- برنارد جولدن
- ترجمة: نورة إبراهيم
- تحرير: الرميصاء رضا
الأفكار الرئيسية
- تربط الأبحاث المتراكمة تجارب الطفولة السلبيّة (ACEs) بالغضب عند البالغين.
- تأثير تجارب الطفولة السلبيّة على كلٍ من التطوّر المعرفي والعاطفي، وليس بالضرورة أن يكون سوء المعاملة شديدًا حتى يؤدّي إلى إثارة الغضب.
- تكشف الدراسات الحديثة الرابط بين تجارب الطفولة السلبيّة وتغيّرات محدّدة في الدماغ والتي تؤثّر على إثارة الغضب ومعالجته.
- يستطيع البالغون الذين عانوا مع الغضب تعلّم المزيد من مهارات التأقلم الفعّالة، على الرغم من تاريخهم مع تجارب الطفولة السلبيّة.
من منطلق الاعتراف بالتأثير الذي يؤدّيه مقدّمو الرعاية في التنمية البشريّة، تعاونت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها و”كايسر برماننت” في عام ١٩٩٥ لدراسة “تجارب الطفولة السلبيّة”؛ حيث قاموا بتقييم أكثر من ١٧,٠٠٠ مشارك تحت سن ١٨، لتحديد مدى تعرّضهم لأي من التجارب التالية: (وجدانيّة كانت أو ماديّة، أو اعتداءات جنسيّة) بما ذلك الإهمال النفسي أو الجسدي؛ أو التفكّك الأسري ويتضمن هذا العنف من الشريك، أو تعاطي المخدرات، والأمراض العقليّة، أو انفصال أو طلاق الأبوين، وإمّا وجود تاريخ أو دخول أحد أفراد الأسرة للسجن.
وجدت هذه الدارسة أنّ الصدمة في تجارب الطفولة السلبيّة كانت مرتبطة مع قابليّة الانخراط في مرحلة سن البلوغ في سلوكيات عالية الخطورة كالتدخين وتعاطي الكحول والمخدرات، أيضًا الاختلاط الغير مشروع والسمنة المفرطة. كما حدّدت أيضًا الصلة بين عدد المتعرّضين لتجارب الطفولة السلبيّة والمشاكل الصحيّة مثل أمراض القلب والسرطان وأمراض الرئة والجلطة والسكري، والعمر القصير. وفضلًا عن ذلك، وجدت ارتباطًا بارزًا بين العدد الكبير للمتعرّضين لتجارب الطفولة السلبيّة ومشاكل الصحة العقليّة مثل الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات السلوكيّة، والانتحار. ومنذ ذلك الحين، وسع المجلس الوطني العلمي لتنمية الطفل تجارب الطفولة السلبيّة حتى تشمل الأسباب المجتمعيّة والنظاميّة، مثل العنف في مجتمع الطفل، والعنصريّة والفقر المزمن.
تبعًا للأبحاث المُستحدثة، أُجرِيت مئات الدراسات لتحديد الآثار المحتملة المرتبطة بتجارب الطفولة السلبيّة بما في ذلك تأثيرها على سمات الغضب والميل إلى إثارة الغضب والعدائيّة. يبدو هذا منطقيًّا للغاية عندما نعتبر أنّ المعاملة في الطفولة تمثّل تهديدًا على الأطفال.
تجارب الطفولة السلبية وزيادة فرص التعرض للتهديد
توضح الأبحاث أنّ الطفل عندما يتعرّض لتجارب الطفولة السلبيّة، يختبر الشعور بالخطر الذي ينشّط استجابة “القتال، أو الهروب، أو التجمّد”. تساهم هذه التجارب في إضعاف “نقطة الضبط” عند التعرّض للتهديد، والحساسيّة من تجربة التعرّض للتهديد حتى في حالة عدم وجوده. اِتّضح أنهما مهدتا الطريق للعجز في قدرة الدماغ المنطقي (القشرة المخيّة) على تجاوز الدماغ العاطفي (الجهاز الحوفي). وبهذه الطريقة تزداد احتماليّة أن يتحوّل سلوك الفرد إلى سلوك دفاعي، مندفعٍ عاطفيًا.
في السنوات الأخيرة، ظهر رأي يتزايد تأييده يقول: إن وظائف أعصابنا قد تطوّرت لتدعم ثلاثة أنواع من أنظمة التنظيم المؤثّرة، نظام التهديد والحماية الذاتيّة، الحافز ونظام البحث عن الموارد، والتهدئة ونظام الإقناع. (جيلبرت، ٢٠١٠). إنّ الأطفال الذين تعرّضوا لتجارب الطفولة السلبيّة لديهم تنشيط مكثّف لنظام التهديد مع انخفاض الرضا عن الآخرين.
العلاقة بين تجارب الطفولة السلبية والغضب
وجدت العديد من الدراسات أنّ هناك ارتباطًا بين تجارب الطفولة السلبيّة والغضب. استعرضت إحداها سجلات ٢٢,٥٧٥ من الشباب الجناة ووجدت أنّه كلما زادت مدّة تجربة الطفولة زادت احتماليّة كون الأطفال عرضة لخطر التحوّل لأشخاص عدوانيّين، كما يمكن أن يصبحوا أطفال أحداث بشكلٍ دائم (فوكس وآخرين، ٢٠١٥).
خلصت العديد من الدراسات الحديثة إلى أنّ صدمة الطفولة الأشد مرتبطة مع سمات التعبير عن الغضب للبالغين (وين ونيومان، ٢٠٢١). بالإضافة إلى ذلك، ارتبط هذا التعبير عن الغضب باضطراب الاكتئاب الشديد، والهلع، واضطرابات تعاطي الكحول في مرحلة البلوغ.
وإدراكًا للعلاقة بين تجارب الطفولة السلبيّة وسمات الغضب، قامت دراسات أخرى بتجربة تحديد تلك العوامل المحدّدة المرتبطة بتجارب الطفولة السلبيّة والتي قد تسهم في هذا الغضب. في إحدى تلك الدراسات، قام الباحثون بتقييم إساءة المعاملة المتراكمة في الطفولة على ٣٤٩ طالب جامعي (اتكينز، ٢٠١٨).
وجدت أنّ الانفصال–الشعور بالعزلة–بعدّ وسيطًا لا يستهان به، يربط بين سوء المعاملة في الطفولة والاعتداء اللفظي، والغضب، والعدوانيّة وأيضًا الأهمية الهامشيّة لهذا الوسط مقارنة بكل أشكال العدوانيّة. كانت الصدمة مرتبطة مع الغضب والعدوانيّة لكنها لم تكن كذلك مع العدوان السافر.
في دراسة أخرى أُجريت على ٩٧٣ من طلّاب الجامعة الذين أجابوا على استمارات عن الصدمة، والعدوانيّة، واجترار الغضب، والعنف (تشو وآخرين، ٢٠٢٠). استنتجت أن إسناد العدائيّة (الاتجاه السائد إلى عزو المضرّة أو النيّة السلبيّة إلى السلوك الغامض للآخرين)، واجترار الغضب هو الرابط بين سوء المعاملة في الطفولة والسلوكيّات العدوانيّة. ووجدت أيضًا أن اجترار الغضب لديه تأثير قوي بالقياس إلى التحيّز العدائي.
وجدت إحدى الدراسات أنّ أولئك الذين تعرّضوا للإساءة لم يكونوا أكثر غضبًا وعدائيّة فحسب، بل واجهوا أيضًا مستويات أعلى من الشعور بالخزي أكثر من المشاركين الذين لم يتعرّضوا لسوء المعاملة (كين وإيبس، ٢٠١٦). أظهر تحليل آخر أن قابليّة التعرّض للنرجسيّة–لكن ليس الشعور بالخزي–يتوسّط بين سوء المعاملة والعدوانيّة. مع ذلك ظهر كلاهما كوسطاء بين سوء المعاملة والغضب والعدوانيّة. أجاب ٤٠٠ طالب جامعي، ١٣٤ منهم لديهم تاريخ مع الاعتداء البدني، على استبيانات لتقييم الاعتداء البدني على الأطفال، الشعور بالخزي، وقابليّة التعرّض للنرجسيّة، والإيذاء البدني.
قامت دراسات أخرى بمحاولة تحديد كيف يمكن أن تسهم أنماط معينة في التفكير والإدراة العاطفيّة في فهم أفضل للعلاقة بين تجارب الطفولة السلبيّة والغضب. إحداها على سبيل المثال وجدت أنّ الاعتداء البدني المبكر كان مرتبطًا مع أنماط المعالجة المتأخّرة، متضمّنة انحياز العزو العدائي، واستجابات عدوانيّة، وتقييمات إيجابيّة من العدوانيّة. وهذه المؤشّرات تدلّ على النتائج في مرحلة البلوغ.
كشفت واحدة من العديد من الدراسات أن القصور المحتمل في الأداء المعرفي يؤدّي إلى ضعف التنظيم العاطفي (مكلايلين، شيردان ولامبرت، ٢٠١٤). هذه الدراسة كانت محاولة لتفريق أثر الأذى من الإهمال. خلصت إلى أنّ أدقّ قشرة مخيّة للمنطقة القشرية كانت مرتبطة مع النقص في التحفيز الاجتماعي والإثراء المعرفي والذي لديه فرص تعليميّة محدودة وتنشيط لوظائف أعلى مرتبطة مع القشرة.
منظور علم النفس العصبي على تأثير تجارب الطفولة السلبية على الغضب
أصبح اكتشاف تأثير علم النفس العصبي على تجارب الطفولة السلبيّة معزّزًا مع زيادة فهمنا لعلم الأعصاب. ولتحقيق هذه الغاية، تم إجراء تحليل شمولي، تضمن مراجعة ٣٨ مقالًا تشير إلى استخدام دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي للبالغين الذين لديهم تاريخ من الصدمات في مرحلة الطفولة.
أظهر أولئك الذين عانوا من مثل هذه الصدمات أحجامًا أصغر للحصين واللوزة، وهي مناطق من الدماغ تشارك في استجابة القتال أو الفرار أو التجمّد لدينا (باكولا، وآخرون، ٢٠١٦).
منذ ذلك الحين، حددت الكثير من الدراسات الحديثة صورة أكثر تعقيدًا للكيفيّة التي قد تؤثّر بها تجارب الطفولة السلبيّة على الدماغ. إحداها على سبيل المثال ذكرت أن سوء معاملة الأفراد أبرزت تحفيزًا أكبر في اللوزة الدماغية ونتوء مناطق المعالجة وتعطيل في العديد من المناطق بما في ذلك التحكّم في الإدراك (جينيس وآخرون، ٢٠٢٠ ).
مؤخّرًا، أجريت دراسة بواسطة مجموعة من الباحثين في هارفرد، وجدت أنّ الضرب في مرحلة الطفولة المبكرة كان مرتبطًا مع ردّ الفعل العصبي في مناطق متعدّدة من قشرة الفص الجبهي (بي أف سي)، متضمّنة المناطق التي هي جزء من الشبكة البارزة (وهي مجموعة من مناطق الدماغ التي تستقبل المحفزات التي تستحق اهتمامنا (كوارتاس وآخرون، ٢٠٢١). هذه المناطق من الدماغ تستجيب للإشارات في البيئة التي تميل إلى أن تكون خطيرة، مثل التهديد، وقد تؤثّر على صنع القرار ومعالجة المواقف.
الأمر المهمّ حول دراستهم أنّهم اختاروا الأطفال الذين تعرّضوا للضرب ولكن ليس تاريخ من العنف الشديد. أكّد الباحث الرئيسي أنّ مثل هذه الدراسات لا يمكن أن تؤدّي مباشرة إلى استنتاجات حول أيّ طفل على حدة.
بوضوح، تجربة التعرّض للعنف في الطفولة يمكنها تغيير العقل بطرق مختلفة، تغيير الروابط العصبيّة في اللوزة الدماغية، مركز الإنذار للدماغ؛ الحصين، مركز معالجة الذكريات والعواطف، والقشرة القبل جبهيّة؛ و صنع القرار من الدماغ.
كيفية إدارة الغضب الناجم عن تجارب الطفولة السلبية
ليس بالضرورة أن يكون سوء المعاملة شديدًا حتى يصبح ذا تأثير قاسٍ ودائم. لقد لاحظت في ممارستي ميل العديد من البالغين الذين يعانون من مشاكل مع الغضب للتقليل من أهمية هذا التأثير. لسوء الحظ، إنكار أو التقليل من هذه المعاناة غالبًا هو أساس الحساسية لإثارة الغضب.
إنها حقيقة أنّ تجارب الطفولة السلبيّة يمكنها التأثير في هشاشتنا التي قد تطوّر سمات الغضب. لكن رغم أنّنا لا نستطيع أن نلغي ما حدث، إلا أنّه يمكننا إلغاء النمطيّة في التفكير والشعور الناتج عنها. وعليه، أيّ برنامج لإدراة الغضب لا يحتاج فقط إلى معالجة طرق التعامل مع الغضب وإدارته، لكن أيضًا التعرف على بعض جذوره. يجب أن تكون المساعدة في شفاء الجروح الناجمة عن سوء المعاملة في وقت مبكر من المهام الرئيسية في أي برنامج من هذا النوع. يعدّ هذا أمرًا ضروريًّا من أجل تجاوز تجارب الطفولة المبكرة وتبنّي مهارات تأقلم جديدة وأكثر صحة.