عام

دور المِيمْز في ثقافة المراهقين

  • جينيفر إل. فينك
  • ترجمة: فيصل الحربي
  • تحرير: نورهان محمود

يمكن للمِيمْز أن تُكوّن مُدخلًا يستخدمه الوالدان للحديث مع أبنائهم المراهقين حول المواضيع الجادة، كفايروس كورونا أو احتمالية نشوب الحرب.

“كيف نستعد لمواجهة فايروس كورونا؟

– بتقطيع بعض الليمون”.

هذا هو فحوى الـ “مِيمْ” الشهير  الذي انتشر على الانترنت، والذي يُظهر يدين تقطّعان الليمون، وقد عُنْون بـ “بينما  أستعد لفايروس كورونا”.

إن هذا المِيمْ ليقدم مضمونًا هدّامًا في الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسات الصحية الرسمية حول العالم في محاولة الوصول لأنجح الطرق لاحتواء ذلك الفايروس الذي قتل المئات من البشر والقضاء عليه، إن مدار النكتة في هذا الـ”المِيمْ” حول اسم علامة الجعّة التجارية “كورونا”، ثم إنه يقترح علينا هذا الميم أن لا نقلق.

إن “المِيمْز” المنتشرة على الانترنت تُستخدم الصور لتسخر وتهزأ بالأحداث الحالية وما ينتشر في أوساط العامة، وقد أصبحت “المِيمْز” عنصرًا مهمًا لمعرفة الطريقة التي يتواصل بها المراهقون بين بعضهم البعض في هذا الفضاء الإلكتروني.

إن زيادة المِيمْز مؤخرًا حول فايروس كورونا أو التوترات السياسية يُعطينا لمحةً حول كيفية تعرف المراهقين وتعاطيهم مع الأحداث العالمية.

مراهقو اليوم يستقون أخبارهم من الـ”مِيمْز” و “الانستجرام” و “التيك توك” و “سناب شات”، في حين أن الوالديْن والمعلمين والأجداد ما يزالون يعتمدون في استقاء الأخبار على التقارير الإخبارية و “فيس بوك” و “تويتر”.

وكنتيجة لهذا، هناك فجوة بين الجيليْن في كيفية استقائي أنا للأخبار والتعاطي معها، وكيفية استقاء أبنائي المراهقين والتعاطي مع ذات الأحداث والأخبار.

عندما علمت -من خلال الفيس بوك- أن هجومًا بطائرة “درون” أمريكية قتلت قاسم سليماني، القائد الإيراني النافذ، كاد أن ينخلع قلبي خوفًا!

أنا متزوجة من جندي في البحرية الأمريكية أُرسل في حرب الخليج في التسعينات، وأعلم يقينًا أن الحرب ليست لعبة.

عاد أبنائي من المدرسة في ذلك اليوم وهم يضحكون حول “مِيمْز” الحرب العالمية الثالثة، مدّعين أن جيلهم على أهبة الاستعداد للحرب، لأنهم تدربوا عليها ومارسوها في لعبة “فورتنايت” و “كول أوف ديوتي”.

إن أول خاطرٍ عنّ لي هو أن أحاضر على أبنائي وأحدّثهم حول جدية الحرب. ولكن التعليم والمحاضرة لا ولن تغيّر في سلوك المراهقين، ولهذا قررت البحث والتنقيب في ثقافة المِيمْز عوضًا عن ذلك.

والذي توصلت إليه هو: أن المراهقين يستخدمون المِيمْز للتعبير وإيصال كل أنواع المشاعر، بما فيها الشعور بالخوف.

كثيرٌ منها -أي المِيمْز- غير مؤذٍ، ولكنّ بعضًا منها والمتعلّقة بفايروس كورونا قد يساهم في نشر المعلومات المضللة، والسلوكيات العنصرية.

وهذه بعض الوسائل التي يمكن للوالديْن استخدامها لتوظيف المميز في التواصل مع أبنائهم المراهقين وإيجاد أرضية مشتركة:

  • الاعتراف بالفكاهة كوسيلة لمواجهة التحديات.

بعد فترة وجيزة من حادثة قتل سليماني قالت “تانيا براون” والتي تعيش في كندا: “قال ابني الذي يبلغ 14 سنة ضاحكًا: يجب على إيران أن تقصف أمريكا وننتهي من كل هذا”، ثم أردَفَتْ: “لقد صُدمت من تعليقه هذا وأحزنني جدًا، مما جعلني أبكي أمامه” ثم قالت: “لقد أنشأنا أبناءنا على أن يكونوا أخيارًا ومتعاطفين مع الآخرين، فعندما قال ما قال أحزنني وأغضبني”.

إن السخرية من فايروس فتّاك أو احتمالية نشوب حرب قد تبدو سلوكًا أحمقًا وغير مبالٍ، ولكنّ السخرية غالبًا ما تكون وسيلةً لمواجهة ما لا يد لنا فيه، سواء كانت هذه السخرية نكتةً مضحكة عن الإصابة بالسرطان، أو نقدًا لإدارة “ترامب” في برنامج “Saturday Night Live”.

  • استمع ثم مهّـد للسياق.

“اسأل أسئلةً مفتوحة” تقول “كارلا ماري” الأخصائية النفسية في مقاطعة “سونوما”. اسألهم أين شاهدوا هذا الـ”المِيمْ” لأول مرة، ما رأيهم فيه، وما قال أصدقاؤهم عنه، ثم حاول دَسْ بعض المعلومات والحقائق عن الفايروس أو الحدث محل النقاش.

وتذكّر أن أغلب المراهقين ليس لديهم خبرات شخصية مع تجربتيْ الحياة والموت. قال “د. مانلي”: “حتى نحن كبالغين، نستطيع تصوّر أمر ما نظريًا، ولكننا لن ندركه حق الإدراك حتى نخوض تجربته”.

وُلد بَـنيّ الأربعة، وأعمارهم 14, 16, 19, 22 ، بعد أعوامٍ من ترك والدهم للقوات البحرية، وبالتالي فهم لا يعرفون شعور أن يكون لكَ عزيزٌ ذاهبٌ للحرب، ولا يعرفون شعور مكابدة الحياة خلال انتشار الأوبئة.

ووفقًا لـ “د. مانلي”، فإن الوالديْن إنْ حدّثا أطفالهما بقصصٍ وتجارب شخصية فإن ذلك قد يساعدهم على فهم آثار الصراعات السياسية، والأخطار الصحية التي تؤثر على الفرد والعائلة.

  • علّموهم المواطنة الإلكترونية.

مراهقو اليوم أحذق وأعلم بأمور التقنية من الجيل السابق، ولكنهم بحاجة لأن يضع لهم البالغون معيارًا أخلاقيًا ليرشدهم في تعاملاتهم في الإنترنت وخارجه. إن الـ”مِيمْز” تعدّ فرصة لمناقشة عائلتك حول مفاهيمهم عن السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي. يمكنكم معًا مشاهدة الصور ومن ثم تحديد أيّ صورة من هذه الصور قد تمادت وتخطت الحدود الأخلاقية ولماذا.

يقول الأخصائي النفسي “جو لانغفورد”، المتخصص في توعية الآباء والأبناء حول التقنية: “تحدّث عن خواطرك ومشاعرك وقِيَمك، واجعل من هذا منصّة ينطلق منها الأبناء للحديث عن أفكارههم ومشاعرهم”  ثم أضاف: “كما أنه يجب أن تعطي أبناءك حدودًا واضحة -مبيّنًا لأبنائك الصواب والخطأ وفقًا لقِيَمكم العائلية- لتتكون لهم القدرة على إعطاء الأشياء أحكامها المناسبة إذا ما خرجوا للعالم”.

كما يجب على الوالدين تذكير أبنائهم وتنبيههم بأنه “يمكن لأي أحد أي يصمم الـ”مِيمْز” بما في ذلك الحكومات الأجنبية، وأولئك الذين يريدون نشر الشائعات والفِتَن في المجتمع” وفقًا لما قاله “أندرو سليباك” أستاذ الإعلام في جامعة فلوريدا.

كما أنها فرصة للإشارة إلى أن المعلومات الاحتيالية قد يتم نشرها بصور عدة، كما حدث مع الرسالة النصية التي بدت وكأنها مُرسلة من الجيش وتفيد المستلم بأنه تم تجنيده. إلا أن الجيش صرح بعدم صحة هذه الرسائل.

وكما أن الـ “مِيمْز” حول فايروس كورونا قد تنشر معلومات مضللة عنه فقد تتضمن هذه الـ”مِيمْز” بعض المضامين العنصرية ضد الآسيويين، فيمكن اتخاذ ذلك كفرصة لتوعيتهم عن التنابز واستخدام الألفاظ العنصرية.

  • لا بأس في أن تعبّر عن مشاعرك.

يشعر الأولاد خصوصًا بضغطٍ اجتماعي ليبدون أقوياء وليُظهرون جلادةً وعدمَ اكتراث. في كتابها “الأولاد والجنس” تذكر “بيجي أورينجستين” بأن الأولاد يستخدمون كلمة “هستيري” كــ “ملجأ لهم عند وصف أمر غير لائق أو مُربك أو مزعج أو محبط أو مقلق أو مفزع .. إن مفردة ’هستيري’ توفر لهم المسافة الكافية والحماية اللازمة من أن يُظهروا ما قد يُفسّر بأنه ضعف أو عاطفة مفرطة أو أمر غير رجولي”.

إن ردة فعلٍ كبكاء السيدة “براون” على إثر تعليق ابنها غير المبالِ، يمكن أن “تكسر قناع التظاهر بالقوة” كما يقول “د. مانلي”.

وفي الواقع أن السيدة “براون” قالت أنها تحدثت وبشكل مطوّل مع ابنها عن الحرب، وكيف يمكن أن يرى الآخرون أن تعليقه كان تعليقًا مسيئًا.

ولا شك أن الأطفال يجب أن لا يُحمّلوا مسؤولية أفعال البالغين، وكوالد من المهم أن تأخذ الوقت الكافي لمعالجة المشاعر التي تنتابك، كالحزن والحيرة والغضب “بحيث لا تظهر لأبنائك مشاعرًا غير ناضجة ومتخبطة وعشوائية” كما يقول “د. مانلي”.

ولكن لا تخشَ من إظهار مشاعرك والتعبير عنها، حتى لو -بل وخصوصًا- إذا لم يظهر ابنك مشاعره. يعمل “د. مانلي” وبشكل متكرر مع مصابين بـ “اضطراب ما بعد الصدمة”، والبعض منهم عانى من جراحة في الدماغ.

يحكي البعض منهم عن قصص مروّعة بمشاعر متبلّدة، لأن السيطرة المطلقة على المشاعر كانت مهمة لهم للنجاة في ميدان المعركة.

يحكي “د. مانلي” : “أحيانًا لا يكون هؤلاء المراجعون قادرين على البكاء، في حين أن عيناي تكون قد اغرورقتا بالدموع” ثم أردف : “ولمساعدتهم على ذلك، أقول لهم مثلًا: المعذرة، هذا أمرٌ قاسٍ ومحزن، سأجلب لي منديلًا” فأنا أقوم بتعليمهم من خلال هذا الإيحاء، فهم يرون ردةَ فعلٍ عاطفية طبيعية دون أن يحاضر عليهم أحدٌ عنها، ثم يقول: “وفي المحصلة هذا قد يساعدهم على التعبير عن مشاعرهم المكبوتة”.

إذا قال أحد أبنائك المراهقين أمرًا كـ “ليت أن الحرب تنشب ونُنهي الأمر قبل أن نطوّر أسلحة أكثر فتكًا” أو “أتمنى أن أُصاب بفايروس كورونا” -وقد قال هاتين العبارتين ابني ذو الـ16 عامًا- ، فقل له أمرًا كـ “هذا أمرٌ مخيف، هل أستطيع أن أعانقك؟” كما ذكر “د. مانلي”.

إن ترجمة مخاوفك والتعبير عنها، يعطي أبناءك الفرصة ليقوموا بذات الأمر.

المصدر
nytimes

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى