- ميشا كيتشل
- ترجمة: جنى مشعل
- تحرير: عبير الغامدي
أصبح إرسال رسائل العمل الإلكترونية وقراءتها والرد عليها في كل ساعات النهار والليل أمرًا شائعًا، حتى في عطلات نهاية الأسبوع، وهذا التغيير في ثقافة العمل تطور في العقود الأخيرة وتسارعت وتيرة التطور بقدوم الهواتف الذكية، لكن ألا يعد هذا مخالفة لقانون العمل؟ إن الإجابة القصيرة هي “إن الأمر يعتمد” ونحن بحاجة إلى بعض السوابق القانونية لتوضيح الموقف، لاسيما في المملكة المتحدة.
بعض جهات العمل لديها ثقافة ساعات العمل الطويلة، ويصعب على العامل الفرد أن يناهض هذه الثقافة، وقد ينص عقد العمل على العمل لأربعين ساعة في الأسبوع؛ بيد أن الواقع يختلف، فقد ساهمت الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى في ثقافة “الحضور الرقمي”.
قد يشعر الطاقم أن عملهم ينقصه شيء ما؛ إن لم يكونوا يتبعون ثقافة التواجد والحضور الدائمين، حيث أن أحاديث قدامى العمال عن التزامهم بساعات العمل الطويلة لا يعني شيئًا، بل إن تغريدة البروفيسور ماري بيرد من جامعة كامبردج والتي تنص على أنها تعمل 100 ساعة في الأسبوع أدى إلى انزعاج زملائها العاملين معها.
وفي توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن ساعات العمل, فإن علاقة العمل هي علاقة تعاقدية، فالمبدأ الحاكم هو حرية التعاقد للأطراف المتعاقدة؛ بيد أن التنظيمات القانونية تحد من هذه الحرية، لتصلح في الغالب من اختلال التوازن في قوة المفاوضة بين العامل ورب العمل.
وفي عام 1993 تم تقديم “توجيه الاتحاد الأوروبي بخصوص ساعات العمل” وتم تنقيحه في عام 2003، ويركز هذا التوجيه على ألا يتجاوز متوسط ساعات العمل الأسبوعية 48 ساعة، واحتوى التوجيه على متطلبات حصص الراحة اليومية، وحصص الراحة الأسبوعية، والعطل السنوية، وأن بإمكان الدول الأعضاء تحديد نواح من قواعد أوقات العمل لا تطبق على العمال الذين اختاروا ساعات عملهم.
وقد تم بناء التوجيه على مبادئ الصحة والسلامة في العمل، حيث أن هناك خطورة واضحة لعمال مثل قائدي المركبات والطاقم الطبي في أن يعملوا لساعات عمل طويلة؛ فذلك سيزيد من فرص ارتكابهم للأخطاء إن كانوا متعبين، لكن ساعات العمل الطويلة كذلك خطرة على جميع العمال؛ فقد يقودهم ذلك إلى التوتر والإنهاك، ويقلص من فرص ممارسة الرياضة، ويؤدي إلى نظام غذائي سيء، وفي بعض الحالات سيؤول بهم إلى مرض القلب.
ومن السهل نسبيًا في حالة العامل الذي يعمل بناءً على جدول، أو مع نظام “تسجيل الحضور والإنصراف” التأكد من وقوع المخالفات وتجاوز 48 ساعة, ورغم ذلك فإن العديد من أرباب العمل لا يتابعون ساعات عمل العاملين بالأجرة.
في قضية مستجدة من أسبانيا بشأن ”مصرف دويتشه” قضت محكمة العدل الأوروبية لصالح توجيه ساعات العمل؛ وتعين على أعضاء الاتحاد الأوروبي الطلب من أرباب العمل وضع نظام عادل مؤتمن ومتاح تُقاس فيه ساعات العمل اليومية للعمال، وهناك تضمين أن القوانين الوطنية عليها أن تطلب من أرباب العمل الإبقاء على تسجيلات مفصلة؛ وبالتالي يلفت الانتباه إلى الوقت المقضي في التعامل مع الرسائل الإلكترونية بعد انتهاء ساعات العمل.
إن التعداد السكاني للمملكة المتحدة كبير، ومن المتوقع أن يكون لديها قضايا قانونية بشأن الرسائل الإلكترونية خارج ساعات العمل؛ بيد أنه لا توجد قضية واحدة إلى الآن. وفي هذا الصدد نسلّط الضوء على قضية أيرلندية من عام 2018, حصلت على اهتمام جديّ من المحامين البريطانيين وقد تكون ذات تأثير بارز على القضايا التي سترفع في المملكة المتحدة.
كانت جرونيا أوهيرا مديرة تطوير مشروع “كيباك كونڤينس فودس” وقد نُصّ في عقد عملها على أن تعمل لأربعين ساعة في الأسبوع، وادّعت أوهيرا أنها في الحقيقة تعمل إلى ستين ساعة اسبوعيًا، وترسل أنموذج جاهز لرسائل إلكترونية عادة بين 8 مساءً حتى منتصف الليل، ولا يوجد أي نظام يوثق ساعات عمل أوهيرا.
جادلت كيباك أن بإمكان أوهيرا إنهاء عملها بكل أريحية خلال الأربعين ساعة؛ بيد أن المحكمة العمالية رأت أن أوهيرا كانت تعمل ساعات إضافية ولم تتخذ أي خطوات لتجنب ذلك. نفذّ التشريع الأيرلندي توجيه أعضاء الاتحاد الأوروبي في شأن أن أرباب العمل “عليهم ألا يسمحوا” بالساعات الإضافية. ولأن كيباك لم تستطع إثبات أن ساعات عمل أوهيرا كانت مشروعة؛ فحكم عليها بدفع تعويض لأوهيرا يعادل €7,500.
سيكون مثيرًا للاهتمام إن وجدت قضية في المملكة المتحدة بظروف مشابهة لهذه القضية، حيث إن الاختلاف الوحيد الجوهري في قانون المملكة المتحدة أن للعامل الفرد الانسحاب من الحد الأقصى في العمل الأسبوعي 48 ساعة باستثناء بعض المهن, كالطيارين، وربان السفن، وسائقي التوصيل, ولابد أن تكون الموافقة مكتوبةً وألا يُضار العامل إن لم ينسحب.
فرنسا هي الدولة الأخرى التي كان لها السبق في مضمار رسائل العمل الإلكترونية, حيث قدّمت عام 2017 ابتكارًا تشريعيًا يُعرف بـ”الحق في الانفصال”, يشجّع هذا القانون أرباب العمل للوصول إلى اتفاقات مع العاملين بشأن آليات التنظيم في استعمال الأدوات الرقمية، بغية احترام أوقات الراحة وكذلك تركهم لشئونهم الشخصية والعائلية, وأن هذه الاتفاقات حتمًا ستأخذ في عين الاعتبار بيئات العمل المختلفة ونماذج الأعمال.
ولا يوجد أي اقتراح بشأن أن كل العاملين في فرنسا بإمكانهم الانفصال عن العمل في المساء وفي عطل نهاية الأسبوع، مذ أن كان جليًا أن العديد من جهات العمل تحتاج إلى أناس يتخذون القرارات خارج أوقات العمل الاعتيادية، لكن هذا القانون ليس مجردًا من المخالب، هناك عامل يُعرّف نفسه “بالسيد ص” حصل على €60,000 تعويض بسبب مخالفة من شركة فرنسية تابعة لرينتوكل إنيشال، فقد طُلب من ”السيد ص” بأن يجعل هاتفه مفتوحًا، وأن يستقبل الاتصالات 24 ساعة في اليوم، لسبع أيام في الأسبوع.
هذه الجزئية من القانون حتمًا ستتطور وتتضح كلما زاد ظهور حالات أخر. وفي الوقت الحالي؛ على العمال وأربابهم التبصر بنشأة هذه المبادئ، وللأسف لن تفيد هذه المبادئ العاملين لأنفسهم والمتعاقدين المستقلين طالما أن توجيه الاتحاد الأوروبي ليس لديه أي أنموذج لهم، وطبعًا مع خروج بريطانيا الوشيك من الاتحاد الأوروبي؛ فمن المحتمل دائمًا أن تقرر المملكة المتحدة إضعاف أو إلغاء جميع قوانين أوقات العمل.