- سيمون ماير
- ترجمة: عبد الرحمن فتحي
- تحرير: سهام سايح
هل يكون للتحولات الجذرية الطارئة على أسلوب حياتنا يدٌ في المعركة الكبرى ضد الفيروس، هل يمكنها أن تمهِّد الطريق إلى اقتصاد أكثر إنسانية في المستقبل؟.
تُرى كيف سينتهي بنا المطاف بعد 6 أشهر أو عام من الآن، أو لنقل، بعد عشرة أعوام من الآن؟ أسئلة كثيرة تقضُّ مضجعي حول ما يحمله المستقبل لنا ولأحبائنا وأصدقائنا وأقاربنا المعرضين لخطر الإصابة أو الموت ربما. أتساءل أيضًا عما يحمله المستقبل لعملي، حتى وإن كنت من هؤلاء المحظوظين الذين يمكنهم العمل عن بعد متقاضين أجورًا معقولة كذلك. أكتب لكم الآن من المملكة المتحدة، حيث لايزال أصدقائي أصحاب المهن الحرة ينتظرون الفرَج منذ أشهر قضوها بلا أيّة أجور، وفي الوقت الذي فَقد فيه أصدقاء آخرون وظائفهم. والعقد الذي يتكفل بـ 80% من راتبي سينتهي في ديسمبر القادم.
إنّ أزمة كورونا تضرب الاقتصاد بلا هوادة، فهل سأجد من يوظفني مستقبلاً عندما أمسي بلا عمل؟
توجد عدة سيناريوهات محتملة لما سيكون عليه مستقبلنا، وجميعها تعتمد على الطريقة التي ستتعامل بها المجتمعات والحكومات مع الفيروس وتبعاته الاقتصادية الكارثية. ونحن نأمل أن تكون تلك الجائحة فرصة لإعادة هيكلة وإنتاج وضع جديد أفضل وأكثر إنسانية مما سبق. وربما يحدث العكس، فقد تنزلق أقدامنا في ما هو أسوأ من الوضع السابق.
أظن أنّه يمكننا فهم وضعنا الحالي –ووضعنا المستقبلي- عن طريق النظر في الأزمات الأخرى، فبحثي يسلط الضوء على أساسيات الاقتصاد الحديث مثل: قيود التوريد العالمية، والأجور، والإنتاجية. وفي تصوري أن الديناميكيات الاقتصادية قد ساهمت في ظهور مشكلات كتغير المناخ وانخفاض مستوى الصحة البدنية والعقلية بين العاملين. وقد زعمت أنّنا بحاجة إلى نوع مختلف تمامًا من الأشكال الاقتصادية إن أردنا بناء مستقبل أكثر عدلاً اجتماعيًا وأكثر سلامةً بيئيًا؛ والآن ونحن نواجه الفيروس ونشهد ما يحدث، فإنّ الأمر بات واضحًا وضوح الشمس أنّنا بحاجة إلى التغيير.
فالاستجابات لجائحة كورونا تمثلت ببساطة في تضخيم الديناميكية التي تدفع الأزمات الاقتصادية والبيئية الأخرى، وهذه الديناميكية تعني: إعطاء الأولوية لقيمة واحدة على حساب القيم أخرى. وقد لعبت دورًا كبيرًا في توجيه أشكال الاستجابة للوباء. لذا، مع تطور أشكال الاستجابة للمرض، كيف يمكن تخيل تطور مستقبلنا الاقتصادي؟
من وجهة نظر اقتصادية: نبدو أمام 4 سيناريوهات محتملة للمستقبل:
1- السقوط في مستنقع البربرية،
2- رأسمالية الدولة القوية،
3- اشتراكية الدولة الراديكالية،
4- التحول إلى مجتمع كبير مبني على الإعانة المتبادلة.
هذه السنياريوهات كلُّها محتملة بشكل كبير، وإن كانت غير مرغوبة بالقدر نفسه.
التغييرات الصغيرة لم تعد تؤتي ثمارها
تشبه أزمة كورونا مشكلة تغير المناخ في كونهما جزءًا لا يتجزأ من مشكلة هيكلنا الاقتصادي بشكل عام. وعلى الرغم من أنّهما يبدوان وكأنهما مشكلات “بيئية” أو “طبيعية” ، إلا أن القوة المحركة لهما اجتماعية بالأساس.
صحيح أن تغيُّر المناخ يحدث بسبب انبعاث غازات معينة تمتص الحرارة، إلا أنه تفسير سطحي في الحقيقة. ولنفقه أمر التغير المناخي، فإننا بحاجة لفهم الأسباب الاجتماعية التي تجعلنا مساهمين في انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
وبالمثل عند الحديث عن كورونا؛ فصحيح أن السبب المباشر هو الفيروس نفسه، لكن إدارة تبعاته تتطلب منا فهمًا سليمًا للسلوك البشري إزاءها، وكذلك فهم سياقه الاقتصادي الأوسع.
فمعالجة أزمتي المناخ وكورونا تغدو أسهل بكثير إذا قلَّلنا من النشاطات الاقتصادية غير الأساسية. فبالنسبة لتغير المناخ، يكمن الحل في إنتاج مواد أقل مما يعني استخدام طاقة أقل فتقلُّ في المحصلة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وبالنسبة لكورونا، فإنّ علم الأوبئة يتطور في هذا الإطار بشكل سريع، لكن المنطق الأساسي بنفس بساطة مسألة المناخ. فالناس يختلطون ومن ثم تنتقل العدوى فيما بينهم. وهذا يحدث في التجمعات المنزلية، وأماكن العمل والرحلات التي يقوم بها الناس. ومن المرجح أنّه عندما يقلُّ هذا الاختلاط فإنّ انتقال العدوى من شخص لآخر سيقلُّ مما ينتُج عنه حالات مصابة أقل بشكل عام.
ربما يساعد تقليل الاتصال بين الأشخاص في وضع استراتيجيات تحكم أخرى، وأحد تلك الاستراتيجيات الشائعة التي تحد من تفشي الأمراض المعدية تتمثل في تتبع المخالطة والعزل. حيث يتم تحديد اتصالات الشخص المصاب في الفترة السالفة ثم وضعهم بالعزل لمنع ظهور حالات جديدة. وتزداد نجاعة هذا الحل بزيادة النسبة المئوية للأفراد المتتَبعين. وكلما كان للشخص المصاب اتصالات أقل، كلما سهلت مهمة التتبع ومن ثم سَهُل الوصول إلى تلك النسبة المئوية العالية.
وبوسعنا أن نعلم من مؤشرات ووهان أن تدابير التباعد الاجتماعي والعزل فعّالة بشكل كبير. كما يساعدنا الاقتصاد السياسي على فهم الأسباب التي أدت إلى إرجاء تلك التدابير في البلدان الأوروبية (وخاصة المملكة المتحدة والولايات المتحدة).
اقتصادٌ هش
تزيد إجراءات الحجر المنزلي الحِمل على الاقتصاد العالمي، فنحن على شفا ركود اقتصادي حقيقي، وقد دفعت هذه الضغوطات بعض رؤساء العالم إلى المناداة بتخفيف إجراءات وتدابير الحجر المنزلي.
التدابير الاقتصادية في فترات الانهيار بسيطة إلى حد ما: فالشركات وُجدت لجني الأرباح، وإن لم تكن الشركات منتجة، فإنها لن تبيع شيئًا، مما يعني أنها لن تجني أية أرباح، ومن ثم لن تكون فرص توظيفك كبيرة. يمكن للشركات أن تعلّق (على فترات زمنية قصيرة) العمال غير المفيدين في الوقت الراهن ومن ثم تكون قادرة على تلبية احتياجات السوق عندما ينتعش الاقتصاد ويقف على قدميه من جديد. ولكن في حالة أن الأمور ازدادت سوءًا على سوء، فإن الشركات لن تقوم بهذا التعليق. لهذا يخسر الكثيرون وظائفهم أو يخافون من كون الأمر وشيكًا؛ لذلك سيشترون بمعدل أقل من السابق، وتبدأ الدورة برمتها من جديد، وننطلق حثيثا نحو الكساد الاقتصادي.
في الأزمات الطبيعية، يكون العلاج بسيطًا، حيث تنفق الحكومات مما لديها حتى يعود الناس إلى العمل والاستهلاك من جديد. ولكن التدخلات الطبيعية لن تكون ذا بال هنا لأنّنا لا نريد للاقتصاد أن يتعافى (على الأقل ليس في الوقت الراهن).فالهدف الأساسي من الحجر المنزلي هو إيقاف الناس عن الذهاب إلى العمل، حيث تتكون بؤر العدوى. وفي دراسة حديثة اقترحت أن رفع إجراءات الحظر في ووهان (بما في ذلك إغلاق أماكن العمل) قد يثمر أن تشهد الصين قريبا ذروة ثانية من الحالات في وقت لاحق من عام 2020.
وكما كتب عالم الاقتصاد جيمس ميدواي: لا تكمن الاستجابة السليمة لوباء كورونا في ما يعرف باقتصاد الحروب -أي رفع الإنتاج إلى مستويات هائلة- إنما يكمن الحل في “اقتصاد اللاحرب” وتخفيض الإنتاج بمستويات هائلة. وإذا أردنا أن نكون أكثر صمودًا أمام أوبئة المستقبل (ناهيك بالصمود أمام التغيرات المناخية) فإننا بحاجة إلى نظام قادر على تقليص الإنتاج بطريقة لا تقلص سبل العيش.
لذا، فما نحتاجه الآن هو عقلية اقتصادية جديدة. فقد اعتدنا رؤية الاقتصاد بمثابة عملية بيع وشراء تداولية للسلع الاستهلاكية بشكل رئيسي، ولكن ليس هذا هو الاقتصاد ولا هو الذي نحتاجه. فالاقتصاد في جوهره يعبر عن الطريقة التي نحول فيها مواردنا إلى أشياء نحتاج إليها لنعيش. وبالنظر إليه من هذه الجهة، فإنّه يمكننا البدء في رؤية فرص الحياة بشكل مختلف مما يسمح لنا بإنتاج أقل، أي إنتاج ما نحتاج إليه بالفعل، بدون زيادة جرعة البؤس في العالم.
لقد كنت أنا وبعض الإيكولوجيين الاقتصاديين مهتمين منذ فترة طويلة بمسألة الكيفية التي تنتج بها كميات أقل من المحاصيل على نحو عادل اجتماعيًا، وذلك لأنّ التحدِّي المتمثل في إنتاج كميات أقل من المحاصيل يشكل أيضًا أهمية مركزية في التعامل مع تغير المناخ. وكل ما عدا ذلك، فكلما زاد إنتاجنا، كلما ازداد انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. لذا يبقى السؤال، كيف يمكنك تقليل كمية المواد التي تنتجها مع إبقاء الأشخاص في العمل؟
تذهب الاقتراحات إلى تقليل طول أسبوع العمل، أو كما ذهبت إليه فحوصاتي الأخيرة بأنك قد تسمح للناس بأن يعملوا بشكل أبطأ وبضغط أقل. ولا شيء مما سبق يتصل بشكل مباشر مع ممانعة المرض، حيث تهدف الإجراءات بشكل أساسي إلى تقليل التواصل بين البشر لا تقليل الإنتاج. إلا أن المقترحات جميعها تصب في جهة واحدة؛ عليك أن تقلِّل من اعتماد الناس على الحاجيات ليكونوا قادرين على العيش.
ما الهدف من الاقتصاد؟
يكمُن مفتاح فهم الاستجابات المختلفة للوباء في فهم المغزى وراء الاقتصاد بشكل عام، فالهدف الأساسي للاقتصاد العالمي هو تسهيل عملية تبادل الأموال، وهو ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد “قيمة المبادلة” “exchange value”
تتمثل الفكرة المهيمنة للنظام الحالي الذي نعيش فيه في الاعتقاد بأنّ “قيمة المبادلة” هي ذاتها “قيمة الاستعمال”[1]. فبشكل أساسي، سينفق الناس أموالهم على الأشياء التي يريدونها أو يحتاجونها، وهذا النمط من الإنفاق يخبرنا شيئًا عن الكيفية التي يقيّم بها الناس “استعمال السلعة” ولهذا يُرى السوق بمثابة المحرك الأفضل للمجتمعات. فالسوق يسمح لنا بالتكيف، كما أنه مرن بما يكفي لمطابقة السعة الإنتاجية مع القيمة الاستعمالية.
يكشف الوباء الحالي كم كنا مخطئين حيال أفكارنا ومعتقداتنا حول آلية السوق. وفي مختلف أنحاء العالم تخشى الحكومات أن تتعطل النظم الحرجة أو أن تكون مثقلة بالأعباء، مثل : قيود التوريد العالمية، والرعاية الاجتماعية وأهمها على الإطلاق: الرعاية الصحية. والعوامل كثيرة جدًا في هذا السياق، ولكن نتناول منها عاملين اثنين:
أولاً: من الصعب للغاية جني المال من العديد من الخدمات الاجتماعية الأساسية. ويرجع هذا جزئيًا إلى أن المحرك الرئيسي للأرباح يتلخص في نمو إنتاجية العمل[2]: ويتم ذلك عن طريق إنتاج المزيد بأقل عدد من الناس، فالناس عامل تكلفة كبير في العديد من القطاعات، وخاصة تلك التي تعتمد على التفاعلات الشخصية، مثل الرعاية الصحية. وبالتالي فإنّ معدل نمو الإنتاجية في قطاع الرعاية الصحية ينخفض عن بقية قطاعات الاقتصاد[3]، لذا فإن تكاليف الرعاية الصحية ترتفع بسرعة أكبر من المتوسط لتعويض انخفاض نمو الإنتاجية.
ثانيًا: أن الوظائف في العديد من الأقسام الاجتماعية الحرجة لا يقدرها المجتمع حق قدرها، فالكثير من المهن ذات الأجور المرتفعة كل وظيفتها أنها تسّهِل التبادلات لجني الأموال. فالحق أنها وظائف لا تخدم أغراض أوسع في المجتمع، ولكن لأنها تحقق الكثير من المال أصيب المجتمع بتخمة في أعداد المستشارين، وفي قطاع صناعة الإعلان والقطاع المالي على عكس الأقسام الأخرى الأقل أجورًا ومن ثم أقل عمالةً.
ومن ناحية أخرى، يعاني المجتمع من أزمة في الرعاية الصحية والاجتماعية، حيث يدفع الناس في كثير من الأحيان إلى ترك مهنهم التي يستمتعون بمزاولتها فقط لأنها لا تدفع لهم القدر الكافي للعيش.
وظائف عديمة الفائدة
يمكن اعتبار التوافد الكبير للناس على الوظائف عديمة الفائدة جزءًا لا يتجزأ من المشكلة الكبرى التي نواجهها الآن: كوننا غير مستعدين بما يكفي لمواجهة الأزمة. فالوباء سلط الضوء على عبثية العديد من الوظائف أو كونها غير أساسية لاستمرار حياتنا، في الوقت الذي نفتقر فيه إلى العاملين الأساسيين والأكفاء للإمساك بزمام الأمور من جديد.
فالناس مضطرون إلى العمل في وظائف عديمة الفائدة لأنه في المجتمعٍ الذي تكون فيه قيمة المبادلة هي المبدأ المهيمن على الاقتصاد، تكون السلع الأساسية كافة موجودة بشكل أساسي في الأسواق، مما يعني أن عليك شرائها، وشرائها يحتاج إلى دخلِ، والدخل يتأتى بالعمل.
والوجه المقابل لهذا الأمر يتمثل في كون أكثر الحلول تطرفًا و(كفاءةً) في مواجهة تفشي الوباء تناهض هيمنة الأسواق وقيمة المبادلة على المجتمع. والآن تتخذ الحكومات حول العالم إجراءات بدت مستحيلة من ثلاثة أشهرٍ سبقت. ففي إسبانيا مثلا: أُمِّمَت المستشفيات الخاصة. وفي بريطانيا، أصبحت إمكانية تأميم مختلف وسائط النقل أمرًا واردًا جدًا. كما أعلنت فرنسا عن استعدادها لتأميم الشركات الكبرى.
وفوق ذلك، بينما نشاهد بأعيننا انهيار أسواق العمل، فإن بلدانا مثل الدنمارك وبريطانيا تمد الموظفين بدخول معقولة لكي لا يضطروا إلى الذهاب إلى العمل. وهذا جزء أساسي من خطط الحَجر الناجحة. على أن هذه التدابير بعيدة تماما عما نصبو إليه، ولكن بالرغم من هذا، يمكن اعتبار هذا الفعل نقلة ملحوظة من مبدأ يدعو إلى العمل لكسب الدخل، إلى مبدأ آخر يقدم حياة البشر على الدخل، فالناس يستحقون الحياة حتى وإن كانوا لا يستطيعون العمل.
ويعكس هذا هيمنة توجهات الأربعين سنة الأخيرة. فعلى مدار هذه المدة، كان يُنظر إلى الأسواق وقيم المبادلة بمثابة الطريقة المثلى لتحريك الاقتصاد. وبناءً على ذلك، كانت الأنظمة العامة تحت ضغط مستمر لتسَوَّق، أي لتتم إدارتها كما لو أنها شركات كل همها جني المال. وبطريقة مماثلة، أصبح العاملون أكثر عرضة للسوق بشكل مستمر حيث أثمرت سياسات سوق العمل الحر[4] وعقود ساعات العمل الصفرية[5] عن إزالة الضمانات التي تحمي الناس من تقلبات السوق والتي كانت توفرها العمالة المستقرة طويلة الأمد.
ويبدو أن كورونا يعكس هذا التوجه الهام، توجه يسعى إلى إخراج السلع الصحية والعمالية من السوق، ومن ثم وضعها بأيدي الدولة. فالدولة تنتج لأسباب عديدة، بعضها حَسَن وبعضها الآخر سيئ. ولكنها -على عكس الأسواق- ليست بحاجة إلى الإنتاج في سبيل قيمة المبادلة وحدها..
هذه التغييرات تبث الأمل في النفوس، وتعطينا الفرصة لإنقاذ حياة الكثيرين. كما أنها تعطينا إشارة إلى إمكانية وجود تغيير على المدى الطويل يجعلنا أسعد من ذي قبل ويساعدنا على الإحاطة بمشكلة تغير المناخ. ولكن لماذا تأخرنا كثيرًا حتى نصل إلى وجهتنا الصحيحة؟ ولماذا لم تكن العديد من البلدان على استعداد لإبطاء الإنتاج؟ تكمن الإجابة في تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الصحة العالمية WHO : إنهم ببساطة “لم يمتلكوا طريقة التفكير” الصحيحة.
مستقبل الاقتصاد في تصوُّرنا
لقد كان هناك إجماع اقتصادي واسع منذ 40 سنة، مما أثر على طريقة تفكير السياسيين والمنظرين، وحدَّ من قدراتهم على ملاحظة أوجه القصور والخلل في النظام الاقتصادي أو حتى قدرتهم على تخيل نماذج بديلة، وهذه الطريقة من التفكير يوجهها خطان رئيسيان:
- يوفر لنا السوق حياة الرفاهية، ومن ثم ينبغي حمايته.
- لطالما عاد السوق إلى حالته الطبيعية بُعيْد مرور الأزمات.
هاتان الرؤيتان شائعتان جدًا في العديد من البلدان الغربية، وتصلان إلى ذروتهما في كلٍّ من أمريكا وبريطانيا، واللتان أظهرتا لنا مدى سوء الاستعداد والاستجابة للوباء.
وفي بريطانيا، نقل الحضور في مشاركة خاصة باقتضاب كلمات كبير مساعدي رئيس الوزراء حول النهج المتبع لمواجهة الوباء، حيث ضم خطابه كلمات مثل “مناعة القطيع، وحماية الاقتصاد، وإن كان ذلك يعني موت بعض أصحاب المعاشات وهم في حالة سيئة للغاية” وقد أنكرت الحكومة هذا الخطاب، ولكن حتى وإن كان حقيقيًا، فهذا لن يفاجئني البتة؛ ففي إحدى المناسبات الحكومية حديثة العهد بظهور الوباء، أخبرني موظف مدني كبير التالي : “هل يستدعي الأمر تعطيل حركة الاقتصاد؟ ستعرف الجواب بنفسك إذا نظرت إلى تقييم الحياة من منظور خزينة الدولة”.
هذا النوع من الرؤى متغلغل في أوساط النخبة، ويتجلى ذلك بوضوح في خطاب مسؤول مدينة تكساس الذي زعم أن “كبار السن سيؤثِرون الموت على رؤية أمريكا تغرق في ركود اقتصادي”.
هذه الرؤية تهدد حياة الكثير من الضعفاء (وليس كبار السن وحدهم من يدخلون في تلك الدائرة)
وهذا خيار زائف كما وضحنا.
وقد تثمر الأزمة عن عدة نتائج، أهمها توسيع مخيلتنا الاقتصادية، فالحكومات والمواطنين يأخذون خطوات الآن بدت مستحيلة منذ ثلاثة أشهر مضت، وبالمثل قد تتغير أفكارنا حول الكيفية التي يعمل بها العالم. ولنلقِ نظرة الآن على ما قد يقودنا إليه الخيال.
أربع رؤى مستقبلية
لنضع أقدامنا في المستقبل، فإنّنا بحاجة إلى استخدام أسلوب من حقل الدراسات المستقبلية؛ ويتمثل ذلك في أخذ عاملين نظن أنّه سيكون لهما نصيب في قيادة المستقبل، ثم نتخيل السيناريوهات المحتملة في ظل التركيبات المختلفة لهذين العاملين معًا.
ولقد اخترت عاملي “القيمة” “value” والمركزية “centralization” لهذه المهمة. فأما القيمة فإنّها تشير إلى المبدأ الاقتصادي المهيمن، هل نستخدم مواردنا في سبيل تضخيم الفوائد والأموال، أم نستخدمها في سبيل تحسين سبل الحياة إلى أقصى قدر ممكن؟ أما المركزية فإنّها تشير إلى الكيفية التي تُنظَّم بها أمورنا، سواء كان ذلك في ظل وحدات قيادة صغيرة أوفي ظل وحدة كبيرة مهيمنة.
يمكننا إعادة ترتيب هذه العوامل داخل شبكة من الاحتمالات ثنائية التركيب نخلُص منها إلى أربعة سيناريوهات/مجموعات محتملة، ومن ثم نجرب الاستجابة إلى الوباء في ضوئها كافة:
المجموعات كالتالي:
- رأسمالية الدولة: استجابة مركزية + إعطاء الأولوية لقيمة المبادلة.
- بربرية: استجابة لا مركزية + إعطاء الأولوية لقيمة المبادلة.
- اشتراكية الدولة: استجابة مركزية+ إعطاء الأولوية لحماية حياة الناس.
- الإعانة المتبادلة: استجابة لا مركزية+ إعطاء الأولوية لحماية حياة الناس.
رأسمالية الدولة
يُمثِّل هذا الخيار الاستجابة المهيمنة على العالم في الوقت الحالي، وينطبق هذا على بريطانيا وإسبانيا و الدنمارك.
يستمر مجتمع الدولة الرأسمالي في اقتفاء آثار قيمة المبادلة بوصفها الضوء الهادي للاقتصاد. ولكن المجتمع يستوعب أن الأسواق في أزمة تتطلب الدعم من الدولة. مع الأخذ في الاعتبار أنّ العديد من العمال لا يستطيعون مزاولة أعمالهم لأنهم إما مرضى أو يخافون من المرض، ففي هذه الحالة تتدخل بخطط رعاية ممتدة. كما أنها تطبق حوافز كينزية[6] ضخمة عن طريق مد قروض الشركات وتقديم مدفوعات مباشرة لها.
ومن المتوقع أن يستمر هذا لفترة قصيرة. فالهدف الرئيسي للخطوات التي يتم اتخاذها هو السماح لأكبر عدد ممكن من الشركات التجارية بأن تستمر في التجارة بلا انقطاع. وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال، لا يزال توزيع الغذاء يتم بواسطة الأسواق (ولو أن الحكومة خففت من قوانين المنافسة). وحيث يتم دعم العمال مباشرة، يحدث هذا بوسائل تسعى إلى الحد من تعطل سير العمل الطبيعي في السوق. وكما هي الحال في بريطانيا، يتقاضى أرباب العمل المدفوعات من الدولة ثم تُوزَع من خلالهم. أما حجم المدفوعات فيتم تقديره على أساس قيمة التبادل التي ينتجها العامل عادة في السوق، وليس على أساس فائدة عمله.
هل يُعدُّ هذا السيناريو ناجحًا؟ ربما نعم، ولكن في حالة التحكم في الوباء على المدى القصير. لأننا عندما نتجنب أو نخفف من إجراءات الحظر الكامل لنحافظ على حركة السوق، سيتلو هذا على الأرجح انتقال للعدوى. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، لا تزال أعمال البناء غير الضرورية مستمرة إلى الآن، الأمر الذي يجعل العمال يختلطون فيما بينهم. وسيكون من الصعب الحفاظ على هذا التدخل المحدود من الدولة إذا فقدنا السيطرة على معدل الوفيات. وسوف يثمر المرض ووفياته المتزايدة عن تعميق الآثار الاقتصادية واضطرابها، مما يرغم الدولة في نهاية المطاف على اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة في محاولة منها للحفاظ على حركة سوق العمل.
البربرية
وهذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق! فالبربرية تعني أننا سنستمر في الاهتداء بقيمة المبادلة كمبدأ حاكم وسنرفض في الوقت نفسه تقديم الدعم إلى هؤلاء الضعفاء الذين حالت ظروفهم -من مرض أو بطالة- بينهم وبين الأسواق. إنها مرحلة لم نشهدها بعد.
فالشركات تسقط والعمال يموتون جوعا بسبب عدم وجود آليات تحميهم من حقيقة السوق القاسية. فالمستشفيات لا تزود بإجراءات استثنائية، ومن ثم تصبح مغلوبة على أمرها، وتستسلم أمام موت الناس تباعًا. فالبربرية في جوهرها نظام غير مستقر فهي ما تلبث أن ينتهي بها الحال متحولةَ إلى أحد الأشكال الاقتصادية الأخرى التي تصورناها أو تفسد بالكلية، ويتم هذا بعد فترة من الخراب الاجتماعي والسياسي.
هل يُتصور حدوث ذلك؟
ما يقلقنا فعلاً ليس حدوث ذلك بالخطأ خلال فترة الوباء، ولا حتى إن حدث عمدًا بعد أن بلغ الوباء ذروته. إنما الخطأ الذي لا يغتفر فعلاً سيكون في عجز الدولة عن التدخل بشكل كبير كفاية خلال أصعب فترات الأزمة. فالدعم قد يُقدَم للشركات والمنازل، ولكن إن لم يكن هذا كافيًا لمنع السوق من الانهيار في مواجهة انتشار المرض، فإن الفوضى آتية لا محالة. كما قد يتم إرسال المزيد من الإمدادات المادية والبشرية إلى المستشفيات، ولكن إن لم يكن هذا كافيًا لسدِّ الحاجة، فإنه سيتم تجاهل العديد والعديد من الأشخاص المحتاجين للرعاية.
ومن المرجَّح أن يتبع هذا تقشف شديد بعد أن يصل المرض إلى ذروته ثم تسعى الحكومات إلى العودة للوضع “الطبيعي”. ولقد أنذِر بذلك في ألمانيا، حيث إن الوضع قد يتطور إلى كارثة حقيقية، ولا سيما أن خفْض تمويل الخدمات الحرجة أثناء التقشف أثر على قدرة البلدان على الاستجابة للوباء.
والفشل اللاحق للاقتصاد والمجتمع من شأنه أن يفضي إلى اضطراب في السياسة وخلل في الاستقرار المجتمعي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى فشل الدولة وانهيار أنظمة الرعاية فيها وفي المجتمع.
اشتراكية الدولة
تصف اشتراكية الدولة السيناريو المستقبلي الأول المرجح رؤيته عما قريب نتاجًا للتغييرات الثقافية التي تدخِل نوعًا مختلفًا من القيم في قلب الاقتصاد. فهذا ما نصل إليه إذا سرنا على امتداد خط الإجراءات التي نشاهدها في بريطانيا وإسبانيا و الدنمارك.
فالأهم هنا معرفة أن تدابير على شاكلة تأميم المستشفيات والرواتب العمالية لا ينظر إليها على أنها تدابير وقائية لحماية السوق، إنما اتُخذت للحفاظ على حياة الناس. ففي سيناريو كهذا تتدخل الدولة لحماية أجزاء الاقتصاد الأساسية لاستمرار الحياة مثل إنتاج الطعام والطاقة والسَكَن. ولذا لم تعد بنود الحياة الأساسية رهينة السوق وأهوائه. فالدولة تؤمم المستشفيات وتجعل المساكن متاحة بالمجان. وأخيرًا، توفِّر للمواطنين كافة طرق الوصول إلى مختلف السلع –سواء كانت سلعا أساسية أو سلعا استهلاكية يمكننا إنتاجها بقوة عاملة مخفضة.
فأرباب العمل لم يعودوا الوسطاء الوحيدين بين المواطنين وحاجاتهم الأساسية للحياة. فالرواتب تصل للجميع مباشرةً دون النظر إلى قيمة المبادلة التي خلقوها. بل إن الرواتب هي نفسها بالنسبة للجميع (على أساس أننا نستحق أن نكون قادرين على مواصلة الحياة لأننا ببساطة على قيد الحياة)، أو أنها على أساس فائدة العمل. فعمال المحال التجارية و سائقي خدمات التوصيل المنزلي ومنظموا المخازن والممرضات والمعلمون والأطباء هم الرؤساء التنفيذيون الجدد.
إنّه لمن المحتمل أن اشتراكية الدولة ستخرج من رحم محاولات رأسمالية الدولة وآثار استمرارية الوباء لفترة طويلة. فإذا حدث ركود عميق وتزامن معه اضطراب في قيود التوريد فإن ظرفًا كهذا يستحيل معالجته في ظل السياسات الكينزية التي نشهدها الآن (طباعة النقود وتسهيل الحصول على القروض وما إلى ذلك)، فإن الدولة قد تأخذ بزمام الإنتاج.
وبطبيعة الحال، هناك مخاطر تهدد هذه المقاربة، وعلينا أن نكون حريصين من تسلُّل سياسات الاستبداد. وعلى الجانب الآخر، إن استطعنا إنجاز هذا الأمر بأداء طيِّب، فإنه قد يكون أملنا الوحيد في مواجهة انتشار المرض على نحو صعب. وأملنا الوحيد في الحصول على دولة قوية مستقرة قادرة على حشد الموارد في سبيل الوظائف الأساسية للاقتصاد والمجتمع.
الإعانة المتبادلة
وهو السيناريو الثاني المتوَقَع حدوثه عندما تكون حماية حياة الأفراد هي المبدأ الموجّه لاقتصادنا. ولكن في هذه الحالة لن يكون للدولة دور محدد، وسيكون الاعتماد الكلي على الأفراد والجماعات الصغيرة في تنظيم عمليات الدعم والرعاية داخل مجتمعاتهم.
والمخاطر التي تنطوي عليها هذه المقاربة تتمثل في أن المجموعات الصغيرة عاجزة عن التعبئة السريعة للموارد اللازمة لرفع قدرة الرعاية الصحية بشكل فعّال. ولكن هذا النموذج قد يساهم في حدوث منع انتقال فعال، عن طريق بناء مجتمع يدعم الشبكات المعنية بحماية الضعفاء ويضبط إجراءات العزل. والهيئة الأكثر تفاؤلا لهذا السيناريو تتمثل في صعود هياكل ديمقراطية جديدة. تتألف من مجموعات ضمن المجتمعات المحلية، قادرة على تعبئة موارد كبيرة بسرعة نسبية. فالناس يتعاونون معًا للتخطيط لاستجابات إقليمية توقف انتشار المرض أو(إن كانت لديهم المهارات اللازمة) لعلاج المرضى. .
يمكن لهذا النموذج البزوغ من بين أي نموذج من الثلاثة الأًخَر. فهو طريق محتمل من البربرية أو رأسمالية الدولة، كما أنه قد يدعم اشتراكية الدولة. ونحن نتذكر أن استجابة المجتمع لمرض الإيبولا كانت استجابة مركزية، كما نرى بالفعل جذور هذا المستقبل اليوم في المجموعات التي تنظم حزم الرعاية والدعم المجتمعي. وبوسعنا أن ننظر إلى هذا باعتباره فشلاً في استجابات الدولة. أو نستطيع أن ننظر إليه باعتباره استجابة مجتمعية براجماتية ورحيمة لأزمة بدأت تكشر عن أنيابها.
خوف ورجاء
هذه الرؤى السالفة مغالية وكاريكاتورية، ومن المرجح أن تؤول إحداها إلى الأخرى. فما أخشاه هو أن ينتهي الحال برأسمالية الدولة إلى البربرية، وما أتمناه هو أن أرى مزيجا بين اشتراكية الدولة والإعانة المتبادلة وهو ما يعني وجود دولة ديمقراطية قوية تجمع الموارد لبناء نظام صحي أقوى، وتضع الأولوية لحماية الضعفاء من أهواء السوق وتستجيب لتمكين المواطنين من تشكيل جماعات مساعدات متبادلة بدلاً من العمل في وظائف لا معنى لها.
في النهاية، ما نأمله بوضوح أن تزرع هذه السيناريوهات بذور الخوف، وبعض بذور الأمل كذلك. فلقد سلط فيروس كورونا الضوء على أوجه القصور الخطيرة في نظامنا الحالي. والاستجابة الفعالة لهذا تتطلب تغييرات اجتماعية جذرية. ولقد زعمت أن هذا يتطلب تحركات جذرية بعيدة عن الأسواق وعن اعتبار الأرباح وسيلة أساسية لتنظيم الاقتصاد. أما الجانب الإيجابي من الأمر هو إمكانية بناء نظام أكثر إنسانية في المستقبل، نظام يجعلنا أكثر مرونة عند مواجهة الأوبئة وغيرها من الأزمات الوشيكة مثل تغير المناخ.
وللتغير الاجتماعي روافد عديدة ذات تأثيرات عديدة. ومهمتنا الرئيسية تتمثل في رسم ملامح الأشكال الاجتماعية الناشئة من أخلاقيات تقدر الرعاية والحياة والديمقراطية. إن المهمة السياسية المركزية في هذا الوقت من الأزمة هي العيش، والتنظيم (فعليًا) في إطار القيم السابقة.
الهوامش
[1] 1- قيمة الاستعمال: أ- تتمثل في قدرة أو إمكانية الشيء سواء كان سلعة/خدمة على إشباع حاجة مباشرة والإشباع يعني الرغبة في الحصول على نفع أو درء ألم ما. فالشرب مثلا يعني إشباع للشارب، أو نفعه من ناحية، كما قد يعني الرغبة في دفع ألم العطش عنه ، وتحقق قيمة الاستعمال نتيجة لوجود صفات تميز الشيء المستخدَم وهي إما صفات ملازمة لذات الشيء(كالهواء والتنفس) أو صفات راجعة لجهد الإنسان في تحويلها إلى سلع قادرة على الإشباع من جهات ما (القطن-الملابس).
2- قيمة المبادلة: يقصد بها قدرة الشيء (سواء كان مالاً أو خدمة) على أن يتبادل بشيء آخر ومن ثم فإن هذه القيمة تنصرف إلى العلاقة الكمية التي تتمثل في المعدل التبادلي ، أو في النسبة التي يتبادل بها شيء له صفات معنية بشيء آخر له صفات مختلفة ومثال ذلك مبادلة خمسة كيلوجرامات من البطاطس في مقابل عشرة كيلو جرامات من البرتقال.
[2] الإنتاجية: هي معدل ما يمكن الحصول عليه من الإنتاج مقسوما على معدل ما يُصرف للحصول على هذا الإنتاج. ويأخذ هذا المعدل صيغة تناسب بين مجموع المخرجات التي يتم الحصول عليها من سلع وغيرها، ومجموع المُدخلات التي يتم إدخالها في سبيل إنتاج هذه السلع من عمل وآلات ومواد أولية و تقيس إنتاجية العمل الناتج بالساعة لاقتصاد أي بلد. وهو يرسم على وجه التحديد حجم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي ينتج عن ساعة من العمل في قطاع ما. ويعتمد نمو إنتاجية العمل على ثلاثة عوامل رئيسية: الادخار والاستثمار في رأس المال المادي، والتكنولوجيا الجديدة، ورأس المال البشري، أي بين توسع رأس المال نفسه أو الاستعانة بالآلة لتسريع الإنتاج ومن ثم زيادته أو برفع كفاءة العامل نفسه- المترجم.
[3] نمو الإنتاجية في القطاع الصحي أو أي قطاع آخر يتطلب خدمة ((person to person يميل إلى الانخفاض أو الثبوت تقريبًا على عكس باقي القطاعات، لأن العامل مثلا في المصنع قد يزداد معدل إنتاجيته في اليوم الواحد باستخدام ماكينة مثلا تسهل من عمله، ومن هنا يرتفع الربح الكلي للشركة، أما القطاع الصحي لن يقدر على رفع الإنتاجية لأن وظيفة الطبيب ثابتة تقريبا، ومن هنا لا تزداد الأرباح بالإنتاجية للعامل-الطبيب فيتم تعويضه برفع متوسط التكاليف للرعاية الصحية.
[4] اقتصاد العمل الحر/المستقل: gig economy: هو اقتصاد يقوم على السوق الحر: حيث تنتشر فيه الوظائف المؤقتة وتتعاقد فيه رؤوس الأموال مع عمال مستقلين بالتزامات قصيرة الأمد، أي بفترات زمنية محدودة ويتضمن هذا العاملون لحسابهم الخاص –الفريلانسر- والمقاولون المستقلون والموظفين المؤقتين بعقود عمل “دون الالتزام بساعات محددة” وهي الzero-hour contracts –المترجم
[5] عقود الصفر ساعة عمل- zero-hour contracts : وهي عقود بلا ساعات عمل محددة ملزمة بين الطرفين صاحب العمل والعامل، فهو نوع عمل بلا حد أدنى من الساعات ، بل يكون العامل متاحا للعمل عند الاقتضاء، وبقدر ما عمل بقدر ما يحصل على أجر، ويكون العامل غير ملزم بقبول أي عمل معروض ولكنه يتحمل عبئا كبيرا نظرا لعدم معرفته بتوقيت المهمة/الطلبية القادمة. مثل بيزنس سيارات “أوبر” و”كريم” هذه الأعمال توصف بأنها “مرنة من طرف واحد” لأنها لا توفر مزايا العمل بعقد دائم كالحد الأدنى من الأجور/ راتب شهري مضمون/ بَدل الإجازات المرضية وإجازات الحَمل أو العطلات بشكل عام، ناهيك بالتأمين الصحي، فإجازتك لمدة أسبوع تعني أنك عاطل لمدة أسبوع.
[6] نسبة إلى جون مينارد كينز مؤسس الاقتصاد الكلي الكينزي.
اقرأ ايضاً عن كورونا