عام

الحركة النسائية (الموجة الثالثة) وما بعد الحداثة

  • دنيسا أندريانا أوبريا*
  • ترجمة: جميلة السواح

“الاقتران المريب الذي تم تشكيله من خلال الربط بين النسوية وما بعد الحداثة هو وصف لحياتنا”

Jennifer Wicke et Margaret Ferguson, Feminism and Postmodernism (1994)

ملخص:

هذا المقال عبارة عن مساهمة نظرية، يعرض، في المقام الأول، للموجة الثالثة من الحركة النسوية، محددا علاقتها بالموجة الثانية ومقَيّما سعتها الإرشادية. ويقترح، ثانيا، تحديدا صارما للحقل المابعد حداثي، مما أفضى إلى الكشف عن موقفين هما: مابعد حداثة العدم، ومابعد حداثة اللا تمركز. وأخيرا، فإن هذا العمل ينظر، على نحو موازٍ، في آثار وتوافقات كما اختلافات كل من مابعد الحداثة والنسوية، خصوصا الموجة الثالثة منها.

Abstract

This article is a theoretical contribution. First, it proceeds to a presentation of third wave feminism, determines its relationship with second wave feminism and enhances its heuristic scope. Secondly, it proposes a strict delineation of the postmodern field. Two attitudes are determined, here called le postmoderne du vide and le postmoderne du décentrage. Finally, this work reflects upon the postmodern and feminism(s), especially third wave feminism, in their effects and common sense as well as in their differences.

ساهمت الحركة النسوية خلال سنوات الستينيات والسبعينيات في المشروع الحداثي، بناء على تصوراتها التحررية وافتراضاتها حول الوضعية المشتركة للمرأة. إلا أن ذلك لا يمنع من اتخاذ موقف نقدي تجاه بعض السرديات الفوقية لهذا المشروع [ المعرفة،السلطة، الذات..، إلخ]؛ نظرا إلى أنه قد تم تطويرها عبر حداثة تعود جذورها إلى عصر الأنوار.

دخلت الحركة النسوية مطلع الثمانينات، وتحت تأثير من نظريات مابعد الحداثة، مرحلة جديدة اتسمت بإعادة النظر في بعض مواقفها السابقة، لتتحول إلى ممارسة وإيديولوجية تحترم فردانية “المرأة”[1]. مما سيتيح لنا، بدءا من التسعينات خصوصا، الحديث عن موجة ثالثة للحركة النسوية تتركز معاييرها على أخلاقيات اللاتجانس وإيديولوجيا الفردانية.

تتسم العلاقات بين الحركة النسوية وما بعد الحداثة، باعتبارها الأشكال الثقافية الأساسية لنهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة، بكونها الأكثر تعقيدا، ويحيطها كم كبير من الجدالات؛ إذ على الرغم من اشتراكها، على سبيل المثال، في “القلق بشأن الغير” (Harvey 1989:47)، وفي التطبيقات الابستمولوجية (Braidotti 1994:37 et passim)، فإنها تختلف في المواقف المتصلة بالفعل السياسي أو أهمية النوع كأداة سياسية، فضلا عن التطور المستمر للحركة النسوية، وتغيير شكلها وآلياتها.

يقدم هذا المقال مساهمة نظرية، تعرض في المقام الأول للموجة الثالثة للحركة النسوية، التي قلما يتم التنظير لها ضمن المجال الفرنكفوني، وتحديد علاقتها إزاء الموجة الثانية، وتقييم سعتها الإرشادية. ويقترح، ثانيا، تحديدا صارما للحقل المابعد حداثي؛ مما أفضى إلى الكشف عن موقفين تم نعتهما هنا بــ: مابعد حداثة العدم ومابعد حداثة اللاتمركز. ويعكس كلا الموقفين تركيب المظاهر الثقافية والاجتماعية المجتمعة تحت مضلة مابعد الحداثة[2]. وينظر هذا المقال أخيرا في التأثيرات المشتركة وفي اختلافات كل من: ما بعد الحداثة والنسوية، وخصوصا نسوية الموجة الثالثة.

الموجة الثالثة من الحركة النسوية Third wavefeminisme[3]

تحاول كل المفاهيم من قبيل: “مابعد – النسوية” (Whelehan 1995)، “مابعد النسوية” (Brooks 1997; Gamble 2000)، ” مابعد النسوية” (Rail et Lafrance 2004)، ” النسوية الجديدة” (Walter 1998)، ” النسوية- الجديدة” (Descarries 1998: 193)، “الموجة الثالثة للنسوية” أو “ماوراء النسوية” (Saint-Martin 1992)، تحاول تحديد ما يبدو تبعا لبعض الباحثين انعطافا، أو انقلابا في النموذج الإرشادي للنسوية مابين 1970و 1990″ (Barrett et Phillips 1992: 6).

يمكنننا، في الواقع، بدءا من النصف الثاني من سنوات الثمانينيات على وجه الخصوص، الحديث عن أفول (Whelehan 1995: 126) أو حتى عن نهاية (Zerilli 2005: 1) الموجة الثانية من الحركة النسوية، كما نقلتهما أو اختلقتهما وسائل الإعلام خصوصا. ولدعم هذه الأطروحة جرى الاعتماد على العديد من الحقائق؛ ففي المقام الأول، إذا كانت الحركة النسوية، باعتبارها حركة سياسية واجتماعية تروم تحرير المرأة، قادرة إلى حد ما على تحقيق أهدافها، فينبغي إذن أن نعتبر أن التمييز على أساس الجنس قد تم التخلص منه عند غالبية الناس، وأن النساء قد حققن إلى حد كبير المساواة مع الرجال، ونميل إلى تصديق أنهن ولجن المجال العام على نحو مكافئ للرجل وتمكنَّ من تحقيق الانسجام بين الحياة العملية والحياة الأسرية والجنسية والعاطفية، وأنهن غيرن السياسة والحميمية بشكل تام، وأعدن تعريف العلم والعمل، وأنهن استطعن، أخيرا، إثباث أنفسهن كمبدعات، وأن جمهورا واسعا يفيد من إنتاجاتهن.

ثانيا، نعتقد أن النسوية ستدخل في نقطة ما مرحلة المأسسة (Dumont 2005: 67)، وأنها ستستعيد أبعادها النضالية والملتزمة عبر المؤسسات العمومية، والدولة، والجامعة حيث تعزز موقع دراسات المرأة (women studies).

بالإضافة إلى ذلك، أصبح بالنسبة للنساء اليافعات “وجود الحركة النسوية أمرا بدهيا”(Baumgardner et Richards 2000: 17) بفعل السلوكيات والمواقف والأماكن والوظائف والعلاقات التي أصبحت متوفرة، والتي كانت قبل حوالي عشرين عاما طوباوية وموضوع برامج سياسية ومطالب ونضالات، مما يجعلهن يعبرن عن سخطهن، إن لم يكن نفورهن، من القضية النسوية، أو عيش “حياتهن النسوية دون نضالات سياسية واضحة” (Baumgardner et Richards 2000: 21). بالموازاة مع ذلك ستدخل النظرية النسوية مرحلة الملخصات وإعادة طبع النصوص التاريخية والمختارات من المقالات النسوية” (Whelehan 1995: 126)، بدل الأعمال الإبداعية.

ثالثا وأخيرا، ستتحطم من الداخل وحدة الموجة الثانية من الحركة النسوية، وستبدأ المجموعات المهمشة أو التي تم محو اختلافاتها لصالح افتراض مسبق لكونية وضعية المرأة بإسماع صوتها؛ يتعلق الأمر بالنساء السود والمثليات ونساء العالم الثالث أو في بعض المناطق في العالم والمهاجرات ونساء الشعوب الأصيلة. وسيتوافق هذا، من الناحية الفكرية، مع انفتاح النسوية على تأثير نظريات مابعد الحداثة ومابعد البنيوية وما بعد الكلونيالية والنظريات القائمة على التعددية الجنسية (الشذوذ).

وفي ظل هذا الانهيار أو الركود المزعوم للنسوية (Whelehan 1995: 128)، نشأت أواخر الثمانينيات حركة انكسار ذاتي أو حرب غير معلنة ضد – نسوية ([4]backlash) أطلقتها مراكز صنع القرار وروجت لها خصوصا وسائل الإعلام. لــــ”تبدو الحركة النسوية كما لو أنها ضحية نجاحاتها” (Dicker et Piepmeier 2003: 35)..

وتم اعتبار أن النساء “قد ذهبن بعيدا” (Burnonville 1992: page titre)، وأنهن سلكن “طريقا خاطئا” (Badinter 2003: page titre)، وما ظهر، قبل عقد من الزمن، على أنه تقدم أمكن تحقيقه بفضل النسوية، ينقلب الآن ضدها. دأبت الأوائل منهن على تبني خطاب “الضحية” محاولات في الوقت نفسه بكل الوسائل العثور على هوية مفقودة، وغيرت النسوية نهائيا علاقات: الرجال – النساء. وما كان في بداية العقد احتفاء باستقلالهن، سيتحول اليوم إلى وحدة؛ وسيُشَيَّد النجاح المهني على أنقاض الأمومة، وعلى حساب الراحة النفسية للأطفال، والحرص على المساواة في العمل سيجبر النساء على بذل جهود من شأنها أن تجعلهن الضحايا الأمثل للاخفاق المهني. إن الحركة النسوية: تتحول تدريجيا إلى كبش الفداء الرئيسي لإخفاقات الحياة المعاصرة” (Whelehan 1995: 2)، ليتم تعويضها بإيديولوجيا جديدة، تعيد، مُلقيةً اللوم على النسوية، بناء هوية المرأة وفقا لمعطيات الأنوثة. و تكاد أن تكون، من هذا المنظور، امرأةُ العصر الجديد مطابقة لامرأة العصر القديم” Whelehan 1995: 44.

في خضم هذه الظروف ستبدأ المرأة في اتخاذ موقف ضد الحركات المعادية للنسوية، وعلاوة على ذلك لن تتخذ وقتا طويلا لإدراك أنه خلف الاديولوجية المساواتيه وصورة السلطة المونثة تتواصل المظالم الصارخة؛ إذ يستمر في الفضاء العام غياب المرأة في مواقع صنع القرار والسلطة، كما أشار لذلك بيكر (Dicker) وبيبماير (Piepmeier) (2003: 4): “على الرغم من ولوج النساء المهنَ الذكورية التقليدية، بشكل منتظم قد يبدو معه أن لا حواجز أمام نجاح المرأة، تبقى الحقيقة أن تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار والنفوذ ضعيف بشكل دراماتيكي”، ولا يزلن ضحايا للامساواة الاقتصادية والفقر، فضلا عن التمييز الجنسي والعنف. أما في الفضاء الخاص، فيتعين عليهن التعامل مع العمل اليومي المضاعف محاولات تلبية متطلبات مرتبطة بأدوار الأم والزوجة والحبيبة. وبالإضافة إلى ذلك تشعر النساء الشابات بالحاجة لجعل النسوية ملائمة لهن، أو بعبارة أخرى إعادة تعريفها بطريقتهن الخاصة، وفي هذا السياق نشهد بروز الموجة الثالثة للنسوية[5]، والتي سيكون مُهما تحديد اختلافاتها وعلاقاتها بالموجة الثانية.

الموجة النسوية الثالثة

بدأت بعض التوترات في الظهور منذ أواخر السبعينات ضمن الموجة الثانية من الحركة النسوية؛ صراعات إديولوجية وسياسية معارضة للنسويات الراديكاليات والاشتراكيات، المثليات أو مزدوجات الميول الجنسي، النساء البيض والسود، نساء الطبقة المتوسطة والطبقة العمالية وغيرها.. وتحت هذه الضغوط تسجل النسوية ” تحولا” (Shapiro Sanders 2004: 50) أو تغييرا في التوجه، وبشكل أدق يتحول التركيز من الصراع السياسي المدعوم بإيديولوجية القمع المشترك لكل النساء[6]، إلى الفوارق المادية والثقافية. في الواقع “لم يعد من الممكن لأي فرد أن يدعي انتماءه بشكل طبيعي لحركة سياسية مخصوصة لمجرد تمتعه بجسد جنسي معين” (Howie et Tauchert 2004: 41)، بدأت فئة “المرأة” باعتبارها “مرجعا متجانسا وموحدا لوضعية نسوية_ مفترضة_ مهيمنة” (Nengeh Mensah 2005: 14) في التفكك، لتصير معتمدة على العرق والطبقة والإثنية والتوجه الجنسي والسياق الاجتماعي والثقافي وغيرها؛ يتعلق الأمر بالأساس الإيديولوجي للموجة الثالثة، القائم على الاختلاف والتعددية والفردانية، على التشظي والاختلاف الجنسي (Shapiro Sanders 2004: 52).

“هذا الحس النسوي الذي شيده وفعله التعارض والاختلاف، أساسيٌ في العديد من مفاهيم نسويات الموجة الثالثة والمعاصرة، فلا أحد من هؤلاء الكتاب والنشطاء يتصور النسوية كيانا متجانسا وكونيا[…]جاءت نسويات الموجة الثالثة للتأكيد على تنوع تجارب النساء بدلا عن تشابههن، معتمدة على انتقادات الكونية والماهوية داخل وخارج الحركة النسوية، إلى الحد الذي قد يبدو معه حاضر النسوية ومستقبلها مهشما كليا”

ستكون أخلاقيات اللاتجانس هذه منبعا للصراع بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة؛ فاذا اعتبرت نسويات الموجة الأولى أن التشتت والتشظي قد يشكك في أسس الحركة نفسها، فإن الثانية ترى في التعددية السبيل المناسب لإدراك واقع المرأة. وهو ما يفسر تحمس الموجة الثالثة للتحديدات الفردانية[7] للنسوية عوض خاصية السيرة الذاتية لنصوص ميزت بدايتها. وفقا لأستريد هنري، سيتم استبدال علاقة من نوع أم و ابنة -التي تحمل في أساسها صلة بل و وصراعا جيليا- بخطاب الأخوية النسائية الخاص بالموجة الثانية والمتناسب مع دينامية جيلية. إنهم يتلقون النسوية باعتبارها “«إرثا» يتم تمريره من الأم إلى الفتاة” (Henry 2004: 13) والفتيات يترددن بين “الانتساب والتنكر” (Henry 2004: 7)، ويعلنّ حاجتهن لنسوية مغايرة لتلك الخاصة بالأمهات[8]. وهو في الواقع ما تصف به كريزنياسكي (Anna Kruzynski ) النسويات الشابات (Kruzinsky 2004: 228):

“إنهن نساء يصرن نسويات في فصل دراسي ما أكثر منه في المجموعات التوعوية[9]، نساء يحملن على عاتقهن مهمة تشكيل سير ذات طبيعة فردية أكثر منها جماعية، نساء يحاولن عيش حقيقتهن، وتسمية وتقويض ثم بناء تعقيد تجربتهن وتناقضاتها، نساء يسائلن نموذج “النسوية المثالي” ويطالبن بأنثوية ونضالية خاصة بهن، نساء يُقبَلن كما هن؛ فحب رجل على سبيل المثال أو ارتداء تنورة قصيرة، أوالحلاقة لم تعد تعتبر خيانة للقضية النسوية […] أو اللواتي يناهضن صورة عارضة الأزياء المثالية والكاملة […]، نساء يحتفين أخيرا بالاختلاف أكثر من بحثهن عن التشابه والأخوية النسائية، نساء اخترن النضال حول رهانات الجنسانية وجماليات الجسد، وأخيرا نساء يتبادلن فيما بينهن، يتناقشن وينتظمن في ” مجلات صغيرة” يكتبنها بأنفسهن، ويستعملن لذلك التكنولوجيا المعلوماتية”.

على الرغم من ذلك فإن مسألة الصراع الجيلي بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة في العالم الفرنسي والفرنكفوني، لاتملك الصدى نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا. وعليه، فالموجة الثالثة في الكيبك هي ” مسألة إيديولوجية أكثر منها جيلية” (Pagé 2005: 45). النسويات الشابات في الكيبك يندرجن ” ضمن محور اتصالي مع نسويات الموجة الثانية” (Nengeh Mensah 2005: 17) بالتزام تام في “سيرورة جماعية لامتلاك مُثُلٍ نسوية من منظور نقدي” (Pagé 2005: 43). بالإضافة إلى ذلك، تواجه النسويات في فرنسا وكيبك شيئا من عدم الارتياح إزاء التفكك الفرداني للنسوية، ويحاولن في خضم نسوية الموجة الثانية بناء أهداف سياسية جماعية جديدة[10].

بشكل عام، تمتد نسوية الموجة الثالثة -إيديولوجيا أكثر منه سياسيا- إلى مكاسب الموجة السابقة، وكما أكد ريجير (2005: XXII):

“الكثير مما يبدو اليوم حديثا في النسوية المعاصرة يملك جذورا له في الماضي؛ قضايا الحقوق الإنجابية، دور الجنسانية في التعريف الذاتي، أهمية الحضور الانتخابي للمرأة، صورة الجسد والحق في العيش دون عنف.. كلها بعض من القضايا التي يتم تناقلها من جيل لآخر”.

وضعت نسوية -نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة -في صميم اهتماماتها مجالات اشتغال متنوعة من قبيل ولوج المرأة إلى التعليم، التمييز في الأجور، أو وفقا للانتماء الطبقي، ارتفاع البطالة والفقر بين النساء، العنف المنزلي والاضطرابات الغذائية، وآثار العنصرية والولوج اللامتكافئ إلى الأنترنيت..إلخ. وبقدر اهتمامها بالقضايا الانسانية كالبيئة ومأسسة العولمة أو الهجرة، فإنها تهتم كذلك بالسيدا والصحة الجنسية للمرأة أو المشكلات التي نجمت عن ظهور تقنيات الانجاب الطبية، وتتميز بالرغبة في إشراك الرجل ضمن الحركات النسائية. وإذا كانت عموما تستثمر بنحو أقل أشكال الفعل الجماعية، فإنها تحتفظ بعلاقة وثيقة مع الفاعلية السياسية. وتهتم بالظلم الاجتماعي الذي “ما يزال يشكل جزءا من التجربة اليومية للعديد من النساء” (Gamble 2000: 52).

لا تدور سياسة الموجة الثالثة من الحركة النسوية حول برنامج موحد وكوني، وإنما حول السياقية، وهو ما تؤكد عليه لامورو (Lamoureux) (1990: 135):

الأهم هو أننا يجب أن نكون فردا، وأن نكتسب مكانة شخصية دون الحاجة إلى العودة لفئة اجتماعية ما؛ حيث لا تتمكن الأنوثة من استنفاد هويتنا، لكي نتمكن من التصرف كذات سياسية. لقد تمكنت النساء كفئة اجتماعية، من خلال الحركة النسوية، اكتساب الحق في الخطاب العمومي. ويتعلق الأمر الآن بتطوير فضاء عام للنقاش المتعدد على النحو الذي يمكن من القدرة على التعيين مع الآخرين لكن باسمها.

لا يتعلق الأمر بالعودة إلى المدينة اليونانية عند أرندت، لكونها تفترض تجانسا سياسيا، وإنما يتعلق بدلا من ذلك بالتشظي المابعد حداثي للمجتمع، وإقامة مساحات للنقاش؛ بحيث يمكن تشكيل عوالم مشتركة باستمرار وجعل القادم ممكنا. وخلافا للنمط الثنائي للمواجهات التشكيكية التي تتسم بها الحداثة واتجاهاتها المختلفة في فلسفة التاريخ، تسعى النسوية إلى تأسيس عصر جديد من المناقشات قائم في الآن ذاته على التعددية والمساواة، بما يضمن غيبية المستقبل.

يقود هذا إلى نشر مفهوم الهوية السياسية، بل ومفهوم الهوية بشكل عام. تؤسس الهوية السياسية، كما تصورته الموجة الثانية؛ علاقة بين تجربة النوع، طبقة أو عِرق شخص /مجموعة أشخاص واهتماماتهم السياسية. نادرا ما يستخدم منظروا الموجة الثانية مقولات الهوية السياسية للمطالبة بحقوق مجموعة معينة، نظرا إلى كون هذه المقولات، كما توضح كتاباتهم، لا تستطيع تقديم بنية متماسكة توحد الأفراد حول مشروع سياسي جماعي، وحتى في حال وجودها فإنها تكون منتشرة على المستوى الفردي كما توضح فيندلان (1995: XIV):

يطلق النساء على أنفسهن في هذا الكتاب، من بين أشياء أخرى، صفات: واضحة، بيضاء، من الطبقة المتوسطة، متمدرسة، جامحة، منفلتة، أم عازبة، آسيوية ثنائية الجنس، صعلوكة، داهية سياسية، امرأة فاعلة، سوداء من الطبقة المتوسطة، أم شابة، خمولة، عضو في أمة مسكوجي، منضبطة، طالبة، أستاذة، كاتبة، فرد، شابة، شخص يملك إعاقة ظاهرة،يهودية غير متدينة، طفلة لنسوية محترفة، ابنة مثلية، ناشطة، كاتبة بمجلات، برج الميزان، متعلمة، متزوجة، أحادية الزوج، نسوية، أم مسيحية أمريكية من أصول إفريقية.

وهكذا فإن الموجة الثالثة تميل إلى تقديم نفسها كحركة مختلطة غير صافية؛ يراعى داخلها قبول الاختلاف أكثر من الاهتمامات الطبقية والسياسية المختلفة لوضع المرأة، والإنسانية بشكل عام (Heywood et Drake 1997: 8):

تجعل الموجة الثالثة من إدراج أشخاص من جندر وميول جنسية وجنسيات وطبقات اجتماعية مختلفة أولوية قصوى، وتجمع بين عناصر من المساواة النسوية والمساواة الجندرية في حركة نسائية شعبية ما تزال تحارب من أجل المساواة في فرص الدخول والأجر والعمل، لكنها تعمل أيضا على تحويل البنيات التي يعمل فيها الشباب. تتميز حياة الموجة الثالثة بالفوضى، وهو ما يميزها؛ تود فتيات لو كن فتيانا، وفتيان لو كانوا فتيات، وفتيان وفتيات يصرون على أنهم الاثنين، وبيض ودوا لو كانوا سودا، وسود يريدون أو يرفضون أن يكونوا بيضا، وأشخاص بيض وسود، ذكور وإناث، مثلي أو لا وآخرون ممن يجدون طرقا لكي يكونوا وينعتوا بغير سبق.

مع ذلك، فإن النسوية الواعية التي تؤكد على أن “روح الموجة الثالثة للحركة النسوية” يكمن في ” أن نفهم أن المرأة تستطيع وينبغي أن تكون باعتبارها إنسانا كاملا، غير مَقيس بالعلاقة مع تفوق الذكور” (Baumgardner et Richards 2000: 11).

مابعد الحداثة

ينظر إلى ما بعد الحداثة هنا على أنها علامة عرضية لحالة العالم في نهاية الألفية، وفضاءٌ جدلي وعاكس، لـ” مقولة تأويلية” تمكن من احتواء مداخل ومخارج “طفرة ثقافية” (Fortier 1998: 23).

يعكس مستوى الممارسات الخطابية والثقافية موقفين متعارضين تماما من معايير ما بعد الحداثة، ننعتهما أدناه بما بعد حداثة العدم وما بعد حداثة اللاتمركز.

ما بعد حداثة العدم

يرى هذا الموقف أن العالم المعاصر محكوم ب الأزمة والانحلال الأخلاقي والفوضى و”انغلاق العقل” (Bloom 1987: page titre). ولن ينتج إلا “ثقافة الفضلات” (Kroker et Cook 1986: page titre)، المعاد تدويرها والمحكومة بالفن الهابط، وسيكون مذعورا ومهيمنا عليه “بسرديات الانحطاط” (Bennett 2001: page titre).

تبدو الإنسانية في نهاية الألفية خائبة الأمل ومحبطة، بعواطف ولغة بالية، وطاقة وآمال مستهلكة؛ قد قيل كل شيء وجُرب كل شيء، فقدت الأصالة قوتها المستفزة والقيادة استنفذت زخمها بعد أن جربت الأبيض والصمت باعتبارهما تجسيدات نهائية للنفي والقطيعة. لم يتبق غرابة سخيفة لعالم كل شيء فيه مباح (Baudrillard 1990: 11):

إذا وجب توصيف الوضع الحالي للأشياء، سأقول إنها كتلك التي تعقب العربدة؛ وهي لحظة تفجر الحداثة وتحرير كل المجالات […]. أما اليوم فقد تم تحرير كل شيء والألعاب قد استنفدت، ووجدنا أنفسنا جميعا في مواجهة السؤال الحاسم: بعد العربدة، ما العمل؟

تحول الواقع، بفعل التطور غير المسبوق للتقنية والوسائط، إلى واقع افتراضي، منتشرا في السيمولاكرات والمحاكاة، وتكاثرت الصور مساهمة في تفكيك العالم والفرد، حتى أن كونديرا يتحدث (1990: 140) عن “التحول التقدمي العام والكوكبي من الإديولوجيا إلى علم الصورة imagologie”. يتصل علم الصورة، من منظور جيمسون، باضمحلال العمق باعتباره مقولة جمالية ووجودية، وظهور الواجهة. تسلط هذه الأخيرة الضوء على نموذج للذات بعيدا عن النموذج الحديث المستبعد في صراعه مع العالم الخارجي. بل نموذجا متشظيا و”فارغا من كل شعور” (Jameson 1984: 58-64) إلا من النشوة الهستيرية.

أدت دعاوى الاستقلالية وسيرورات الفردانية التي روج لها المشروع الحديث في ما بعد الحداثة إلى ” نسبية محمومة” (Lipovetsky et Charles 2005: 51) ونزعة فردانية شرسة. يتميز هذا الأخير برفض كل مشروع تحفيزي وتغييب النزعات الاستهلاكية واللذائذية، ولا يمكن للقيم والمثل في هذه الظروف الا أن تتدهور؛ صارت البنيات التقليدية للمعنى والخطابات الإديولوجية موضوعا للاستهلاك الجماهيري، وخاضعة لتقلبات الموضة، بعد أن “عملت دوما وفقا لمنطق التعالي والديمومة وفي طقس التضحية والتفاني” (Lipovetsky et Charles 2004: 39)؛ ما يهم هو البحث عن الأنا ومصلحتها الخاصة: “نشوة التحرر الشخصي، الهوس بالجسد والجنس: الاستثمار المفرط في الخاص وتسريح الفضاء العام”(Lipovetsky 1983: 15-16). نتيجة لذلك، فإن عالم ما بعد الحداثة يبدو عارضا وفاقدا لسحره، ما يولِّد اضطرابا في الذات وشعورا مستمرا بانعدام الأمن؛ يجول الكائن في عالم من العلامات الفارغة، يهيمن عليه اللامكان، وتظهر الاستقلالية المطلقة على المدى البعيد غير محتملة، و ويواجه الفرد “التعبَ من أن يكون نفسه” (Ehrenberg 1998). تنغمس الإنسانية المفتتة في حاضر غير مادي لا ذاكرة له، بعد انفلاتها من منطق التقدم الخطي نحو مستقبل حتما أفضل.

ما بعد حداثة اللاتمركز[11]

في تعارض قطعي مع الموقف الأول، يجد الموقع المابعد حداثي الثاني أصله في غياب المركز والرؤية الموحدة والمعايير الكلية والنهائية التي تسمح بظهور قصص ليوتاردين القصيرة. في هذه الفضاءات التأملية والجدلية، يسائل المفكرون والمفكرات، والمنظرون وكذا المنظرات، السرديات الفوقية للذات والتاريخ والحقيقة والمعرفة والسلطة، ويدحضون فكرة تعاليهم وتجانسهم وترسيخ اعتمادهم في سياق محدد. ويعتبرون كذلك أن الانسان[12] (الذات) ليس الموضوع المعرفي الحديث، بل هو على العكس ذلك؛ نتاجٌ اجتماعي وتاريخي ولغوي. ولا توجد أيضا رؤية أو تصور موحد ومطلق للواقع المباشر، تماما كما لا يوجد الواقع إلا في اللغة أو في ذهن من يعتقده؛ ففي نظر المابعد حداثيين الواقع متقلب، متعدد ومجزئ، و”ملتبس مع التفسيرات الذاتية التي نمارسها عليه” (Boisvert 1998: 184).

يهاجم المابعد حداثيون، أيضا، رؤية الإنسان والتاريخ التي تؤكد على قيم الوحدة والتجانس والكلية والانغلاق والهوية، مسائلين فكرة العقل التجريبي أو المنطقي لصالح الاختلاف واللاتجانس والغيرية. ويهدمون الهوية باعتبارها مرجعا أحاديا، ثابثا ومستقرا، ويستبدلونه بمنازل الهوية، وبتعبير آخر بأنطولوجيات مؤقتة، نامية، فعالة، زائفة، متشظية ومجزأة.

تشكل الفلسفة الغربية وادعاداتها حول الحقيقة والمعرفة المطلقة، بدورها موضوع نظر من طرف ما بعد الحداثة؛ إذ لا يمكن بالنسبة لما بعد الحداثيين وجود عقل متعال يدعي امتلاك مطلق المعرفة الوضعية، كما يمتنع بنفس القدر عن تضمين التجربة في مقولات ومفاهيم كلية ومتعالية، ثم تظهر هذه المفاهيم والمقولات أيضا على أنها متغيرة تاريخيا وثقافيا؛ وكما تبدو صورة العقل معطى ثابثا، وإنما بناء اجتماعيا وجدليا، فإن الحقيقة أيضا نتاج الخطاب. وعلى المنوال ذاته، لا توجد معرفة شمولية وتركيب ممكن لكل معارف العالم. بل لا توجد على النقيض من ذلك إلا معارف جزئية وألعاب لغوية وأجزاء من المعرفة والمعنى.

يقوم الفكر الحداثي من جانبه على الترحال والكدر المفاهيمي والمنهجي (Braidotti 1994)؛ ويكسر”أطر الفكر” أو “قبلياته” (Foucault 1966: 171 etpassim)، ويسبر الاحتمال الإرشادي والابستمولوجي للانتهاكات والتلوثات والتردد واللايقين بل والخطأ، ويعارض الممارسات الشمولية والمتجانسة للألعاب الجدلية. وباعتبارها ممارسات تأويلية وابستمولوجية ما بعد حداثية وشذرية، كالتفكيك والتوزيع واللاتمركز والتحليل النفسي، وتعمل على مساءلة الوحدة الظاهرية للنص وطابعه النسقي، وتسعى إلى تحرير مظاهره غير المتجانسة وتعددية أصواته ومعانيه، وتهتم بالصراعات والتوترات الملغاة ضمانا للوحدة، وتحذر من كل تعارض أساسي مفترض، ومن أي مقولة طبيعية، وكل ادعاء بالتمثل.

إذن داخل هذه “المساحة المكشوفة الجديدة حيث يمكن أخيرا التفكير مجددا” (Foucault 1966: 353)، يندرج البعد التحرري، التجديدي والبنائي لما بعد الحداثة، ويترجم -على مستوى مجال الممارسة الاجتماعية- بفك الارتباط بالدولة، والاعتراف بالتعددية والهويات الإقليمية، وبظهور المبادرات المحلية والاقليمية، وكذا عبر اللامركزية وتوزيع السلط. تتعرض مفاهيم الأمة والمواطنة إلى تحولات جذرية بفعل الحركات الاجتماعية السياسية المعادية للاستعمار، وكذا بفعل بفعل بروز الأقليات وحركات الهجرة الكبرى. أصبحت التعددية الثقافية والتمازج الكلمات المفاتيح في عدد كبير من المجتماعات ما بعد الكلونيالية. أصبح الآخر والمغاير بفعل ذلك يتخلل “نماذجنا النقدية والفلسفية والاجتماعية […]” (Paterson 2004: 20) والأنطولوجية، والذاتَ الاجتماعيةَ التي تروج لها النسوية وما بعد الكلونيالية والتعددية الثقافية؛ إنه الشاذ، العجيب، والغريب الذي يشوش النظام الجنسي والعام، إنه أيضا غير القابل للاختزال، والممتنع عن الفهم، المزعج لذاته، يشطرها ويفجرها في: دوار من الغموض غير القابل للحسم” (Nouss 2001a: 54 et passim).تصنف نظرية المعرفة من جانبها أيضا الآخر إلى جانب مصطلحات كالبدو والكدر والصيرورة والاختلاف؛ ينشئ من فكرة تبدو على أنها “عملية انقطاع مستمرة، واستجواب دائم التجدد وقلق ويقظة تلزم بعدم البقاء في المكان نفسه والركون إلى اليقن” (Nouss 2001a: 53-54).

على النحو ذاته توضع الممارسات الثقافية بدورها رهن إشارة الانتقائية والتمازج والتعددية؛ ففي العلم على سبيل المثال فإننا نسائل فكرة الحتمية لتوجيه البحث، كما أظهر ليوتار (1979: 88) نحو البحث في المتغيرات. وبعد ظهور السبرنيتيقا والمنظوماتية التي ساهمت في ظهور البنيوية، انعطف العلم الما بعد حداثي شيئا فشيئا إلى دمج العشوائي واللامتوقع والتعقيد.

أضحت المساحة التي تم فتحها نهاية الطليعة التاريخية، بالنسبة لسكاربيتا، متناقضة ومتضاربة وغير خالصة؛ حيث تستقبل في الآن ذاته ” حركة ارتحالية، غير متجانسة، ومتجذرة” و”لترجعها للانسجام التقليدي خالصة وبسيطة” (Scarpetta 1985: 14-15): كالرسم التصويري والعمارة المزخرفة والسرد الأدبي الكلاسيكي. هذه العودة ليست تكرارا للماضي بل تفترض ابتعادا عنه من خلال اللعب والفكاهة والسخرية والغلو في استعمال الدرجة الثانية. علاوة على ذلك ينحرف الفن نهاية الألفية الثانية بشكل لا رجعة فيه من البرج العاجي الذي سجنته الحداثة فيه ليصبح سلعة استهلاكية شأنه شأن “الملابس والطائرات” (Jameson 1984: 56)..

النسوية ومابعد الحداثة

نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين أزمة أنساق المعرفة والتمثل:

لقد حصل تحول في القيم: حيث لن تتم محاكمة العقل، باعتباره مهيمنا كليا وموصوفا بالوحدة والنور والنظام، لكونه ليس عقلانيا؛ وإنما لسبب آخر هو اتصاله بالغموض واللاواحد والبديل، ويفتح هذا الأخير فضاء للتفكير واللاتصال بالعالم الذي قد يبدو البديل للمؤنث والذكر أو كتذكير المؤنث بالمذكر (Collin 1992a: 260).

يثير هذا اهتمامَ الفلاسفةِ المابعد حداثيين-خصوصا الفرنسيين- بالأنوثة. يؤدي تذبذب الأنساق والمقولات الثنائية، في الواقع، إلى ثراء دلالي في مصطلحات غير ممكنة الحمل على الإنسان؛ إذ يتم استخدام الأنثى والمرأة الآن على حد سواء كــ”استعارة للقراءة وتضاريس للكتابة لمواجهة انهيار الاستعارة الأبوية” (Jardine 1991: 34). إنه يستجيب لــ” ضرورة إعادة تسمية ما كان ممتنعا عن الإنسان التفكير فيه، عبر البدء بسلسلة من المقارنات بين عناصر تشترك في “المرأة”” (Jardine 1991: 34). النعوت/الأوصاف التقليدية التي تحيل على المرأة والأنوثة تحصر في الحاضر سمات الوجود في العالم. تهدف الاستعارات حديثا إلى أن تكون، كالاستعارات الذكورية، محايدة جنسيا وكونية، كما هو الحال، عند دريدا على سبيل المثال، مع غشاء البكارة أو الانزلاق.

في الحقيقة، إذا كانت المرأة تخلق ” وَهمَ طرح سؤال الواقع الفعلي للمرأة” فإن هذه الاستعادة للأنثى تترك مع ذلك” خارج حقلها سؤال الروابط الفعلية بين الرجل والمرأة داخل العالم نفسه” (Collin 1993: 210)؛ فقد استُعِيدَت الأنثى كمفهوم فلسفي على حساب مفهوم المرأة، دون أن يستلزم هذا الوضع المعرفي إعادة التفكير حقا في وضعية المرأة الاجتماعية والثقافية.

تلغي ما بعد الحداثة في توجهاتها الحيادية اختلافا جوهريا هو الاختلاف بين الجنسين، باعتباره دائما أساس تنقيص المرأة ويخشى جعلَ النوعِ أداة سياسية ومعرفية.يتعلق الأمر هنا بمحدودية فكر ما بعد الحداثة الذي ستستنكره نسويات الموجتين الأخيرتين. مع ذلك، وتحت تأثير المقاربات التي اقترحتها مابعد حداثة اللامركزية، حاول منظروا النسوية المابعد حداثيين[13] تقويض الجندر وحتى إعادة التفكير فيه؛ إذ بالنسبة لبتلر فإن هذا الأخير ليس طبيعيا ولا ثابثا (كما تم تصوره من منظور ماهوي)، ولا يكتسب بفعل التنشئة الاجتماعية (المنظور المادي/ البنائي)، وكونه خال من الأساس الميتافيزيقي والأنطولوجي فإنه يمكن صياغته والتراجع عنه دون توقف بفعل الأداء والتكرار الساخر أو المحاكي للقواعد والقيود. إضافة إلى ذلك، وكما قررت ذلك بتلر، فأن تشكيل الذات نفسها يتم من خلال الأداء الجندري، مما يفتح المجال للهويات المتحركة وغير المستقرة والطارئة، للهروب من كل تصنيف ثنائي (متجانس أو مغاير) (1990: 179-180):

لا ينبغي النظر إلى الجندر باعتباره هوية مستقرة أو مركز تحكم تنبع عنه مختلف الأفعال، بل هو هوية تشكلت ببطء في الزمن، وتم تأسيسها في الفضاء الخارجي بفعل التكرار المنمق للأفعال […]؛ مما ينقل مفهوم الجندر من صياغته على أرضية النموذج الماهوي للهوية، إلى نموذج يتطلب اعتباره بناء متزمنا اجتماعيا […]. إذا كانت الصفات والأفعال الجندرية والطرق المختلفة التي يُنتج ويظهر بها الجسم دلالاته الثقافية أدائيةً؛ فإنه تبعا لذلك لا توجد هوية محددة يمكن بها قياس صفة أو فعل؛ فلن تكون هناك أفعال جندرية صادقة أو كاذبة، حقيقية أو مشوهة، وفرض هوية جندرية حقيقية سينكشف كخيال منظم. ينشأ هذا الواقع الجندري من خلال الأداء الاجتماعي المستدام، مما يعني أن الكثير من مفاهيم الجنوسة الماهوية والذكورة أو الأنوثة الحقيقية مشكلة أيضا كجزء من الاستراتيجية التي تخفي خصائص الأداء الجندري والإمكانات الأدائية لانتشار التعديلات الجندرية خارج أطر الهيمنة الذكورية والتباين الجنسي الإجباري.

تحاول بتلر بذلك تجنب السقوط في التفكير التصنيفي، وهو ما نلاحظه هنا ثابثا في تفكيرها وكتبها، دون حرمان الجندر من قوته السياسية، وتعمل في الآن ذاته على تجلية التناقض المزدوج بين الجنس والجندر[14]، الذي يقع في قلب نظريات الموجة الثانية، والذي يُتناول عادة باصطلاحات الطبيعة والثقافة؛ إذ تعتبر الجنس، كما الجندر، متغيرا ومتحركا، ويبدو بالأساس كتكوين خطابي مفروض بالضبط في إشكالية التصنيف من خلال اللغة والثقافة. فـــ”الجسد، في واقع الأمر، ليس معطى مطلقا، بل هو في حاجة دائمة لنموذج عرض يكون في العادة محددا ومفصلا ثقافيا” (Butler, citée dans Joos 1997: 14).

تشترك نسوية الموجة الثالثة وما بعد حداثة اللامركزية في جوانب أخرى؛ إذ يرفضون نماذج التناقض الثنائية ويخلقون فضاء للاعتراف بالثالث المرفوع، ويجعلون من التمازج وقبول الاختلاف ممارسة إبستمولوجية وقيمة اجتماعية. تعمل نسوية بداية الألفية الثالثة على نشر مقولة المرأة، وإعطاء صوت للموضوعات التي علقتها الموجة الثانية من الحركة النسوية، كما هو الحال مع السود ونساء العالم الثالث والمهاجرات والفئات الشاذة والموضوعات ما بعد الكولونيالية، وتشترك مع ما بعد الحداثة في تنسيب الاتجاهات الماهوية التي تبدو مضمنة فيها. من الممكن، طبقا لوجهة النظر هذه تصور تحالف سياسي، أكثر من كونه معرفي، بين نسوية الموجة الثالثة وما بعد حداثة اللامركزية، ووفقا لفريزر ونيكولسون فإن عددا من النظريات الاجتماعية النابعة من نسوية الموجة الثانية، كما هو الحال مع تحليلات شودورو للأمومة أو خصوصية الخطاب الأخلاقي للمرأة في تحليلات جيليجان، تقترح ضمنيا سرديات فوقية جديدة؛ التي إذا لم تكن ” سرديات فوقية خالصة” لكونها ليست “نظريات تاريخية معيارية حول طبيعة العبور الثقافي للعقلانية أو العدالة” (Fraser et Nicholson 1990: 27)، فإنها تفترض في المقابل أن:

المناهج والمفاهيم اللازمانية واللاتاريخية تعمل على نحو دائم كمصفوفات طبيعية للبحث، والنظريات التي تشترك في بعض الملامح الماهوية والتاريخية للسرديات الفوقية، لا تنتبه للتنوع الثقافي والتاريخي وتعمم ملامح عصر المنظر وثقافته ومجتمعه وطبقته وتوجهاته الجنسية وإثنيته وجماعته العرقية (Fraser et Nicholson 1990: 27).

تساهم ما بعد الحداثة، وفقا للباحثين، في تجنيب النسوية مأزق الوضع الماهوي مع إبراز الحاجة لتسييق مقاربة وضعية المرأة.

وبالتالي تتصل ما بعد حداثة اللامركزية ونسوية الموجة الثالثة في المخطط الابستمولوجي ومخطط الممارسات النقدية؛ حيث ارتحل الفكر إلى قاعدة ما بعد حداثة اللامركزية لمساءلة الحدود بين التخصصات، ويتقدم بالتحالفات والشراكات المختلطة بين مجالات المعرفة، وحذرة من التصنيف وادعاءات الحقيقة والتمثل.

والتفكير في الأنثى” يُقدم نفسه كحركة أكثر من كونه إيديولوجية صارمة. وبتركها المجال للرغبة، تجعل الأنا واللعب ممكنا، وتضع نفسها خارج منطق خاضع لثنائيتي: صدق/كذب” (Dupré 1990: 26)، مقدرة القيمة الإبداعية للإحراج/ المعوصة/المفارقة والتناقض واللاتجانس، ومفكرة في” النقائض التي لا تلغي بعضها وتتعايش في نفس النظام مجتمعة” (Dupré 1996: 153)، وتنشر الحقيقة خدمة للايقين والحقائق الجزئية، بينما ترفض الشمولية والتجانس والوحدة”[15].

يتفق أتباع ما بعد حداثة اللامركزية وبعض منظري الموجة الثالثة من النسوية أيضا على مفهوم الذات والهوية؛ إذ يعيد ما بعد الحداثيين، في الواقع، التفكير في مفهوم الهوية الموحدة والمستقلة والكونية لجعلها نتاج خطاب وسياق سوسيو-تاريخي، وهو ما يوافق تصور الهوية على أنها ترحالية ومؤقتة وأدائية. في هذا السياق تحاجج باتلر على أن الذات تنبني أساسا في اللغة وعبرها(notamment Butler (1997))؛ إذ بالنسبة لها لا وجود لذات “قبل اجتماعية” أو “بعد اجتماعية”، على الرغم من اعتراض نسويات أخريات على التفكيك الماهوي وحتى “الاختفاء” للذات، لكونه سيتسبب في تزييف أسس وأهداف الحركة النسوية، وكما أشار كولين ساخرا (1992b: 127)؛ النساء دوما “متأخرات كثيرا” لأنهن يدعين ” أنهن ذات في الوقت الذي لا توجد فيه ذات، ويلوحن بعلم الاستقلالية دون استيعاب أن التغاير هو الذي يصنع الحقيقة، التي هي القانون، ويطلبن حق الكلام دون فهم أنه حيثما تحدثت الأنا لا أحد تحدث”، وعلى نفس المنوال ستحافظ الذات الأنثوية بالنسبة لكوتنوير(1988: 161), على وضعية حديثة تبقيه “في حركة في بحثه عن النزاهة”.

يندد منظروا النسوية أيضا بـــ” الاستيعاب المجمَّل” (Singer 1992: 470) لما بعد حداثة العدم، والتي تعلن في بعض توجهاتها عدم اكتراثها بالعديد من الإشكالات الحالية؛ كالفقر والحروب الإثنية والعولمة والأصوليات الدينية والقومية والتمييز الجنسي والعرقي والطبقي. في المقابل، يحافظ نسويات الموجتين معا على روابط وثيقة مع المشاركة الاجتماعية والسياسية، مما قد يمكنهم من ضخ مركب سياسي وإثني في التفكير والممارسة المابعد حداثيتين.

تبقي النسويات مسافة أيضا من إزاء الرؤية العدمية التي يروج لها قادة مابعد حداثة العدم، وبهذا المعنى تنكر كوتنوار كل علاقة محتملة بين ما بعد الحداثة والنسوية؛ إذ الحداثة بالنسبة إليها “تعبيرعن رغبةٍ جامحة في الانتحاروعُجبٍ مرضي” (Cotnoir 1988: 161). يجادل النسويات والفلاسفة وكتاب المقالات من الرجال، ضد رسل العدم الذين بالنسبة لهم ” لا يوجد أمل أو معنى للمستقبل” (Jameson, citée dans Stephanson déc. 1986/janv. 1987: 70)، المشاركون في فكرة ما بعد حداثة اللامركز أن الفضاء التأملي والاجتماعي المنفتح في بداية الألفية الثالثة يقدم سلسلة كاملة من الاحتمالات الجديدة؛ مما يظهر النسوية بشكل دائم “كممارسة لبناء العالم” (Zerilli 2005: 17) تساهم في “إعادة السحر النقدي للعالم” (Lamoureux 1990: 135).


  • دنيسا أندريانا أوبريا: حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي والكيبيكي (جامعة لافال، كيبك، 2008). تدرس حاليا اللغة الفرنسية في كلية الاتصال والعلاقات العامة التابعة للمدرسة الوطنية للدراسات السياسية والإدارية (ENEPA)، فرع كلوج نابوكا Cluj-Napoca برومانيا. شاركت في تأليف كتاب Communication interculturelle et discours médiatiques(قيد النشر)، والعديد من المقالات والترجمات؛ بحيث قدمت بالرومانية نص فلوس فاجن بلوز Volkswagen Blues لجاك بولين Jacques Poulin (قيد النشر)، وبالفرنسية رومانيا خلال الحرب الباردة: التسلسل الزمني للأحداث والمؤسسات والعقليات instituţiilor şi mentalităţilor (1945-1989)/La Roumanie pendant la guerre froide România în timpul războiului rece (قيد النشر).

[1] يُفهم المصطلح هنا في خضم مقترحات بتلر، التي تعتبر أن استخدامه على نحو تجانسي لا يشكك في التصنيفات الجندرية كأساس للتباين الجنسي، وتعزيزه، بالتالي، لعدم المساواة (Butler 1990). إنها تقدم تصورا نقديا لمقولة ” المرأة” بناء على حركيتها وتجددها الدلالي المستمر (Butler 1995: 50-51).

[2] نختار، في هذا المقال، مفهوم ما بعد الحداثة postmoderne لملاءمته أكثر أغراض البرهنة من نظيره مذهب ما بعد الحداثة postmodernisme، بسبب اشتماله بعدا مزدوجا؛ زمانيا وسسيو-ثقافيا. ونميز في الواقع ما بعد الحداثة postmoderne “باعتبارها مجموع الظواهر التي تنفلت من شبكة التأويل والتفسير الحداثية”، عن ما بعد الحداثة postmodernité؛ أي “تمظهراتها (الاجتماعية والسياسية والتاريخية) في الحقبة المعاصرة”وعن مذهب ما بعد الحداثة postmodernisme، باعتباره “تمظهرات ما بعد الحداثة في صورة ممارسة جمالية وتأملية” مع اعتبار ما بعد الحداثة ” عرضا لا هوية أو مقولة؛ عرضا يكشف تطورات، مدعومة بالتفكير، في الحقل السسيو-تاريخي أو الجمالي- التأملي ” (Nouss 2001b: 498).

[3] ظهر مصطلح الموجة الثالثة third wave لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية أوائل التسعينيات. وغالبا ما يتم الاستشهاد بنصين مختارين نشرا عام 1995 من طرف فيندلين Findlen ووالكر Walker كممهدين للطريق؛ ويتعلق الأمر بمؤلفات نشرت من طرف الصحافة الشعبية تتضمن بالأساس شهادات ذاتية لنسويات شابات؛ أي لجيل من النساء اللواتي ولدن ما بين الستينيات والسبعينيات. وبفعل اتهامها في البداية بــ “فقر في الموارد النظرية والتاريخية والتنظيمية” (Orr 1997: 33)، بدأت الموجة الثالثة في التقعيد لنفسها منذ نهاية التسعينيات، وخصوصا بداية سنوات الألفين. ونحيل بشكل خاص على الأعمال التالية: Heywood et Drake 1997; Dicker et Piepmeier 2003; Gillis, Howe et Munford 2004; Henry 2004; Reger 2005. نلاجظ في المجال الفرنسي والفرنكفوني إحجاما عن الموجة الثالثة للحركة النسوية بسبب ضعف التبلور السياسي والأيديلوجي للحركة؛ ففي مقالته ضمن المعجم النقدي للنسوية Dictionnaire critique du féminisme (2004) يولي Fougeyrollas-Schwebe الاهتمام للموجتين المكرستين تاريخيا فقط؛ أي الحركة النسوية التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وموجة الستينيات والسبعينيات، متجاهلا ضمنيا وجود موجة ثالثة. ولتوصيف التغيير الذي حصل خلال الموجة النسوية الثانية يتم اقتراح تعابير من قبيل: “النسويات الشابات”، “نسويات القرن الواحد والعشرين”، أو “الوجه الجديد للنسوية”، بينما يتحدث باحثون آخرون (Théry 2005: 32) في بداية القرن الواحد والعشرين عن “نسوية تعددية ( النسوية الفوقية، ما بعد الحداثة، نسوية البيئة، داعيات السلام والعولمة البديلة)”أو يحذرون من مفهوم ” الموجة (الثالثة)” (Blais et autres 200، وجرى التنظير لنسوية الموجة الثالثة بالكيبك في مؤلف نينجيه مينساه Nengeh Mensah (2005). يشهد الفارق الزمني الكبير بين ظهور المصطلح بالولايات المتحدة وتبنيه بالكبيك، وكذا الاستفهام الذي وضعته نينجه مينساه في عنوان مؤلفها على صعوبة اختراق مصطلح الموجة الثالثة للفضاء الفرنكفوني.

[4] من أجل تحليل لعناصر الــ backlash في الفضاء الأمريكي، ينظر المؤلف الكلاسيكي لفلويد Faludi (1991)؛ إذ يكشف المؤلف بذكاء الانقلاب في صورة المرأة القوية والمستقلة لسنوات السبعينيات إلى صورة إيديلوجية للذنب وقيم “الأنثى الخالدة”. ولمناقشة الــ backlash في الفضاء الفرنسي يطالع كل من Frisher (1997)وBadinter (2003).

[5] بينما نتفق، بشكل عام، مع الانتقادات التي صاغها باحثون من قبيل: Fougeyrollas-Schwebel (2004), Dumont (2005), Toupin (2005) أو Blais et autres (2007)، لمفهوم “موجة”، فإننا نؤكد، لاغراض عملنا، مع نينجيه مينساه على الطابع الإرشادي لــ “الموجة الثالثة” باعتباره إطارا معرفيا يمكن من خلاله فهم قضايا النسوية المعاصرة (Nengeh Mensah 2005: 21).

[6] وفقا للخطاب الرديكالي (Jaggar 1983: 124)، فإن “كل النسويات يعالجن المشكلة ذاتها: ما الذي يشكل اضطهادا للمرأة، وكيف يمكن إنهاء هذا الاضطهاد؟”. إضافة إلى ذلك يعكس انهيار هذا الاضطهاد، وفقا وفقا لباريت وفيليبس Barrett et Phillips (1992: 2)، واحدا من العناصر التي مكنت من المرور من الموجة الثانية إلى الموجة النسوية الثالثة.

[7] أو ما نسميه نسوية الــ DIY: وبعبارة أخرى نسوية قائمة على شعارات من قبيل: ” إفعلي-ها- بنفسك…نسويتك هي ما تريدين أن تكوني وما تصنيعنه بها. حددي برنامجك. طالبي مرة بعد أخرى ب كلمتك F” (Henry 2005: 83).

[8] تجدر الإشارة هنا إلى أن خطاب الصراع، أو حتى القطيعة الجذرية بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة، خاص بالولايات المتحدة خلال بداية الموجة الثالثة.، والذي سيتم استعادته جزئيا من طرف مابعد النسوية، التي ستكون وفقا لبعض الباحثات تيارا في حد ذاته، لتدخل مع حركية ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة وما بعد الكولونيالية (Brooks 1997: 4).. تبدو ما بعد النسوية، في العادة، ردة فعل تجاه نسوية الموجة الثانية، ومتداخلة إلى حد ما مع الحركة المعادية للنسوية. يختلف أغلب منظري الموجة الثالثة بشكل خالص عن ما بعد النسوية (Dicker et Piepmeier 2003: 10; Heywood et Drake 1997: 2)، ولمناقشة أوسع ونقد لمفهوم ما بعد النسوية ينظر: Gamble (2000: 43-54).

[9]يتعلق الأمر بسمة خاصة بالموجة الثالثة من الحركة النسوية، التي تبدو كــ “صناعة بجذور أكاديمية مهمة” (Evans 1997: 1).

[10] يلفت بليز وآخرون النظر إلى خطورة هذا السحق للحركة النسوية ، بينما يدعو إلى مقاربة راديكالية دائمة؛ حيث الادعاء بأن التحليل النسوي الراديكالي قد تم تجاوزه لصالح موجة ثالثة ، يصرف انتباه النساء عن التهديدات الشمتركة التي تواجههن. يتركز الاهتنمام إذن على ما يقسم النساء، خاصة الجيل الذي يدعي ارتباطه بالإديولوجيا بدل لبقمع المشترك الذي يوحدهن” (Blais et autres 2007: 155).

[11] نميز بين “اللامركزية، باعتبارها ممارسة حديثة تعبر عن “استبعاد المركز لا إلغائه، لإثراء وزيادة وتصحيح وتأصيل وجهة نظر ما؛ أي أنها رؤية من خلال نقطة مركزية”. وبين اللاتمركز، الما بعد حداثي في العادة، المحدد باعتباره ” حركة دائمة، رحلة تأملية، تأويلية أو إبداعية، المسار اللامتناهي على طول خطوط التلاشي أو الجذور الثمينة عند دولوز” ، مما يجعل “ما بعد الحداثة منهجية خالصة ومسارا” (Nouss 2001b: 494).

[12] لا يتعلق الأمر، كما لاحظ عدد من منظري النسوية، بالفرد بمعناه العام، وإنما بالإنسان وحتى الرجل قد تمت ترقيته إلى مرتبة “معينة من الكوني” (Varikas 1995: 81-127).

[13] ينظر إلى نسوية ما بعد الحداثة هنا على أنها تيار داخل نسوية الموجة الثالثة، جنبا إلى جنب مع النسوية الفوقية والنسوية التجاوزية ونسوية العولمة البديلة..وغيرها. وتتميز، بشكل عام، بــ” بنيوية اجتماعية، ونسبية من نوع ما، وعدم الإيمان بأي شكل من أشكال الحقيقة والموضوعية والعالمية” (Baril 2005: 44). تدعم نسوية ما بعد الحداثة ” أن الجنس، النوع، الهوية، الهوية الجنسية، الميل الجنسي والتصنيفات الهووية ( مثل رجل/امرأة) هي بنيات اجتماعية تم تطويرها غالبا في سياق ثنائي يقتضي تفكيكها. وتعارض اختزال معركة النسوية في أشكال معارك تحررية أخرى، وتصر على مراعاة الأبعاد القمعية المتعددة التي تشكل هوية المرأة (تشابك النوع مع الإثنية، العرق، الطبقة، الميل الجنسي..إلخ). وتنتقد التجانس غير المبرر لصنف المرأة، والجانب القسري لهذه الأخيرة […]، مع التنديد بسياسات الهوية والدعوة إلى ممارسة سياسية نسوية متحالفة” (Baril 2005: 44).

[14] لا يخلو هذا، كما هو الحال مع الأدائية الجندرية والجنسية، من انتقادات بعض النسويات؛ فوارد جوف Ward-Jouve (1998: 10)على سبيل المثال تعتبر أنه ” في غياب ما يسمى الثنائيات: رجل وامرأة، مذكر ومؤنث، لن يكون هناك شيء: لا جيل ( الجذر هو نفسه بالنسبة للنوع)، ولا معنى”.

[15] إليكم كيف ينسق ييتمان هذا التشابك بين إبستمولوجية ما بعد حداثة اللامركزية ونظرية الموجة النسوية الثالثة: “ستكون علاقاتهم التكافلية المعارضة للتوجهات الابستمولوجية السائدة ستتضح كــ: 1- توجه تفكيكي للتقاليد النظرية الحديثة والحداثية التي ورثناها؛ 2- النمط ما بعد الكوني للتنظير، أو بدقة أكبر، الـتأكيد الفوضوي على أصوات الأقليات باحترام للجوانب الكونية لحتمية التنظير؛ 4- الندليل على أن التركيبات الثنائية لا تعين فقط الحدود التي تنقسم ، وإنما كذلك تلك التي توحد ، وبالتالي الإصرار على عدم الاستقرار والغموض في هذه الإنشاءات؛ 4- المنظورية، وهي نظرية معرفة عقلانية لا نسبية […]؛ 5- (نتيجة طبيعية ل4) تصور أفعال التنظير باعتبارها عارضة تاريخيا، وبالتالي قبول التحولات المنفصلة والظرفية والتطورات في التنظير؛ 6- افتراض أهمية وضع المنظِّر في علاقة إزاء السلطة الفكرية المؤسسية زجمهوره المستقبل الفعلي؛ 7- افتراض يهم دلالة الذاتية المجسدة للمنظر؛ 8- تصور للغة باعتبارها [نسقا ماديا منتجا] والمناظرات الكلامية باعتبارها سياسات لغوية” (Yeatman 1994: 15).

لائحة المراجع:

  1. BADINTER, Élisabeth, 2003 Faire fausse route. Paris, Odile Jacob.
  2. BARIL, Audrey, 2007 « De la construction du genre à la construction du “sexe”: les thèses féministes postmodernes dans l’oeuvre de Judith Butler », Recherches féministes, 20, 2: 61-90.
  3. BARIL, Audrey, 2005 Judith Butler et le féminisme postmoderne: analyse théorique et conceptuelle d’un courant controversé, mémoire présenté comme exigence partielle de la maîtrise en philosophie. Sherbrooke, Faculté de théologie, d’éthique et de philosophie, Université de Sherbrooke.
  4. BARRETT, Michele et ANNE PHILLIPS (dir.), 1992 Destabilizing Theory. Contemporary Feminist Debates. Stanford, Stanford University Press.
  5. BAUDRILLARD, Jean, 1990 La transparence du mal. Paris, Galilée.
  6. BAUMGARDNER, Jennifer et Amy RICHARDS, 2000  Young Women, Feminism, and the Future. New York, Farrar, Straus and Giroux.
  7. BENNET, Oliver, 2001 Cultural Pessimism. Narratives of Decline in the Postmodern World. Edinburgh, Edinburgh University Press.
  8. BLAIS, Mélissa et autres, 2007 « Pour éviter de se noyer dans la (troisième) vague: réflexions sur l’histoire et l’actualité du féminisme radical », Recherches féministes, 20, 2: 141-162.
  9. BLOOM, Allan, 1987 The Closing of the American Mind. New York, Simon and Schuster.
  10. BOISVERT, Yves, 1998 « L’analyse postmoderniste au-delà de l’esthétisme discursif », dans Yves Boisvert (dir.), Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 177-190.
  11. BRAIDOTTI, Rosi, 1994 Nomadic Subjects. Embodiment and Sexual Difference in Contemporary Feminist Theory. New York, Columbia University Press.
  12. BROOKS, Ann, 1997  Feminism, Cultural Theory and Cultural Forms. Londres et New York, Routledge.
  13. BROSSARD, Nicole, 1988a « L’angle tramé du désir », dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 13-26.
  14. BROSSARD, Nicole, 1988b « Les pas juxtaposés du désir », Tessera (dialogue, conversation, une écriture à deux), 5: 29-30.
  15. BURNONVILLE, Francine, 1992 Les femmes sont-elles allées trop loin?Montréal, Le Jour, éditeur.
  16. BUTLER, Judith, 2004 Undoing Gender. New York/Londres, Routledge.
  17. BUTLER, Judith, 1997 Excitable Speech: A Politics of the Performative. New York/Londres, Routledge.
  18. BUTLER, Judith, 1995 « For a Careful Reading », dans Seyla Benhabib et autres, Feminist Contentions. A Philosophical Exchange. New York/Londres, Routledge: 35-57.
  19. BUTLER, Judith, 1993 Bodies That Matter: On the Discursive Limits of “Sex”. New York/Londres, Routledge.
  20. BUTLER, Judith, 1990 Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. New York/Londres, Routledge.
  21. COLLIN, Françoise, 1993 « Le philosophe travesti ou le féminin sans les femmes », Futur antérieur, supplément: « Féminismes au présent »: 205-218.
  22. COLLIN, Françoise, 1992a « Différence et différend. La question des femmes en philosophie », dans Georges Duby et Michelle Perrot (dir.), Histoire des femmes en Occident, t. 5: « Le XXsiècle » (sous la direction de Françoise Thébaud). Paris, Plon: 243-273.
  23. COLLIN, Françoise, 1992b « Praxis de la différence. Notes sur le tragique du sujet », Les Cahiers du GRIF, Provenances de la pensée. Femmes/Philosophie, 46: 125-141.
  24. COLLIN, Françoise, 1986 « Le féminisme et la crise du moderne », dans Diane Lamoureux, Fragments et collages. Essais sur le féminisme québécois des années 70. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 7-16.
  25. COTNOIR, Louise, 1988 « La sujète d’intérêt », dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 149-163.
  26. DESCARRIES, Francine, 1998 « Le projet féministe à l’aube du XXIesiècle: un projet de libération et de solidarité qui fait toujours sens », Cahiers de recherche sociologique, 30: 179-209.
  27. DICKER, Rory et Alison PIEPMEIER (dir.), 2003 Catching a Wave. Reclaiming Feminism for the 21stCentury. Boston, Northeastern University Press.
  28. DUMONT, Micheline, 2005 « Réfléchir sur le féminisme du troisième millénaire », dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 59-73.
  29. DUPRÉ, Louise, 1996 « Quelques notes sur la critique-femme », Tangence (Paradigmes critiques), 51: 144-156.
  30. DUPRÉ, Louise, 1992 « La critique-femme. Esquisse d’un parcours », dans Annette Hayward et Agnès Whitfield (dir.), Critique et littérature québécoise. Montréal, Triptyque: 397-405.
  31. DUPRÉ, Louise, 1990 « Une pensée vivante », Cahiers internationaux de symbolisme(Penser au féminin), 65-66-67: 21-27.
  32. DUPRÉ, Louise, 1988 « Une conscience posthistorique », Tessera(dialogue, conversation, une écriture à deux), 5: 35-36.
  33. EHRENBERG, Alain, 1998 La fatigue d’être soi. Paris, Odile Jacob (Collection Poches).
  34. EVANS, Mary, 1997 Introducing Contemporary Feminist Thought. Cambridge, Polity Press.
  35. FALUDI, Susan, 1991  The Undeclared War Against American Women. New York, Crown Publishers, Inc.
  36. FINDLEN, Barbara (dir.), 1995 Listen up: Voices from the Next Feminist Generation. Seattle (WA), Seal Press.
  37. FOUCAULT, Michel, 1978 L’ordre du discours. Paris, Gallimard.
  38. FOUCAULT, Michel, 1975 Histoire de la sexualité. Paris, Gallimard (Collection Bibliothèque des histoires).
  39. FOUCAULT, Michel, 1966 Les mots et les choses. Une archéologie des sciences humaines. Paris, Gallimard (Collection NRF).
  40. FORTIER, Frances, 1998 « Le récit de la postmodernité », dans Yves Boisvert (dir.), Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 23-46.
  41. FORTIER, Frances, 1992 « L’écriture “énigmatique” de Nicole Brossard », Nuit blanche, 46: 36-41.
  42. FOUGEYROLLAS-SCHWEBEL, Dominique, 2004 « Mouvements féministes », dans Helena Hirata et autres (dir.), Dictionnaire critique du féminisme. Paris, PUF (Collection Politique d’aujourd’hui): 138-144.
  43. FRASER, Nancy et Linda J. NICHOLSON, 1990 « Social Criticism without Philosophy: An Encounter between Feminism and Postmodernism », dans Linda J. Nicholson (dir.), Feminism/ Postmodernism. New York et Londres, Routledge: 19-38.
  44. FRISCHER, Dominique, 1997 La revanche des misogynes. Où en sont les femmes après trente ans de féminisme?Paris, Albin Michel.
  45. GAMBLE, Sarah (dir.), 2000 The Routledge Critical Dictionary of Feminism and Postfeminism. Routledge, New York.
  46. GILLIS, Stacy Gillian HOWIE et Rebecca MUNFORD, 2004 Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave Macmillan.
  47. HARVEY, David, 1989 The Condition of Postmodernity. An Enquiry into the Origins of Cultural Change. Cambridge (MA) et Oxford (UK), Blackwell.
  48. HENRY, Astrid, 2005 « Solitary Sisterhood: Individualism Meets Collectivity in Feminism’s Third Wave », dans Jo Reger (dir.), Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge: 81-96.
  49. HENRY, Astrid, 2004 Not my Mother’s Sister. Generational Conflict and Third-Wave Feminism. Bloomington et Indianapolis, Indiana University Press.
  50. HEYWOOD, Leslie et Jennifer DRAKE (dir.), 1997 Third Wave Agenda. Being Feminist, Doing Feminist. Minneapolis, London, University of Minnesota Press.
  51. HOWIE, Gillian et Ashley TAUCHERT, 2004 « Feminist Dissonance: The Logic of Late Feminism », dans Stacy Gillis, Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.), Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave, Macmillan: 37-48.
  52. JAGGAR, Alison, 1983 Feminist Politics and Human Nature. Totowa, Rowman et Allanheld, Brighton, Harverster Press.
  53. JAMESON, Fredric, 1984 « Postmodernism, or the Cultural Logic of Late Capitalism », New Left Review, 146: 53-92.
  54. JARDINE, Alice, 1991 Gynésis. Configurations de la femme et de la modernité, traduit de l’anglais par Patricia Baudoin. Paris, PUF [1reéd.: 1985].
  55. JOOS, Jean-Ernest, 1997 « “Le corps décentré”. Entrevue sur Internet avec Judith Butler », Spirale, 154: 14.
  56. KROKER, Arthur et David COOK, 1986 The Postmodern Scene: Excremental Culture and Hyper-Aesthetic. New York, St. Martin’s Press.
  57. KRUZYNSKI, Anna, 2004 « De l’opération SalAMI à Némésis: le cheminement d’un groupe de femmes du mouvement altermondialiste québécois », Recherches féministes, 17, 2: 227-261.
  58. KUNDERA, Milan, 1990 L’immortalité. Paris, Gallimard.
  59. LAMOUREUX, Diane, 1990 « Le mouvement des femmes: entre l’intégration et l’autonomie », dans Alan F.J. Artibise et Simon Langlois (dir.), Canada: Traditions and Revolutions/Canada: Traditions et révolutions. Montréal, Association for Canadian Studies/Association des études canadiennes (Collection Canadian Issues), 12: 125-136.
  60. LIPOVETSKY, Gilles, 1983 L’ère du vide. Essais sur l’individualisme contemporain. Paris, Minuit.
  61. LIPOVETSKY, Gilles et Sébastien CHARLES, 2004 Les temps hypermodernes. Paris, Grasset.
  62. LYOTARD, Jean-François, 1979 La condition postmoderne. Rapport sur le savoir. Paris, Minuit.
  63. NENGEH MENSAH, Maria, 2005 « Une troisième vague féministe au Québec? », dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 11-27.
  64. NOUSS, Alexis, 2001a « Altérité », dans Alexis Nouss et François Laplantine, Métissages. Paris, Pauvert: 54-60.
  65. NOUSS, Alexis, 2001b « Postmoderne », dans Alexis Nouss et François Laplantine,Métissages. Paris, Pauvert: 492-498.
  66. ORR, Catherine M., 1997 « Charting the Currents of the Third Wave », Hypatia, XII, 3: 29-45.
  67. PAGÉ, Geneviève, 2005 « Variations sur une vague », dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 42-48.
  68. PATERSON, Janet M., 2004 Figures de l’autre dans le roman québécois. Québec, Éditions Nota bene (Collection Littérature(s))., 1993 « Postmodernisme et féminisme: où sont les jonctions? », dans Raïja Koski, Kathleen Kelles et Louise Forsyth (dir.), Les discours féministes dans la littérature postmoderne au Québec. New York, Edwin Mellen Press: 27-44.
  69. RAIL, Geneviève et Mélisse LAFRANCE, 2004 « Émancipation ou colonisation? Nike et ses messages publicitaires à l’ère postféministe », Recherches féministes, 17, 1: 173-201.
  70. REGER, Jo (dir.), 2005 Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge.
  71. SAINT-MARTIN, Lori, 1992 « Le métaféminisme et la nouvelle prose féminine au Québec », Voix et images, XVIII, 1: 78-88.
  72. SCARPETTA, Guy, 1985 L’impureté. Paris, Grasset (Collection Figures).
  73. SHAPIRO SANDERS, Lise, 2004 « “Feminists Love a Utopia”: Collaboration, Conflict, and the Futures of Feminism », dans Stacy Gillis, Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.), Third Wave Feminism. A Critical Exploration, Palgrave, Macmillan: 49-59.
  74. SINGER, Linda, 1992 « Feminism and Postmodernism », dans Judith Butler et Joan Scott (dir.), Feminists Theorize the Political. New York/Londres, Routledge: 464-475.
  75. STEPHANSON, Anders, déc. 1986/janv. 1987 « An Interview with Fredric Jameson », Flash Art, 131: 69-73.
  76. THÉRY, Chantal, 2005 « Le dialogue des sexes. Sisyphe heureuse? », Québec français(Dossier Féminisme et littérature), 137: 32-34.
  77. TOUPIN, Louise, 2005 « Voir les nouvelles figures du féminisme et entendre leurs voix », dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 74-87.
  78. VARIKAS, Eleni, 1995 « Une représentation en tant que femme? Réflexions critiques sur la demande de la parité des sexes », Nouvelles Questions féministes, XVI, 2: 81-127.
  79. WALKER, Rebecca (dir.), 1995 To be Read: Telling the Truth and Changing the Face of Feminism. New York, Anchor Books.
  80. WALTER, Natasha, 1998 The New Feminism. Boston, Little, Brown and Company.
  81. WARD-JOUVE, Nicole, 1998 Female Genesis: Creativity, Self and Gender. Cambridge, Polity Press.
  82. WICKE, Jennifer et Margaret FERGUSON, 1994 Feminism and Postmodernism. Durham, Duke University Press, 1994.
  83. WHELEHAN, Imelda, 1995 Modern Feminist Thought. From the Second Wave to ‘Post-Feminism’. New York, New York University Press.
  84. YEATMAN, Anna, 1994 Postmodern Revisionings of the Political. New York/Londres, Routledge (Collection Thinking Gender).
  85. ZERILLI, Linda M.G., 2005 Feminism and the Abyss of Freedom. Chicago et London, The University of Chicago Press.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى