فكر وثقافة

البَسَاطَةُ والإِبداعُ والوضُوحُ “مَنْهَجًا” لدِرَاسَةِ التَاريِخِ الإسلاميّ: مقابلة مع مايكل كوك

  • أَجرى المُقابلة: انتصار راب
  • ترجمة: مُصْطَفَى هِنْدِي
  • تحرير: فاطِمة السيد لطفي

تَمهيد:

كيف يَقرأُ المُستشرِقون التاريخ الإسلاميّ؟ وكيف يُدَرِّسونَه في جامِعَاتِهم؟

تُقدِّم هذه المقابلة التي أُجرِيت مؤخرًا مع المُستشرِق البريطاني (مايكل كوك) ذي الثمانين عامًا صورة مُصَّغرة للطريقة التي يَدرِس بها المُستشرقون التاريخ الإسلاميّ، وكيف يَبنون نظرياتهم حول الإسلام؛ كما تُقدِّم إشارات مُقتضبة إلى واقع هموم المُستشرِق في صورة حوارٍ داخلي يُبين ما يدور بخُلْد المُستشرِق إِزاءَ مفردات التاريخ الإسلاميّ.

من ناحيةٍ أخرى -وهو الأمرُ الأكثرُ أهمية- يُبين كوك في نهاية المقابلة مَوْقِفَه من كتابه المنشور في سبعينيات القرن الماضي -بالاشتراك مع باتريشيا كرون– بعنوان “الهَاجِرِيَّة: صِناعة العَالم الإسلاميّ“، واعترافه بما فيه من أخطاء كثيرة، وهو الأمر الذي قد يَخفى على الباحثين المعاصرين.

(المُتَرْجِم)

***

 

– انتصار: كيف تَحسن التدريب المَيّدَاني وكيف تدهور منذُ أنْ بدأتَ التدريس؟

– مايكل كوك: لا أعتقدُ أنَّ هناك أيّ إجابة عامة على هذا السؤال. الشيء الوحيد الذي أودُّ قوله هو أنَّني أعتقد أنَّ الناس صاروا يحصُلون على وقتٍ أطول مما كان في الماضي. عندما جئتُ إلى برينستون لأوَّل مرة، كان طالب الدراسات العُليا يُمنَح أربع سنوات فقط؛ الآن يَحصُلون تلقائيًا على خَمْسِ سنوات؛ والتي غالباً ما تَصل إلى ستة. أعتقد أنَّ هذا أمرٌ جَيّد في الأساس لأنك تحتاج إلى وقت للدخول في مجالٍ مثلِ مجالِنا. إذا كنت تنوي القيام بعملٍ جاد في تاريخ العَالم الإسلامي، ولم تكن تنوي القيام بذلك من مكتب السجلات العامة، فستقوم به باللجوء للمصادر العربية؛ وحينها لديك الكثير لتتعلمه. صحيحٌ أنَّ عليك تَعلُّم اللغة، لكن أيضًا عليك دراسة الثقافة التي تتصل باللغة، ومنهجها التَّأّْرِيخي

 

– انتصار: بنَظرِك ما هي المجالات أو الفروع المعرفية الأكثر إثارة الآن للبحث في هذا المجال؟

مايكل كوك: إذا كان لديك ما يلزم لتَعلُّم ليس فقط لغةً واحدة، بل لغتين مُعقدتين وغير مرتبطين ثقافيًا فهناك أشياء مثيرة أعتقد أنَّه يمكنك القيام بها هذه الأيام. على سبيل المثال، إذا كان بإمكانك التعامل مع اللغتين العربية والسنسكريتية، والقيام بتَأْريخ متعدد الثقافات في جنوب آسيا، فأعتقد أنَّه مجال مثير للغاية. وأعتقد أنَّ الأمر نفسُه ينطبق على اللغة الفارسيّة والصينية.

 

– انتصار: كما تَعلم، هناك اتجاه نحو “التَّحول الرقميّ”، ما الذي اكتسبناه أو خَسرناه بهذا الاتجاه؟

– مايكل كوك: أعتقد أنَّ النقطة الواضحة هناك -وهي النقطة التي قد يشير إليها أيّاً منَّا- هي أنَّ هناك شيئًا ما نَخسرُه من خلال عدم الاطلاع على الكُتب الورقية والاحتكاك بها. عندما تذهب إلى مكتبة (فايرستون Firestone) وتختار كتابًا من على الرَّفِ ، فأنت تُحَصِّل ما تريده من هناك؛ لكنَّك أيضًا ستُلاحِظ شيئًا آخر وهو أنَّك عندما تُقلِّب الصفحات، سيُراوِدُكَ غالبا شُعورُ أنَّه قد يكون من المفيد إلقاء نَظْرة على المقدمة مثلاً؛ أعتقدُ أنَّ كُلَّ ذلك غيرُ مُتاحٍ بنفس القوة مع “المكتبة الشَامِلة”.

 

– انتصار: هل هناك طرق بحث أو لغات كنتَ ترغب في تعلُّمِها سابقًا ولماذا؟

– مايكل كوك: أتمنى لو كنتُ قد تَعَلَّمتُ جميع اللغات عندما كنت في الثانية من عُمُري. فَفِي هذا العُمر تُستَوعَب اللغات بشكل طبيعي، بدلاً من تَعَلُّمهَا بالطريقة الصعبة للغاية في وقتٍ لاحق. أمَّا عن المناهج، ليس الأمر هو أنَّني أَأْسَف على عدم إتقاني لطريقة إحصائية مُعينة -أو، على سبيل المِثال، طريقة التحليل الأدبي- أو شيء من هذا القَبِيل؛ لكن ما أوَدُّ قَوْلَه هو: هناك الكثير من الأشياء التي قرأتُها في حياتي وكَتبتُ ملاحظاتٍ عليها، وإذا توفَّرت لَدَيَّ تِلك الملاحظات، ويُمكن الوصول إليها في قاعدة بيانات إلكترونية واحدة، فسيكون لدَيَّ معرفة ضِعف ما قرأتُه حتى الآن. لقد قمت بتدوين تلك الملاحظات وأخطأت في وضَعها أو وضَعتُها في مَلَفٍ كان يبدو ملائمًا، ولكنني لم أُفَكِّرُ في الأمر عندما كنتُ أبحث عن موضوع مُتَصل بها. وقضيت الكثير من الوقت في محاولة مُطَاردة تلك “الأحجَار الكَريمة” التي صادفتُها منذُ فترةٍ طويلة. الحُصول على كُلِّ شيءٍ من البداية في قاعدة بيانات إلكترونية سيكون أمرًا رائعًا.

 

– انتصار: ما هي مُهمْة المُؤَرِّخ ؟ ما الذي يَحتاجُ إلى مَعْرِفَتِه لبَدءْ هذه المُهِمَّة أو القيام بها بشكل مُثمِر؟

– مايكل كوك: المُؤَرِّخُون يُحاوِلون جَعْل الماضي واضحًا للمُعَاصِرِين، لذلك عليهم أنْ يَعرِفوا الماضي، ولكنْ عليهم أيضاً أنْ يَعْرِفوا الحاضر. وأنا أستحضر فقط حكاية صغيرة عن حرب الفِجَار[1] في مصدر كنتُ أبحث فيه، حيث يقول الرَّاوي: “في تلك الأيام كانت النساء لا يرتدين إلاّ ثوبًا واحدًا”. الآن، من الواضح أنَّه يَعرِف أنَّه في الماضي كان النساء يرتدين ثوبًا واحدًا، لكنَّه يَعرِف أيضًا الحاضر -وهو أنَّ النساء في أيامه يرتدين، ربما ثوبين، أو أكثر، أو نحو ذلك- ولجعل الحكاية مفهومة، عليه أنْ يَشْرَحَ ذلك. هذا يبدو لي الآن سِمَة مميزة جدًا لعمل المُؤَرِّخ. هذا هو ما نَقوم بِهِ طُوال الوقت.

 

– انتصار: لقد فَكَّرتُ في طريقتِك في المحاضرات الأخيرة؛ خاصةً تلك التي كنتَ تميل إلى تَقدِيمُها كُلَّ عامين مؤخرًا: محاضرة في حَفْلِ جائزة هولبرغ في عام 2014، وفي كلية الحقوق بجامعة ييل في عام 2016، ومحاضرة مارتن بوبر في 2018، ومحاضرة في (MEM) في حفل جائزة (Lifetime Achievement) في عام 2020. خلال تأملاتك في محاضرة (هولبرغ Holberg) على وجه الخصوص، قلتَ أنَّ منهجُك يتكون من ثلاثة عناصر: البساطة، والتفكير خارج الصُندوق، والوضوح. هل يُسعِدُك فعلاً مواصلة هذا المنهج؟ وبأيّ شيء تنصح الطلاب أو المهتمين بالتاريخ الإسلامي أو الشريعة الإسلامية؟

– مايكل كوك: بالتأكيد ما زلتُ أعتقدُ أنَّ هذه أشياء جيدة. إذا أعطاني أحد الطلاب فصلاً ووجدتُه معقدًا بلا داعٍ، فسأُبيّن له ضَعْف هذا الأسلوب في الهوامش. لكنَّي لستُ متأكدًا مما إذا كان هناك نوع من الرسالة التي يمكن تعميمُها هنا، بصرف النظر عن اعتقادي بأنَّ هذه السِمات الثلاث جيدة وضرورية. ما أودُّ قولَه هو أنَّ هناك نوعًا من “الهَوَس” قد يَصِل إلى التقديس هذه الأيام بكل ما هو دقيق ومتعدِد الطبقات. صحيحٌ أنَّ الفروق الدقيقة مهمة في بعض الأحيان، والعَالَم مُعقد، ولذا توجد أحيانًا أشياءً لها طبقات متعددة. لكن اعتبار أنَّ هذا هو الأصل والحالة المثالية هو -فيما أعتقدُ- فكرة سيئة حقًا، لأنَّه إذا كان كلُ ما تقولُه دقيقًا ومتعدد الطبقات ومعقدًا، فسينتهي بِكَ الأمرُ إلى عدم قَوْلِ أيِّ شيء.

 

– انتصار: هل لديّنا مصادر كافية للقيام بعمل تَأْرِيخِي للإسلام، وبالتحديد، تاريخ الشريعة الإسلامية بشكل جيد؟ هل يوجد في المصادر الموجودة لديّنا ما يجعلُ هذا المجال مميزًا عن غيره من حيث المصادر؟

– مايكل كوك: لديّ شُكوك حول فكرة أنَّ تقديم السرد التاريخي المناسب يَعتمد على المصادر. يُمْكِن للباحثين القيام بعمل جيد للغاية باستخدام مصادر قليلة. ويمكنهم القيام بعمل جيد باستخدام مجموعة غنية جدًا من المصادر. على سبيل المثال، تَسَلَّمتُ مؤخرًا أُطْرُوحَةُ الدكتوراه من أحد الباحثين الذين أشرف عليهم، والذي عَمِل َعلى التاريخ الفِكْري لإيران السَاسَانِية. الآن هو لم يَسْتَقرِأَ الكثير من المَراجِع -ولا توجد أصلاً الكثير منها في هذا الموضوع- لكنَّه، مع ذلك، قام بعَمَلٍ جيد بتركيزُه على النِقاط القليلة -والمُهِمَة- التي يجب أنْ نفهَمُهَا. لذلك يُمكنُك القيام بذلك بشكل جيد مع وجود مصادر نادرة أو وفيرة. بالنسبة للشريعة الإسلامية، كان يجدر بي أنْ أَطرح هذا السؤال عليكِ، لكنْ بما أنَّنَا في وَضْعِ المُقابلة هذا، فسأُجِيبُك. يمكنكِ القيام بعمل جيد للغاية فيما يتعلق بدراسة تَفكير الفُقَهَاء في أيّ فترةٍ تقريبًا، وفي العديد من البِقَاعِ المُختلفة من العالم الإسلاميّ. وكما تعلمين، المصادر غنية جدًا في هذا الموضوع. نعم، أعلم أنكِ تعملين على إعادة بِناء الإجراءات الواقعية للمَحاكِم الشرعية، وهذا شيء رائع، لكنْ القيام به أصعب بكثير، أليس كذلك؟

لنَفترِض أنَّنِي استخدمتُ العديد من المصادر المختلفة؛ بعضُها سيُصِبُ مباشرة في موضوع بحثي وبعضُها سأجِدُ فيهِ جواهر كامِنة من حينٍ لآخر، ليست هي بالضبط ما أبحثُ عنهُ، ولكنها تلمع في عيّنيّ. على سبيل المثال، تَتمتع كُتُبْ التَّراجُم العربية المُبَكِرة بهذه المِيزَة. إذا رجعتُ، على سبيل المثال، إلى طبقات ابنْ سَعْد، وقرأتُ أيّ صفحةٍ بشكل عشوائي، فسأجِد غالباً شيئًا مثيرًا للاهتمام، وربما يُمكنُنِي وضْعُه في سياق بحثي.

 

– انتصار: لقد أجريتَ هذا النَوع من الدراسات ذاتَ القاعدة العريضة قرنًا بعد قرن لموضوعٍ واحٍد أو دراسات تاريخ كلِّ بلد أو منطقة تِلْوَ الأُخرى، على نطاقٍ واسع ٍفي هذا المجال. هل تغيَّرت مصادِرُك أو أُسلوبَك في التَّعامُل مع المَصادِر بتغيُّر الفترة الزمنية أو المَنطِقة أو الأسئِلَة التي تَطرحُها؟

– مايكل كوك: صحيح. أعتقدُ أنَّ شيئًا مُمَاثِلا حدَثَ في كتابي (Commanding Right،) فقد اتخذْتُ قرارًا بأنني سأَطارُدُ هذا الموضوع من جميع مظَّانِه، على مَرِّ القُرون. وكان هناك قَنَاعات صَلبة في هذه النقطة. أعني أنَّ بحثي الواسع كان مدفوعًا بسؤالي بشكل أساسي، إذا جاز التعبير. لكن سؤالي لم ينشأ إلا من تفاعل مُعَيَّن مع المَصَادِر في المَقام الأول. وكما ذكرتُ من قبل: أثناء البحث عن الموضوع (س)، غالبًا ما تُصَادِف المعلومة أو الفكرة (ص) التي لا تتعلق ببحثك، لكنك تقول في نفسك: “هذا مثيرٌ٦ للاهتمام”. ما أقوله هو أنَّ هناك نوعًا من الحوار يجب أنْ يستمر بين ما تودُّ مَعرِفَتَه، وما ستُخْبِرُك به المصادر عَرَضًا، ويجب أن تكون قادرًا على التَّكَيُّف.

 

– انتصار: هناك نِقَاشَات -كما تَعلم- حَول استخدام دَواوين الحديث كمصادِر للشريعة الإسلامية أو التاريخ، سواءً الفِكري أو الاجتماعي: تتراوح النظريات الشائعة عن السُنَّة بين من يَرون أنها مُلَفَقَة بالكامل وبَين من يرون أنَّها الحقيقة الموثوقة أو النَواة التاريّخيّة الرَّاسِخَة؛ وغيرها من النَظَرات على الطَيْفِ الواسع لهذه المُقَاربَات. أَعتقد أنَّهُ كان هناك تحركًا بعيدًا عن المُنَاقشات حول التاريخانيِّة للنظر في كيّفيّة تقديم “الحديث” معلومات حول تَمثُّلات الفقه أو السلوكيات الثقافية تِجاه الفقه. ما الذي تُعْنِيه ِهذه النقاشات حول دواوين السُنَّة كمصادر تاريخية أو فقهية؟

– مايكل كوك: أتساءل عمَّا إذا كان هناك تغيير بالفعل. أول عالم غربي قام بعَمل جاد عن الحديث هو جولدتسيهر في أواخِر القرن التاسع عَشَر. بقدر ما أفهم، فقد اعتُبِرَ أنَّ الأحاديث غيرُ مَوثوقة، بمعنى أنَّها لم تَخرج من فَمْ (النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام-). وقد اعتُبِرَ ذلك أمرًا مفروغًا منه تمامًا بقدر ما يَتَّضِح من المواقف التي كانت لدى الناس في وقت لاحق. هذا ما يفعله في الجزء الذي خَصَّصَّهُ للحديث في كتابه “دراسات إسلامية”. وهذا الرأي موجود بالتأكيد في الغرب منذُ أنْ بدأ أوّلُ نقاش جاد حول الحديث. الآن، من الواضح أنَّ النقاش حول الأصَالة يبدو لي نقاشًا حقيقيًا وصحيحًا تمامًا، بعيدًا عن المشاعر الدينية لأيّ شخص حيال ذلك. لأنّه إذا كانت كل هذه المواد ثابتة فعلًا إلى (النبي -صلى الله عليه وسلم )، فإنّ ما تُخبِرُكَ به هو الأحداث في أوائل القرن السابع. لكنْ إذا كانت، على سبيل المثال، تَرجِع إلى العصر العباسي، فهي تُخبِرُكَ عن الفترة العباسيِّة؛ ومن ثَمَّ أنَّا بحاجة لمعرفة كُلِّ منهما. بالطبع من الصعب جدًا معرفة إلى أيّهما تَميل الأحاديث أكثر من الآخر، ولكن هذا شيء مختلف.

أودُّ أنْ أقول إنَّ هناك بعض الأحاديث التي من الواضح أنَّها أُدرِجَت لاحقًا. بمعنى أنَّه إذا كان لديك حديث أُخرويّ يبدأ بالتنبُؤ بمجموعة من الأحداث التي حدثت بالفعل ثم يُقَدِّم حدثًا لم يحدث حتى الآن، فنحن نُؤْرِّخ الحديث في فترة ما بعد الأحداث التي حدثت، وقبل الحدث الذي لم يحدث. لنَقُل مثلا أنَّ لديَّنا حديث فيه أنَّ “القيامة ستكون في نهاية عام 200″، فأنا لن أعتبر ذلك تصريحًا أصيلًا من( النبي-صلى الله عليه وسلّم -)، بل سأعتبرُ أنَّ شخصًا ما قال ذلك لأوّلِ مرة قبل سنة 200 بوقت قليل حتى يكون مثيرًا. من ناحيةٍ أُخرى، هناك روايات نَعرف بشكل جيد أن (النبي-صلى الله عليه وسلّم -)قد قالها. كل ما في الأمر أنَّه إذا لم نتَتَبَّع الإسناد، فليس لدينا طريقة للتَحقق من الأحاديث، لأنَّنا لا نَمْلك تسجيلات أُخرى لِمَا قاله (النبي-صلى الله عليه وسلّم-).[2] هناك قدْرٌ هائل من الأحاديث التي لا أعرفُ ما إذا كان أيّ شخصٍ سيتمكن من تَأْرِيخُها بشكل مُقْنِع. لكنْ هذا المشروع الكبير الذي يقوم به بِهنَام صَادِقِي وغيرُه من الباحثين، ربما سيُضيِئُ لنا الكثيرَ في هذا الصَدَد.

 

– انتصار: سؤالي التالي حول فِقْهِ اللُغةِ مقابل التاريخ، ويَستَنِدُ إلى تعليق زميلتُكَ مَارِيِنَا رُوستو الذي أدْلَت به في كِتابُها الأخير “الأَرْشِيفُ المَفقودُ”( The Lost Archive،) حيث عرَضَتْ صِراعًا قديمًا بين المُؤْرِّخِين وفُقَهَاءِ اللُغةِ، وقارنت بين الاثنين قائلة (2020، ص 8-9):

يخافُ المُؤْرِّخَون الذين يتعاملون مع وثائق مُعَقَّدة أو قديمة جدًا من حُكم ُفَقهَاِء الُلغة، لأَّننا نَشُك (وغالبًا ما يكون هناك ُمَبرر) في أنَّهم مُجَهَّزُون -من الناحية الُلغوية- بشكل أفضل لفَهْمِهَا، ومع ذلك َتعْتَمِدُ كِتَابتُنا للتاريخ على َفهْمِ هذه الوثائق بِعُمْق. على صعيٍد آخر: يُعاني ُفقَهَاءِ الُلغة مشاعر ُمتبَادَلة بين الخوف والارْتِعاش عند مواجهة -أو بالأحرى َتجَنُب- المُعْضِلات المَعرفية والُقيُود الَتفسِيريِّة والقرارات السَردية التي يَتعامل معها المُؤْرِّخُون بانتظام في سِياق عمِلهم. بينما قد يشعر المُؤْرِّخُون بالَقلقَ مِن أنْ يقول فُقَهَاء ُالُلغة أنَّهم قَراؤوا أدِلَّتهم   بطريقة مُبْتَذَلة؛ لكنْ من المُحتمل أيضًا أنْ يرفُضُوا الجوانب الفنية للقُراءة لأنهم يعتقدون أنَّ التاريخ لا ينبض بالحياة إلا على طاولة الكتابة، وفي سياق المُحاججة والجدل. بمجرد اكتمال السرد التاريخي، تُتَجاوز المهارات الفنية التي يقوم عليها في صمت، تمامًا كما يُتجنب الحديث عن المال والدين والسياسة في شركة مرموقة  . ُيخاطِر فُقَهاء الُلغةِ عند إصدار أحكام عكسية: فعند التعامل مع الأدلة التاريخية، من المعروف أنهم يلتزمون بنوعٍ من الوضعية الَساَذجَة، مُعَتِقدِين أَّنه بمجرد تحديد النّص، ونَسْخِهِ، وَتَرْجَمته، ووضعه في سياقه،  فإنَّ عَملهم إذنْ قد انتهى، بينما يكون عَمَل الُمؤَرِّخ قد بدأ لِلتو.

ثمّ تَمضي لتُنَاقِش كيف يُمكن أنْ يَكون هناك أيضًا قيمة لدى كِلا الطرفين. أتذكرُ إجابة قديمة من شَخْصِيَّة مايكل سكوت، عندما سُئِل: هل تُفَضِّل أنْ  تَكون مُخِيفًا أو مَحبوبًا؟ فقال: “كلاهما؛ أُرِيدُ أنْ يَخَافُنِي الناسُ من فَرْطِ مَحبتِهم لي!”. الأسئلة التي تَنْشأ من كُلِّ ذلك: هل تُفَضِّل أنْ تكون معروفًا (وتُدَرِّبَ الآخرين) كعَالِم لُغويّ أم تُفَضِّل شَخْصِيَّة المُؤَرِخ؟ أو بالأحرى: أين تَضَع نَفسُك على طَيّفِ المُؤَرِخ – فَقِيه الُلغة؟

– مايكل كوك: أعتقد أنَّ ما أُفَضِّلُهُ هو أنْ أكون نِصْفَ مُؤَرِخ ونصف فُيلُولُوجي/فَقِيه لُغة. أعتقد أنَّ هذا وصف دَقيق لِمَا أفعلُه وما تفعلِينَه، بمعنى أنَّ كِلانا يَعمل في فِقه اللُغة، وكِلانا يعملُ في التاريخ، والمجالان يَعملان جنبًا إلى جنب. وما أَعنيه هو أنَّه لا يَصلُح أنْ نكون أُميِيِّن في التَحليل اللُغوي، تمامًا كما لا يَصلُح أنْ نَكون على جهلٍ تام بالحقل التَّأْرِيخي. أنتِ حقاً بحاجةٍ لِكِلَيّهُمَا. رُبّمَا إذا كنتُ أعمل على تاريخ “كِنْتَاكِي” في أوائل القرن العشرين، فلن أحتاج إلى الكثير مِن فِقه اللُغة، نعم، سأَتَنَازَلُ عن ذلك إذا كان هذا هو موضوع البحث. ولكنْ بالنسبة إلى كُلِّ ما نَقوم بِه، فأنت بالتأكيد بحاجة إلى أنْ تكون عَالِمًا لُغويًا. أعتقدُ أنَّ مَاريِنا مُحِقّة تمامًا في وجود مُؤْرِّخين ليس لديهم مهارات لُغوية، وعُلماء في فقه اللُغة ليس لَديهم مهارات تاريخية. كما تَعلمين، كِلاهُما أَعْمَى عن شيءٍ ما، لكنّني أعتقدُ أنَّ المَزِيج مِنهما هو النوع المِثالي، وكما أشرتِ، يقع معظم الناس في مكانٍ ما بينهما.

 

– انتصار: في مُقرَرِك عن المناهِج (NES 502): يَقول زملاؤُك إنَّ هذه الدَوَّرة تُحَوِّلُ المُلْتَحِقِين مِن طُلاَّب دراسات عُلْيَا فُضُوليِيِن إلى عُلَماء بَارِعين. ما الذي يَهدِفُ المُقَرُرُ إلى تَرّسِيخِه -قولاً أو عملاً-لدى الطُلاَّب والباحثين

– مايكل كوك: نحن نتحدثُ عن المصادر العربية في العُصور الوسطى، أو العُصور الوسطى وأوائِل العصر الحديث، ولكنْ السِمَةُ الأساسية أنَّها مَصادر مِن ثقافةٍ أُخرى بلُغة صعبة. ما تتمحور حوله هذه الدَوَّرة هو النُزُول إلى أرضِ الواقع وإجراء الأبحاثِ بنَفسِك، وشِعَارُها: تَوَقُفْ عن الاعتماد على ما قاله العُلماء السابقون في الأدبيات المتدَاوَلة ومُقَرَرَاتِ الجامعة. إذا كنت تريد أنْ تَتعلم السِباحة، فإن َّنظرية السِباحة لنْ تُفِيدُك كثيرًا، عليك أنْ تَقْفِز في الماء بالفعل. لذك فأنا أَرمي الطُلاَّب في المياهِ العميقة، وبعضُهم لا يَنجُو -وهذا أمرٌ مُؤْسِف- لكنْ معظَمُهم يَنجَحُون. وأعني أنَّهم يَتَعلَمُون ألاَّ يخافوا عندما يذهبون  إلى مكتبة فايرستون ويرون رفًا مِن الكُتب باللُغة العربية وليس لديّك أدنى فكرة أين يجب أنْ تبحث وعن ماذا. لذا، ما أراه ضروريًا هو المُمارسة العَملية في إجراء بُحُوثِك بنفسك. بالطبع، أنا أيضًا أُسَلِّي نفسي مثلا بالبَحث عن الفِخَاخِ اللُغويَّة التي ستُؤَدي إلى تَعثُرِهِم، وغيرِها من الأشياء الطريفة. لقد تعلمت الكثير من الأشياء بالطريقة الصَعبة، والغرض من هذه الدَوّرَة ِهو جَعْلُ الأمر أسهل قليلاً -لكن ليس بالسهولة التي يتصورها البعض- ولكَّنه أسهل قليلاً من الطريقة التي تعلمتُها بها.

بالنسبة لي، كان أحد الكُتُبِ التي بدأت العمل عليها -كتاب الخَطِيب البَغْدادي عن تَدْوين الحديث- وقد اهتمَمُت بمُرَاجعة المَرْوِيَّات المُسْنَدة لذلك الكتاب، ووجدُت أنَّ أكثر مَن كانوا ضِدَّ كتابة الحديث لفترة طويلة هم البَصْرِيون. هذا جَعلني مُتحمسًا. لكنْ هذا يعني العودة إلى كُتب التَّرَاجِم والأدب مع هذه المَرْوِيَّات المُسْنَدة، وجمعُهما معًا. الآن هذه المهارة لم أكنْ قد وُلِدّتُ بها؛ كان عليّ تعلُّمها. وأعتقد أنَّه يمكن للناس تعلُّمها بشكلٍ أسرع إذا خاضوا تدريبًا من هذا القبيل. الآن عليَّ أنْ أقول أنَّ النتيجة التي تَوصلتُ إليها عن البَصْرِيين هي واحدة مِن الأشياء القليلة القَيِّمة التي تَحَصّلْتُ عليها في مَسِيرَتي المِهَنِية. لكنْ شخصًا آخر تَوَصّل لنفس النتيجة بشكلٍ مستقل ونشرها أولاً لأنَّني تركتُ بحثي حَبيس الأدراج لفترةٍ طويلة. لكن ما أَعْنيه هو أن َّهذا مثال جيدٍ على نوع المعرفة التي أقصدُ نقلُها للطُّلابِ حول كيّفيّة الاستمرار في استخدام المصادر.

 

– انتصار: كيفَ قمتَ ببناء المُقَرَر؟ ومتى ولماذا دَوَّنْتَه؟

– مايكل كوك: أعتقدُ أنَّ ذلك كان عندما كنتُ لا أَزالُ في جامعة (SOAS) في لنْدَنَ، وقمت بتصميم الدَوّرَة كتمهيد لطَلبة الماجِستير. لابد أنَّني دَرّسْتُها ربّما مرتين أو ثَلاثْ قبل مَجِيئِي إلى برينستون. ثمَّ عندما جئتُ إلى برينستون، قدمتُها بشكلٍ أكثرَ تفصيلاً. أعتقد أنها أوَّل مرةٍ درّستُها بعد أنْ جئتُ إلى هنا، كانت في نَدوَةِ الخَرِيجِين الأُولى. كيف تَطَوّرَت؟ المصادر الفِعْلية تَتَغير باستمرار؛ كلَّ عامٍ أحتفظُ تقريبا بثَلاثَة أَرْبَاع ما كان لديّ في العام الماضي، وربما أُغَيّرُ رُبعًا لتجنُبِ المَلل أو لأنَّني اكتشفتُ نوعًا مِن الحِكاية اللطيفة التي أُرِيدُ استخدامُها. قبل أيامٍ قليلة فقط، صادفتُ قِطَعَة صغيرة لطيفة من اللُغة الفارسِيّة، ستُؤَدِي إلى تَعَثُّرْهُم تمامًا حتى أقوم بإرشادهِم إلى شُريان الحياة في الأسبُوع المُقْبِل  بطريقةٍ تبدو غيرُ مُتَوقعة تمامًا. ومِن ثَمَّ فإنَّ أولئك الذين تَمَكنُوا مِن مُواصلة الدَّورَة سيسعَدون بلحظة “يوريكا”، وهذا أمرٌ مُشَّجِع. بشكلٍ عام، لم تتغير الفِكْرة الأساسية. لكنْ، على ما أعَتقِدُ  بسبب مُرُور السنوات، لقد قُمْتُ نوعًا ما بِتَوّسِيع نِطاق ما أَفْعَلُه.

 

– انتصار: فيما يتَعلق بالتدريس: بشكلٍ عام، كَيف يُسَاهِم التدريس في إرشاد دراساتُك البَحثِيّة من حيث الأسئلة التي تَطرحُها والمنهج الذي تَتَبِعُه؟

– مايكل كوك: أحد الأشياء المُتعلِقة بالتدريس الجامعي هو أنه يُجْبِرُكَ على البحث عن أشياءٍ بسيطة وصحيحة. وهو أيضًا يَفرِض عليك -وبالتأكيد يُجْبِرُنِي على- المُحَاوَلة والتفكير: فالأسئلة الجيّدة التي يَجب طَرحُها وإيصالُها إلى الطلاب هي أيضًا أسئلة يمكن أنْ تُغَذِي البحثَ بسهولة. وربَّما كان أكثرُ ما غُذِّىّ في بحثي هو المَسارُ الذي كنَّا نَتحدث عنه. مثلاً منذُ بِضع سنوات، لسبب غير ذيِ صِلة، كنتُ أقرأُ سِيرَةَ ابن هِشام، ولاحظتُ أنَّه في كُلِّ مَرّة يتحدثُ عن سَرِيّة أو غَزْوة يخرج فيها (الرسول-صلى الله عليه وسلّم-)، يُخْبِرُكَ منْ كان نَائِبُه في المدينة المُنورة. ابن إسحق لا يفعل ذلك، ولكن ابن هشام يفعلُه بانتظام. وهكذا فكرت: بافتراض أننا جَمَعْنا كلَّ تلك البيانات عن نُوَّاب (الرسول -صلى الله عليه وسلّم- )على المدينة أثناء غَزواته وجمعناها معًا، هل سيُخبِرُنا بأيّ شيء؟ فبدأتُ بفعل ذلك في نَدوة التَّخرُج، ثمّ تَحَوّل البحث إلى مقال عن نُوَّاب المدينة، -نُوَّاب (الرسول-صلى الله عليه وسلّم-) في المدينة المنورة-، نشرتُه في الجريدة الإلكترونية.

 

– انتصار: كيف تجد أو تُصْدِر أحكامًا بشأن السَردِيات المختلفة بين المصادر؟ لماذا يختلفون؟

– مايكل كوك: هذا سهل. هناك شريحة أعرِضُها على طُّلابي الجامعيين قُرْبَ بداية بحثي، قرأتُها في صحيفة (نيويورك تايمز) عن دراسة حول انتشار المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة على الويب -وهذا الآن صحيحٌ للغاية- وأثبت العِلم أنَّ المعلومات الخاطئة تَنتشر بشكلٍ أكبر وأسرع من المعلومات الحقيقية. الآن لا أعتقد أنَّ هذا في الويب فقط، أعتقد أنَّ هذه طبيعة بشرية. ولذا فإنَّ هذا نوع مِن التحذير الذي أُقَدِّمُه لطلابي الجامعيين. يمكن أنْ أُخْبِرُك بالكثير من الأشياء التي حدثت، لكن هل يمكنني فعلاً أنْ أقسم أنَّ كل هذه الأشياء حدثت وبالطريقة التي أُخبِرُك بها؟ ربما لا. لذا، لكل حقيقة، هناك عدد كبير من أنصاف الحقائق والأكاذيب، لذلك لا عجب أنْ نحصل على الكثير من الروايات المختلفة. نحن نتعامل مع بشر.

عند قراءة رِوَايات متباينة، أفترض أنَّ هناك شيئين نفعلُهما. الأوّل: الشيء الحقيقي الصادق الذي يجب أنْ تذهب إلى الجنة من أجله وهو محاولة اكتشاف أيهما أكثر موثوقية. والشيء غير الصادق تمامًا هو أنك تختار الأشياء اللطيفة والمثيرة للاهتمام وذات الطابع الترفيهي قليلًا للطلاب الجامعيين أو أي شيء آخر. وأعتقد أنَّ ما تفعلُه عمليًا هو: لتكون صادقا إلى حدٍ ما فأنت تروي القصة، ولكن لديك البعض يقول أنَّ هناك أيضًا رواية تقول كذا وكذا.

 

– انتصار: هل تبحث عن دوافع كتابة نص معين؟

– مايكل كوك: بالتأكيد، نعم. هذا يعود إلى ما كُنّا نتحدث عنه حول السُنَّة: إذا كان لديك حديثٌ مُتَأخِر، فيمكنُك البحث عن آثار التَّحيُز فيه، فهو قد يكون إمَّا مُعاديًا لبَني أُمَيَّة، أو مُؤيدًا لهم، أو غيرَ ذلك.[3]

 

– انتصار: السؤال الأخير عن كتابك “الهَاجِريَّة”: لماذا “ليس الآن”، وماذا بعد؟[4]

– مايكل كوك: الإجابة المُختصرة هي -كما تعلمين- أعتقد أننا أخطأنا كثيرًا. لكن، مع ذلك كان الموضوع الذي كُنتُ أُفكِّر فيه في ذلك الوقت مفيدًا نوعًا ما بالنسبة لتطوري الفكري على مَرِّ السنين، بالنظر إلى نوع الأجزاء والقِطَع التي صادفتُها. لقد قمت بالتأكيد باستخراج المعلومات على مرِّ السنين من سياقات لم يُلاحِظ أحدٌ أنني قمت بالحَفر فيها.

لماذا ليس الآن؟ لأنني أعتقد أننا ارتَكبنا الكثيرَ من الأخطاء، ببساطة.

إذا انتقلتِ إلى المقال الذي ذكرتُه عن نُوَّابِ (الرسول-صلى الله عليه وسلم)  -وقد سألني أحدُهم هذا السؤال- فربما تقولين: كيف يمكنك أنْ تتحدث بهذا الشكل في المقال وأنت تحدَّثت بهذا الشكل في الكتاب؟ وأعتقد أنني قلت شيئًا من هذا القبيل: أودُّ أنْ أُفكِّر لسنين مرة أخرى، لأنني بذلك أصبح أكثر حِكمة؛ لهذا السبب “ليس الآن”.

لكن ماذا بعد ذلك؟ أنا أكتب هذا الكتاب عن تاريخ العالم الإسلامي إلى العام 1800م، ثم يحتوي على فصل يربط ما يصل إلى عام 1800م مع يومنا هذا. لكنَّه في الأساس  مُوَجَّه إلى ما قبل 1800م. لقد استمتعت تمامًا بفعل ذلك لأنَّه يعني اكتشاف الكثير من الأشياء التي لم أكن أعرف عنها مِن قبل. كما تَعلمين، هذا يجعلُك تنتقل من غرب إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. الآن بحلول الوقت الذي أكون قد انتهيت فيه من ذلك -إذا كنت لا أزال حيّاً- يمكنك أنْ تسأليني مرة ًأخرى.

 

– انتصار: فقط ملاحظة أخيرة: لقد تلقيَّتَ أنت ومايكل كوك الآخر -المُؤسِس والرئيس التنفيذي لشركة (SouthernSun Asset Management) جوائز متعددة للتَميُّزْ والإنجاز مدى الحياة، وأنتج خِطابات قَبول مُثيرة شَقَّت طريقها إلى (Youtube). ماذا عن نصيحة “مايكل كوك” التي تجعل المَرءَ عُرضَة لجائزة الإنجازات مدى الحياة؟ لمَزيد من المعلومات، انظر، على سبيل المِثال، Spurious Correlations..

– مايكل كوك: ها أنا ذا أُقدِّم النصيحة لباحث أصغر سنًا: هناك الكثير من المؤسسات التي تسعى بِشدة للعثور على أشخاصٍ يتميَّزون بها. عليك فقط أنْ تكون في المكان المناسب في اللحظة المناسبة. إنَّهم يَرقُبون بعضهم البعض بحذر؛ وأنْ يُقرِّرَ أحدُهم أنَّك مُتميز، هذا أمرٌ مُخِيف؛ ولكن بمجرد أنْ يفعل أحدُهم ذلك، يصبح الأمرُ أسهل بالنسبة للآخرين.


المراجع والهوامش:

[1] – حرب الفِجَار (43 ق هـ / 580م – 33 ق هـ / 590م) هي إِحدى حُروب العَرب في الجاهلية وحَصَلَت بين قبيلة كَنَانَة (ومنها قُريش) وبين قبائل قَيْس عَيْلان (ومنهم هُوازن وغَطْفان وسَليم وثَقِيف ومُحَارب وعَدوان وفهم). وسُمِيَّت بالفِجَار لِمَا استَحَلَّ فيه هذان الحَيَّان مِن المَحارِم بينهم في الأَشْهُر الحُرُم ولِمَا قَطَعُوا فيه مِن الصِّلات والأرْحَام بينهم. –(المُتَرْجِمْ)

[2] – هذه القاعدة التي يَستَعمِلُها كوك للتعامُل مع الحديث اعتباطِيِّة للغاية، إذْ ما الفَرقُ بين أنْ ندَّعي أنَّ الحديث قيل قبل عام 200 بوقت طويل أو قصير إذا كان الجميع يشتمل على عمل تنبؤي ويُؤْرِّخ للحديث قبل الحدث الذي يذكره؟ من ناحيةٍ أُخرى، إهمال الإسناد يقطع على كلِّ باحثٍ أيّ طريق أُخرى لتَأْرِيخ المَرْوِيَّات، ومِن ثم َّ-كما قرر هارالد موتسكي المُسْتَشْرِق الألماني- بإهمال الأسانيد: لا يمكن أنْ يُدّعى أنَّ طريقة الباحثِين الغربيين أكثر معقولية من مناهج المُحدِّثِين، وهو ما يَسري على قاعدة كوك سالفة الذِكر؛ فهذه القاعدة لا تُقَيِّم للإسناد وزنًا -وهو المصدر الوحيد المُمكن لتَأْرِيخ المَرويات- ولا هي تَدرِس المُتُون المُخْتَلفة للأثر الواحد وتقارن بينها، فأيُّ أساسٍ علميٍ لهذه القاعدة؟ ناهيك عن أنَّه ليس هناك حديثٌ ثابتٌ بهذه الصورة التي ذكرها (بتحديد السُنَّة). (المُتَرْجِمْ)

[3] – من الغريب أنْ يصدر هذا الحكم السطحي جدا من كوك رغم المدة الطويلة التي يفترضَّه عايش فيها التراث الإسلامي، حيث يَختزِلُ الحُكْم َعلى الحديث إلى كَوْنِهِ مُواليًا أو مُعاديًا لبَني أُميَّة، ماذا عن الكَم ِّالهائل مِن الأحاديث الأُخرى التي لا تَمُّتُ لبَني أُميَّة ولا لِغيرهم بِصِلة؟ هذا بِغَضِّ النظر عن أنَّ المُحَقِقِين مِن العلماء قد بَيَّنُوا ما يُرِيدُ مايكل كوك الإشارةَ إليه ولم يكونوا غافلين عنه، فقد قال ابن القيم في «الَمنَارُ المُنِيفُ»: “وكلُّ حديث في ذمِّ بني أُميَّةَ فهو كذِبٌ، وكلُّ حديث في مَدْحِ المنصور والسفَّاح فهو كذِبٌ”. (المُتَرْجِمْ)

[4] – في عام 1970 أصدر مايكل كوك بالاشتراك مع باتريشيا كرون كتابًا بعنوان “الهَاجِرِيَّة: صِناعة العالم الإسلامي”، تناولا فيه التاريخ المُبَكِر للإسلام، مُعْتَمِدِين على الأدلة الأثَرية والوثائق باللغة العربية والأرمِنِيَّة والقِبْطِية واليونانية والعِبرية والآراميّة واللاتينية والسِريَانية. فِكْرة ُالكِتَاب -كما أوَّضَح الباحِثان- هي أنَّ الدراسات التاريخية الغربية عن بدايات الإسلام ينبغي أنْ تَستَنِد إلى البيانات التاريخية والأثرية والفِيلُولُوجية المعاصرة -كما هي الحال عند دراسة اليهودية والمسيحية- بدلاً مِن الاعتماد على المرويات الإسلامية والكتابات العربية اللاحقة، كما اعتبراه الآثار الإسلامية من سيرة وحديث لا يمكن الاعتماد عليها تاريخيًا، وأنَّ القرآن ما هو إلاَّ نِتاج تفاعل كتابات مختلفة من القرن الثامن والمأخوذة من مصادر يهودية ومسيحية مختلفة؛ ومِن ثَمَّ قَدَّما -بالاعتماد على الأدلة الأثرية والفُيلُولُوجِية والتاريخية المعاصرة- ما زَعِما أنَّه الرواية الأكثر دقة من الناحية التاريخية لأصول الإسلام؛ وقد تُرْجِم الكِتَاب للعربية، واحتفى به عددٌ من الباحثين الغربيين؛ وها هو كوك يُعلِن عن مَوْقِفِهِ مِن كِتابِهْ. (المُتَرْجِمْ)

المصدر
islamiclaw

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى