عام

العلاج المعرفي السلوكي: ماضيه وحاضره ومستقبله

كيف يمكن دمج العلاج المعرفي السلوكي مع الثقافات المختلفة ومعالجة القضايا الاجتماعية الكبرى؟

  • حوار: أويس أفتاب مع د. جوديث س. بيك
  • ترجمة: سامر الحربي
  • تحرير: الرميصاء رضا

د. جوديث س. بيك، هي رئيسة معهد (بيك) للعلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهي منظّمة غير ربحيّة تقدّم أحدث أساليب التدريب، وشهادة العلاج المعرفي السلوكي للأفراد والمنظمات، وتقدّم دورات عبر الإنترنت حول مجموعة متنوعة من مواضيع العلاج المعرفي السلوكي، وتجري الأبحاث، وتعمل كمورد عالمي رائد للعلاج المعرفي السلوكي. د. بيك أيضًا أستاذة سريريّة لعلم النفس في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا بيرلمان. كتبت د. بيك أكثر من 100 مقال وفصل، بالإضافة إلى كتبٍ ومصنفاتٍ وكتيباتٍ للمهنيين وغير المحترفين، بما في ذلك العلاج المعرفي السلوكي، الطبعة الثالثة: الأساسيات وما بعدها، والعلاج المعرفي للمشاكل الصعبة: ماذا تفعل عندما لا تعمل الأساسيات. قدّمت مئات العروض التقديميّة على الصعيدين الوطني والدولي حول مختلف تطبيقات العلاج المعرفي السلوكي وهي المطوّر الرئيسي لدورات التدريب على العلاج المعرفي السلوكي عبر الإنترنت لمعهد (بيك)، والتي تم أخذها من قبل المتخصصين في الصحة، والصحة العقلية في أكثر من 130 دولة. تبقي د. بيك على عدد من الحالات السريرية في العيادة الداخلية لمعهد (بيك) في ضواحي فيلادلفيا، مما يساعد العملاء الذين يواجهون مجموعة من التحديات.

***

-أفتاب: العلاج المعرفي السلوكي (CBT) كان له نصيبه من الانتقادات على مر السنين، ولقد سمعت أن آرون ت. بيك، دكتوراه في الطب، كثيرًا ما تشارك مع (وفي بعض الأحيان تعاون مع) منتقديه. هل من الصحيح القول: أنّ أفكار والدك لم يتم قبولها في البداية من قبل مجال الصحّة العقليّة؟، هل تعتقدين أنّ هناك طرقًا ذات مغزى استفاد بها مجال العلاج المعرفي السلوكي من هذا التفاعل مع النقّاد؟

-د. بيك: منذ البداية، لم يتم قبول العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، (أو العلاج المعرفي كما كان يطلق عليه في البداية) من قبل مجتمع التحليل النفسي، على الرغم من أنّ أفكار والدي كان يُنظر لها بشكلٍ إيجابي بين بعض علماء النفس، وخاصة معالجين السلوك. كان والدي قد تدرب في الأصل كمحلّل نفسي ثم أدرك أنّ التركيبات النظريّة للتحليل النفسي تحتاج إلى التحقّق من صحتها من خلال البحث، إذا كان التحليل النفسي مقبولًا في المجالات العلمية الأخرى.

في ذلك الوقت، توقعت تمامًا أن يُدعم بحثه: مبادئ التحليل النفسي الأساسية للاكتئاب. لكنه حدث العكس، رفض معظم المحلّلين النفسيّين هذا البحث، ولاحقًا تطويره للعلاج المعرفي. بعد أكثر من عقد من الزمان، وجد أنه غير قادرٍ على الحصول على أول تجربة حية ذات شواهد لمقارنة إيميبرامين بالعلاج المعرفي لعلاج الاكتئاب المنشورة في المجلات. في البداية تم انتقاده أيضًا من قبل بعض معالجي السلوك ولكن أشاد به آخرون وقاموا بدمج تقنياته المعرفيّة في العلاج. على مر السنين، استخدم والدي النقد الهادف لتحسين نظريّاته وعلاجه، على سبيل المثال: أضاف التركيز على العمليات كعوامل رئيسية للتغيير، اعتمادًا على الصياغة المعرفيّة للمشكلة أو الاضطراب، والتصور الفردي للاضطراب، فقد دعم بما في ذلك التقنيات من العلاجات الأخرى القائمة على الأدلة. وقد استفاد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من النقد الهادف، وأصبح العلاج أكثر فعاليّة بسبب ذلك.

-أفتاب: يبدو أنّ هناك نقاشًا كبيرًا بشأن العلاج اليدوي في الممارسة السريرية في العالم الحقيقي خارج البحث. الأدلة لها دور مفهوم تلعبه في إعدادات البحث، ولكن إلى أي مدى يجب أن تقيّد الأدلة الممارسة السريرية؟، قد أضيف هنا أنّه خلال تدريب الإقامة في الطب النفسي الخاص بي، تم تعليمي العلاج المعرفي السلوكي من قبل طبيب نفساني رائع أكّد على المبادىء الأساسية للعلاج المعرفي السلوكي وشدّد على أهمية تطوير التركيبة الفرديّة للعلاج المعرفي السلوكي لتوجيه العلاج، وأتساءل أحيانا عن مدى اختلاف تلك التجربة لو كان قد اعتمد على الأدلة بدلًا من ذلك.

-د. بيك: هناك أشكالٌ مختلفة من العلاج المعرفي السلوكي ولكي أكون واضحةً، ما أتحدّث عنه هو نوع العلاج المعرفي السلوكي الذي طوّره والدي في 1960، و1970 (وصقل منذ ذلك الحين). في معهد (بيك)، لا نستخدم الأدلة في العلاج، ولا نؤيّد عادة استخدام الأدلة خارج إعدادات البحث. كما ذكرت، فإن الأدلة لها مكان في التجارب السريرية لضمان أنّ المعالجين بالبروتوكول يقدمون نفس العلاج لموضوعات البحث. وبدون أدلة، لن تكون هناك قاعدة للأدلة القوية للعلاج المعرفي السلوكي، ولكن في إعدادات العالم الحقيقي، والمرضى، معقدة. على سبيل المثال:

غالبًا ما يعانون من أمراض مصاحبة ويختلفون في الخصائص الفرديّة مثل: الثقافة، والتعليم، والمستوى التنموي، والحالة الاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك. يقوم المعالجون الجيدون بالعلاج المعرفي السلوكي بتخصيص العلاج لكل مريض على حدة، مسترشدين بمفاهيمهم المعرفية، ومشاكل المريض، ونقاط قوته، وتطلعاته، وأهدافه للعلاج. يتم تطوير خطة العلاج، ويتم اختيار التدخلات العلاجية بالتعاون مع المريض.

-أفتاب: يجب أن يقتصر العلاج المعرفي السلوكي (CBT) في الممارسة السريرية في البداية على عدد معيّن من الجلسات (على سبيل المثال 10-20 جلسة) الطريقة التي يتم بها ذلك في إعدادات البحث، أم أن العلاج المعرفي السلوكي في الممارسة السريرية يهدف إلى أن يكون أكثر انفتاحًا ويعتمد على الهدف؟. ملاحظتي السريرية هي أنه عندما لا تكون مدة العلاج المعرفي السلوكي كافية، وعندما يتم تحديد عدد الجلسات مسبقًا (غالبًا بسبب قيود التأمين أو لأسباب إدارية)، يضطر عدد كبير من المرضى إلى إنهاء العلاج دون أن يكونوا قد شعرو بتحسن ملموس.

-د. بيك: لا ينبغي أن يقتصر العلاج المعرفي السلوكي في الممارسة السريرية على عدد معين من الجلسات. يمكن أن يشعر العديد من المرضى الذين يعانون من حالات الاكتئاب أو القلق المباشرة بتحسن كبير في غضون 6 إلى 12 جلسة. ومع ذلك، فإن المرضى الذين يعانون من اضطرابات الشخصية، والحالات الطبية، وتاريخ الصدمات، والضغوط البيئية، والحالات المعقدة الأخرى عادة ما يحتاجون إلى دورة علاج أطول. بالطبع، من الناحية العملية، ليس كل المرضى قادرين على إكمال دورة علاج أطول بسبب القيود المالية أو العملية.

من المهم أن يفهم المعالجون ويبذلوا كل الجهد للعمل ضمن هذه القيود، من خلال الشفافية مع المرضى حول تقدمهم وجعل العلاج فعّالًا قدر الإمكان. نقول لجميع مرضانا أنه لا يكفي أن يأتي إلى العلاج والتحدث لمدة 50 دقيقة في الأسبوع. الطريقة التي تتحسن بها هي إجراء تغييرات صغيرة في تفكيرهم وسلوكهم كل يوم. عندما ينتهي المعالجون والمرضى من مناقشة مشكلة أو هدف، يسأل المعالجون المرضى عما يريدون تذكره وما يريدون القيام به في الأسبوع المقبل، ثم يحفزهم المعالجون على إكمال خطط العمل هذه (التي كانت تسمى سابقًا الواجبات المنزلية) بين الجلسات لتعظيم فوائد العلاج المعرفي السلوكي ومنع الانتكاسه دون إطالة العلاج. تباعد جلسات التعزيز بشكلٍ مناسب في الأسابيع والأشهر التالية لاختتام العلاج، هي وسيلة فعّالة لضمان الحفاظ على تقدّم المريض، وأنّ المرضى يواصلون ممارسة مهاراتهم، والتعامل مع التحديات الجديدة التي تنشأ.

-أفتاب: منذ التطوّر الأوّلي للعلاج المعرفي السلوكي للاكتئاب، شهدنا تطوير العلاج المعرفي السلوكي للعديد من خلال المؤشرات والسكان الخاصين. أين تم تطبيق العلاج المعرفي السلوكي بنجاح على مدى عقود؟

-د. بيك: أجيب عن هذا السؤال من خلال البحث؛ قام هوفمان وزملاؤه بمراجعة التحليلات قبل بضع سنوات.[1] وجدوا أنّ العلاج المعرفي السلوكي قد تم تطبيقه بنجاح على اضطرابات القلق، والاضطرابات الجسدية، ومشاكل التحكم في الغضب، والإجهاد العام. كما لاحظوا فعالية العلاج المعرفي السلوكي في علاج الاكتئاب، وتعاطي المخدرات، والاضطرابات الذهانية، والاضطراب ثنائي القطب، والأرق، واضطرابات الشخصية، والسلوكيات الإجرامية، والضيق المرتبط بالحالات الطبية. وبينما تركز معظم الدراسات على البالغين، تظهر دراسات أخرى نتائج مماثلة للأطفال وكبار السن. بالإضافة إلى ذلك، أثبتت الأبحاث فعاليّة العلاج المعرفي السلوكي المصمّم بشكل مناسب في العديد من الإعدادات: المدارس، والبرامج السكنية، ووحدات المرضى الداخليين، ومستشفيات الأمراض النفسية طويلة الأجل، وإعدادات الطب الشرعي، والإعدادات المجتمعية، والرعاية الأولية، والعيادات الطبية المتخصصة، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

-أفتاب: العلاج المعرفي السلوكي للذهان (CBTp) برز كعلاج قياسي، موصى به لمرض انفصام الشخصية في المبادئ التوجيهية للممارسة السريرية اعتمد من قبل المعهد الوطني للصحة ورعاية التميّز في المملكة المتحدة والجمعية الأمريكية للطب النفسي في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من هذه التوصيات، لا يزال توافر برامج بناء القدرات والوصول إليها محدودًا. ما هي بعض الصعوبات التي تواجه التدخلات المتخصصة للعلاج فيما يتعلق بالنشر، وما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟

-د. بيك: أحد التحديات التي يواجها نشر العلاج المناسب، وربما على وجه الخصوص مثل العلاج المعرفي السلوكي، هو عدم توفّر العلاج الفردي ضمن خدمات العلاج المختلفة. في حين أنّ أولئك الذين يبحثون عن المساعدة بشكل خاص، أو أولئك الذين لديهم دعم من الأسرة أو أحبائهم الآخرين قد يكونون قادرين على الوصول إلى مزود ممارسة خاص، هناك العديد من الأفراد الذين لا يستطيعون. في المستشفيات الحكومية، في فرق المجتمع، في نظام الطب الشرعي، في المساكن – هذا هو المكان الذي ترى فيه العديد من الأفراد الذين يتم تشخيصهم بجدية للصحة العقلية. غالبًا ما لا تمتلك هذه الخدمات الموارد اللازمة لتقديم العلاج الفردي. حتى لو فعلوا ذلك، فإن جزءًا من الأفراد لا يبحثون عن المساعدة أو لا يهتمون بعلاج يركز على الأعراض التي لا يرون أنّ لها مشاكل واضحة.

ما أفهمه هو أنه كما يمارس حاليًا، يتم إجراء العلاج في المقام الأول من قبل الأطباء المرخص لهم، والغالبية العظمى منهم من علماء النفس. في المجتمعات المحلية والمستشفيات حيث يتم تقديم معظم الرعاية، هناك العديد من الموظفين من التخصصات الأخرى حيث لا يتم تقديم التدريب على العلاج المعرفي السلوكي (الأخصائيون الاجتماعيون، والمستشارون المرخصون، والمعالجون الترفيهيون والفن، والمعالجون المهنيون)، ناهيك عن الموظفين غير المرخصين وشبه المحترفين مثل: الرعاية المباشرة، والمتخصصين الأقران الذين لا يشمل نطاق ممارستهم العلاج المعرفي السلوكي.

د. بول جرانت، ووالدي طوّرا معًا العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) لمعالجة هذه القيود.[2] في حين أنّه يمكن تقديمه كعلاج فردي، فإن العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) هو أيضًا مقاربة جماعية فعّالة للغاية. يمكن أن يكون الأساس للوسط العلاجي، وأساس تخطيط العلاج، والعمل الجماعي. يمكن للمهنيين المرخصين وغير المرخصين من جميع التخصصات القيام بذلك. إنه قابل للتطبيق في المزيد من الإعدادات، خاصة تلك ذات الموارد المنخفضة. يستخدم العلاج المعرفي الموجهة نحو التعافي (CT-R) النموذج المعرفي لفهم كيفيّة تعثّر الأفراد، ثم يستخدم تدخلات قوية لإشراكهم والتعاون معهم لمتابعة الخيارات التي يختارونها.

-أفتاب: يبدو أنّ تطوير العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) هو تكامل مثمر لاثنين من التقاليد التي تبدو مختلفة تمامًا، العلاج المعرفي من ناحية، وحركة التعافي من ناحية أخرى. ماذا يضيف نموذج الاسترداد إلى الممارسة التقليديّة للعلاج المعرفي السلوكي؟

-د. بيك: تكمن قوة العلاج المعرفي السلوكي في النموذج المعرفي الذي يساعد مقدمي الخدمات على فهم المشكلات (مثل الاكتئاب، والقلق، والسلوك العدواني والهلوسة، والأوهام ،والأعراض السلبية) من حيث المعتقدات حول الذات والآخرين والمستقبل. يتضمن العلاج المعرفي السلوكي تدخلات محددة لمعالجة المعتقدات الذي من غير الممكن أن تتغيّر وتعزيز المعتقدات التكيفية: ينتج راحة مستمرة من الضيق ويتيح السلوك التكيفي.

د. آرثر إيفانز، في عمله السابق بصفته مفوض لقسم الصحة السلوكية في فيلادلفيا، تحدى والدي وبول جرانت، الآن، هو مدير برنامج العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي في معهد (بيك) لتطوير برنامج العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) قوي للأفراد الذين تم تشخيصهم بحالات صحية عقلية خطيرة والذين حرموا تاريخيا من الوصول إلى الممارسة القائمة على الأدلة وغالبًا ما يقبعون في المؤسسات. هؤلاء الأفراد في كثير من الأحيان لا يطلبون المساعدة، ولا يشاركون في الخدمات بسهولة، ويمكن أن يكونوا غير واثقين جدًّا من مقدمي الرعاية. تظهر الأدبيات أنّ لديهم أفقر النتائج من حيث متوسط العمر المتوقع وجودة الحياة.

في العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R)، فإن الخطوة الأولى هي اكتشاف الفرد وراء المشاكل. يركز مقدمو الرعاية بشكل أقل على الأعراض النفسية وأكثر على تحديد الحياة التي يريد مريضهم أن يعيشها. تبين أنّ النموذج المعرفي أداة رائعة لتصور أفضل عن ذات الشخص. يتم تطبيق نقاط قوة العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) على الفرد بأكمله. اكتشف فريق العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) في معهد (بيك) طرقًا لتفعيل مبادئ التعافي: الاتصال، والثقة، والأمل، والغرض، والتمكين. وملاحظة قديمة، أنّ الأوقات التي يبدو فيها -حتى أكثر الأفراد انسحابًا- أكثر استرخاءً واتصالًا بالآخرين، أدت إلى بناء الوضع التكيفي. يوفر هذا الإطار لاستراتيجية وتدخلات العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R)، حيث يتم التأكيد على المرونة والتمكين. والدي هو المؤلف الأول لكتاب العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي لحالات الصحة العقلية الخطيرة[3]، مما يوضح للممارسين كيفية ممارسة هذا التكيف. وقد وصفت كيفية تطبيق مبادئ العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) على الأفراد الذين يعانون من اضطرابات حادة في الطبعة الثالثة من كتاب: العلاج المعرفي السلوكي: الأساسيات وما بعدها.[4]

-أفتاب: ما مدى أهمية العلاقة العلاجية في الممارسة الناجحة للعلاج المعرفي السلوكي؟ إلى أي مدى تكون الفائدة العلاجية للعلاج المعرفي السلوكي نتيجة لتقنيته المحددة مقابل نتيجة لعوامل مشتركة مثل العلاقة العلاجية الجيدة؟

-د. بيك: العلاقة العلاجية لها أهمية قصوى في العلاج المعرفي السلوكي. أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول العلاج المعرفي السلوكي هو أنه بارد، جامد، وفكري بشكل مفرط، وأن العلاقة العلاجية القوية غير مطلوبة. هذا بعيد جدًا عن الحقيقة. يمارس المعالجون الجيدون للعلاج المعرفي السلوكي مهارات الاستشارة الروجيرية المتمثلة في الصدق، والدفء، والتعاطف، وهم يغرسون الأمل من خلال التفاؤل الواقعي بشأن وضع المريض. هذا مهم بشكل خاص لأن العلاج المعرفي السلوكي يؤكد على التعاون بين المريض والمعالج، سواء على الأهداف الشاملة للعلاج، وعلى القضايا التي تمت مناقشتها في الجلسة والتدخلات المحددة المختارة. لكي يكون التعاون ناجحًا، يجب على المعالج أن ينقل فهما دقيقا للمريض، ويجب على المريض أن يثق في المعالج ويشعر بالأمان. يطلب معالجو العلاج المعرفي السلوكي التغذية الراجعة في نهاية كل جلسة وأثناء الجلسة عندما يلاحظون تحولًا في تأثّر المرضى. يستجيبون للتعليقات السلبية من خلال الإشادة بالعملاء لكونهم منفتحين معهم. ثم يصممون الصعوبة ويخططون بشكل تعاوني لاستراتيجية لتصحيح المشكلة. القاعدة الأولى للعلاقة العلاجية، التي أخبرها لجميع المتدربين والمقيمين النفسيين الذين أقوم بتدريسهم: “تعامل مع كل مريض في كل جلسة بالطريقة التي ترغب في أن تُعامل بها إذا كنت مريضًا”.

-أفتاب: يركز العلاج المعرفي -جزئيًا- على تحديد التشوهات المعرفية، والأفكار، والمخططات التلقائية السلبية كأهداف للتغيير العلاجي. في العقود الأخيرة، تم الاعتراف أيضًا بدور العوامل الاجتماعية والهيكلية (مثل عدم المساواة العرقية والفقر) في تطوّر الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى. هناك انتقادات شائعة ترى أن تركيز العلاج المعرفي السلوكي على تحديد الخلل الوظيفي الداخلي في النفس كطريقة لمحو أو تجاهل مساهمات الظلم الاجتماعي في الضيق النفسي. ما هي أفكارك حول هذه المسألة؟

-د. بيك: يجب أن يأخذ التصور المعرفي للمريض في الاعتبار العوامل الخارجية التي ساهمت في تطور اضطرابه والحفاظ عليه. تشمل هذه العوامل الخارجية التاريخ العائلي، والوضع الاجتماعي، والاقتصادي، ومستوى التعليم، والعنصرية أو التمييز (سواء من ذوي الخبرة أو الشهود). لحسن الحظ، هناك الكثير من الأدبيات والتدريب المتاح الآن والذي يمكن أن يساعد المعالجين على فهم تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على الصحة العقلية وتطور الاضطرابات مثل الاكتئاب وتعاطي المخدرات واضطراب ما بعد الصدمة، من بين أمور أخرى. يقوم الباحثون في جميع أنحاء العالم بعمل تمس الحاجة إليه لتكييف العلاج المعرفي السلوكي مع الثقافات والسكان المختلفين، من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وفي بيئات مختلفة. وهذا مجال هام لمواصلة البحث والتدريب.

-أفتاب: أواجه مجموعة متنوعة من المواقف المختلفة فيما يتعلق بتقاليد العلاج النفسي، مع معالجين مختلفين لديهم وجهات نظر مختلفة حول مدى توافق وتكميل تقاليد العلاج النفسي المختلفة هذه، وما إذا كان يجب على الأطباء مواءمة ممارساتهم مع اتجاه واحد أو توجهات متعددة. ما هي آرائك حول كيفية ارتباط تقاليد العلاج النفسي المختلفة ببعضها البعض، وما هي نصيحتك للمعالجين فيما يتعلق بتعدّد توجهات العلاج النفسي؟

-د. بيك: في العلاج المعرفي السلوكي، نقوم بدمج التقنيات والتدخلات من طرائق العلاج النفسي الأخرى، بما في ذلك علاج القبول والالتزام، والعلاج السلوكي الجدلي، والنهج القائم على اليقظة، ولكن تصورنا المعرفي للمريض وفقا للنموذج المعرفي دائمًا ما يعلم اختيار التدخلات. هذا يختلف عن الممارسة الانتقائية. نحن نتبع الأدلة ونستخدم دائمًا أفضل وأحدث الأبحاث لتوجيه قرارات العلاج لدينا واختيار التدخلات.

-أفتاب: د. بيك هو واحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الطب النفسي وعلم النفس ويستمر في القيام بعمل رائع حتى في سن المائة. هل يمكنك إخبارنا عن العمل الذي يشارك فيه هذه الأيام؟، ماذا ترى على أنه إرثه الأكثر أهمية؟

– د. بيك: لا يزال والدي يعمل مع فريقه البحثي، الذي كان يعمل سابقا في جامعة بنسلفانيا والآن في معهد (بيك) على تطوير ونشر العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R). بينما أعتقد أن العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) سيكون جزءًا أساسيًّا من إرثه، يجب ألا ننسى أنّه -سابقًا- لم يكن هناك بالفعل مفهوم للعلاج النفسي القائم على الأدلة. وبسبب عمله، نعرف الآن أنّ العلاجات الناطقة يمكن أن تكون فعّالة، وفي بعض الحالات، أكثر فعاليّة من الأدوية.

-أفتاب: ما رأيك في مستقبل العلاج النفسي؟، ماذا تريدين أن يكون؟

-د. بيك: قبل عدّة سنوات، سأل أحد الزملاء والدي عما إذا كان يتوقع أن يهيمن العلاج المعرفي في نهاية المطاف على مجال العلاج النفسي. أجاب: “آمل أن يهيمن العلاج الجيد في نهاية المطاف على مجال العلاج النفسي”. مجرد علاج جيد.”لقد قال والدي دائما، وأنا أوافقه: أنه إذا أظهرت الأبحاث المهمة دعمًا أكبر للإطار النظري وعلاج نفسي مختلف، فإن العلاج النفسي يجب أن يحلّ محلّ العلاج المعرفي السلوكي”. حتى الآن لم يحدث ذلك. على العكس من ذلك، مع مرور السنين، هناك المزيد والمزيد من الدعم للعلاج المعرفي السلوكي من ناحية التفهم وفي فعاليّة العلاج.

فيما يتعلق بمستقبل العلاج المعرفي السلوكي، أعتقد أننا سنستمر في استخدام الأبحاث من مجالات أخرى (مثل البيولوجيا العصبية، والبيولوجيا التطورية، والعلوم المعرفية) لتحسين النظرية وتوجيه العلاج. سنواصل البحث عن العلاجات التي تعمل بشكل أفضل تحت أي ظروف. سيكون لدينا تركيز أقوى على تحديد العمليات الرئيسية لاستهداف الوسطاء والمشرفين الأساسيين بناء على نظريات قابلة للاختبار.

أعتقد أنّ العلاج المعرفي السلوكي سيستمر في التكيف مع المزيد من المشاكل والتشخيصات والظروف. سنقوم بتدريب أنواع كثيرة من مقدمي الرعاية، والمعلمين، والعاملين في الخطوط الأمامية، والشرطة، وحتى السياسيين. سيستخدم المزيد والمزيد من مقدمي الرعاية الصحية، مثل: المعالجين المهنيين، والمعالجين الفيزيائيين، ومقدمي الرعاية الأولية والمتخصصة، العلاج المعرفي السلوكي. في النهاية، إذا تبنت الولايات المتحدة نظامًا طبيًّا دفعة واحدة. أعتقد أننا سنرى نظام فرز مثل: تحسين الوصول إلى برنامج العلاجات النفسية في المملكة المتحدة وبلدان أخرى. سنرى طرقًا مبتكرة لتقديم العلاج، مثل: الجدات الجالسات على مقاعد الصداقة في زيمبابوي، أو المستشارين العاديين في الرعاية الأولية في الهند. سنرى استخدامًا أكبر للتكنولوجيا في العلاج الذاتي المدارة بمساعدة الكمبيوتر عن طريق التطبيقات وبرامج الكمبيوتر وزيادة استخدام خدمات الرسائل النصية والرعاية الصحية عن بعد. سنرى أيضًا تطبيقات التكنولوجيا لتقديم تدريب وإشراف أفضل للمتدربين ولرصد وتقييم المعالجين.

وإذا استمر البحث في تأكيد فعاليّة العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R)، أتوقع أننا سنرى مبادئ العلاج المعرفي الموجه نحو التعافي (CT-R) مدمجة في علاج جميع الأفراد، بغض النظر عن التشخيص، أو شدة الحالة، أو الإعداد، أو مقدم الرعاية، أو طريقة التسليم.

-أفتاب: شكرًا لك!


  • د. أفتاب طبيب نفسي في كليفلاند، وأستاذ مساعد في الطب النفسي في جامعة كيس ويسترن.

[1] Hofmann SG, Asnaani A, Vonk IJ, et al. The efficacy of cognitive behavioral therapy: a review of meta-analyses. Cognit Ther Res. 2012;36(5):427-440.

[2] Beck AT, Grant P, Inverso E, et al. Recovery-Oriented Cognitive Therapy for Serious Mental Health Conditions. Guilford Publications; 2020.

[3] Beck AT, Grant P, Inverso E, et al. Recovery-Oriented Cognitive Therapy for Serious Mental Health Conditions. Guilford Publications; 2020.

[4] Beck JS. Cognitive Behavior Therapy: Basics and Beyond. Guilford Publications; 2020.

المصدر
psychiatrictimes

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى