- جوناثان كيتس
- ترجمة: مصطفى كردي
- تحرير: أسامة خالد العمرات
يتحدّث الإنسان الطبيعي بمعدل يصل إلى 150 كلمة في الدقيقة، ممّا يجعل من المحادثات الشفوية واحدةً من أكثر الطرق فعاليّة في التواصل. يقول عالم جراحة الأعصاب في جامعة كاليفورنيا إدوارد تشانغ: ” لا أحد يشكّك في القدرة البشرية على نقل الكثير من المعلومات في وقت قصير بسهولة تامة، لا أحد يشكّك فيها حتى يفقدها جراء إصابة”.
قد يتعرض الدماغ البشريّ لإصابات، مثل السّكتة الدماغية والاضطرابات العصبية مثل التصلب الجانبي الضموري (يرمز له اختصاراً بـ ALS)، والتي بدورها قد تدمّر قدرة الدّماغ على التّواصل الصّوتي، مما يؤدّي إلى انعزال المصابين بهذه الأمراض عن مجتمعاتهم والمحيطين بهم، أو يلزمهم باستخدام متحدّث صناعيّ على التواصل مع الآخرين؛ ومن أفضل أنواع تلك الأجهزة هي تلك التي يُطلق عليها “الآلات الكاتبة”، وهي التي يتحكّم الدّماغ فيها في المقام الأوّل، وتعمل بالطريقة التالية: يقوم الشخص بتحريك مؤشّر الفأرة في الكمبيوتر عن طريق إرسال إشارات من الدّماغ، تقوم الخليّة العصبيّة برصدها وترجمتها، حينها، وبشقّ الأنفس، يقوم الشّخص باختيار حرفٍ واحدٍ كلّ مرّة، وإذا كانت النّتيجة ثمانِ كلماتٍ فقط في الدقيقة، فإنّها نتيجة جيّدة وسريعة ورائعة. (ولربما كان المتحدث الصناعي الأكثر شهرة يعود للفيزيائيّ الراحل “ستيفين هوكينج” والذي كتب عن طريق التّشنّجات العضليّة كلّ كلمة لتستطيع آلة ترجمة النّطق قراءتها).
ولمحاكاة الكلام بسرعةٍ أقربَ للطبيعية، حاول بعض الباحثين أن يَخْطُوا بتلك العمليّة خطوةً أبعد من تلك، وكان هدفهم: قراءة أفكار النّاس حرفياً، عن طريق قياس النّشاط العصبيّ في مركز الكلام في الدّماغ، ومحاولة تعليم آلة “ترجمة النّطق” التكلّم بها. لكن نجاح هذه التجربة كان ينحصر في الكلمات أحاديّة المقطع([1]) فقط، وفي النّهاية تبيّن لهم أنّ الدّماغ ليس بالسّهولة التي يتصورونها.
تساءل العالِم تشانغ عمّا إذا كان اتّباعه للنّهج غير المباشر سيكون أفضل. ملاحظاً أنّ سلاسة الكلام واسترساله تعتمد على التّنسيق الحركيّ الدّقيق بين أعضاء الجهاز الصّوتيّ للإنسان (بما في ذلك الشّفاه واللسان والفكّ والحنجرة)، وفكّر في أنّ النشاط العصبيّ للخلايا الذي يتحكّم ويقود هذه التّحركات العضليّة في الجهاز الصّوتي يمكن أن يقود وأن يتحكّم بدوره في قدرة آلة ترجمة النّطق على النّطق والتّعبير. ويوضح تشانغ أنّ: “أنماط النشاط في مراكز النطق بالمخ موجّهة فقط وخصيصاً لتنسيق حركات عضلات أعضاء الجهاز الصوتيّ بدّقة” مضيفاً: “لقد قمنا باكتشاف الطّريقة التي تتحكّم فيها النّاشطات العصبيّة في مراكز النّطق بشكل مباشر في أدقّ حركات أعضاء الجهاز الصّوتي عندما نتحدّث”.
وليقوم باختبار نظريّته، قام تشانغ باستدعاء خمسة أشخاص يخضعون لجلسات علاج من مرض الصّرع، وقد تضمّن علاجهم بالفعل عمليات وضع أقطاب كهربائية جراحية على رؤوسهم. وكان يراقب نشاط أدمغتهم وهم ينطقون مئات الجُمَل بصوت عالٍ، وقام باستخدام البيانات النّاتجة من تلك التّجربة لتدريب برنامج ذكاءٍ اصطناعي. قام برنامج الذكاء الاصطناعي بتعلّم فكّ رموز إشارات الدّماغ إلى جُمَل كاملة، وقد استمرّ بالعمل بينما كان المتطوعون يتظاهرون أنّهم يقومون بنطقها بكل بساطة. وعندما وُضع خليط نظام “الذكاء الاصطناعي-الدماغ البشري” تحت الاختبار، كانت نتيجة دقة الآلات فيه 70%.
بالإضافة إلى ذلك، كما أفاد تشانغ في تقريره لمجلة Nature، حتى نغمة الصّوت المطلوبة من المرضى استطعنا تحقيقها. يقول تشانغ: “تسمح لنا نغمة وطبقات الصّوت بالتّشديد على كلمات معينة أو التعبير عن المشاعر أو حتى تغيير صيغة التّعبير إلى سؤال، واكتشف فريقه العلمي أنّ التغييرات المهمّة في نبرة الصوت يمكن تحقيقها عن طريق تعديل قوّة شدّ الأحبال الصّوتية للحنجرة، وأنّ إشارات الدماغ المناظرة لهذه التعبيرات والمشاعر يمكن مراقبتها بدقّة تكفي لجعل آلة ترجمة النّطق تضيف الكميّة المطلوبة من العاطفة في الجُمَل التي قرأها المرضى.
حذّر تشانغ أنّ تقنيته لن تستطيع التّعامل مع جميع الحالات المرضيّة -مثل تعرّض الدّماغ لإصابة في المناطق المسؤولة عن التّحكم في الحنجرة والشّفاه- وأنّه بدأ الآن -فقط- التجارب السريرية على الأشخاص المصابين بالسّكتة الدّماغية والتّصلّب الجانبيّ الضّموريّ. هؤلاء المرضى لا يستطيعون تدريب الذّكاء الاصطناعيّ من خلال الجُمَل المنطوقة كما فعل المتطوّعون في دراسته، لأنّ قدرتهم على التحدّث بصوت عالٍ قد تلاشت بالفعل. ومع ذلك، وجد تشانغ أنّ نشاط الدّماغ المرتبط بالتّحدّث، كان متشابهاً بشدّة في جميع المتطوعين الخمسة في دراسته، لذلك قد لا يكون التدريب الفرديّ ضرورياً.
في المستقبل، قد تكون أفضل هدية لمحبي الثرثرة؛ هي أن نوصلهم بروبوت يتحدث معهم.
اقرأ ايضاً: الجلطة التي أنارت بصيرتها
[1] مثل: لا، لن، عن، خذ