عام

كيف تؤثر اللغة على العاطفة؟

  • جريسي لوفتهاوس
  • ترجمة: سارة عبد المنعم
  • مراجعة: أحمد خالد
  • تحرير: ريم الطيار

هل تختفي مشاعرك عندما لا تجد توصيفا لها؟

هناك الكثير من الخلاف الدائر حول وضع تعريف محدد للمشاعر، لكن يوجد أمر واحد يتفق عليه الجميع ألا وهو أنها أمور شخصية للغاية، سواء كان شعورك سيلًا من الغضب، أو بعض الانزعاج، فإن هذا الشعور خاص بك (نتاج ظروفك المتفردة الخاصة بك) وهو أيضا الذي يصوغ المنظور الذي ترى منه العالم في لحظة ما، ومع ذلك يتدخل الوسط المحيط بنا في صياغة مشاعرنا.

كما أن كل ثقافة لديها أسلوبها الجمعي الخاص بها في التعامل مع شعور ما؛ على سبيل المثال كوريا لديها كلمة “هان” والتي تحمل معنى الحزن والأمل في آن واحد، وأيضا تمتلك كل من فنلندا، والنرويج، والدنمارك مصطلحات معينة لوصف شعورك بالدفء الذي تحصل عليه حين تكون محاطا بأحبائك في يوم بارد.

في كتاب “العواطف البشرية” المنشور حديثا جمعت المؤرخة الثقافية تيفاني وات سميث كلمات لها مدلول شعوري من جميع أنحاء العالم، ولقد أجريت معها محادثة عن كيفية تأثير المفردات على الطريقة التي نعايش بها شعور ما.

 وفيما يلي نص المحادثة بتعديل طفيف:

  • جريسي: في كتاب العواطف البشرية ذكرتي أن الطريقة التي ننظر بها لشعور ما يمكن أن تغير ما نعالجه حال اختبارنا لهذا الشعور؛ ماذا يعني هذا؟
  • تيفاني وات سميث: من المشاعر التي كنتُ كَلِفة بها أثناء بحثي هو “الحنين الجارف للوطن”، والذي كان يُنظر إليه في منتصف إلى أواخر القرن الثامن عشر على أنه مرض مميت، حيث كان هناك عدد غفير من الناس يعانون من الاشتياق الجارف للوطن.

 لقد كان الأمر شديدا للغاية حتى أنه ذهب بهم إلى هاوية الاكتئاب والانهاك، والذين عانوا منه فقدوا القدرة على تناول الطعام فانتهى بهم الأمر إلى الاندثار حتى ماتوا.

أما في الوقت الحاضر كل تصورنا عن “الحنين الجارف للوطن” أنه مجرد شعور ينتاب الأطفال عند مبيتهم خارج المنزل، كما أنه لم يظهر في شهادة وفاة منذ مائة عام، حيث أن آخر شخص تم تشخيص حنينه للوطن كسبب للوفاة توفي عام 1918م.

  • جريسي: إذن كيف أصبح الأمر أقل خطورة؟ لماذا تغير مضمون”الحنين الجارف للوطن” كثيرًا؟
  • سميث: للأمر علاقة بما أنتجته الحداثة من معايير مغايرة، نعم السفر أصبح سهلا، وكذلك العودة للديار، كما أصبح بإمكاننا التواصل عبر الهاتف وشبكة الإنترنت، لكن الأمر لا يتعلق بهذا فقط بقدر ما يتعلق بروح الانطلاق، والتي أصبحت سمة هذا العصر، وبتطبيع هذه الفكرة، أصبح التطلع لأمر مريح ومطمئن أمرا رجعيا غير مستساغ في العصر الحالي، وعليه فإنك لو اشتقت يوما لموطنك فإن السياق الثقافي الحالي يفرض عليك وأد هذه الأفكار بداخلك والاستمتاع بالمغامرة. لطالما ارتبطت هذه الكلمات في أذهاننا بالرغبة في العودة للمنزل، وكانت تبعث على الرغبة في أن نعمر في مكان واحد مدة طويلة، أما الآن فقد ذهب عن تلك الكلمات معناها، وتبدلت دلالتها.

توجد الآن كلمة رائعة وهي:”homefulness” وهو الشعور الذي يعتريك عندما تغير وجهتك، أوعندما تهبط طائرتك في حالة إعلان عن اقترابك من المنزل، إن في الأمر تناغما بديعا بين الراحة والسكينة.

  • جريسي: هل هناك مشاعر أصبحت أكثر حضورا في ظل السياق الثقافي الحالي من السابق؟
  • سميث: نعم، فنحن على سبيل المثال نولي السعادة اهتماما كبيرا، لم يكن مألوفا من قبل أثناء محادثاتنا.

 لو نظرت للخلف -حيث عصر النهضة في أوروبا في القرن السادس عشر-ستجد افتتانا بالحزن يكافئ افتتان الناس بالسعادة اليوم، ستبدأ في رؤية الكثير من المؤلفين يكتبون عن كيفية الحزن بشكل أكثر فاعلية، وعن الحزن الملائم.

لقد كان يُنظر إلى الحزن على أنه يحمل قيمة؛ لاعتقادهم أنه وسيلة تقربك من الله، ويجعلك أكثر خشوعا وأكثر جدية، وفي بعض الأحيان أصبحت الكآبة -شكل حاد من أشكال الحزن-مقترنة بالعبقرية، كما أنني أعتقد أن المعايير التي نقيس بها السعادة اليوم تنطوي على مشاكل معقدة؛ إننا نفتعل التوتر، والضغط، ونأمل السعادة والمرح طيلة الوقت!

  • جريسي: هل تقولين بإمكاننا أن نكون أكثر سعادة إذا لم نكن مهووسين بالسعادة كثيرًا؟
  • سميث: بالتأكيد أعتقد ذلك؛ لقد قرأت كتبا عن المساعدة الذاتية حول السعادة، والتي تزعم أنه إذا كان هناك شيء ما مهم، فأنت بحاجة إلى قياسه، وتحتاج إلى معرفة كيفية الحصول على المزيد منه، أنا لا أتفق مع هذا، هناك بعض الأبحاث المثيرة للاهتمام مؤخرا حول مفهوم emodiversity (هو مؤشر مستقل للصحة العقلية والجسدية، مثل: انخفاض الاكتئاب، وزيارات الطبيب، بالإضافة إلى مستويات متوسطة من المشاعر الإيجابية والسلبية).

إن العلاقة بين السبب والنتيجة ليست واضحة تماما، ولكن الصحة الجسدية، والعقلية القوية ترتبط بمعايشة مجموعة من المشاعر بدلاً من مجرد الشعور بالسعادة أو الرضا طوال الوقت، هذا يعني أن تسمح لنفسك بمعايشة الحزن، والغضب، والانفعال، والملل، والإحباط، وكل الأشياء التي قيل لنا يجب ألا نشعر بها.

  • جريسي: تتحدثين عن هذا النوع من الحياة المزدوجة للعواطف كتجربة خاصة ومشتركة، أيمكنك أن تحدثينا عن ذلك؟
  • سميث: بالمعنى البيولوجي مشاعرنا جمعية؛ أي أن الناس في استجاباتهم لبعض المؤثرات يتشابهون (مثل: شعورك بالغضب عندما يقوم شخص ما بضربك، والذي هو نفس شعور باقي البشر لو حدث معهم نفس الأمر، وبالتالي استجاباتنا يمكن التنبؤ بها)، استجاباتنا هي امتداد تطوري لمشاعر الناس، والحيوانات منذ ملايين السنين، بالمعنى النفسي لقد اعتدنا على النظر إلى مشاعرنا باعتبارها أمورا شخصية.([1])

لكنني حقا حريصة على التأكيد على أنه عندما نفكر في مشاعرنا فإن تلك الأفكار ستعبر حتما نحو سياساتنا، أو الجنس، أو الاقتصاد، أو تغيير القيم، أو تغيير ممارسات العمل، أو تغيير قناعاتنا، بما سيكون مفيدًا للجسم، وما هو صحي وما هو ضار.

إن رؤيتنا الآن لمعنى العاطفة له تأصيل في القرن التاسع عشر؛ حين كان ينظر إلى الإنسان على أنه كائن ميكانيكي محض، تطور من الحيوانات، وأن النفس البشرية هي وليدة الكون وليست هبة الرب، وركن هذا الاعتقاد أن تعتبر الجسم والنفس البشرية يعملان معا في تناغم “عالماني” مستقل عن السماء.[2]

وهذه الرؤية تدفعنا نحو النظر إلى العواطف كشيء خاص بالأفراد بدلاً من المجموعة، أي عندما نفكر في المشاعر، فإننا سنعتبرها شعورا ما عاينه شخص ما نتيجة لظروف ما، ولكن دعنا ننظر لمفهوم يسمى (Awumbuk) عند شعب بابوا غينيا، وهو لفظ يعبر عن الشعور بالثقل والضيق بعد مغادرة الزوار، فيقومون بترك وعاءين من الماء طيلة الليل لاعتقادهم بأن هذا الشعور بالثقل ناتج عن ضباب تركه ضيوفهم خلفهم حتى يتمكنوا من التنقل بخفة، وفي صباح اليوم التالي يقومون بإخراج وعاء الماء والتخلص منه، وبعدها يشعر الجميع في المنزل وكأنهم يعاودون إلى الحياة مرة أخرى.

هذا مثال يدحض الاعتقاد القائل بأن المشاعر تنبع من أعماق الإنسان. (في هذا المثال كان الشعور جمعيا ناتجا عن التأثر بأفكار المجتمع السائدة).

  • جريسي: هل وجدت نفسك تعاينين المشاعر بشكل مغاير منذ إجراء البحث في كتابك؟
  • سميث: بالتأكيد؛ هناك بعض الأبحاث المهمة التي تجرى حاليًا حول العلاقة بين الكلمات والمشاعر، إن تعلم كلمات جديدة تسمي بها عاطفة ما تعني أنك قد تكون قادرًا على تمييز تلك العواطف عند ظهورها في تجربتك الخاصة، وكلما زادت المشاعر التي يمكنك التعرف عليها، وزادتك قدرتك على ترجمتها من أشياء غامضة وغير واضحة المعالم إلى أشياء واقعية محددة مفهومة، كلما كان مرور هذه المشاعر أسهل عليك.
  • أنا أستمتع الآن بالشعور بالحنان، ربما قد يكون مسني طيف هذا الشعور من قبل، لكنه الآن يغمرني.

[1] “تعبير شخصي Personal يتم التعامل معه في أدبيات علم النفس، والصحة النفسية المعاصر بتعبير Subjective ولا فرق دلالي بين التعبيرين حيث تدرس المشاعر من المنظور النفسي باستخدام مصطلح subjective emotions فقد يتعرض شخصان لنفس المثير، أو الحدث، ويترتب لدى كل منهما انفعال مختلف، وقد يترتب لديهما نفس الانفعال، ولكن بمستوى شدة مختلف، وعلى ذلك فالعامل الوسيط هنا هو التفسير والتفسير أمر ذاتي” دكتور محمد السعيد، أستاذ علم النفس. -المترجمة.

[2] وبالتالي تصور النفس كائن عضوي يستمد قوانينه وشرعيته من داخله، دون اعتبار لمعايير خارجية. يرى تشارلز داروين أنّ العواطف تطوّرت لأنها سمحت للأفراد بالتكيّف وساعدتهم على البقاء والتكاثر، فمشاعر الحبّ والمودّة تقودنا للتزاوج والتكاثر، وتكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، ما يمكنّنا من الاستمرار بالحياة بشكلٍ أكبر. ومشاعر الخوف تجبرنا على القتال أو الفرار من مصادر الخطر والنجاة، وغيرها الكثير من الأمثلة الشبيهة. باختصار ووفقًا لنظرية التطور، فالعواطف موجودة لأنّها تخدم أدوارًا تكيّفيّة، فهي تحفز الأفراد على الاستجابة بسرعة للمحفزات البيئية، مما يساعد على تحسين فرص النجاح والبقاء على قيد الحياة. -المترجمة.

المصدر
theatlantic

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى