وإلا فإن كل موقفٍ فلسفي أو فكري فإنه يلتزمُ رسالةً شاء صاحبها ذلك أم أبى، فاللارسالي رساليٌ أقر بذلك أم لم يقر.
- تحرير محل النزاع:
نتفق والأستاذ الباحث على عدة أمور:
- وجوب التزام الحق بدليله وذلك بالسعي في طلبه مع تحري التجرد من كل المعيقات الداخلية والخارجية قدر وسعه.
- وجوب العدل مع المخالفين وإنصافهم ومن ذلك بيان أقوالهم ومذاهبهم كما ذكروها وعدم التعدي والبغي عليهم بأي مظهر كان يدخل في ذلك: التحريف والاقتطاع والإخفاء والكذب ونحو ذلك.
- نقد المستوى المتدني لكثير من الدراسات والأبحاث العربية في حقل الدراسات الإسلاميّة بعامة والجامعية المحلية بخاصة، وآفاتها ومشكلاتها أكثر من أن تعد منها لكن قد نجمعها فنقول: أن المشكلة تتعلق بضعف المناهج والأدوات.
فمشكلات المنهج مثل التعصب والتقليد الأعمى والتحيز المُحَابِي، أما مشكلات الأدوات فتتعلق بنحو: القصور في ملاحظة الظواهر وضبطها وصفًا وتحديدًا وجمع معلوماتها وتعقب العلاقات وإبراز السياقات وتحديد الظروف المحيطة دينيا وتاريخيا وسياسيا وثقافيا وتحليلها ومقارنتها ونقدها واستخلاص النتائج منها ومقابلتها على الآراء الأخرى واختبار كل منها نظريا وتطبيقيا ونحو ذلك.
ومعيارنا في تَرسِية مواطن الاتفاق بيننا هو ما كان في دائرة مرجعية الوحي نفسها من قِيم تتصل والبحث العلمي، وما ذكرناه نراه كافيًا ليفهم القارئ حدود النقاش ولا داعي للإطالة في تعداد وذكر مظان أدلتها في هذا المقام ما دام في دائرة المرجعية المشتركة بيننا وبينه.
فلو حدث أن اختلفنا في التفاصيل المذكورة في (3) فيكون خلافا جزئيا غير مؤثر في دعوى الباحث، فما ثبت أن الشرع يلزم به أو يمنع عنه في سياق البحث العلمي وثبت أن شخصا يخالفه فلا نزاع مع الباحث في ذمه وهو خارج محل النزاع معه.
أما مواطن الخلاف فهي على سبيل الإجمال ما يلي:
- الفصل بين الدوافع الدينية والعلمية تأثرا بمناهج البحث الغربية المعاصرة في الدراسات الدينية ويدخل فيه إقامة التعارض بين الدعوة والعلم.
- التصور المغلوط للموضوعية في الفكرين الغربي والإسلامي ضمن دعوى الالتزام بالمنهج العلمي.
- الغلط في تأصيل مفهوم الرساليّة في الفكر الإسلامي.
ونشرع الآن في تفصيلها.
(1) الفصل بين الدوافع الدينية والعلمية:
وقع اللبس بشكل أوليّ في محاولة الربطِ بين مفهوم الموضوعية الحديث الشائع في مجال أخلاقيات البحث العلمي وبين معان شرعية كالحق والعدل والإنصاف لا تتطابق معانيها وإياه من جهة أخرى.
وازدادَ اللبسُ المفاهيمي بمحاولة فصلٍ تحكمية بين دافع البحث –العلمي- ودافع الانتصار أو الذم –الديني- بحسب فهم الباحث باعتبار الانتصار ليس دافعا علميا والبحث عن الحقيقة دافع علمي يقول: (لكونه [أي الرسالي بمفهومه] لا يكتب بدافع البحث وتقصي الحقائق، وإنما بدافع الانتصار أو الذم).!
وهذا الفصل باطل جملة وتفصيلا فإن الدوافع الإنسانية بحسب علماء النفس من حيث الغريزة واحدة وإنما تختلف باختلاف توجه الدافع الواعي من خلال عملية القصد[1]، وقوله هذا يلزمه بلوازم لا محيد عنها نذكر منها:
1- أقلها سوءًا أن غاية المعارف تتجرد لوصف الظواهر وهذا الأمر وإن كان مفيدا على مستوى معين وبشروط معينة إلا أنه يعارض التصور الإسلامي للعلوم إذا صار هو مقصدها الرئيس. فإن تطبيق ذلك في العلوم الغربية أحال العقل إلى أداة تقتصر وظيفتها على خدمة البقاء الحيويّ ما يحط من كرامة الإنسان الذي هو أحد مقاصد السعي البشري ثم إغراقه في مستوى التفكير الدنيوي في علومه ومعارفه، فإن مقتضى تكريم الله تعالى للإنسان عن سائر الحيوان أن فكره لا يقف عند حدود إدراك الأشياء بل يتجاوز واقع الأشياء إلى مستوى التعالي عنها اعتبارا بمعانيها وهذا أول أسس النظر الإسلامي الذي يستدل على الخالق بآياته المشاهدة فقصد الإيمان لا يتعارض مع وصف الظاهرة وتفسيرها بل إن التكامل بالجمع بين هذه المقاصد للعلم الإنساني مطلب.
2- أما أسوأ اللوازم فإنه لو اطردَ مع قوله هذا فمآله إلى الحكم على الدراسات الدينية التي كتبت بدافع الانتصار -بحسب فهمه- بأنها أقل شأنا من تلك التي كتبت دونه، أو سيقع في جعل الكتب العلوم الدينية -ككتب علم الشريعة مثلا- كتبا غير علمية ما يعني أن كل ما يندرج تحت وصف “غير علمي” من الأوصاف المذمومة واقعا عليها حتى وإن لم يقصدها.
وهو أحد وجوه التفرقة العلمانية بين منهجي فلسفة الدين وعلم العقيدة –اللاهوت- إذ يجعلون الأول دراسة للدين من خلال العقل أو الخبرة البشرية والثاني دراسة للدين من خلال الوحي.
والحقيقة أن هذا التفريق قائم على فهم غير دقيق للعلاقة بين الدين والعقل تأثرا بالتصورات الشائعة التي أنتجتها الصراعات التاريخية بين فلاسفة التنوير ورجال الدين المسيحيين. أما فلسفة الدين فإنه يستحيل تخليصها من أثر الدين كما أن علم العقيدة يستحيل تخليصه من مناهج التعقل.
أضرب مثالا يبين لك غلط هذا الفصل أوضحته الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت من خلال تحليلها الفلسفي التاريخي لمفهوم فلاسفة الأنوار للحُرية Freedom الذي كشفت من خلاله التأثيرات المضمرة للتصورات الدينية المسيحية إذ تقول: (لقد أصبحت التقاليد المسيحية عاملا حاسما بالنسبة لتاريخ مشكلة الحرية…فكرة الحرية لم تكن ذات بال في الفلسفة قبل أيام أوغسطين والسبب في هذه الحقيقة المدهشة أن الحرية في زمن الإغريق والرومان القدماء كانت مفهوما سياسيا صرفا…ولم يتمكن مفهوم الحرية من دخول في تاريخ الفلسفة إلا بعد أن اكتشف المسيحيون الأوائل وخصوصا بولس نوعا من الحرية لا صلة له بالسياسة)[2] وتعني حرية البَاطِن الذي لا يستطيع الاطلاع عليه أحد من الساسة ولا غيرهم وهو نوع من الحرية الخاص بالوجدان ولا يطلع عليه إلا الإله حسب المعتقدات الدينية.
فها هو مفهوم الحرية مفهوم ديني مستمد من بقايا الوحي الكتابي أو بقايا النبوات، فدعوى الفصل بين الفلسفي والديني راسخة في الفكر العربي نتيجة ترويج عموم العلمانيين العرب لها وفق نظراتهم التقليدية.
ولهذا لما اطردت النزعات العلمويّة والوضعانية مع أصل الفصل بين الدافعين هذا جعلت الدين مجرد خرافات والعلم حقائق موضوعية محضة، وهذا كله من الأوهام التي ساهم فلاسفة العلم أمثال كارل بوبر في تبديدها.
فمنهج العلم تدخله الأساطير البشرية في المراحل الأولية وفي أحد أهم مراحله اللاحقة وهي مرحلة الفروض يقول فيلسوف العلم كارل بوبر: (كل النظريات العلمية أو جلها من الوجهة التاريخية قد نشأت عن أساطير. ورب أسطورة قد اشتملت في داخلها على استباقات هامة لنظريات علمية)[3] ويمثل لذلك بأسطورة بارمنيدس مقابل تصور آينشتاين للعالم حيث تزيد النظرية على الفكرة الأصلية بالأدلة التجريبية والنماذج النظرية لكن جوهر الفكرة من حيث هي كذلك واحدة.
ويوضح بوبر أن وصف “غير علمي” تطرفت فيه النزاعات الوضعية لإرادتها إقصاء مستويات المعرفة البشرية الأخرى وازدرائها باعتبار ما ليس تجريبيا هراء لا معنى له ولا فائدة منه فالأساطير توفر للعقل الإنساني مصادر للملاحظة والفروض العلمية.
3- كذلك يلزمه ذم كل من كتب بقصد الانتصار وإن عدل وأنصف وتحرى كل دليل، لأنه يتصور الانتصار نقيض مقتضيات المنهج العلمي وعائقا عن إدراك الحقائق والعدل في مقاربة الموضوع لوجود حالات انتصار بجهل وظلم وتعصب من متدينين وغيرهم، كما يتصور المنهج العلمي خاليا من الانتصار وأنه يمثل العدل بعينه في كل حال وكل ذلك من التأصيلات الارتجالية والتصورات غير الدقيقة.
إبطال فكرة الفصل:
- أصل فكرة الفصل بين الدافعين تعود إلى السياق الفلسفي الغربي وتحديدا فلسفات الحداثة التي جعلت العلم صنما يمثل الطريق الوحيدة الموصلة إلى الحقيقة
لكن الدافع العلمي التجريبي يمكن أن ينزل منزلة الدافع الديني فتقديس العلم التجريبي كان ولا يزال أحد الظواهر الكبرى في تاريخ المعارف وسمي تيار الغلو فيه بالعلموية (Scientism) وانتقده فلاسفة وعلماء كثر منهم على سبيل المثال فيلسوف العلم بول فيرابند الذي أوضح أن من ملامح تقديس العلم التجريبي جعله الوسيلة الوحيدة لحل كل المشكلات وفهم كل الأمور فصار بمنزلة “عقيدةٍ” أقصيت معها أنساق معرفية أخرى[4].
كذلك فإن حضور التسليم المطلق له والخوف من نقد كلام العلماء ونحو ذلك كله مظاهر تقديس وقد أطلق جاك مونو (J.Monod)[5] على هذا النوع المتطرف في تقدير العلم “ديانة العِلم”.[6]
وتصنيم المنهج العلمي ليس جديدا واعتباره المخلص من كل المشكلات كان ولا يزال أحد الأوهام الكبيرة للفكر الحديث التي رسختها المحاولات الوضعانية في فلسفة العلوم.
- إن دافع البحث يعد أصلا عملية انتخاب مستمر بين الفروض والتحقق من صحتها وهذا الانتخاب والاستبعاد شكل من أشكال الحُكْمِ بصحة أو خطأ أو رجحان أو توقف. ما يعني أن تنتصر لفرض دون آخر بوعي أو دون وعي.
وإلا ما معنى دافع الانتصار عند من ذمهم؟ إن كان يعني مجرد الحكم بالصحة فهذا واقع حتى من التجريبيين الذين ظن مناهجهم واحدة فلا يزالون ينتصرون لنظريات دون أخرى، وإن كان يعني الحكم بالصحة لأسباب مذمومة كالتعصب والتقليد الآبائي ونحوه فما مناسبةُ تخصيص الانتصار للدين بهذه المعاني!؟
فقد يكتب العلمويُّ تعصبًا كما يكتب المتدين تعصبا، فهذا الفيلسوف المعاصر برتراند راسل –وهو ملحد تجريبي- ينتقد اتجاها من اتجاهات الداروينية الاجتماعية العلموية فيقول: (وجب على المرء أن ينظر إلى كل الحجج الداروينية في الأمور الاجتماعية بأكبر الشك وأعظمه)[7]، ويوضح أن هؤلاء المتعصبة من العلماء التطوريين استخدموا العلم التجريبي للانتصار لأفكارهم المتطرفة دون أدلة كافية فيقول: (وإنما الأمر لا يعدو افتراض عبارات من لغة العلم لكي تسبغ الوقار على التعصب).[8] فهذا العمل مذموم لإخلالهم بشروط بناء العلم من التزام قواعد الاستدلال الصحيح والتخلص من كل ما يعيقه فهم متجردون من الدافع الديني تماما ومتمسكون بالدافع العلمي ولم يمنعهم ذلك من الزلل وتحقق فيهم وصف الانتصار الذي ذم به الأستاذ الباحث الدافع الديني!
- أن “الدافع الديني” يوفر قيمًا ومقاصد البحث العلمي وأهم هذه المقاصد التوجه نحو الحقيقة بخلاف بعض التصورات الفلسفية التي لا تسعى إليها بل إلى مقصد القوة أو المنفعة ولو على حساب الحقيقة.
يذكر أحد كبار الإناسيين –الأنثروبولوجيين- المعاصرين هذه الملاحظة الدقيقة وهي أن الدين في أوروبا في عصور ماضية هو الذي أوجد باستمرار الحاجة المعرفية للتمييز بين الصواب والخطأ وذلك لأنه يقوم على توجيه الناس إلى قيمة الحقيقة والتزام الصواب، وإبعادهم عن الخطأ والباطل والمزيف يقول: (كانت الكنيسة في القرون الوسطى واضحةً دائمًا حول الحاجة الدائمة للتمييز بين المعرفة والكذب)[9] وهذا ما شهد تحولات كبير في فلسفات ما بعد الحداثة.
ومن المعلوم أن الرأي التقليدي الشائع عند العلمانيين العرب أن قيمة الحقيقة كانت ثمرة التخلص من الدين المسيحي الذي وصفت عصوره جورا بالظلاميّة مع أنها كانت خيرا من عصور انهيار القيم والأخلاق وتصدع المركزيات.
أما الإسلام فإنه جعل مقاصد البحث العلمية تتجه نحو الحقيقة والتزام الصواب وتجنب الخطأ لتشكل وحدة تدفع الإرادة إلى تحقيقها بواسطة الأفعال فيكون الدافع الديني محمودا لأن مآلاته تتجه إلى تحقيق حق وعدل وهو متصل بالدافع المعرفي ويوفر له الغايات والمقاصد القيمية التي يسير بها نحو الحقيقة.
أما ما يتصل بعوائق المعرفة والعلم والتزام الحق والعدل تعيق كالتعصب والتقليد المذموم ونحوهما فيعامل كل منها بالمدافعة التي هي تتصل بالمجاهدة وسنعرض مفهوم الاجتهاد آخر الورقة ليتضح ذلك بشكل أكبر.
أما الأخطاء المعرفية فأخطاء المتدينين هي أخطاء غيرهم، فالخطأ خطأ سواء ارتكبه متدين بدين رسمي أو غيره فلا موجب لتخصيص هذا بالدين كما وقع من الأستاذ الباحث عند إطلاقه دعوى الفصل.
من جانب آخر فإن الدافع الديني في الإسلام يثمر عملا نافعا ويستوجبه وبهذا يتجاوز مجرد الوقوف عند حد الجمود على وصف “ظواهر” العالم إلى العلم بمعناه الشامل للنظر والاعتبار العملي بالمآلات. فيصير العلم بالحقائق إلى التمثل العملي بلوازمها ما يجعل العلم نافعًا بحقّ. فانظر إلى دافع ديني آخر يدفعك لتحقيق الحق لأنك ستلتزم بلوازمه وإن لم يعجبكَ أو خالف رغبة قابعة في نفسك، فكيف بعد هذا يطالب بفصل الدافع الديني عن العلمي؟
والأستاذ الباحث ظن رفع لافتة المنهج العلمي –وفق نظرة معينة- تكفيه في إزاحة الإشكالات المعرفية التي تصدى لها في كلامه، فالاتكاء على سلطة المنهج العلمي وسطوته على النفوس يقع من كثير من الباحثين ليخفوا تقصيرهم في معالجة تلك الإشكالات، وكأنهم يطالبون قراءهم أن يكتفوا بهذا، مع غفلة كبيرة أن المنهج العلمي ليس اتجاه واحد ناجزا مكتملا كما يبدو أنهم يتصورونه، بل تتعدد اتجاهاته ومدارسه حسب الرؤى الفلسفية والمجالات التداولية مع وجود قدر مشترك بينها في المقاربة العلمية، بل إن من أبرز ما انصبت عليه انتقادات بعض فلاسفة العلم هو المنهج العلمي نفسه أشهرهم فيلسوف العلم بول فيراباند في كتابه (ضد المنهج)[10]، وهذا ما يوجب اجتهادا خاصا بالفكر العربي الإسلامي للنظر في قضية المنهج العلمي هذه.
فلنشرع الآن في محاولة إيضاح الإشكال الأكبر وهو ثنائية الذاتية والموضوعية الذي وهي وإن لم ترد فيما نقلناه من كلام الأستاذ الباحث إلا أن جوهر دعواه بالتزام المنهج العلمي تتضمن مفهوم الموضوعية ونحسب أن إيضاحه يساعدنا على ما نشرع فيه من نقد.
الموضوعية (Objectivity) والذاتية (Subjectivity):
(أ) التباس المفهومين في الاستعمال الغربي الحديث:
يقوم إشكال الموضوعية على تصور العلاقة بين الذات والموضوع وننوه إلى الاضطراب الكبير الذي وقع في الفلسفة الغربية الحديثة وكان من آثاره التباس معنى هذين المفهومين وتعدد تعريفات الفلاسفة لهما، يقول الفيلسوف ولتر ستيس مؤكدا هذه الملاحظة: (الموضوعي والذاتي كلمتان ملتبستان إلى أقصى حد، وقد استخدمها مفكرون مختلفون وربما نفس المفكرين في سياق مختلف -لسوء الطالع- بمعانٍ مختلفة).[11]
ويعود الاختلاف لعوامل عدة من أبرزها:
- الالتزام بالتمييز الشهير بين العلوم الإنسانية والطبيعية بناء على تباين الموضوعات والمناهج ما ساهم في تباين التصورات والاستعمالات، ويلاحظ الفيلسوف لوسيان غولدمان هذا فيقول: (يطرح مشكل الموضوعية بشكل مختلف في العلوم الإنسانية عنه في الفيزياء والكيمياء).[12]
- اختلاف الأصول المعرفية –الأبستيمولوجية- عند كل فيلسوف، فالتجريبيون مثلا يختلف مفهومهم عن الموضوعية عن العقلانيين أو النقديين أو النسابيين وفق هذا التقسيم لاتجاهات نظريات المعرفة.
وإجمالا نقول: إن الاستعمال المشهور للموضوعية في مجال البحث العلمي يقابل معاني من جنس الحياد والنزاهة في المقاربة والحكم -الذاتيين- على موضوع معين بهذا يكون الحكم “موضوعيا”، وفي مجال نظرية المعرفة فبمعنى التحقق الواقعي للأشياء[13] فموضوعية الظاهرة يعني كونها شيئا متموضعا في الوجود أي “موضوعا”.
(ب) معنيان يحتملهما كلام الأستاذ الباحث:
وإجمالا يمكن القول إن هناك معنيين مشهورين مقصودين في نقاشنا مع الأستاذ الباحث، الأول نعتقد أنه معنى صحيح وفق ما نعلمه من أصول وقواعد الفكر الإسلامي وهو الموضوعية مرادفةُ الإنصاف، والثاني معنى فاسد لتضمنه ما يخالفها وهو الموضوعية الوضعانيّة بمعنى فصل الذات عن الموضوع.
أما المعنى الأول (الموضوعية مرادفة الإنصاف): فإن الموضوعية إن عني بها العدل والإنصاف والنزاهة وغيرها من القيم المحمودة في الشريعة فإن هذا محل اتفاق وإن كنا لا نسلم أن هذا هو معنى الموضوعية في فلسفة العلم الحديثة، كما لا نسلم أنه الاستعمال الأصح وفق قواعد الاصطلاح الشرعية المؤسسة للفكر والمنهج الإسلاميين في العلم إذ لا نعلم في مادة (وضع) علاقة واضحة بهذه المعاني؟
وفي حكم هذا المعنى: معنى مقاربة الحقائق بقصد فهمها وتفسيرها ونسبة الأقوال لقائليها مع مجانبة تشويهها باعتباره أن التزام الحق والعدل أصلان في اعتقادنا، وفي الجملة فالمفهوم الشائع للموضوعية في البحث العلمي: (وصف لما هو موضوعي، وهي بوجه خاص مسلك الذهن الذي يرى الأشياء كما هي عليه، فلا يشوهها بنظرة ضيقة أو بتحيز خاص)([14]) فهذا المفهوم يمكن قبوله بشرط استثناء إشكال المعرفة المطابقة في قوله “رؤية الشيء كما هو” فإن هذا محل نزاع في إمكانه مطلقا في العلوم الإنسانية وإنما يحتاج إلى إيضاح معرفي نقدي حول مراتب القطع والظن في المعرفة ليس هذا محلها.
وفي الجملة فإن معظم الفلسفات التي اختلفت رؤاها حول الموضوعية ظلت تقبل ما نسميه مبدأ العدل في مقاربة الموضوعات يقول الفيلسوف لوسيان غولدمان: (مبدأين…يشكلان اليوم مكسبا نهائيا في كل دراسة جادة…]الثاني:[ يجب على الباحث أن يجتهد في الوصول إلى صورة صحيحة للوقائع، ملغيا كل تشويه يرجع إلى تعاطفه أو نفوره الشخصيين).[15]
المعنى الثاني للموضوعية (الموضوعية الوضعانية): هو تعريفها بفصل قيم الذات عن الموضوع كما فهمها الجابري حين قال: (فصل الذات عن الموضوع، وفصل الموضوع عن الذات عمليتان متداخلتان فصلنا بينهما لضرورة العرض، إنهما تشكلان معا اللحظة الأولى في المنهج لحظة طلب الموضوعية)[16] فالجابري يعتبر الموضوعية فصلا بين الذات والموضوع
وننوه إلى أن مسألة الذات تعالج في سياق مفهوم الموضوعية في مستويين اثنين[17]:
الأول: الذات الجماعية “الثقافة” التي تمثل التراث، فيكون معنى فصلها عن الموضوع القطيعة مع التراث وهذا الفصل ممتنع كما سيتبين.
الثاني: الذات الفردية فيكون معنى فصلها عن الموضوع تنحية معارفها وقيمها وأحكامها المسبقة وهذا الفصل أشد امتناعا.
وسيتركز حديثنا على نقد المستوى الثاني لأنه هو الأكثر حضورا في تصور الموضوعية، ونشير إلى المستوى الأول حتى لا نخوض فيما خاض فيه العلمانيون العرب من تطبيقاته على القرآن والسنة والتراث العلمي الإسلامي فيبعدنا عن المقصود.
- أسس “فصل الذات عن الموضوع”:
يقوم هذا المعنى للموضوعية على أساسين معرفيين –أبستيمولوجين- رئيسيين هما:
- القول بإمكان التخلص من الأحكام والمعارف المسبقة حين تباشر الذات الباحثة موضوعَ بحثها، وأكد هذا الأساس مفهوم القطيعة في الفلسفة الذي استعمل فيعلمنة التراث والدراسات الإسلامية.
- أن السبيل الوحيد الممكن لبلوغ الموضوعية -وفق معنى الفصل- وهو الالتزام بالمنهج التجريبي وحده، باعتباره المنهج الذي يحقق غاية تخليص الموضوع من آثار الذات.
1- نقد الأساس الأول: فكرة التخلص التام من المعارف والأحكام المسبقة:
لا يخفى على القارئ لتاريخ الفكر الغربي الصراع العنيف بين مجموعة من الفلاسفة سموا فلاسفة الأنوار وبين المؤسسة المسيحية ممثلة في الكنائس وما جره ذلك من آثار وأحداث على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن ضمن تلك الآثار المعرفية علاقة العقل بالدبن.
وكان من أشد أفكار هؤلاء الفلاسفة حضورا فكرة القطيعة مع الدين المسيحي والتراث المتصل به مرددين شعارات العقلانية واستقلال وحرية الفكر، وحين عزم مفكرو الأنوار على القطيعة مع التراث الديني المسيحي انغمسوا في تراث آخر وثني هو التراث اليوناني، فهي نقلة من تراث إلى تراث وتقاليد إلى تقاليد! فشهدت تلك الفترة عودة إلى التراث اليوناني رغبة في إيجاد بديل يملؤون به الفراغ الكبير الذي أحدثوه، يقول د.عبدالرحمن بدوي عن النزعات الإنسانية بأنها (ظهرت في أوروبا في القرون من الرابع عشر إلى السادس عشر وذلك بإحياء التراث اليوناني من جديد ومعاناةِ تجربةٍ حيةٍ عن طريقه وهو ما يتم بتمثله ونقله من الماضي إلى التطبيق على الحاضر)[18]، وبرزت فكرة القطيعة مع التراث ثم انضاف إليها الدعوة إلى المنهج التجريبي فكانا أساسين لمعنى الموضوعية بعد ذلك.
وهذا ما سيفعله مقلدوهم من العرب في عصرنا باحتذاء نموذج الحداثة الغربية فهم قطعوا مع التراث الإسلامي وانغمسوا في التراث الغربي بدلا منه وهي أزمة التقليد.
ومن الشواهد أن أحد العلمانيين العرب الممجدين لفكرة الأنوار انتقد التنويريين العرب في تحول مشروعهم إلى نظام فكراني –أيديولوجي- جامد منغلق: (نحن نعتبر أن النصوص الأنوارية العربية تتضمن كثيرا من الحماسة الأيديولوجية وقليلا من النظر النقدي المؤصل للفكر الفلسفي).![19]
ويقول آخر: (أخذ التنويريون العرب مطلقات التنوير الغربية ونادوا بها…دون أن يتنبهوا إلى المعاني المحددة التي فهم بها الغرب هذه المطلقات…وقد لا تكون حتى جزءا من أي تنوير حقيقي بالنسبة لنا).[20]
ولذلك فوهم القطيعة يظهر بشكل جلي من استحالة انطلاق الإنسان دون تراث وتقاليد للفهم، ومن المعلوم أن المراجعات الكبيرة في الفلسفات المعاصرة أقرت ضرورة انتماء الإنسان لشكل من أشكال التقاليد، فالذين أرادوا القطيعة مع التقاليد المسيحية لجأوا إلى وضع تقاليد حديثة كما يسميها إريك هوبزباوم -وهو من كبار المؤرخين الغربيين المعاصرين-بالتقاليد الوضعية يقول: (فالتقاليد الوضعية هي مجموعة من الممارسات تحكمها قواعد ذات طابع طقسي أو رمزي، وتكون هذه القواعد مقبولة علنياً أو ضمنياً، وتسعى إلى غرس قيم ومعايير سلوكية معينة من خلال التكرار وهو ما يعني التواصل مع الماضي، فهذه الممارسات تحاول تحقيق الاستمرارية مع ماض تاريخي مناسب)[21]. فهي تقاليد حداثية علمانية أرادت تعويض الفراغ الكبير الذي نتج عن محاولات القطيعة مع الدين المسيحي في الغرب.
هذه الطرح التنويري ولد كثيرا من الأفكار والتصورات على مختلف المستويات ومنها المستوى المعرفي ومنه مسألتنا في فصل الذات عن الموضوع.
فقطيعة الذات مع معارفها عند البحث هو أحد الشروط التي تضمنها مفهوم الموضوعية يقول د.طه عبدالرحمن: (مبدأ الموضوعية: وهو يقضي بأن يكون النظر العلمي مستقلا كل الاستقلال عن آثار الذات الإنسانية…هذا الاستقلال ادعاء بعيد التحقق عسير الإثبات)[22] فهذا أحد التطبيقات لتلك الأفكار التي تعد امتدادات حديثة لفكر عصر التنوير تحت شعار العقلانية.
ومن أبرز الفلاسفة لمعاصرين الذين انتقدوا هذا فكرة التخلص التام من الأحكام والمعارف المسبقة الفيلسوف الألماني المعاصر هانز غادامير –وهو تلميذ الفيلسوف الشهير مارتن هايدغر- إذ: (يعزو غادامير سبب الإخفاق في تأصيل العلوم الإنسانية إلى الأوهام التي تسلطت على الفكر الفلسفي في القرن التاسع عشر، والتي أفضت به إلى دينونة كل أصناف الأحكام السابقة و الانتماءات الأصلية والتصورات الموروثة من أجل الفوز بمعرفة إنسانية موضوعية منزهة فالإعراض عن ذاتية الإنسان في عملية التفسير والفهم لا تجدي نفعا إذ إن الإنسان لا يسعه أن يفهم إلا استنادا إلى قرائن الانتماء الأصلي التي تطبع فهمه وتوجهه وتؤثر فيه).[23]
وهذا يعد أهم إنجازات حقول التأويليات –الهيرمينيوطيقا- في الفلسفات القارية، أنها أعادت النظر في القطيعة ومزاعم فلاسفة الأنوار والحداثة الغربية بعامة.
هل يمكن للمرء أن يتخلص من لغته وأفكاره وتصوراته وقيمه الموجهة قبل النظر في الموضوع المبحوث؟ هذا هو السؤال المركزي الذي أجاب عنه هؤلاء الفلاسفة بالنفي.
ويعيد غادامير مشكلة إمكان القطيعة مع التراث والتخلص من المعارف والأحكام المسبقة إلى نزعات عصر التنوير المتطرفة في رغبتها بالتخلص من الدين وإدانة الدين المسيحي والأديان بعامة حيث نجد بذور فكرة القطيعة مع التراث الديني كما يؤكده أيضا الفيلسوف الفرنسي جان غريش وسننقل كلامه بعد قليل.
ويمكننا تلخيص أدلة إبطال دعوى القطيعة في دليلين:
- الدليل الأول: استحالة القطيعة التامة مع كل المعارف والأحكام المسبقة لأن شرط حصولها الاستعانة بها وهذا آيلٌ إلى الدور المنطقي Cercle ومن الطريف والشيء بالشيء يذكر أن من الحداثيين العرب من انتقد قراءة الجابري الحداثية بأنها حيث تنظر للقطيعة تقع في دور منطقي يقول:(القراءة التي يقترحها الجابري واقعة في دور cercle لا محالة تصادر على المطلوب ولا توفر له من الأدلة ما يقنع مرتين على الأقل).[24]
ونتساءل بم سيقطع العقل مع كل معارفه وأحكامه السابقة؟ بمعارف وأحكام سابقة عليها، فتصور إمكان حالة الصفر المعرفي تجاه موضوع معين (س) هو ما يوقع في خطأ الفهم، فهل يوجد صفر معرفي أو حالة خواء من كل التصورات والمعارف؟
فلو أوهم أحدنا نفسه قائلا: الآن أبدأ من الصفر، فمن أين يستمد مفاهيم البداية والآنية والصفريّة؟ إن تصوراته هذه لا فكاك له منها البتة.
هذا التصور لمفهوم القطيعة التامة يبدو غاليا ومتطرفا لكنه من أوهام الحس المشترك لدى الإنسان إذ يتوهم أحدنا إمكان القطع فعلا، والفائدة من التصورات المسرفة دائما رسم الحدود المعرفية –الأبستيمولوجية-، فمنذ باشلار وعلى الرغم من كل ترسيمات مفهوم القطيعة في تنظيم علاقة الذات بمعارفها المسبقة لا تستطيع كل الفلسفات تجاوز هذا الحد.[25]
- الدليل الثاني: التناقض، فإن حكم “رفض الأحكام المسبقة” هو ذاته حكم مسبق يستلزم جريان حكم الرفض عليه أيضا، وهذه من تناقضات فلاسفة التنوير التي قادتهم إليها نزعتهم الاستئصالية للدين والتراث المسيحي، يقول غادامير في كتابه “الحقيقة والمنهج”: (فالحكم المسبق الأساسي لعصر التنوير هو حكمه المسبق ضد الحكم المسبق ذاته، حكم يحرم التراث قوته).[26]
- نموذج لهذا التصور للموضوعية في كتب البحث العلمي:
في كتاب شهير يدرَّسُ في الجامعات العربية تقول مؤلفته في شروط البحث العلمي المحقق للموضوعية: (إقصاءُ الذاتِ: أي تجرد الباحث عن الأهواء و الميول والرغبات وإبعاد المصالح الذاتية والاختيارات الشخصية ومن ثَم فهي تقضي إنكار الذات وتنحية كل ما يعوق تقصي الحقائق من طلب شهرة أو مجد او استغلال ثراء مع اعتصام بالصبر والأناة وحرص على توخي الدقة، حتى يتسنى للباحث أن يفحص موضوعة في أمانة ومن غير تحيز).[27]
فالباحثة لم توقف في نظرنا لإصابة المعنيين الصحيح والفاسد اللذين أشرنا إليهما أول الحديث، واستعمال عبارة إقصاء الذات لا معنى لها فمن سيقصي الذات؟ أليست الذات!؟ أما التجرد التام فقد سبق إيضاحه.
والكتابات العربية في مناهج البحث العلمي إن لم تراعِ مهام النقد والاستشكال الفلسفي للمفاهيم والأدوات والمناهج فستخلق مشكلات كبيرة في العلوم والمعارف لدينا، ونحيل إلى الرصد القيم الذي قام الباحثان ساري حنفي وريفاس أرفانتيس لملامح ونماذج من قصور البحث العلمي العربي على مستوى النشر بعامة وعلى مستوى النشر الجامعي بخاصة والعديد من نتائجهما تستحق التأمل.[28]
- المسبقات المؤثرة:
ولهذا يبرز لنا قيد ذو أهمية في حل الإشكال وهو وجوب تدبير الأحكام والمعارف المسبقة المؤثرةِ في التزام الحق والعدل وليس مطلق التأثر بالمعارف والأحكام المسبقة، فالعوائق من نحو الأهواء والرغبات والميول والمصالح في ميزان الفكر الإسلاميّ المتبصّر امتحانٌ وابتلاء لصدق الباحث في طلب الحقيقة فمن الذي يزعم أنه تجرد تماما من كل بشريته؟ بل إن مدافعة العوائق هي ما تصنع الاجتهاد في العلوم، وكأنه لا اجتهاد دون مجاهدة للمشكلات والرغبات والأهواء ونحوها.
ونحن لا ندعي على الأستاذ الباحث سوى ما قرأناه من نص وحيد نقلناه، ولو توفر عندنا غيره لربما استطعنا الحكم على تصوره كاملا، ولهذا نقول:
أ- أنه أخطأ حين جعل الدين مؤثرا في التزام الحق والعدل بقوله: (يجب تحييد تأثير الدوافع الدينية في بحث القضايا الشرعية التاريخية) وهذ داخل في التصور الفاسد للموضوعية.
فإن وافقنا على قولنا: وجوب تدبير الأحكام والمعارف المسبقة المؤثرةِ في التزام الحق والعدل وليس مطلق التأثر بالمعارف والأحكام المسبقة، فهل تحييد الدوافع الدينية التي منها العدل تدخل في موافقته؟ فيكون بين خيارين: إما أن يقول: ليس التزام العدل من الدوافع الدينية وهذا باطل بنصوص الوحيين، وإما أن يقول: إنه من الدوافع الدينية فيكون قد تناقض مع نفسه حين يدعو إلى تحييد الدوافع الدينية لأن ذلك من تحقيق العدل مع أن طلب العدل دافع ديني! فضلا أنه سبق معنا نقد فكرة الفصل بين الدوافع هذه.
ب- أن إفراد الدافع العلمي مفصولا عن الديني من تقريرات المناهج الوضعانية وهي مناقضة لأصول الفكر الإسلامي الذي نشترك وإياه في مرجعيته.
ت- أنه دعا إلى تطبيقه على الدراسات الإسلامية وهذا ما يؤول إلى علمنتها وإلى تناقض الباحث مع أصوله الإسلامية في ممارسته البحثية المخالفة لها.
ونتوقف فلا نزيد في دعوانا عليه حتى يثبت لدينا أكثر من ذلك، وإنما التزمنا بشرطنا في المقدمة أننا لن نقصر الحديث على كلامه بل نسترسل مع التصورات والمفاهيم التي ألفى بها لنفحص مداها ومآلاتها عنده أو عند غيره.
إذن نخلص إلى أن إشكال الأساس الأول لفكرة الموضوعية بمعنى الفصل بين الذات والموضوع هو القول بإمكان التخلص التام من الأحكام المسبقة، ونقصد الآن الأساس الثاني حول المنهج التجريبي، وهو جعل المنهج التجريبي رديف معنى المنهج العلمي والحكم بأن الالتزام به هو السبيل الوحيد الممكن لبلوغ الموضوعية.
2- الأساس الثاني: تعلق مفهوم الفصل بالمنهج التجريبي الوضعاني:
طالما كان الحصول على معرفة علمية “خام” حلما من أحلام فلسفات العلم الحديثة سيما التيارات التي سميت بالوضعانية حيث كان لها النصيب الأكبر من هذا، ويمكن ذكر أبرز أفكار هذا الاتجاه:
- الادعاء بالمعرفة العلمية النقية الخالصة من أثر الذات (فالوضعانية تتمسك بفكرة وجود علم متحرر مما تعتبره عناصر لاعلمية)[29]، و(باسم الموضوعية يزعم كارناب أن العلم لغة محايدة لا تتصل بالأوضاع الذهنية والاجتماعية ولا شأن لها بالميتافيزيقا).[30]
- اعتبار العلم التجريبي (النمط الوحيد الذي يحقق تقدما بعيدا عن الأفكار الأخرى).[31]
وقد انتقد فلاسفة العلم المعاصرون هذه الرؤى الوضعانية التي (لا تقدم فهما قويما لسيرورة البناء والتجاوز في العلم)[32] وتقترح التصورات الجديدة الأخذ بمبدأ (تواصل الذوات بدل الأخذ بخاصية الموضوعية)[33].
يقول فيلسوف العلم المعاصر ستيفن تولمين S. Toulmin: (يحلم الصوراني ذا النظرة الأحادية بجسم نهائي من المعرفة يشتمل فقط حقائق موضوعية تماما ولا تتغير وإذا به يعثر على الاعتقادات ]الذاتية[ الحاضرة في التجربة العملية).[34]
ونذكر أوضح مثال على الاعتقادات الذاتية الميتافيزيقية في صميم الممارسة العلمية:
اعتقاد العالم التجريبي اطراد الأسباب واستمراريتها، فإنه يسلِّم تسليما مسبقا بالاعتقاد التالي: (أؤمن أن الأسباب إذا جربت تقود إلى النتائج، وأن الأسباب ستستمر دوما كذلك) وهي مسلمة مسبقة يعتقد بها كل باحث وإلا لما أقدم على التجربة فالثقة أن الأشياء تستمر اعتقاد ميتافيزيقي قبل التجربة. فما دليل وثوقه بهذا الاعتقاد؟
هذا ما سمي بالأسس الميتافيزيقة للعلم التجريبي فـ(النظريات الميتافيزيقة بوصفها فروضا أساسية مسبقة تتعلق بطبيعة العالم، بعض هذه الفروض المسبقة أساسية لدرجة أنا لا نشك فيها شكا جديا مثل القول بوجود الأشياء ووجود العلاقات السببية وهي ما أطلق عليها راسل اسم اعتقادات غريزية Instinctive Beliefs).[35]
مع كون برتراند راسل فيلسوفا تجريبيا فإنه يعيب تلك النظرة الوضعانية للعلم فيقول: (إن العلم دائما يزهو بنفسه بأنه تجريبي وأنه لا يصدق ما لا يمكن ثبوته)[36] ثم يثير العديد من الاعتراضات والإشكالات على هذه الرؤى.
وفيما يتصل بالموضوعية وعلاقتها بالتجريبية الوضعانية ينبه د.طه عبدالرحمن إلى الارتباط بين مفهوم الموضوعية والنزعات التجريبية بعامة إذ يقول: (تزعم الممارسة العقلانية العلمية تطهير وسائلها من كل أثر للمعاني والقيم الذاتية بحجة التزام طريق الموضوعية هذا الطريق الذي يوجب في نظرها الاقتصار في كل شيء على الرجوع إلى الملاحظة الظاهرة والتجربة الحسية حتى أصبحت المعاني الدينية والقيم الأخلاقية تعد عندها بمنزلة عوائق أو عقبات تثبط العمل العلمي وتخرجه من حقيقته وفائدته.
والصواب أن تحصيل تمام الموضوعية غير ممكن، وكل ما تفعله هذه الممارسة العقلانية هو أنها تستبدل المعاني الأخلاقية الدينية معاني وقيم أخرى غير دينية وغير أخلاقية بما فيها الموضوعية نفسها).[37]
وفي هذا النص ملمحان نراهما شديدي الأهمية لبيان الإشكالية:
الأول: اعتبار المعتقدات الدينية عوائق للبحث العلمي، وهذا ما وقع فيه الباحث في قوله: (ليست مشكلة الأبحاث الرسالية الأسلوب والنفس الذي كُتبت به، وإنما مشكلتها تكمن في تأثير الدوافع “الدينية” لدى الباحث في معالجة المسألة المبحوثة)!
الثاني: أن الأستاذ الباحث وقع في استبدال القيم الدينية بالقيم العلم التجريبية حين ظن الأولى تلازم الظلم والبغي والتعصب، والثانية تلازم التزام الحق والعدل والإنصاف.
وهنا خطورة تقليد هذه المناهج باستعجال ودون تيقظٍ نقدي يقي من مشكلاتها، إذ إن الأصول المعرفية –الأبستيمولوجية- تختلف بين المناهج الغربية فكيف بالمنهج الإسلامي؟
ومناهج العلوم الإنسانية تحديدا لا تخلو من معتقدات وتصورات حول الوجود والقيم تتأسس على أصول علمانية للنظر المعرفي نبرز منها ثلاثة في هذا السياق:
- مرجعية الخبرة الإنسانية واستبعاد مرجعية الوحي.
- فصل الظاهرةَ الطبيعية عن القيمة الأخلاقية في البحث العلمي.
- حصر حدود الفهم في إطار الأفق الدنيويّ وما يعبر عنه بالدّيْنَوَة.
وهي مسلمات مضمرة في كل بحث علمي يستبعد الوحي من منظومته المعرفية.
- إشارة:
ونحن نختم هذا التطواف بثلاث مسائل:
- أن هذا المعنى الفلسفي الذي في ذهن الباحث لا يرادف المعاني الشرعية بتمامها من التزام الحق والعدل.
- أن تجرد الذات تمامًا من أحكامها المسبقة ومعتقداتها ورغباتها ومشاعرها بإزاء “موضوع خام” تصور خاطئ مستحيل الوقوع.
- وكذلك لا يعني نفي هذا المعنى للموضوعية مآلًا إلى عدم قدرة الإنسان على التحقق والحكم ما يفتح باب النسبية المُسرفة، لأن البحث في العلوم الإنسانية يمكن أن يصل فيه الباحث إلى حقائق يقينية وظنية راجحة وأخرى ظنية محتملة حسب موضوع البحث وذلك وفق منهج يتأسس على النظرية المعرفية الأبستيمولوجية التي تقول بإمكان الحقيقة.
- التحيز:
ومن هنا أنتهز فرصة وضوح الخلل الذي حدث في مفهوم الموضوعية لأنبه إلى مفهوم آخر هو التحيز الذي يربط عادة بالذاتية والمحاباة والنظرة المسبقة، فـ(الرأي المنحاز bias: الانحياز هو سلوك يتسم بالنزعة أو الميول نحو شيء ما. وقد يعني المحاباة أو النظرة المسبقة. من الضروري إذن أن نميز بين معنيين لكلمة انحياز)[38] ولهذا يقال فيه ما يقال في الموضوعية من نقد فكرة الأحكام والمعارف المسبقة.
يشير د. أبويعرب المرزوقي إلى أن مفهوم التحيز يربط بفكرة الفصل والتخلص من الذاتي التي سبق أن أشرنا إليها فيقول: (التحيز كما يفهمه جمهور المثقفين وهو يشير إلى دواعي التحيز: دواعيهِ التي يتمثلُ العلمُ الحقيقيُ في السعيِ إلى تخليصِ المعرفةِ من تأثيرها قدر المستطاع.
ويتميز هذا الموقف بشيء من السذاجة لظنه الموضوعية العلمية مقتضية نفي الذاتية بإطلاق…أي أنه يتصور الموضوعية المطلقة أمرًا ممكنًا وبها يُعرَفُ العِلمُ).[39]
فالتحيز إذن إن قصد به الميل في الأحكام لهوى أو رغبة أو مصلحة شخصية ونحو ذلك فهو معنى مذموم في إطار البحث العلمي، وإن عني به مطلق الانحياز فإن هذا لا إشكال فيه لأن الحكم المنطقي الصحيح يعد تحيزا إلى الصدق (Truth) على حساب الخطأ ولهذا لا يصح استعمال التحيز لذم مطلق الأحكام الذاتيّة.
فإنه أصدق الأحكام المنطقية الصحيحة يحوي عناصر ذاتية في تكوين الاعتقاد بمعنى ما، فالتصورات مثلا لا تتم دون عمليات الإدراك والانتباه والتذكر المرتبط بالعمليات العصبية والجسدية وهذه عمليات تَسَعُها معاني الذاتية لأنها جزء من النفس صار يدرسه علم النفس المعرفي كما هو معلوم، وهذا العمليات داخلة في تكوين الاعتقاد والحكم بشكل إرادي كالتذكر المقصود وغير إرادي كالانتباه بعدها ينحاز المرء إلى الصواب فيحكم بالصدق أو بالكذب حسب الأدلة فتتكون التصديقات.
لكن إن علمت أن مراد من يطلق هذا الكلام بالتحيز: دخول عنصر الإرادة (Will) في إطار الأحكام -لا الإدراك ولا غيره مما سبق- اتضح لك أن الحكم الذاتي المذموم يصير بمعنى: إرادة الذات الانحياز لحكم دون آخر بلا دليل صحيح معتبر وإنما لهوى أو عاطفة ونحوها، فدخل عنصر الاستدلال الذي هو قاعدة المنطق الإنساني في فهمنا للأحكام الذاتية.
ولهذا يفرق الفلاسفة وعلماء الإنسانيّات بين التحيز (Bias) الذي يحوي العنصر الإرادي وبين الذاتية (Subjectivity) التي تحوي الإرادي وغيره كما ذكرنا أمثلتها آنفا، ويمكن أن يقال إيجازا أن الفارق بينهما يدور فيما يقبل التحكم من اعتقادات الذات وما لا يقبله.
ثنائية الذات والموضوع في إطار مفهوم الاجتهاد:
في الفلسفة الغربية المعاصرة تظافرت جهود عدد من الفلاسفة لحل الإشكالات الموروثة عن ثنائية الذاتية والموضوعية نشير إلى نموذج الفيلسوف المعاصر بول ريكور الذي اقترح مفهومَ التَّمَاسُف (Distanciation) في إطار حقل التأويليات والعلوم الإنسانية ويعني به اتخاذ الناظِر مسافة نقدية بينه وبين موضوعِ النظر بأدوات ومنهجيات معينة.
ما يعنينا هنا مسألتان:
أ- الأولى: (رفض [ريكور] مقولة المعرفة المباشرة وشفافية الوعي الذاتي)[40] بإزاء الموضوع المؤول، وهذا هو الاتجاه الذي أكدته الوقائع العلمية عبر مفهوم القصدية (intentionality) في وعي الموضوعات.[41]
ب- الثانية: سعيه إلى ترسيخ فكرة الانتماء ورفض فكرة القطيعة بعكس ما شاع في الفكر العربي أن العقلانية تعني قطيعة مع التراث، وتوصل ريكور إلى (أننا نستطيع في الوقت عينه أن نظل أمينين لانتمائنا إلى حضارة معينة وانغراسنا في تاريخ معين وأن نضع في الوقت عينه مسافة بيننا وبين هذا الانتماء من دون أن نصل إلى الاستلاب وإلى تشويه الحقيقة).[42]
وهذا يجعلنا نعي أن مسألة ترسيم العلاقة بين الذات والموضوع هي الأهم من مجرد رفض شكل ما من أشكال الحلول.
- الاجتهاد
إن غاية النظر في مسألة الموضوعية هذه رسم حدود فاعلية الذات الباحثة في موضوع بحثها بين المشروع والممنوع والممكن والممتنع، فأن تكون موضوعيا معناه أن تدبر تأثيرات الذات المفسدة لمقاربة موضوع البحث وهذا ما يتطلب قيمًا ضابطة وموجهة كالتزام الحق والعدل تجتهد في بلوغها وتحقيقها، ومن هنا يكون مفهوم الاجتهاد مفتاح إعادة النظر في هذه العلاقة كما نجده عند علماء أصول الفقه كما أشار إلى ذلك أحد أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين وهو د.أبويعرب المرزوقي وسيأتي كلامه.
وأضفنا إيضاحات الإمام الشاطبي ممثلا اجتهادات الأئمة من الأصوليين في بيان مقاصد الاجتهاد العلمي.
يقول الشاطبي رحمه الله: (الاجتهاد هو استفراغ الوسع وإبلاغ الجُهدِ في تحصيل العِلْمِ أو الظنِّ بالحُكمِ)[43]؛ (طلبًا لمقصد الشارع المتحد).[44]،[45]
ومن المعلوم أن طرائق الأصوليين تقتضي إيضاح مسألة العلمِ ومراتبه[46] التي تعد منطلقا للاجتهاد، وحاصل المسألة كما نرى في تعريف الشاطبي أن العلم الصحيح له رتبتان:
- الرتبة الأولى: رتبة مطابقة العلم للمعلومِ تحصيلا لليقين القاطع بصحة المعلوم، ويقارب ما يسميه بعض الأصوليين (العلم الضروري ]وهو[ كل علم لا يجوز ورود الشك عليه ولا يمكنه معه الخروج عنه والانفصال منه)[47]، وبعضهم يجعل العلم الضروري (نوعان: 1-لا يتعلق بسبب سابق 2- يتعلق بسبب سابق).[48]
- الرتبة الثانية: إن لم يتمكن المجتهد من بلوغ الأولى، فلا أقل من بذل الجهد للمقاربة بينهما قدر الوسع والطاقة لتحصيل الظن الراجح المدعّم بالقرائن والشواهد الموجبة للاطمئنان فـ(الأحكام[49] تثبت بغالب الظن)[50] (والظن طريقٌ للحكمِ إذا كان عن أمارةٍ مقتضيةٍ للظن)[51]، ويقارب ما يسميه بعض الأصوليين (العلم المكتسب فهو كل علم يجوز ورود الشك عليه وقيل: ما وقع عن نظر واستدلال).[52]
وتقريرات الأصوليّين أوسع من أن تحصى ولا يمكن أن نطيل في نقل خلافاتها هاهنا، لكنا المراد إطلاع القارئ الكريم على نموذج لإقامة شروط التفلسف في أحد مجالات النظر الإسلامي (أصول الفقه) استشكالا لمسألة منهجية معاصرة.
وعدد من مفكري عصرنا اعتبروا علم أصول الفقه مجال النظر الفلسفي الإسلامي عكس التصور السائد في الفكر العربي الحديث أن الفلسفة الإسلامية هي ذلك الاشتغال بنصوص فلاسفة اليونان أو ما سمى تاريخيا بفلسفة المشائين.
ومن أبرز من أكد هذا ونوه على أن أصول الفقه ركيزة التفلسف الإسلامي: مصطفى عبدالرازق،[53] وعلي سامي النشار،[54] وطه عبدالرحمن،[55] وأبو يعرب المرزوقي،[56] ومن المتفق عليه في الجملة أن تقليد فلسفة اليونان كان عائقا عن التجديد والاجتهاد انطلاقا من مصادر التفلسف الأصلية وهي الدين واللغة والثقافة وأورث أغلاطا كبيرة لا تزال مؤثرة حتى اليوم، مثالها في الدين الأثر الوثني في الاعتقاد، وفي اللغة مسألة الرابطة المنطقية الشهيرة وفي الثقافة الفصل بين العقل النظري والعملي.
وقد نبه إلى أهمية مفهوم الاجتهاد د.أبو يعرب المرزوقي -وهو بالمناسبة تلميذ بول ريكور صاحب مفهوم التماسف- إذ يقول: (ونذكر الآن ما توصلنا إليه من نتائج مفيدة في تحديد صيغة الإشكالية لكي نقدم النموذج الذي بفضله ستقترب الفلسفة من الدين، ويصبح إدراكُ حدودِ الإدراكِ: جوهرَ الفكرين ]الديني والفلسفي[ اللذين يتحولان إلى فكرينِ اجتهاديينِ في النظر “معيارهما هو التواصي بالحق بين الناظرين”، وجهادِيَيْنِ في العمل “معيارهما التواصي بالصبر بين العاملين” كما سنرى. وذلكما هما سبيلا الإنسانِ للحد من التحيز).[57]
وهذا كلام في الجملة حسن إذا فهم بشكل صحيح يتوافق وقواعد الشرع، فالفكر الديني اجتهادي فعلا إن عني به المسائل الاجتهادية التي سوغ الشارع للمسلمين الاجتهاد فيها وفق أصول النظر –أصول الفقه.
أما لم يسوغ لهم الاجتهاد فيه كالقطعيّات السمعيّة أو الخوض في مستأثَر علم الله تعالى أو محارات العقول بغير علمٍ فلا يسمى فكرًا دينيا اجتهاديا، إنما المطلوب فيه: التسليم بقصور العلم الإنساني وفقه الافتقار لكمال العلم الإلهي المتمثل في وحيه ثم الصبرُ بالعمل لتحقيق مراده حتى بلوغ تمام اليقين في الآخرة.
وفي الرتبة الثانية من تحصيل الظن الراجح من الأحكام تدخل الكثير من نتائج العلوم الإنسانية التي هي محل الإيضاح هنا، فأن تبذل الجُهدَ والوسعَ والطاقة في بلوغ الموضوع يقتضي مجاهدةَ ما يمكن من العوائق الذاتيّة والخارجيّة، فإن تساهل المرء في اجتهاده أو خالف مقصد بلوغ الحق والصواب كان بحثه مذموما على كل حال (إذ كل ميلٍ عن الصواب إن حصل من غير استفراغٍ للوسع اعتبر زلة)،[58] وهذا يفيد أن الزلل العلميّ يدخل في كل ممارسة غفلت أو قصرت في النظر إلى موضوع بحثها لتعصب أو هوى ونحو ذلك، لأن قوام المفهوم هو بذل الجهد لمقصد الحق وفق مرجعية الوحي المقوِّمة للفعل العلمي نفسه من خلال قيم العلم ومقاصده التي لا تحصره في حدود الظواهر المجردة.
- مقاصد العلم:
من المعلوم أن وصف الظواهر هو الهدف الأبرز للعلم التجريبي في التصورات الشائعة (فإن من المقبول بصفة عامة أن العلم يهدف إلى وصف الظواهر والتنبؤ بها والتحكم فيها وتفسيرها).[59]
لكن هذه الأهداف جوبهت بنقد فلسفي كبير من داخل الفلسفة الغربية من أمثلته البارزة نقد الفيلسوف المعاصر يورغن هابرماس حين أشار إلى مآلات تلك النزعات العلمية القائمة على الوصفية المُسْرِفة من تحويل العلم إلى أداة للقوة والسيطرة والصناعة الاقتصادية حيث (ينفي هابرماس وجود حياد أو صفاء علمي، فالعلم في سياق العقلانية التقنية تحايثه حسابات السياسة أي إرادة قوة بالمعنى النيتشوي…وهو أمر يتطلب نقد الوضعانية والتيارات المعجبة بالعلم والنزعة التقنية. فهذه جميعا تعبيرات متنوعة للأيديولوجيا المكونة للحداثة التقنية).[60]
فالهدف الوصفي للظواهر هدف مقبول إذا انضوى تحت المقاصد الكلية للعلم في الإسلام.
ولا تتسع هذه المقالة إلا لإشارة سريعة إلى مقاصد العلم والمعارف في الإسلام، فقد ذكر الإمام الشاطبي أن العلم المستحسن (له قصد أصلي وقصد تابع).[61]
- المقصد الأصلي للعلم: أن يكون (وسيلة إلى التعبد به لله تعالى)[62] فـ(كل علم لا يفيد عملا ليس في الشرع ما يدل على استحسانه).[63]
- المقصد التبعي للعلم: (فهو الذي يذكره الجمهور من كون صاحبه شريفا..وأن الجاهل دنيء..وأن قوله نافذٌ…وأن العلم جمالٌ ومال ورتبة…إلى سائر ما له في الدنيا من المناقب الحميدة والمآثر الحسنة والمنازل الرفيعة فذلك كله غير مقصود من العلم شرعا، كما أنه غير مقصود من العبادة والانقطاع إلى الله).[64]
فإنه قد يُحَصِّلُ لذةً من العلم بالأشياء، ومن (الاستيلاء على المعلوم والحوز له ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس…فقد يطلب العلم للتفكه به والتلذذ بمحادثته..ولكن كل تابع من هذه التوابع إما أن يكون خادما للقصد الأصلي أو لا فإن كان خادما له فالقصد إليه ابتداء صحيح)[65] (وإن كان غير خادم له فالقصد إليه ابتداء غير صحيح كتعلمه رياء أو ليماري به السفهاء).[66]
فما دامت الحقيقة غاية العلم في الإسلام فإن كل معطل عن الحق أو للسعي إليه باطل مبطل مهملُ القيمة مذموم السعي في الإسلام استمداد من قول الحق تعالى: (وخسر هنالك المبطلون) ومعلوم أن الآية في خلو سعي المبطل عن المقصد الأخروي بخلاف المؤمن الساعي إلى الحق تعالى الذي هو الآخر وإليه منتهى الأمور العلمية حكمًا وفصلًا وحسابًا وجزاءً.
ولن تجد في التصورات الدهرية الغربية حضور مقصد الحق المتصل بالإيمان بمصدر الحق الإلهي كما جاء به الوحي من تشريع الاجتهاد باعتباره شروع الإنسان المكلف المستخلف في تحقيق مقاصد وجوده من عبوديةٍ للحق وتعبيدٍ عمراني للأرض فهو الكائن المؤتمن على تحقيق مقاصد الحق والعدل قدر وسعه وطاقته.
فالاجتهاد في نهاية المطاف مفهوم متفرع من منطلق عقدي ينطلق من الله تعالى باعتباره الخالق والآمر المستحق للعبادة ومنطلق لغوي هو اللغة العربية ومنطلق ثقافي وهو الثقافة العربية بكل حمولتها الرمزية تاريخا واجتماعا وسياسة ونحو ذلك.
وإيمان الفلاسفة الغربيين له أسسه العقدية كذلك من الإيمان بالصيرورة التاريخية النافية للإله أو المعطلة له عن الخلق والأمر في خلقه كما تؤمن مسبقا بحدود العالم الدنيوي أو بتصورات مسيحية لإله بشري وغير ذلك وهذه يعبر عنها بالأسس الوجودية الأنطولوجية للممارسة العلمية.
وكذلك له أسس معرفية فمفهوم التماسُف مثلا لم يكتف ريكور على معناه العام من أخذ المسافة بل أسسوه على أفكارهم ورؤاهم وإن شئت أصولهم المعرفية والتي منها نسبية الحقيقة وأول ما يدخل في هذا الحقيقة الدينية (الذات مسلحة بهذا التماسف تجوب الآفاق وتحاور الثقافات غير أنها تكتشف في النهاية أن المعرفة المطلقة غير ممكنة)[67] ولهذا فالتقليد الأعمى بتطبيق هذه المفاهيم على القرآن كما في مشاريع أنسنة الدين العربية انتهت إلى مآلات ومجازفات لا تحمد عقباها.
ونؤكد هنا عدة مسائل تتعلق بالاجتهاد:
- أنه مستند إلى أصل الإيمان بالله تعالى وصفاته وهذا هو الأصل العقدي لتأسيس الاجتهاد العلميّ والمعرفي، وهو موضوع عظيم القدر.
- الاجتهاد ليس مقتصرًا على المستوى النظري بل يشتمل على المستوى العملي الذي يسنده حضور المقاصد في كل اجتهاد علمي حين قال الشاطبي: (طلبا لمقصد الشارع المتحد)[68] فكان المتعلم متعبدًا في سعيه العلمي.
- الإسلام يكون المجتهد معذورا حال استفراغ الوسع ووقوع الخطأ ما دام ملتزمًا مرجعيته مستمدا منها أصول الفهم –أصول الفقه-.
- الأصول العقدية لا تنفك عن مفهوم الاجتهاد العلمي في الإسلام فالذاتي والموضوعي يتآزران في تحقيق الحق أو في تبديده على السواء.
- الأصول العقدية ضمانة عدم تحريف الدين باسم الاجتهاد، إذ إن القواعد الضابطة تتولد من مرجعية الوحي وفق منهج وأصول فهمها وهي أصول الفقه الإسلامي بمذاهبه المتبوعة.
نخلص إلى أن مفهوم الاجتهاد -وبتعبير مختلف- يقتضي سياسة أثرِ الذات ببذل الجهد مجاهدةً للتأثيرات التي جبلت عليها من رغبات وأهواء لإصابة الحق والجهادِ به ضد كل باطلٍ لإبطال تعلق العقول والإرادات به، وفق أصول للنظر تدفعها وترشدها مقاصد عمليّة نافعة للإنسان دنيويا وأخرويّا إذ لا فصل بينهما في كل رؤيةٍ إسلامية.
ونود أيضا التأكيد على مسألتين نلفت بهما النظر إلى إشكالين في المناهج الغربية للدراسة الدينية وهما:
- الأولى: إشكالية علمانية المنهج الظاهراتي في دراسة الدين:
منهج دراسة الدين باعتباره ظاهرة بشرية ناتجة من المجتمع والثقافة وخاضعة للعوامل البشرية فحسب وبالتالي تكون الحقيقة نسبية وأول ما يدخل في هذا الحقيقة الدينية كما أشرنا من قبل، وقد اختصر الباحثُ والأكاديمي د. مالوري ناي (Malory Nye) علينا توضيح لب هذا المنهج فقال إن: (ما لا تهتم به دراسة الدين والثقافة فهو الوصول إلى إجابات أو حقائق مطلقة. فالتحرر والعبودية والأخلاق والعقيدة ومثل هذه المفاهيم الأساسية قد تكون موضع بحث عند دراسة الدين، إلا أننا من الممكن أن نتوقع أنه ليس هناك نهاية فيما يتعلق من اقتراب مجموعة من الأفكار من “الحقيقة”.
أما على المستوى الشخصي، فقد نفضل أفكارًا ووجهات نظر بعينها على أخرى. إلا أننا نظل مختلفين في ما يتعلق بما نراه “حقيقيا” بالفعل).[69]
ومن المعلوم أن هذا المنهج منهج قائم على مسلمة عَلمانيّة صريحة مفادها “أنسنة الدين” وتعلق هذه الإشكالية بمسألة الموضوعية أن يتوهم الباحثون أن الدراسة الظاهراتية للدين دراسة منصفة وعادلة –الموضوعية بالمعنى الأول- وهذا ما يصرح به كثير من العلمانيين العرب في دراساتهم عن الدين.
كما أنها تتعلق بالأصول المعرفية –الأبستيمولوجية- لمفهوم الموضوعية -بالمعنى الثاني- والتي منها النسبية كما ترى في قوله السابق: (نظل مختلفين فيما يتعلق بما نراه “حقيقيا” بالفعل).
- الثانية: إشكاليات الاستشراق الغربي:
من المعلوم أن عناية الاستشراق الغربي بمجال الدراسات الإسلامية شهد تطورا كبيرا بعد عمل إدوارد سعيد “الاستشراق”[70]، وما أعقبه من نشوء اتجاه دراسات ما بعد الاستعمارية –الكولونيالية- التي ساهمت في نقد الأصول الفلسفية لمناهج البحث الغربية، فالإعجاب بمناهج العناية بالمخطوطات مثلا أمر لا يحوي من الإشكالات ما تحويه الدراسات النظرية التي تنطلق من رؤى فلسفية وأصول نظرية غربية تحتاج إلى فحص نقدي كبير.
نشير مثلا إلى فكرة كونية المعارف الغربية ومركزيتها ما اصطلح عليه بالمركزية الأوروبية (Eurocentrism) فكثير من الدراسات الغربية تنطلق في دراستها للإسلام من هذه المركزية الثقافية، وننوه إلى أن نقد هذه الفكرة لا يقتصر على الفكر العربي والإسلامي الذي يتهم بمعاداة الغرب بل إن كل وعي نقدي يرفض تنصيب الغرب مرجعية معيارية للصواب والخطأ، ونذكر مثالا لأحد أبرز الفلاسفة اليابانيّين المعاصرين وهو تكاشي كيمورا (Takeshi kimura) الذي نقد في أعماله فكرة المركزية الغربية وأبطل فكرة تطبيق المقولات الغربية على الفكر الياباني ودياناته وثقافته باعتبارها مقولات عاجزة عن استيعاب السياق الثقافي المختلف عنها.[71]
وتعلق هذه الإشكالية بمسألة الموضوعية أن يتوهم الباحثون أن الدراسات الاستشراقية الغربية ترادف البحث المنصف لثقافات لأمم الأخرى وهذه وأمثالها أحكام متعجلة وغير دقيقة.
بهذا ينتهي الجزء الأول من النقاش ونتبعه إن شاء الله بجزء ثان في نقد تأصيل مفهوم الرسالية عند الأستاذ الباحث.
اقرأ ايضًا: الجزاء الثاني: دعوى اللارساليّة
[1]– يقول ج.سيرل: (صفة قصدي [intentional] واسم القصدية [intentionality]…فتعني القصدية التوجه ويعني القصد قصد عمل شيء معين ومجرد نوع من أنواع القصدية أو إحدى صورها) انظر: جون سيرل، القصدية، ترجمة د.أحمد الأنصاري، دار الكتاب العربي =، بيروت، 2009م ص24
[2]– حنة أرندت، بين الماضي والمستقبل، ترجمة عبدالرحمن بشناق، دار جداول بيروت 2014م ص218-219
[3]– عادل مصطفى، كارل بوبر، مؤسسة هنداوي للنشر، المملكة المتحدة 2017م، ص 25
[4]– شادلي هواري، فلسفة اللامعقول عند فيرابند (رسالة دكتوراه)، جامعة وهران، 2018م ص 47-48
[5]– المفكر وعالم الأحياء الحائز على جائزة نوبل، له اشتغال في المجالين العلمي التجريبي والفلسفي من مؤلفاته: المصادفة والضرورة محاولة في الفلسفة الطبيعية لعلم الحياة الحديث، ترجمة حافظ الجمالي، مطبوعات دار طلاس 1998 م
[6]– جان ماري بيلت، عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، ترجمة السيد محمد عثمان، عالم المعرفة الكويت ص24
[7]– برتراند راسل، النظرة العلمية، ترجمة عثمان نويه، دار المدى 2008م ص 174
[8]– م.س.ن
[9]– طلال أسد، جينالوجيا الدين، ترجمة محمد عصفور، المدار الإسلامي، بيروت ص65
[10]– انظر: بول فييرابند، ضد المنهج، ترجمة ماهر عبد القادر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 2018م
[11]– ولتر ستيس، الدين والعقل الحديث، ترجمة إمام عبدالفتاح، دار التنوير ص 50
[12]– لوسيان غولدمان، العلوم الإنسانية والفلسفة، ترجمة د.يوسف الأنطكي، المشروع القومي للترجمة 1996م ص 59
[13]– انظر في معاني الموضوعية: حمو النقاري، مفاهيم التفلسف الغربي، إبداع للنشر ص206
[14]– جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، ط 1971 ص45
[15]– م.س.ن
[16]– الجابري، نحن والتراث، ص24
[17]– ننوه بمعالجات الفلاسفة لهذه العلاقة في سياقات وأبعاد أخرى تصبها في كلها في مراجعة الفلاسفة المعاصرين ثنائية الذات/إنسان والموضوع/العالم. انظر للفائدة: د.محمد مزيان، مسألة الذات في الفلسفة الحديثة، منشورات الاختلاف الجزائر نشر مشترك 2015م
[18]- عبدالرحمن بدوي، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، وكالة المطبوعات الكويت ودار القلم بيروت، 1982م ص 15
[19]- مجموعة مؤلفين، الشرق والغرب، منشورات وزارة الثقافة السورية، 1991م، القسم الثاني ص957
[20]– القائل جلال أمين، انظر: سعد البازعي، الاختلاف الثقافي، المركز القافي العربي، 122
[21]– إريك هوبزباوم وتيرينس رينجر، اختراع التقاليد: دراسة في نشأة التقاليد ودوافعها وتطوراتها، ترجمة أحمد لطفي، دار الكتب الوطنية، أبوظبي 2013م ص7
[22]– طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق 92-93
[23]- د.مشير عون، الفسارة الفلسفية بحث في تاريخ علم التفسير الفلسفي الغربي، دار المشرق ص 137
[24]– فتحي إنقزو، ضد التأويل الجابري ومكر التراث، مجلة تأويليات، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ع1 2018م ص68-82
[25]– انظر: مجموعة مؤلفين، التراث والنهضة قراءات في أعمال الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005م ص43 وما بعدها
[26]– جان غريش، العوسج الملتهب وأنوار العقل، ترجمة عبدالعزيز بناني، دار الكتاب الجديد، بيروت (4/ 192)
[27]– أ.د.رجاء دويدري، منهج البحث العلمي: أساساته النظرية وممارساته العملية، دار الفكر المعاصر 2000م ص 33
[28]– ساري حنفي وريفاس أرفانتيس، البحث العربي ومجتمع المعرفة رؤية نقدية جديدة، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1 2015م
[29]– ناصر البعزاتي، الاستدلال والبناء، دار الأمان، ط2 ص7
[30]– م.س.ص298
[31]– م.س. ص7
[32]– م.س.298
[33]– م.س.ن
[34]– م.س. ص11
[35]– د.حسين علي، الأسس الميتافيزيقة للعلم، دار قباء للنشر، 2003م، ص24
[36]– راسل، النظرة العلمية، مرجع سابق 71
[37]– طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق، المركز الثقافي العربي، بيروت ص67
[38]– ريتشارد بول و ليندا إيلدر، التفكيرالنقدي، ترجمة: د.عمرو سلام ود.أحمد حالي، إي كتب للنشر، لندن 2016م ص629
[39]– أبو يعرب المرزوقي، صونا للفلسفة والدين، دار الفرقد 2007 ص 32
[40]– بول ريكور، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت ص48
[41]– انظر: جون سيرل، القصدية، مرجع سابق ص24
[42]– ريكور، مرجع سابق، ص48
[43]– الشاطبي، الموافقات، تحقيق مشهور آل سلمان، دار ابن عفان، ط1 1417 هـ (5/51)
[44]– م.س. (5/72)
[45]– انظر: فريد الأنصاري، المصطلح الأصولي عند الشاطبيّ، معهد الدراسات المصطلحية ط1 2004 ص284
[46]– د.محمد معاذ الخن، القطعي والظني في الثبوت والدلالة عند الأصوليين (رسالة دكتوراه)، دار الكلم الطيب، دمشق، ط1 2007م. ص33 وما بعدها
[47]– م.س. ص40
[48]– م.س.ن
[49]– ننبه إلى أن إطلاق الأحكام يشمل أحكام المجتهد في موضوعات العلوم الإنسانية باعتبار العلوم منضوية تحت المقصد الأصلي للعلم وهو العبودية لله تعالى وسنوضحه في الصفحات القادمة، وله تمييز طريف بين التعبدي والعادي باعتبار تعليل الأحكام يَحسن مراجعته، انظر: عبدالنور بزا، نظرية التعليل في الفكرين الكلامي والأصولي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي،ط1 2011م ص 107
[50]- العبارة للسمعاني، انظر كتابه: قواطع الأدلة 2/50 نقلا عن: محمد الخن، م.س.ص 538
[51]– العبارة للقاضي أبي يعلى، انظر كتابه: العدة في أصول الفقه 1/83 نقلا عن: م.س.ن
[52]– محمد الخن، م.س.ص41
[53]– مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، الدار العربية للكتاب، ص39
[54]– علي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار النهضة العربية، 1984م ط3 ص83
[55]– طه عبدالرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-بيروت، ط 2012م ص93
[56]– أبو يعرب المرزوقي، صونا للفلسفة والدين، دار الفرقد، سوريا، 2007م، ص 53 – 54
[57]– أبو يعرب المرزوقي، صونا للفلسفة والدين، دار الفرقد 2007 ص 53 – 54
[58]– م.س.ص285
[59]– صلاح إسماعيل، نظرية المعرفة مقدمة معاصرة، الدار المصرية اللبنانية ط2019م، ص191
[60]– انظر: سالم يفوت، المناحي الجديدة في الفكر الفلسفي المعاصر، دار الطليعة 1999م، ص91 وما بعدها
[61]– الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق (1/ 85)
[62]– م.س (1/73)
[63]– م.س.ن
[64]– م.س (1/86)
[65]– م.س.ن
[66]– م.س (1/87)
[67]– بول ريكور، الذات عينها كآخر، مرجع سابق، مقدمة المترجم، ص49
[68]– الموافقات، م.س.284
[69]– مالوري ناي، الدين الأسس، ترجمة هند عبدالستار، طبعة الشبكة العربية 2009 م ص 16
[70]– إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة محمد عناني، رؤية للنشر، القاهرة 2006م
[71]– انظر: أ.د.المبروك المنصوري، دراسات دينيّة معاصرة، الدار المتوسطية، تونس ط2010 م، ص129