- إيميلي توماس*
- ترجمة: أثير عبد الرحمن
- تحرير: مزنة حسين
يزعم الفيلسوف رينييه ديكارت أننا كائنات مفكّرة بالأصالة، فالتفكير سمتنا المميزة التي تَمَيَّزنا بها عن الحيوانات والأشجار والأحجار. وأظن أن هذا قد ساعد في وصم الفلسفة على أنها حياة العقل فقط، مستحضرة الفلاسفة وهم مسترخون على أرائكهم ومستغرقون في أحلام يقظتهم. والحقيقة إننا لا نعيش في عقلنا فقط، وقد أدرك فلاسفة آخرون ذلك، فربطوا بين ما نعيشه داخلنا والأنشطة البدنية اليومية مثل المشي. فعندما تضع قدمك أمام الأخرى تولد حركة وإيقاع، ومن شأنها أن ترفع من روحك المعنوية. ومن النظرية إلى التطبيق، إليك بعض النصائح لجولتك القادمة.
أرسطو: تحدث وأنت تمشي
عُرف الفيلسوف أرسطو بالمشّاء، لأن من عادته أن يلقي دروسه ماشيًا، حيث يعتقد أن المشي يسهل من عملية الكلام، و-من المحتمل- أيضًا التفكير. وعلى الرغم من ارتباط المشي بالفيلسوف أرسطو، فإنه لم يكن الفيلسوف الأول الذي عُرف بهذا، فقد سبقه فلاسفة عديدون بهذه العادة، سقراط -مثلًا- كان مسرورًا عندما كان يرى تتبع الطلاب لمعلمهم بروتاجوراس، كما نقل ذلك أفلاطون في محاورة بروتاجوراس “رأيت وبشكل مذهل حذرَ الطلاب أشد الحذر من أن يعترض أحد طريق بروتاجوراس. فعندما يستدير ومجموعته المرافقة له، ينقسم هؤلاء المستمعون ويبتعدون في نظام كامل من كلتا الجهتين ليعودوا فينتظموا دائمًا في دائرة من ورائه على أبدع صورة”، كما كان الكُتَّاب الكوميديون يسخرون من أفلاطون لأنه كان يرهق قدميه عند ممارسة الرياضة “خطط حكيمة”.
جان جاك روسو: استكشف كل شيء في وقت فراغك
أما عند روسو، فأعظم فائدة للمشي أن باستطاعتك المشي في الوقت المناسب لك ممضيًا بذلك ما تختاره أنت من عملٍ، قليلًا كان أو كثيرًا. فأنت تستطيع رؤية الدولة التي تسافر إليها، ذاهبًا يمينًا وشمالًا متى ما أردت، مستكشفًا كل ما يثير اهتمامك. في كتابه “إميل/التربية” يقول: “والسفر سيرًا على الأقدام هو أن تسافر على شاكلة سفر طاليس وأفلاطون وفيثاغور، وأجد من الصعوبة أن أفهم كيف للفيلسوف أن يسمح لنفسه أن يسافر بطريقة أخرى، فيسلب نفسه تفحص ودراسة ثروات يدوسها تحت قدميه وتَعرِضُها الأرض على عينيه”. وأضاف قائلًا إن من يركبون عربات مريحة تجدهم دائمًا “حُزانى ومتصيدين للأخطاء، وربما مرضى” ، بينما من اعتادوا المشي تجدهم دائمًا “مرحين وطيبي القلب، وتسعدهم أبسط الأشياء”.
هنري ثورو: اسمح للطبيعة أن تقوم بدورها
يرى ثورو أن الإنسان جزءٌ من الطبيعة، وأننا ننمو روحيًا عندما نمشي فيها، ويزعم أيضًا أن الحياة البريّة تؤثر على الإنسان بشكل كبير، فهو يتغذى روحيًا من هواء جبالها. كما نصح في مقالته “المشي” أن نبقى متيقظين أثناء المشي عندما قال: “أشعر بالقلق عندما أجد نفسي قد سرت ميلًا في الغابة بجسدي دون روحي…، فما الفائدة من أن أمشي في الغابة وأفكاري تدور حول أشياء خارجها؟”. فإذا أردنا أن نحظى بفائدة المشي في الطبيعة، فعلينا السماح لها بالدخول والتغلغل فينا.
جورج سانتانيا: تأمل في ميزات الحركة
يشير جورج إلى أن النباتات لا تستطيع الحركة، لكن الحيوانات تستطيع. ثم يتساءل في مقالته “فلسفة السفر” عمّا إن كانت القدرة على الحركة هي “المفتاح للذكاء”، حيث يقول: “إن جذور النباتات -التي قال أرسطو إنها فمها- متعلقة بشكل قاتل في الأرض، فهي مثل العلائق محكومٌ عليها بامتصاص المواد التي تتدفق عليها من منطقتها المحددة المتعلقة بها. وعلى الرغم من أنه قد يكون بالقرب منها تربة أخصب أو زاوية مشمسة أو زاوية أكثر حماية، فإنّ عدم قدرتها على الحركة يجعلها لا تستطيع الذهاب إلى حيث تريد ولا حتى رؤية تلك الأماكن أو تخيلها”. فالتنقل من مكان إلى آخر يمنح فرصة لاستكشاف المزيد من هذا العالم، وتخيل كيف يمكن أن يكون في مكان آخر.
فريدريك جروس: استمع إلى الصمت
نمَّى جروس فلسفة المشي أكثر من أي فيلسوف آخر. وعلى الرغم من هذه المقابلة المسلية معه، فإنه لا يمشي كثيرًا، لكنه يؤكد على أنه ينبغي أن نمشي وحيدين وبين أحضان الطبيعة. فعندما نتحرر من إزعاج الطرق والأماكن العامة ونضعها خلفنا ونغادر، تغادر معها أصواتها ويصبح كل شيء هادئًا.
لا مزيد من السرعة والتدافع والصخب والضوضاء، وتبعثر الخطوات وهمهمة الكلمات وضجيج المحركات.
كما دوّن ذلك في “فلسفة المشي”: “كل شيء هادئ، كل ما حولك في حالة سكون، بعيدًا عن ضوضاء هذه الحياة وبعيدًا عن أصدائها وتمتماتها. وستشعر بهذا الصمت وكأنه نسيم منعش”. إن السكون الذي تشعر به وأنت تمشي ينعشك ويجدد لك الحياة.
وبسبب ما رأينا عبر العصور-ولأسباب أخرى- أرى أننا قد تشجعنا على المشي سيرًا على الأقدام لاستكشاف هذا العالم، إما لتصفية أذهاننا، أو لاكتساب رؤية جديدة للوجود، أو ببساطة للاستمتاع والتأمل في عجائب الطبيعة، فكل شخص قد يكتسب شيئًا عندما يضع على زوج من الأحذية مغامرًا الى أماكن بعيدة.
*إيميلي توماس الأستاذ المشارك في قسم الفلسفة في جامعة دورهام