- آرثر كودي
- ترجمة: محمد صديق أمون
- تحرير: حنان عاطف
قد يعني فَهم الوعي إما توصيف الوعي: وهو عمل وصفيّ، أو تفسيره: أي إرجاعه إلى سببٍ ما، وهو نشاط نظريّ. كلا الطريقتين تجيب بشكلٍ مختلف جداً عن سؤال “ما هو الوعي؟” إلّا أن التفسيرات النظريّة للوعي لا تفلح في مقاربة معضلته، فالسؤال عن ماهية الوعي، ليس سؤالاً عن الأسباب التي نتج عنها.
إحساس الأشياء
تأمّل هذه التعبيرات: “وعي”، “تجربة”، “الصفة الكيفية أو الكواليا [qualia][1]، “ظاهرة”، “تجربة ذاتية”، و “ما يبدو عليه الأمر”. هل ترمز هذه لصنفٍ من الأشياء، كما توحي بذلك مصطلحات “ظاهرة”، أو “كواليا qualia”؟ كتب ديفيد تشالمرز: ” حولي الآن، ثمّة ظل بنفسجيّ غامق، غنيّ على نحو مميّز، من كتاب فوق الرّف”[2]. إن هذه طريقة غريبة للقول بأن للكتاب غلاف بنفسجيّ. وهذا البنفسجيّ الغنيّ يبرز قلة أهمية الشيء مقارنة بتأثير اللون. وأعني بالتأثير، شيئًا ما ليس في اللون ذاته، وإنما في طريقة استقبال اللون. وهذا ليس شيئاً بتاتًا.
بالانتقال إلى التجارب السمعية، يشير تشالمرز إلى اثنتين: رنين الهاتف، ومزيجُ صوت بيانو عتيق مع مزمار بعيد، والذي “يُحدِث تجربة شجيّة بشكل مباغِت”[3]. من الممكن عدُّ رنين الهاتف معطى من نوع ما، لكنه ليس بتلك المباغتة أو الشجن. فهذه ليست أشياء، ولعله يمكننا أن ندعوها تأويلات من غير كثير تضليل. لكن التأويلات ليست معطيات تجريبية.
يتناول تشالمرز أيضاً الإحساس الكيفيّ للأفكار العارضة، وهو أمر مختلف عن مضمونها. فللسلوك الإدراكي نكهة ظاهراتية قويّة. حيث يعدّد كلاً من التماعة المزاج السعيد، وإرهاق الاكتئاب العميق، وسوداوية النّدم: العواطف التي “تصبغ وعينا كلَّه ما دامت”. وأخيراً، يثير تشالمرز “نوعاً من همهمة خلفيّة” بصفتها خاصيّة ذائعة للتجربة الواعية.
ثمة تمييز مهم في هذه الأمثلة بين معطيات الحسّ، واستجابة الفرد لها. حيث يمكن لمعطيات الحسّ أن تُنَج بطريقة آلية، بينما يمتنع ذلك عن الاستجابات مهما كانت صورتها. إن الظل البنفسجي الغامق الغنيّ، والصوت الشجيّ مختلفان كليّة. حيث يمكن اختيار البنفسجيّ على شكل شريحة طلاء بنفسجية وسط شرائح حمراء وزرقاء. هاهنا، هذا هو الظل الذي أريده. أما في الحالة الأخرى، فلا يمكن لأحد ما أن يقول: هذا هو الشجو الذي أريده.
صحيحٌ، بالتأكيد، أنّ أحداً لن يشعر بالسوداويّة إن لم يكن ثمّة سبب لذلك. السبب قد يزج بأحدهم في السوداويّة، لكنّه ليس ما يُقصد، أو يُفهم من السوداويّة. نفس الأمر ينطبق على الإحساس بالذّعر. فالرجل الذي ذَعره جرس الباب بقدر ما هو مجرد صوت؛ يستعيد اتزانه سريعاً. لكنّه قد لا يفعل، إن كان قد ذُعِرَ لأنّه جرس الباب. هو يعي أن الدنيا تميل لمقابلة الإحسان بالسوء. لكن الذّعر الذي انتابه لم يكن لأنه توقع نبئًا سيئاً عندما رن جرسُ الباب، بل كان ذلك استجابةً ذكية في إحساسه.
إن الكلمات “شجيّ بشكل مباغِت”، “أخّاذ”، “دافيء” “warm (of an aroma) ” (من رائحة الشذا)، “جذب” (من الرغبة)، و”إشراقة”(المزاج السعيد)، ليست أسماء أشياء، بل هي أسماء لإحساس الأشياء. وعند تناول إحساس الأشياء فالتوصيف هو الأجدى لا التعريف. فكلٌ من الصوت الشجيّ، واللون الأخّاذ، وبريق المزاج السعيد يصف صوت، وهيئة، وإحساس الأشياء. إنّ مباغتة وشجن المزمار، وسوداوية الاكتئاب المتغلغل، وجاذبيّة معاينة البنفسجي الغنيّ هي ما يجعل هذه الأمثلة توصيفات للتجربة الواعية، لا الصوت أو اللون بصفتهما أشياء مادية.
وهناك الرؤية المعاكسة، وفيها نبدأ حياتنا من دون أي تاريخ شخصيّ. وعليه، يكون كل ما نعلمه قد انبنى بعضُه فوق بعض، رويداً رويداً، من الكواليا qualia، أو الحالات الذاتية للتجربة الواعية. يظهر أنّه يلزم من هذا أن يكون الشجو، والهلوسة، على نحو مختلف بالتأكيد، مشتملَين على الكواليا qualia، أو حصيلة لها، بعد أن تحفظَ، وترتّبَ، لتعطي شكلاً ونظامًا دائماً لذاك الركام الهائل منهما. والحفظ، والترتيب، والتركيب، مما يفعله الدماغ بطبيعة الحال.
من المفيد معرفة هذا التفسير المقبول على ظاهره، فهو يتيح لنا رؤية مَكمن المشكلة الأساسيّة. عند الحديث عن الدماغ، لا يوجد لدينا أي مفردات خاصّة، وتعريف الكواليا qualia أنها تستخدم مصطلحاتٍ مناسبة لتناول العلوم الفيزيائية. والإحساسات، أو منتجات التجارب البصريّة، وتُعامَل معاملة الأشياء الماديّة. أمّا الذي يميّز العقل أشدَّ التمييز فهو شأن آخر، هو ما أجد نفسي أدعوه إحساس الأشياء، وهو ما نجده في الطريقة التي نستقبل بها الأشياء. من المعقول القول بأن أحداً ما يعاني خوفاً طليقاً غيرَ ناتج عن، أو موجه إلى، أي شيء. كذلك القول بأن شيئاً ما قد سبب خوفنا، متوخياً إبراز الخوف على أنّه شيء ماديّ، أو القول بأن هناك شيئاً نخاف منه، مولياً الأهمية للواقعة الإدراكيّة. لكن من الوجيه، أيضاً، القول بأن الصوت مخيف بما هو عليه، لكن من غير أن نقصد أنّه يسبب، أو يكون الشيء المتعلق بخوفنا. فقد نجدُ صليل الأفاعي، وجلجلة إقلاع طائرة 747 مخيفين، دون أن نكون خائفين.
إنَّ المشاعر، أو مظاهر المشاعر، مثل الخوف، عقلية بامتياز، وهي التي تمنحنا إحساس الأشياء. إن مفردات المشاعر لا تدل على صفات من قبيل واجف، أو لامع، أو مستحكم، لكن يجدر بهؤلاء أن يُعدّوا في مصافِّ المشاعر لا الإحساسات. حيث أنّهم المشاعر، أو مظاهر المشاعر العقلية بامتياز، والتي تمنحنا إحساس الأشياء.
إن هذه المشاعرَ لا تقبل الوصف باللغة المستمدة من، أو المستخدمة في العالم الفيزيائيّ، مثل اللون، ودرجة الحرارة، والهيئة. إنّها بطريقة ما خاضعة لنظام العقل، وبهذا، أيضاً، للاختيار، وهو أن يُقال، بالمصطلحات التي قد تبنيتُها (مؤقتاً)، أنا قادر على إيقاف، وتبديل، وإعادة تصوّر هذه المشاعر من جديد. ولئن كنت لا أستطيع إنجاز تغييرات مثل هذه فوراً متى ما عنَّ لي، فدوري يبقى حاسماً في تشييد، أو تقويض إحساس الأشياء.
بعض المشاعر لا تزيد عن أن تسلّي، وأخرى، بلا شك، تيسّر المهارةَ في النشاطات اليدويّة، وأمّا بعض المشاعر فضرورية لتنظيم الفعل الإدراكي. ثمّة مشاعر التفسير التي يمثّلها الهلع، والسوداويّة. وثمّة مشاعر التوجيه التي منها الدهشة، وإثارة الاهتمام، والشجو. وهناك مشاعر التدبير التي تمثّلها مشاعر الثّقة، والحَيرة. وأيضاً لدينا مشاعر الإرشاد، مثل إحساس التفوّق، أو الاكتفاء، وانتباه أحدٍ لاقتراف غلطة، أو هفوة، أو تقصير.
ثمّة مشاعر التفسير التي يمثّلها “الهلع”، و” السوداويّة”. وثمة مشاعر التوجيه التي منها “الدهشة”، و”إثارة الاهتمام”، و”الشجو”. ومشاعر التدبير تمثّلها “الثقة”، و”الحَيرة”. وأيضاً لدينا مشاعر الإرشاد، مثل حس التفوق، أو الاكتفاء، وانتباه أحد لاقتراف غَلطة (دون معرفة ما هي الغلطة)، أو هفوة، أو تقصير. ومن غير شك، يمكن لقائمة مثل هذه أن تطولَ، وستكون تصنيفاتها قطعاً موضعاً للجدل، فالأصناف قد تبدو عشوائيةً، ومحتوياتها ظنيّة.
ما يهمُّ هو ملاحظة أن ثمّة أدواراً ومنافعاً للمشاعر، وكذلك الآثار الأبلغ عن وجود تلك المشاعر المرتبطة بشدة بقدراتنا على المبادرة، والضبط، التي تعمل مثل إشارات، منها ما هو للإحجام، وللتوقّف، وللمواصلة، وللإقدام. إنها شبيهة للغاية بشعور المتانة الاستدلاليّة الذي من غيره يكون البشر عاجزين عن الانتفاع بالمنطق والرياضيات.
يكون لدينا شعور الثقة، مثلاً، حينما يُطلب منا المشاركة في مباراة كرة التنس، أو الشطرنج، فنوافق. فالثقة هي في إحساسنا بأننا قادرون على ممارسة هذه الألعاب. قارن هذا بشعور من قد قبل الدعوةَ وهو لا يُحسن اللعبَ، ذاك إحساس بالحَيرة قاتل. إن هذا الشعور ليس فقط حاضراً في معظم نشاطاتنا الحياتية، بل أيضاً ضروري لاشتراكنا بها. فالشخص يشعر بقدرته على فعل شيء ما، ومن غير هذا ما كان ليحرّك ساكناً.
ربما كان من الواجب علينا من وقت لآخر أن نؤدي جرداً متأنياً لإنجازاتنا، وإمكاناتنا، لكننا في الغالب لا نقوم بهذا، بل نشعر أو نحسُّ بالذي يمكننا فعله، أو محاولته بتعقّل، وبما نعجز عن فعله. وكل واحد منا له أن يسترسل في قائمته، فقد نُلحق معرفة أحدٍ ما لمهنته، أو لحرفته، وقد نضمُّ قدرتنا على المضاربة، أو المتاجرة في سوق الأسهم حسب إحساسنا الحاليّ بأننا قادرون على تقبُّل المخاطرة، والخسارة. إن مشاعر الّثقة والحَيرة ليست هي معطيات الإحساس، ولا يبدو أن شيئاً مما يقال في الكواليا qualia قد يضعهم هناك أيضاً، ولكن من دونهم، لن نستطيع أن ندير حياتنا.
أمّا مجموعة المشاعر التي أسميتها مشاعر الإرشاد، فهي ما يبدو أنّه يعمل على إرشادنا، أو هدايتنا. فأحياناً قد أشعر بعدم الرّاحة لأنّ هناك أمراً ما يتطلب صرف العناية إليه، لذا أمرر في عقلي جميع الأمور المرشحة لذلك. إنّه الشعور الذي يحفّز التفكيرَ، لا العكس. والأهم من هذا هو شعور الشخص بأنه في الاتجاه الصحيح، بأنّ كل شيء في مكانه، إن كان ذلك أثناء إجراء برهان منطقيّ، أو خلال هندسة جزءٍ من قمر اتصالات صناعيّ، أو أثناء الاستغراق في الحديث، هناك شيء ما يؤكد لي باستمرار بأنني أؤدي على نحو صحيح. وإنّه لشيء يُلاحظ عادةً بوضوح أكبر عند غيابه لا عند حضوره. فكّر في المشاعر التي تعترينا حينما نحاول متابعة محادثة بلغةٍ لا نتحدثها بطلاقةٍ. ثم تأمل الحالة المشابهة عند التعامل مع استدلال منطقيّ عويصٍ.
إن الإحساس بأننا في الاتجاه الصحيح ليس معصوماً، لكنّه في أكثر الأوقات كل ما لدينا لنمضي قدماً. قد نواجه في مرحلة ما تحدياً يؤكد أو ينفي مشاعرنا، وقد لا نفعل. لكننا نعاين تقدّمنا باستمرار.
إن إحساس الأشياء، مظهر تجربتنا الواعية، هو ما يمنحنا الإرشادات، لكنّها تُستقبل عبر مشاعرنا لا عبر فكرنا. بهذا نكون قد عالجنا خاصية للعقل، هي بأسرها غير ملائمة للعلم الحديث. لا أقول أنّها ممتنعة منطقياً عن العلم، لكن ما نستطيع أن نكون متأكدين منه هو أن أكثر التقنيات الواعدة للعلم المعاصر ليس من ورائها طائلٌ. ولا أي شيء داخل هذه المجالات سيغني، لأن المقاييس الطبيعيّة للمشاعر، وللمعلومات غير متوافقة. وفي الحقيقة، فيما يخص المشاعر والطباع التي كنت أنظر فيها، ليس ثمة مقياس البتة.
حقائق المسألة
إن إحساس الأشياء، أو المشاعر، كما قد بيّنت، ليست معطيات. مع هذا، ثمّة ما يجعل مقالتنا عن المشاعر صائبة. إنّ صحة مقالتنا عن إحساسنا بالأشياء تأتي من إحساسنا بالأشياء في الوقت عينه. ينبغي إذن أن يكون إحساسنا بالأشياء مرجعاً، يؤسس لكل بيان ندلي به.
إنّ الاستنتاج الذي قد ارتطمنا به توّاً أخاذّ. إنّه لأخّاذ، لكنّي أعتقد أنّه غير صحيح. قد نتكلم عن إحساسنا بالأشياء إذ ليس من الممكن لأي أحد آخر فعل ذلك، لكننا لسنا موثوقين على الدوام. نحن حقاً المرجع الوحيد، لكننا لسنا، في أي حال، المرجع النّهائي. غالباً ما تكون لنا فرصة معاودة النظر في صورة أنفسنا حسبما نتطور وتتطور الحياة. لا نُقِم عادةً على مراجعة ماضينا، بالطبع، غير أننا نفعل في بعض الأحيان. إن مشاعرنا في حين أنّها حقيقية، كما الحياة العقليّة، إلا أنها قابلة للدحض والرد.
أولاً، يصحُّ القول بأن شعوراً كنّا قد صرّحنا بصدق بأنّه اعترانا في مراهقتنا، لم يكن كما عددناه حينما قيمناه في مرحلة لاحقة من عمرنا. فشعور السخط الصائب يُرى فيما بعد تمرداً غُرّاً، والحب الرومانسي شهوةً. لكن علينا أن نقاوم إغراء الظنّ بأنّه هناك في هذه الحالات، وفي تلك التي ستتلو، إحساس ثابت يأوّل، وبأن التأويل وحده هو ما يتغيّر. ينبغي مقاومة هذا الظنّ لأنّه يشوَه تجربتنا، والتي هي شعور السخط، أو الحب الرومانسيّ، وليس الإحساس مضافاً إليه سببه، أو موضوعه.
إن أمثلةً أخرى قد تعتمد على تاريخ الفرد، مثلما حال M الذي ظن أنّه خجول لأنّه غير جذاب ثم ارتأى بعد ذلك-صواباً أو خطأً- أنّه كان مضطرباً حيال الاتصال الجنسيّ. هنا أيضاً، تُوهِم هذه الـ “لأن” أنّ نفس الإحساس، الخوف، كان موجوداً في الحالتين، لكن مع اختلاف النّسبة. يغفل هذا حقيقة أنّ الفرد في مثل هذه الحالات لا يعرف إلى أي شي ينسب الخوفَ، هائمًا على وجهه.
ثانياً، إنّ أي حالةٍ من حالات خداع الذّات التي يعترف بها فردٌ ما تدخل في صميم ما نحن بصدده. إنّها الحال حينما نعدُّ أن لمشاعرنا إحساساً ما في أول الأمر، ثم إحساساً آخر في مرحلة لاحقة، لكن الإحساس بها ليس إسقاطاً فكرياً على مجموعة راسخة من الإحساسات، إنّه ما هي عليه.
ثالثاً، إنّ مفرداتنا الرائجة تظهر وكأنّها تضع حدوداً، ليس فقط لما نقوله عن مشاعرنا، بل حدوداً لما يمكننا أن نشعر به فعلاً. إنّ شجن صوت البيانو والأوبوا يعتمد على تجربة الشخص وعلى حصيلته اللغوية، وهذا لأسباب متباينة. فذاك الذي يأتي من ثقافة مختلفة، ولم يسبق له سماعُ هذا النّوع من الموسيقا ربما لن يصف أثرها بالشجيّ. وآخرون قد لا يستعملون لفظة “شجيّ” لأنهّا ليست مما هو دائر على ألسنتهم لوصف المشاعر. وآخر ذو عقلية مبتذلة معيّنة قد لا يتقبّلها على الإطلاق.
إن سمة الشعور تخضع لتأثيرات من الخارج، لكن مع هذا، فإن الشخص الذي يخضع فيما بعد لتأثيرات مختلفة يستطيع أن يعيد وصف تجربته الأولى بطريقة جديدة، مقتنعاً بأنّ إحساسها كان كذلك منذ البداية، إلّا أنّه غَفل عن ذلك. ليس من الممكن فَهم ُ هذا وفق نظام معيّن، بحيث نستخلص الحقيقة، فلعل الإحساس كان آنذاك كما قيل الآن أنّه كذلك، ولعله لم يكن.
ثُمَّ رابعاً، ثمّة تحيّزات اجتماعيّة أو سياسيّة تفرضُ آثاراً مقيّدةً. فالنّساء اللواتي ارتأين مرةً أو شعرن بأنّهن عدوانيات إلى حد مريع، يجدن الآن الشعور نفسَه على أنّه حزمٌ مسوّغ. أو اللواتي قد ظننّ بأنفسهن بأنّهن كنَّ متحفظاتٍ في أنوثتهن، بتنَ يرين المشاعر عينها على أنّها رهبةٌ من الرّفض، ونقصٌ في الجرأة معيبٌ. ليس الطابع الأخلاقي فقط هو ما تغيّر، بل إحساس الأشياء، والذي يُعزى إليه وصفُ كل حالٍ، قد تغيّر أيضاً.
قبل الشروع في إنشاء فرضيات حيال التفكير والدّماغ، يجب علينا أن نكون على بيّنة من ماهية التفكير بقدر ما نحن كذلك من ماهية الدماغ، ومهما كان قليلاً ما نعرفه عن الدماغ، فالمؤكد وأسفاه أننا نعلم أقلّ منه، وربما لا شيء على الإطلاق، عن أفكارنا، ومشاعرنا، وإحساساتنا. لا يمكننا أن نعرفَ أي شيء عن هذه الأمور، لأن ذلك متعذر في حقها. فالمعرفة تحتاج دليلاً أو أي شيء للمضي قدماً، وفيما يخصُّ أفكارنا، ومشاعرنا، وإحساساتنا، فذلك غير متوفّر.
من الممكن المضي خطوة أخرى أبعد، فلن يضطر أحد أبداً لقبول حتى تصنيف السلوك المُقترح مثلما بدا في أول الأمر. فالذي بدا في السابق إيماناً، ربما أُنكر بعد ذلك، ليس في مضمونه، بل في تصنيفه. لأحدهم كامل الحق في أن يقولَ أنّه لم يكن إيماناً. فأنا الآن أقول هذا عن إيماني الطفوليّ بسانتا كلوز، أقول إنّه لم يكن إيماناً. أقول هذا لأن كل تلك الإطالة فيما يمكن لسانتا كلوز فعلُه في عيد الميلاد غير معقولة. لم يكن لي أن أستوعب ما كنت أزعمُ أنّي مؤمن به.
لا يندر أن يُساء فهم جاذبية الرغبة، أو توضع في غير محلها. أنا أحياناً أتلقى مساعدة تفسيريّة من الآخرين، وأحياناً أصل إليها بنفسي، لكن ما يهم هو أنّني لاحقاً أقول وأقصد أنني لم أكن أرغب فيما سعيت وراءه. وقد يتضح أنني لم أرغب في أي شيء، إنما كنت ألائم تصرفاتي لما كان متوقعاً مني.
من الأعذار الشائعة، والمخادعة، التي نلتمسها لأنفسنا وللآخرين هو أننا لم نقصد فعل ما قد فعلناه. خلاصة هذا إذن أننا لم نقصد ما قد قصدناه. وسيعترض أحدهم على هذا، مستهجناً اللبسَ، قائلاً: إنَّ المسألة ليست أننا لم نقصد ما قصدناه، إنما الأمر أن ما أتيناه لم يكن مثلما توقعنا، رمية خاطئة.
هذه بالتأكيد، خلاصةٌ مختلفة.
ما يدهش في هذه الحالات هو أنّ ما نبتغيه من دقة في توصيف نوايانا، ممكن التحقق، ، وممكن فقط بعد ما تكون نيتنا قد انعقدت. فما قد أقوله في وقت من الأوقات، مهما كان مفصّلاً، سيختلف عمّا يمكن أن أقوله في وقت لاحق، لأنني قد وجدتُ فيما بعد شيئاً لم يكن بحوزتي أول الأمر. وهذا قد يكون في صورٍ عديدة، إمّا تطور غير متوقع في العالم، أو سمة فيّ مغفول عنها: لم أكن أعلم أن الدرابزين ضعيفٌ[4]، أو لم أكن أعلم أنني أفتقد الشجاعة (للقفز في الماء، أو للتحدُّث في الاجتماع)
إنَّ إعادةَ الوصف يمكن أن تمتدَ إلى سَحب النيّة كليّةً. فالذي فعلته قد فعلته عمداً، طوعاً، لكن بعد تفكير لا أزعم الآن أنه عندي النية التي سبق وصرّحتُ بها. إن مسألةَ أنني لم أعلم ما كنت أفعل ليست خداعاً في كل الحالات. فقد أصرّح بأنني سأنسحب من المنافسة، ثمّ أفاجئ بأنّ كبريائي لن يسمح لي بذلك. وقد يظهر هذا النّوع من الحقيقة في لحظة اكتشافٍ; فمثلاً عند ترقّب توقيت وفرصة الانسحاب، أكتشف بأنّي قد تركتهما يفلتان. أو قد أعلن عن نيتي الذهاب إلى السينما، لكنّي أتلكأ حتى يفوتني وقت العرض. هل لم أنوِ أساساً، أم أنّي نسيت فقط؟ أو قد أعتزم طلبَ علاوة، وأتوّجه إلى مكتب المدير بنيّة فعل هذا، ثم لا أفعل. هل كنت لا أعلم قبل أن أغدو شديد التهيّب من السؤال؟ هل هذه تغييرات، أم انصراف عمّا كان عزماً جازماً من قبل؟
ربما، وربما لا.
اليقين غير متوّفر، لأنّ حقيقة المسألة غير موجودة من الأساس.
إنّ ما يتبقى هو كيفية اختيارنا وصف الذي وقعَ بأكثر طريقة مفيدة ممكنة. ففي حالة معيّنة، يكون جزءاً من الرواية القولُ بأنّه كانت لدي نيّة معيّنة لم أقدم على تنفيذها. لكن ما يُعد مفيدًا أيضاً، ويصنع فارقًا، القولُ بأنني لم أستطع عقد النيّة على الأمر، وإلّا لأتيته، إنّ كل ما هو متعلق بهذا يقع تحت يدي. إنّ النيّات كما ُعرّف: هي الأمور التي سيفعلها أحدٌ ما إذا ما كان كل شيء ضمن استطاعته. ووفقاً لهذا، فإنّي لم أتخذ بديلاً، كل ما في الأمر أنّي وجدت نفسي عاجزاً عن التصرف حسب النية التي عقدتها بدايةً. وحدَه التعريف الذي انتهك، أما الحقائق فلم تتغير.
للنهوض من السرير
اتّبعت حتى الآن المقاربة المعتادة في التعامل مع الحالات المتأنية أو التأملية، وبهذا المعنى الواعية، باعتبارها برادايميّة (كمثال أو نموذج). لكنّها مع هذا ليست الأمثلة الأفضل ولا الأكثر شيوعاً على التفكير الإنسانيّ. نحن عادةً لا نلقي بالاً للنيّات، والطموحات، والاعتقادات، والتقديرات، والرّغبات التي نتصرف على أساسها. إنّ القول بأننا نتصرف وفق هذا الاعتقاد، أو ذاك، أو بنية كذا وكذا، هو في العموم إعادة بناء. وربما لا يمكن أن يُسَّلم بها إلّا بعد إعادة بناءٍ.
من خلال إعادة البناء، سيكون هناك عدد لا يُحصى من الاعتقادات المرتبطة بأي فعل قد يأتيه أحدهم، وكذلك من النّيّات، والرّغبات، والشكوك.. إلى آخره. إنّ وصفَ هذه بأنّها لا واعية، بما أنّه اعتيد استخدام هذا المصطلح، يوحي بأنّ هذه المقومات العقلية الفاعلة يمكن أن تكون أمام عقولنا وألا تكون. إن لم يكن كذلك، فهذه الأفعال العقلية ليست قابلةً للمعاينة حال عملها.
إن السؤال عمّا إذا كنا نعلم ما نؤمن به متعذرٌ عن الجواب، لأنّه لا يوجد أي علاقة بين العالِم والمعلوم تنبني عليها الإجابةُ. إنّ الاعتقادات، أو الرغبات التي قد نُعلنها، أو نقر بها تتعلق فقط بحادثة الإعلان، أو الإقرار. حيث أنّها لا تحتفظ بهوية صورية تبقيها مصونةً دائماً. فالهوية الصوريّة لا تتضمن فقط التعبير المحدد عن الاعتقاد، أو الرغبة بصورة قضوية، ولكن أيضاً مختلف اللوازم، والارتباطات، كالاعتقادات، والشكوك، والتخمينات، والرؤى المغايرة، وأشباه النيّات، والنيّات الفائقة (التكتيكات، والخطط)، والأمنيات، والآمال، والمخاوف، التي بشكل أو بآخر قد تتعلق بصحة، وبوضوح فهم، وغرض أحدٍ ما من الفعل.
كم عدد الأمور التي علينا أن نؤمن بها من أجل أن ننهضَ من السرير صباحاً؟ هذه قائمة عاجلة لكنّها شاملة: أنّه الصباح، أنّ الساعة على صواب، أننا قادرون على القيام، أنّ الفجر يلوحُ، أنّ الأرضية ستحملنا، أن ثياب النوم ستُخلع، أن ثيابنا تناسبنا، أنّنا قادرون على تحريك أطرافنا، أنّه يمكننا الانتقال إلى المطبخ، أنّ عندنا وظيفة نذهب إليها، أن السيارة ستوصلنا إلى العمل. وزد على ذلك ما لا يُحصى من المجموعات الفرعية من الاعتقادات حيال الملابس، والمطابخ، والأرضيّات، والسيارات، وما شابه ذلك. ثم إنّ النيّات أيضاً تكوّن قائمةً. فنية الاستيقاظ ترافق نية الذهاب إلى الحمام، نية تحضير كوب قهوةٍ، نية قيادة السيارة، ونية الذهاب إلى العمل. وبيّن أن إيراد قائمة بالرغبات المتشابكة مع الاعتقادات، والنيّات متيّسر أيضاً.
قليلٌ من هذه الأمور العقلية يخطر بالفعل على البال، وإن حدث هذا، فإنّها في الغالب لن تحمل أيَّ أهمية في تعهُّد وتعزيز نشاط النّهوض في الصباح. لكنّها مع هذا ينبغي أن تتلاءم معاً بصور منطقيّة صائبة حتى يكون، لنقل، الاعتقاد بأنّه وقت القيام هو ما هو. حيث أن هناك فرقاً بين الاعتقاد بأنّه وقت القيام، ظنّاً أن اليوم الأحد، وبين الاعتقاد بأنه وقت القيام، ظنّاً أنّ اليوم الإثنين.
لم هذا الفرق؟ أليس وقت القيام واحداً في الحالتين؟
كيف نقوم حقّاً بجعل الاعتقادات وباقي الأفعال والاتجاهات الإدراكيّة متفرّدة؟ إنّها ليست أساس التعبيرات اللفظية، لأن الاعتقادات بالإضافة إلى الأمور الأخرى لا يُفكّر فيها البتة، إنّها تظهر فقط عند التلفظ بها. حتى لو بذلنا الجهد عازمين على إحضار الاعتقاد أمام عقولنا، سنظل نجهل كيف نقوم بهذا. إنّ جملة ما تعبّر عن نفسها، لكنّ الصياغة الفعليّة تتأثر بالغرض من إيرادها. فجملة “ليس عليّ أن أذهب إلى العمل اليوم” قد تكون الصورة الكلامية الوحيدة لـ “إنّها السادسة والنّصف صباحاً. وأنا أستيقظ في هذا الوقت. اليوم هو يوم عُطلة، فليس عليّ أن أعملَ. بإمكاني البقاء في السرير. سأبقي في السرير”
هل يكون لدي إذن الاعتقاد نفسه، أم آخر مختلف، اعتماداً على حِلف الاعتقادات والظروف؟ ليس عندنا طريقة للفصل في الأمر. لا يوجد لحظة، تعبير، أو ارتباط معيّن حاسم، ولا معايير موضوعيّة، أو مجموعة من المقاييس المتفق عليها. وجواب امرئ ما ليس إلّا ما يمليه عليه غرضُه الفلسفيّ.
حتى نكون أكثر دقةً، نحتاج أن نكون أكثر مهارة. فالاعتقادات تكون على درجات، والرغبات تأتي على شدات وأولويات، والنّيات على افتراضات مرتّبة. تُلاحَظ هذه الشروط في الصفات والأحوال: اعتقاد راسخ، واعتقاد بشكل راسخ، في مقابل اعتقاد ضعيف، وأمر معتقد به بشكل ضعيف؛ رغبة طاغية، أو أمر مرغوب بقوة، في مقابل رغبة واهنة، أو أمر مرغوب بعض الشيء، مخطط مصمم (نية)، في مقابل خطة منفّذة بتردد (نية).
الأفكار والمشاعر أيضاً تأتي على شكل طباع، أو هيئات. فهي نزويّة، تأمّلية، ملتبسة، ذكيّة، ماكرة، حذرة، غير محميّة، مراوغة، فطنة، إجراميّة، مهذّبة، عطوفة، آثمة، خليعة، لاذعة، شهوانيّة، مرائية، ومريرة. وثمّة محسّنات حاليّة تصف كيف تُبرم الأفكار والمشاعر، إمّا بشكل نزويّ، أو تأمليّ، أو ملتبسٍ.
لا نتصوّر عادةً أن لدينا نفاذًا إلى طباع أفكارنا ومشاعرنا. فصاحب الاعتقاد لا يلاحظ، في الغالب، أنّ معتقدَه مجنونٌ، غير عقلانيّ، وغير قابل للتأييد. لكن كثيراً ما تنتمي صفات كهذه إلى الوصف الصحيح لاعتقادٍ. فكيف لي أن أصفَ اعتقاد شخص ما حيال الكائنات الفضائية من خارج المجرّة، أو حيال إمكانية التواصل مع جنكيز خان، بأي شيء عدا أنّه غير مترابط؟ لكن حامل الاعتقاد لن ينعته بهذه الطريقة حال التزامه به. فالناس لا تعترف عادة بقسوتها، وسخافتها، وازدواجيّتها، ونَزقها. قد تكون هذه السمات خفيّة للحظة ولا ينتبه إليها إلا مع الوقت، حين تسفر أشكال التصرُّف. فأحياناً، علينا أن ننتظر حتى يتيح لنا الوقت والانعكاسات أن نقول بثقة كلَّ الذي فكرنا، وشعرنا فيه، وبالتالي أتيناه.
ما هو المسوّغ الذي ينقلنا من الحادثة العقلية كالاعتقاد، أو الرّغبة إلى العبارة التي تفصح عنها؟ بما أنّ تغييراً طفيفاً في اختيار الكلمات، أو النحو، أو حتى اللغة (الطبيعيّة) سيؤدي إلى اختلافات صوريّة، وغير صوريّة ذات شأنٍ ما، يظهر أن الحاجة إلى الإتقان ملحّة، ومحبطة حتماً كذلك. لكن من أين يأتي الإتقان؟ واستناداً إلى أي أساسات، أو أدلة؟ من لا مكان، وتلك غير موجودة، بالتأكيد
قد يُظن بأنّ عبارات الاعتقاد البسيطة، المعزولة عن السياق، لا ينتظر منها أن تختلف كثيراً. فاعتقاد أحدهم بأنّ برج إيفل يكون في باريس، ليس من المحتمل أن يكون له بحد ذاته صيغاً مختلفة. لكن إن سئل أحدهم عن مكان برج إيفل، فأجاب بأنّه يكون في باريس، فإن هذا لا يعدُّ عبارة اعتقاد، بل هو جواب عن سؤال. نحتاج أن نتصوّر نمطاً غريباً جداً من الحديث بحيث تكوّن فيه هذه الكلماتُ عبارةَ اعتقاد. بالطبع يستطيع أي أحد أن يجيب مصيباً عن سؤال كهذا، مثلما يستطيع في حالات أخرى أن يجيب عن الأسئلة، من غير أن يعلم ما هو برج إيفل، وفي أي مكان قد تكون باريس. قد كان من الممكن أن يجيب أحدُهم: “لست واثقاً، لكنّي أظن أنّه في باريس”، الحالة التي لا تدل بأي شكل على اعتقاد، ولا بأي درجة على الاعتقاد بكون برج إيفل في باريس. ليس هناك مسوغٌ للإصرار على أن المُجيب يستند إلى قاعدة الاعتقاد لكي يجيبَ على الأسئلة الواقعية، أو على أنّ صورة الاعتقاد تماثل صورة الجملة الواقعية. إنّ الاعتقادات لا يمكن أن يكون لها صورٌ مبسطة.
على الطرف الآخر من الطيف، سيكون اعتقاد أحدهم بأن الحياة الطبيعية تطورت عبر بلايين السنين على الأرض حساساً جداً لاختيار الكلمات، وللتركيب، وللدقة. إنّ كوني أعتقد بأن التطوّر الداروينيّ قد حدثَ يخبرنا القليلَ عمّا أعتقده فعلاً، فتفاصيل كثيرة يجب أن توّضحَ، وأسئلة عديدة يجب أن تُطرحَ، ويبحثَ فيها قبل أن يكون للمتكلم أو السامع أي فكرة حيال ماهيّة الاعتقاد المقدَّم.
إنّ الذي علّمتنا إياه الفلسفة اللسانيّة، على أقل تقدير، هو كيف ومتى يؤثر نطق أحدهم لجملة في جعلها تمثيلاً لاعتقاد، ورغبة، ونيّة المتكلم. وكيف تخدم الجملةُ المتكلم هو بالضبط ما تحدده فلسفة العقل بخلاف فلسفة المنطق.. حيث عليها أن تتعامل مع ما يقوم به أحدهم، في الواقع، ما يفكر فيه وليس في المقام الأول، مع ما يقول أنّه يفكّر فيه.
ليس هناك حقائق عن الوعي تقدّم لنا نفسها على شكل بيانات. ويمكن أن أزيد الآن أنّه لا يوجد أي حالات، أو طرائق بحث محددة يكون من شأنها أن تكشفَ لنا الفكر الإدراكيّ الخام أو النقي، أو أن تعيّن بشكل قاطع طبيعة مشاعر الفرد الحالية.
إن أسهل الأمثلة تصوّراً، والمستخدمة بالتالي عند مناقشة الوعي، ليست في صيغة الفاعل. إنّه ذلك المشهد الذي أمامنا -سواءٌ كان صوت الأوبوا أو بريق البنفسجيّ- الذي يستهوي تعقيبنا على التجربة، لكن أعمق المقوّمات العقلية لحياتنا ليسَ ما يرتبط بالمشاهدة، بل بالفعل، إنّه القدرة التي نمتلكها لنتصرف ونفعل. إن تكن المباشرة، والإدارة، والمراقبة، وتلك الخصائص المعتمدة من قبل أحكام الاستنباط، والفاعليّة المحسوسة، التي تميّز بشكل فريد الذهن البشري (والحيوانيّ)، فالدماغ إذن ليس مكان التفتيش عن الوعي.
التجارب البصرية
كتب جون سيرل:
إنني أنظر الآن إلى خليج سان فرانسيسكو من مكتبي في الطابق العلوي من منزلي في بيركلي. أرى مدينة بيركلي أمامي، والخليجَ في الخلفيّة، وفي الأفق البعيد مدينة سان فرانسيسكو، جسرَ البوابة الذّهبيّة، وهضاب شبه الجزيرة. وفي المنظر القريب، أرى أمامي أيضاً الطاولة التي أعمل عليها، الكمبيوتر بشاشاته المضاءة، كتباً وأوراقاً عديدةً، وكلبي تارسكي الجالس على الأرضيّة قرب قدميّ. إنّ هذه تجربة بصرية مستمرة، إنّي أستطيع أن أحوّل انتباهي متى ما أردتُ. وأستطيع حتى أنّ أحوّل انتباهي من دون تحويل عينيّ. وأستطيع أن أركّز انتباهي على جوانب مختلفة من المشهد.[5]
أبرز ما في الأمر هنا هو أنّ سيرل يستطيع أن يحوّل انتباهه من جزء من أجزاء المشهد إلى آخر، وأن يفعل ذلك من دون أن يحوّل عينيه حتى. ومن أجل هذا الإنجاز، يطغى على كلامه صيغة المتكلم. “أستطيع أن أحوّل انتباهي متى ما أردتُ” ، “أستطيع حتى أن أحوّل انتباهي من دون تحويل عينيّ”، و”إنني أستطيع أن أركّز انتباهي على جوانب مختلفة من المشهد”.
ها هو ذا الإشكال، إن بإمكاننا أن نتبعه حين يصفُ المشهد مثلما تستوعبه وتعالجه حواسه البصريّة تجريبيّاً. نستطيع أن نتابعه في عرضه لمحتويات انطولوجيّته التجريبيّة، إنّها عن الخليج، والقوارب، والطاولة، والكومبيوتر، والكلب، تارسكي. لكننا لا نُخبَّر شيئاً عن جزء أنا أستطيع من القصة.
دعنا نتقبل وجاهة فرضية التفسير السببي للوعي، أو تلك الرؤية التي تضع مسؤولية وجوده مع الفسيولوجيا العصبية للدماغ. من الصواب أنّ كل شيء متعلق بالعقل الإنساني ينتمي إلى الجسد، وداخل حيّز عالمنا الفيزيائي. فلنفترض أنّ هناك أدوات للرؤية في الدماغ تقوم بتعريف، وموضعة أشياء العالم التي يراها الفرد؛ ثم دعنا نفترض أيضاً أن هناك جهاز ذهني يسبب تحول الانتباه، هذا الجهاز هو ما يشغّل آلية الانتباه. لكن ما الذي يشغّل آلية الآليّة؟
إن سيرل يستطيع أن يركّزَ لا عينيه فقط بل انتباهه أيضاً. يمكنه أن يشغّل الآلية بدقة باهرة وفقاً لإرادته. أمّا ما الذي يحوّل إليه انتباهه، لكم من الوقت يدعه في المكان الواحد، وكذلك، بشكل مختلف لكن أكثر أهمية، ما الذي كان يبحث عنه، أو يأمل بأن يلاحظه في المشهد الذي يراقبه، فذلك يقع خارج التقرير الذي يقدّمه. لكل آلية هناك آلية أخرى، أو لا يوجد أي شيء من قبيل هذا على الإطلاق.
إنّ السؤال يدور حول كيفية أخذ التحكّم والضبط مكانهما الماديّ في الكائن المُدرِك، وهو ما لا نمتلك بشأنه مفردات علمية. إنّ الدماغ يوصَف على الدوام، كما يملي بالضرورة العلم الذي يتناوله، بكونه جهازاً مدهش العمليات، لكن الذي فيه الأصالة -حيث تقع المباشرة والإدارة والمراقبة- لا يمكن أن تقدَّم في لغة الأطوار والعمليات. لا يمكن أن يقال أنّ المباشرة الآن توجدُ، لأنه ببساطة ليس هناك أي لغة مفهوميّة مدعومة بالفَهم المعاصر تعطي لها قوامها. إنَّ كلّ مرحلة تفسيرية تتطلب على الفور مرحلة أخرى.
ثمّة طريقة لإيقاف هذا التسلسل، لكنّها لا تُطاق. إذا كانت القدرة على تحويل الانتباه من غير تحريك العينين مسببة بعوامل غير قصدية، فالتسلسل سيقف عندها إذن. لكن ما الذي قد تكونه هذه العوامل؟ لنفكر في أنّ العوامل المشتقة من برامج في الدماغ توّجه الانتباه بنفس الطريقة التي توّجه فيها برامج أخرى حركةَ العين لكي تتبعَ ضوءاً متحركاً، أو تسببَ جفلةً عند اقتراب جسم ما من العين. لن يكون بعدُ من الصحيح علمياً القول بأنني أستطيع حتى أن أحوّل انتباهي من غير أن أحوّل عينيّ، إنّ “أستطيع” تزاح بالكلية. حاصل هذا هو تفريغ اللغة والفهم الذي نتصوّر أننا نكوّنه في تجربتنا لهذا العالم. ومن ثمَّ، يمسي ما كان محتاجاً إلى بيان فلسفيّ، شجو صوت الأوبوا، أو فهمنا للتجربة البصريّة على سبيل المثال، بلا أي معنى. ونتركُ في عالم ميكانيكيّ، عالمٍ ينبغي أن نُقتلع منه نحن أيضاً.
والحال هكذا، فإن النظرية القائلة بأن البشر يعملون وفقاً لقوانين سببية تربط بين المُدخلات والمخرجات مع توسّط أطوار وعمليات الدماغ، لا تفيد بأن المصطلحات السيكولوجيّة الإنسانية المعتادة فارغةٌ وحسب، بل بأن كل كلمات اللغة فارغةٌ كذلك. يلزم من هذا أنّ انطباع الإدراك، والنيّة، والاعتقاد، والرغبة، والشعور وإلى ما هنالك مما يعترينا، المجموعة الكاملة للوعي الإنساني، ليس صحيحاً كما نظنُّ، فالتفكير لا يبدأ ولا ينظّم تصرفاتنا، بل عوضاً عن ذلك يقوم مقام الاسم لمجموعة أخرى من الظواهر التي هي معرضة للتشخيص، والتفسير البيولوجي شأنها شأن التجشؤ والتعرُّق.
في هذه النظرية، تكون اللغة ذاتها مجرد أصوات وعلامات، تثير أحياناً استجابات فورية أو متأخرة، وأحياناً لا تفعل. يلزم من هذا أنّه لا توجد أي لغة. والأفعال كما هي موصوفة الآن لا توجد كذلك، إنّها مجرد حركات جسدية. أمّا ما نصنع من تلك الحركات، فذاك بحد ذاته ظاهرة أخرى، ظاهرة ليس لها أن تدعي أيَّ مفهومية وفقاً لتجربتنا الواعية، لأن تجربتنا كما تؤثّر في تصرفاتنا، هي صنعة ملايين السنين التي أوجدت مصادفةً نماذج الدماغ الناجح.
هذه، بالتأكيد، نظرية متناقضة فما أن تُتقبل حتى تدمّرَ فكرة مباشرة الفعل أو الفكر، وبالتالي مباشرة القبول نفسه.
التصنيف
نحن لا نعلم كيف نضعُ حدوداً تصنيفيةً لما هو الدماغ، أو للذي يفعله. إنَّ تعبير “الذي يفعله” مؤسف، بما أنّ ذلك يكون أنا. لا أستطيع تمييزَ أيّ فواصل أولية، أو قياسَ أي معالجة بميزان أو ساعة، لكنّي أستطيع، كما نفعل كلنا، أن ألاحظ أيَّ حوافز، أو استنتاجات، أو معوّقات تفعل فعلها عادة. إن فكّرت الآن في حياتي الواعية، فإني أنظر في نفسي على أنّي دوّار مزدحمٌ بالأحكام، والدّوافع، لكنها ليست منظراً أمامي. فالأحكام ملكي، شأنها شأن الخطط بعيدة الأمد، والنزوات، أو النزعات الخاطفة، وإتمام الواجبات، والروتين الخاص باليوم، أو اللحظة. إنني فقاعة من النشاطات وسط أحكام، وحالات مزاجية. فالذي أفعله في لحظة ما قد يكون استمراراً لما باشرته قبل أشهر، أو أسابيع، أو لحظات. إنّي زاخرٌ بالمحفّزات، منها ما يؤتي أكله سريعاً، ومنها ما يعطى ثمرته على المدى البعيد، بعضها مرتبط بالمهمات التي أقبلها، أو قواعد القوانين التي أعترف بها، بعضها يتضمن عواطفَ للأصدقاء، وللعائلة، وبعضها غريب للغاية لدرجة أنّي لا أرى مبعثه.
تضغط عليّ هذه الأشياء بطريقة غير واضحة، ومكان وجودها هو حيث تُحسّ أمورٌ مماثلة. مرة أخرى يلوح شعور المفعولية مع تعبير “تضغط عليّ”، إنّه ليس شخصاً آخرَ، أو كياناً غير شخصيّ الذي يلح هذا الإلحاح!
إن إحساسي بنفسي ذو سلطان، ليس فقط في الاختيار من بين الممكنات، ولكن في اقتراح ما هو المناسب، والتصرف وفقاً له كذلك، وأيضاً في تأويل نفسي بعد الشروع في التصرُّف. إن غضبتُ وقلت شيئاً فظّاً، أو فعلت شيئاً عنيفاً، أو قلت أو فعلت أمراً أندم عليه لاحقاً، فإنّي متحكّم على الدّوام. إحساس التحكُّم يمتد عبر وعيي، ووعيي ممتدٌ بشكل أوسع مما أستطيع قوله، أو نقله عن الذي أشعر به.
إنّه أنا، هكذا أكون.
متعة المُنقّب
يعترفُ جلبرت رايل بمشاعر من قبيل الاهتياج، الوَخز، الاختلاج، نشر السرور، الاضطرام، مشاعر السأم، أو الغصة في الحلق، التي نعلمها في صيغة المتكلم. أما ما ليس بمشاعر، فيعامله في صيغة الغائب، عادةً مثلما قد يعنيه أحدهم حينما ينسبُ شعوراً، أو دافعاً لشخصٍ ما. وعند تناول المتعة، يبيّن جلبرت بأنَّ القولَ بأن شخصاً كان يستمتع بالتنقيب لا يعني القولَ بأنّه كان ينقّب ويفعل، أو يجرّب أمراً آخرَ يكون ملازماً، أو أثراً للتنقيب، إنما يعني أنّ الشخص كان ينقّب بملء قلبه، أيّ أنّه ينقّب وهو يريد أن ينقّبَ، ولا يريد أن يقوم بأي شيء آخر، أو لا شيء بدلاً منه. فتنقيبه كانَ إشباعاً لرغبة، كان هو متعته، وليس حاملًا متعته.[6]
يرمي اقتراح جلبرت إلى توفير طريقة بديلة للحديث عن المتعة. ليست معالجته غير مفيدةٍ، لكن تعقيدات مسألة الوعي لها تأثيرها أيضاً في قصة التنقيب الممتع. عند الشروع في الفعل، في مكان ما قبل أن يجد المنقّب نفسَه في الحديقة، كان له عقلٌ، واعٍ بقدر ما أنّ فِكرَه لا يمكن أن يُحدد بأي وضع عقلي آخر، حيث تلوح له تصرفات بديلة كثيرة، العديد من مزايا هذا، ومساوئ ذاك، الرغبات في أن يصير إلى أو يفرَّ من طريقة حياة في الساعة القادمة، حيث النداءات التي يطلقها ويسمعها.
فلندعوه جوشاه، إنّه يحتاج بعض التمرينات. ويرغب بشيءٍ من الهواء وأشعة الشمس. الحفر ليس مشوّقاً بالنسبة له، لكن فعل أمر ما عوضاً عن لا شيء، يبقى كذلك. إنّ حواسَّه قد جلبت له بإغواءٍ اليومَ، ونورَه، ورائحته، ودفئه، وحضوره. لكنّه كان مدركًا بأنَّ عليه واجبات أخرى يهتم بها، والتي من أجلها، على الحَفر أن ينتظرَ.
أريد أن ألاحظ، ومن ثم أن أكون على بينة من أنّه ليس في وضع حمار بوريدان، فالمؤثرات والضرورات التي تجوب في داخله لا تكون أبداً شالّةً. سيبدأ جوشاه بالتنقيب، لكنّه سيتوقف أيضاً عن ذلك. وحينما يتوقف سيكون مدفوعاً بالتعب ربما، أو الملل، أو دعوى التزام أجل مؤقتاً. لا أحدَ يحفر بملء قلبه أبداً.
وهل يجدر بنا ألّا نلتفت على الإطلاق إلى التفاصيل الصغيرة؟ عندما ينقّب جوشاه، فإنّه يحمل المِجرفة بطريقة معينة، ربما يكون قد فكّر فيها وربما لا يكون، مناسبةٍ للتنقيب في هذا التراب الطريّ كما يُفترض، لكن حينما يعلم أنّ التربة أقسى مما ظنَّ، يغيّر مسكته. لعلَ الإشارة إلى طريقة حمله قليلة الأهمية للغاية، لكنّه في النّهاية غير مُبرمج -كروبوت اللحام المبرمج ليقوم باللحام- ليُمسك الرَفش إطلاقاً، ناهِيك عن أن يُمسكَه بطريقة معيّنة، لذا قد كان عليه أن يقرر، بداهةً، كيفَ يُمسك بالأداة. يأتي الآن إلى عقلي عدد هائل من التفاصيل التي كان على جوشاه أن يكون متحكماً بها حتّى يستمرَ. قد أخذ الكثير من الخطوات، فقد تريّث ليشمّر عن قميصه، نظر في السماء، انتبه إلى الشد في عضلاته رافعاً التراب الثقيل برفشِه الطويل، تنشّق الهواء. نادى وطلب الغداء، اعتذر عن أنّه أخذ من وقت القراءة لابنته، نظر إلى زوجته، حدّثها، واستمع إلى حديثها، تساءل عن وظيفته، عن فريقه في رياضة البيسبول، عن نبض قلبه، فكّر في فرصته في ترقيةٍ، ثم انصرف عن الحفر بقية اليوم لكي يقرأ لابنته وينهي القراءة باكراً، وذلك حتى يتسنّى له أن يكلّم ديمتري قبل العشاء الذي كان يفترض أن ينهيَ التقرير الذي يحتاجه. إنَّ حضور هذه، وليس التأمّل (وهو إقدام نادر)، والعديد من الدوافع، والضرورات، والمشتتات، ملأ عقل جوشاه، من غير أن يشوّشه بشكل غير طبيعيّ.
وأنا بالكاد قد لامست ما الذي يعنيه كونه جوشاه، الذي ردد أبياتاً من قصائدَ، غنّى في سرّه –بلحنٍ مُضبَط تمامًا- قِطَعاً ومقتطفات من أغانٍ، مرّ النّدم على خاطره، وحفرت زوايا مكتبه في العمل في بطنه. ينبغي ألّا نظن أن جميع هذه الأفكار خاملة في الأصل، فأكثرها عابرٌ لكنّها لا تحتاج أن تكون. قد يغدو النّدم شديداً لدرجة أنّ جوشاه سيجري مكالمةً خلال الساعة ليرأب ما تصدع، أو لعلّه يُذكّر، كما ينتظر من أغاني الإعلانات، أنّ عليه شراء الأسبرين، إن لم يكن اليوم، فغداً. إنَّ كثيراً من هذه الدوافع، والحوافز، والحوائج يبرز من خلال التذكر، أو حتى المقارنات، أو أنّها تنشأ وكفى، فإما أن تُقبلَ، وإما أن تُردَّ.
ها قد انقدت مرّة أخرى مع صيغة المفعوليّة. لم يعاين جوشاه أفكاره كما قد يفعل مع طبق حلوى. إنّه داخل العقدة، لكن مهلاً، العقدة خاطئة أيضاً. إنّ العقل عقله كما هو، لا يمتلك أرضيّة للشكوى، أو للتهاني. ليس هذا من غير المعتاد اليوم، أو الأقل سهولة.
ليس ثمّة أسلوب مناسب لجعل وعي جوشاه متاحاً بكلماتي. لقد حاولت أن أظهر أن تصرفاته من جميع الأنواع، والتي يباشرها، وفي معظم الحالات، يديرها ويشرف عليها أثناء جريان الممارسة. لكن من المستحيل تماماً توصيف الوعي من غير جعل الأمر يبدو أنّ ثمّة شخصاً يراقب من الداخل ما يجول في عقل جوشاه.
حتى جوشاه لا يستطيع فعل ذلك.
قد يكون من الجيد لو نستطيع وصف العقل في حالة الشرود، إلّا أننا لا نستطيع. لكنّ توصيف الذي يجري في عقل أحدهم هو الخطوة الأولى، أدنى خطوة أولى، في أي تقدُّم في علوم الدماغ، أو فلسفة العقل. إن كنا لا نستطيع تقديم توصيف للوعي جيدٍ -ليس بالضرورة كاملا- فلن نفلح في تحقيق الذي يطمحُ العلماء والفلاسفة لشرحه، إما بتقرير ما هو الوعي، أو بتحديد الآليات البيولوجيّة التي تنتجه. فلكي نسير نحو علم العقل، نحتاج مدخلاً وصفيّاً، ويفضّل أن يكون كميّاً، للنشاطات العقليّة. لكن هذا الوصول غير متاح لنا. إنّ العمليات العقلية للتفكير والشعور نفسها لا تكون أبداً قبل العقل.
فهل نحن متروكون إذن مع لغز مستعصٍ إلى الأبد؟ الجواب نعم، لكن يبقى الجواب نعم إلى أن يتوّفر لدينا مستوى آخر يمكن للعلم أو الفلسفة الوصول إليه. وبناءً على الافتراض بأن الذكاء ليس محدوداً بتصوراتنا الحالية، فإنّ التفسير ليس، ولا يمكن أن يكون أبداً، مستبعداً فيما بعد. ولكن إن لم يكن إلى الأبد، فإن اللغز ما زال مستعصٍ حتى الآن.[7]
اقرأ ايضاً: لماذا لا يملك العلم تفسيرا للوعي؟
[1] انظر مدخل الكواليا
2ديفيد تشالمرز، العقل الواعي، بحثًا عن النظرية الأساسية، جامعة أكسفورد 1996
[3] المصدر السابق
[4] في إشارة لسياج الشخصية المنيع كالدرابزين
[5] جون سيرل، رؤية الاشياء كما هي “نظرية للإدراك” (جامعة أكسفورد 2015)
[6] جلبرت رايل، مفهوم العقل. (جامعة شيكاغو 2012 )
[7] للاطلاع على مزيدٍ من المعلومات حول ماهية الوعي وتاريخه وسماته، انظر: مقال “الوعي” د/روبرت فان جوليك، موسوعة ستانفورد للفلسفة 2014.