التربية والتعليم

كيف نكتسب عادة القراءة؟

  • شوق الحسين
  • تحرير: فاطمة إنفيص

يقول ألبرتو مانغويل: “القراءة مثل التنفس، إنها وظيفة حيوية أساسية.”

قد يكون في العبارة السابقة نوعٌ من المبالغة، ولكن مما لا شك فيه أن للقراءة أهمية بالغة في حياتنا، فهي مصدر أساسي من مصادر المعرفة، وبها يتغذى العقل، وتتسع آفاقه ومدركاته، ولا شيء أحب للقارئ من كتاب يجد به ضالته، يثري فكره، ويمتع عاطفته، ويزجي به وقته خير تزجية، ولكن السؤال: كيف نجعل من القراءة عادة لا ننقطع عنها، وجزء لا يكتمل يومنا إلا به؟

في البداية لابد للقارئ المقبل على القراءة من توطيد العلاقة بينه و بين الكتاب الذي بين يديه بشكل خاص، وبينه و بين عملية القراءة بشكل عام، و هذا مما يتطلب صبرًا و جَلَدًا و همة عالية، و لا يتم إلا بوجود رغبة حقيقية في القراءة أولاً، نابعة من الداخل، فيكون قد تجاوز الحاجز النفسي الذي قد يمنعه من القراءة، و هدف واضح جلي ثانياً، يضعه القارئ نصب عينيه كلما همّ بالقراءة، و يتذكره كلما كلّت نفسه، و ضعفت همته، و تغلب عليه الملل و الضجر، و قل احتماله و صبره، فيكون قد تحصّل الدافع الذي يقوي عزيمته و يثير نشاطه، و هو الهدف. وهذا الهدف يختلف باختلاف القارئ وباختلاف المقروء؛ فمنا من يقرأ ليعرف فتكون المعرفة غايته، ومنا من يقرأ ليبحث عن معلومة بعينها فتكون هذه المعلومة وجهته، ومنا من يقرأ ليستمتع بكتابه فتكون المتعة مبتغاه، ومنا من يقرأ ليدرس كتابه ويلخصه ويفهمه، وغيرها الكثير.

ولتوطيد العلاقة مع القراءة يفضل البدء بالكتب القصيرة التي تناسب توجهات واهتمامات القارئ، أو الروايات القصيرة التي تحقق له المتعة، وكما ينبغي في هذه المرحلة المبكرة التخفف من الكتب الفكرية الثقيلة في محتواها وذلك لما قد تسببه من نفور من القراءة جملةً وتفصيلا. وبقراءة الكتب أو الروايات القصيرة يشعر القارئ بالإنجاز وتحقيق الهدف المرجو مما يشعل حماسته للانتقال للكتاب التالي. ومن الكتب القصيرة التي أرشحها في هذا الصدد: كتب إبراهيم السكران مثل: (رقائق القرآن)، و (الطريق إلى القرآن)، و (مسلكيات)، وأشير إلى أن (مسلكيات) من الكتب القريبة لقلبي، وكما أرشح كتاب (لأنك الله)، ورواية (سوار أمي) لعلي الفيفي، وكتب مصطفى محمود تتميز بسهولتها وقصرها وعظم محتواها، وأيضا روايات غسان كنفاني وجبران خليل جبران، وغيرها من الكتب والروايات فلا يسعني ذكر إلا اليسير منها.

ومما يعين على توطيد العلاقة بالقراءة كثرة النظر في الكتب المتنوعة وتقليبها وتصفحها والمرور على فهارسها ولو دون قراءتها، وهذا مما يثير فضول القارئ تجاه المواضيع الجديدة والغريبة فيدفعه لقراءة الكتاب أو قراءة جزءٍ منه. بالإضافة إلى ذلك فإن قراءة الكتب التي تتمحور حول القراءة من الأمور التي تحسن علاقة القارئ بالقراءة بل وقد تحببها إليه وتقربه إليها. مما يميز هذه الكتب أنها تتحدث عن القراءة كموضوع وعن كل ما يتعلق بها من أهداف وأساليب وعثرات وغيرها، ومن هذه الكتب ما يعلم القارئ كيفية القراءة الحقة؛ فهي ليست مجرد تمرير العين على الحروف المكتوبة ومحاولة استيعابها، ولكنها الفن الذي إذا تعلمه القارئ انغمس بالقراءة وعرف كيف يتعامل مع المادة المقروءة بين يديه فيحرثها حرثاً ليحقق أقصى استفادة ممكنة، لاسيما أن آلية القراءة وطريقتها تختلف باختلاف الهدف ونوع الكتاب المقروء. وكما ساعدني هذا النوع من الكتب في استعادة الحماسة والنشاط في فترات الفتور وقلة الهمة تجاه القراءة.  ومن الكتب التي أرشحها في هذا المقام كتب ألبرتو مانغويل: (تاريخ القراءة)، و (المكتبة في الليل)، و (فن القراءة)، وكتاب (القراءة الذكية) لساجد العبدلي، وكتاب (القراءة المثمرة) لعبد الكريم بكار، وكتاب (كيف تقرأ كتابًا) لموتيمر آدلر وتشارلز فان دورن.

ومن المهم أن يخصص القارئ زمناً معيناً ومكاناً معيناً للقراءة بشكل يومي وذلك لتكون القراءة محددة في جدوله اليومي، فيعرف موعدها ولا يؤجلها، والقارئ الجاد يحرص على الالتزام بهذا الوقت قدر الإمكان، ولو كان ما خصصه قليل كعشرين دقيقة يومياً، فهذا سيساعده على ترسيخ هذه العادة. وكما أن تخصيص مكاناً معينا للقراءة يجعل الدماغ يربط المكان بالفعل المؤدى فيه؛ أي القراءة فيكون على أهبة الاستعداد لاستقبال المقروء والتركيز فيه، ومن المحفز جداً أن يكون المكان نظيفاً مرتباً وأن يهيئ القارئ مكانه بالطريقة التي يحبها فتكون له طقوسه الخاصة كما يقول بعض محبو القراءة، على ألا يرتبط بهذه الطقوس فلا يقرأ إلا بتحصيلها، وإنما هي مما يساعده في البداية على اكتساب عادة القراءة. ومن المهم تجنب القراءة على السرير قدر الإمكان أو في الأماكن التي يشغلها الآخرون كغرفة الجلوس وغيرها وذلك لكيلا يتشتت ذهن القارئ. وفي هذا السياق نشير إلى ضرورة الابتعاد تماماً عن الملهيات والمشتتات وأهمها الهاتف، فالقارئ الجاد يبقي هاتفه مقفولاً وبعيداً عنه إلى أن ينتهي من المدة التي حددها لنفسه وخصصها للقراءة لا لشيء آخر. ومن الجدير بالذكر أن قطع القراءة للنظر في الهاتف ثم معاودة استكمال القراءة يشتت الدماغ إذ يحتاج لوقت لكي يعود إلى حالة التركيز التي كان عليها قبل الانقطاع لذا من الأفضل الابتعاد التام عن الهاتف وغيره من المشتتات.

ومن المحتمل أثناء فترة القراءة أن تطرأ على القارئ أفكار خارجة عن محتوى الكتاب أو مهام يود القيام بها، مما قد يشتت الانتباه ويضعف التركيز. ومن الحلول المقترحة أن يخصص له ورقة جانبية يدوّن عليها كل ما يطرأ له سواء محادثة صديق أو البحث في مسألة معينة وغيرها من الطارئات، ويكمل قراءته وينفذ مهامه بعد انتهاء الفترة المحددة للقراءة.

ومما يعين المرء على اكتساب عادة القراءة هو إحاطة نفسه بالقُراء؛ فيكون له أصدقاء يحرصون على القراءة، ويتابع عبر مواقع التواصل الأشخاص الذين يهتمون بهذا الجانب. أزعم من تجربتي الشخصية أن إحاطة المرء نفسه بالقُراء من كل جانب من أهم الأمور التي تحض على القراءة وتشجع عليها، بل وتجعل القارئ على معرفة بالكتب والروايات وانطباعات القُراء عنها وأماكن توافرها وما إلى ذلك. كما أن التردد على المكتبات ومعارض الكتب ومطالعة الكتب فيها له الأثر البالغ في الحث على القراءة، فيتقرر في النفس أن المعرفة واسعة وليس لها حدود، والوقت قصير، والكتب الجيدة كثيرة. كما أن الانضمام لنوادي ومجموعات القراءة يساعد على الاستمرار في القراءة وجعل القارئ قارئاً نشطاً بالفعل، يفكر بصوتٍ عالٍ فيما يقرأ ويناقشه ويقلب النظر فيه، بل وقد ينقده ويعقّب عليه.

ومن المهم أيضاً لاكتساب القراءة كعادة استغلال الأوقات الضائعة بالقراءة كتلك الأوقات التي تذهب بالانتظار في عيادة ما، أو رحلة جوية طويلة وغيرها، وهذا لا يكون إلا إذا جعل القارئ كتابه رفيقه في كل الأوقات فلا يخرج من بيته إلا وكتاباً ما في صحبته ليسليه في الأوقات التي تذهب هباءً منثوراً، وكما يقال: الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب.

ومن المفيد أن يقوم القارئ بالكتابة والتدوين ووضع الخطوط والإشارات عند الأفكار والمسائل المهمة، فيكون القلم رفيقه خلال القراءة، وكما من المفيد جداً أن يقوم القارئ بكتابة مراجعة لكتابه، أو تلخيصه تلخيصا ولو بسيطاً وذلك بكتابة الأفكار الرئيسية التي جاءت في الكتاب، هذا سيساعده عند العودة إلى الكتاب مستقبلاَ إذا ما احتاج إلى أية معلومة فيه، وكما يقلل من نسيان الكتاب ومحتواه.

هذا بعضٌ مما يمكن فعله لجعل القراءة عادة يومية لا ينقطع عنها القارئ، مع الإشارة إلى أنه لابد من فترات فتور وضعف يمر بها القارئ فتمنعه عن القراءة ويجد صعوبة في استكمال ما يقرأ، وهذا أمر طبيعي للغاية على ألا تطول هذه الفترة فتخلّف حاجزاً بين القارئ والقراءة فيتكبد عناء توطيد علاقته معها مرة أخرى. إذن لنحرص على القراءة، ولنتعلم القراءة، ولنجعلها عادة في حياتنا وجزءًا أساسيًا في يومنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى