- جيكون لاي
- ترجمة: إبراهيم عبد الحميد
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: المها العصفور
لقد نما التمويل الإسلامي نموًا مطردًا في السنوات القليلة الماضية، وقد أُعلن مؤخرًا أن ألمانيا ستفتتح أول بنكٍ إسلامي متبعة بذلك خطى جيرانها الأوربيين –وهو أمر مثير للسخرية إذا نظرتَ إلى تاريخ ألمانيا. والأمر نفسه مع أيرلندا -وهي دولة يمكن أن يقال عنها دولة الكاثوليك الأقوياء- تحاول أن يكون في أراضيها مركز عالمي للتمويل الإسلامي.
إن النمو العالمي للتمويل الإسلامي في السنوات الأخيرة يُعتبر -جزئيًّا- استجابةً للمطالب المنادية بنظام مالي أكثر أخلاقية. لكن هل التمويل الإسلامي مجرد “تلاعب” أخلاقي للتمويل “التقليدي”؟ أو هل يمكن أن يقدم حلولاً ملموسة خارج المجتمع المسلم؟
ما هو التمويل الإسلامي؟
يحظر التمويل الإسلامي -مثلما يحظر الاستثمار الأخلاقي في القطاع المالي القياسي- استخدام الأموال لأغراض معينة، فعلى سبيل المثال، لا يصح الاستثمار في الأنشطة المتعلقة بالكحول والمواد الإباحية والقمار وما إلى ذلك.
تقوم قواعد السلوك الأخلاقي في التمويل الإسلامي على النصوص الدينية، وهي أقل تعسفأ من النظام الأخلاقي العلماني للاستثمار.
ومن المسلّم به أن هذه النصوص بحاجة إلى التفسير، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نقاشات وخلافات قوية. ولكن السلوك الأخلاقي المبني على اتباع النصوص الدينية أكثر ثباتا مقارنة بالاستثمار الأخلاقي القياسي.
يذهب التمويل الإسلامي إلى ما هو أبعد من الاستثمار الأخلاقي القياسي، فهو لا يمنع تمويل الأنشطة “غير الأخلاقية” فحسب، بل يحظر أيضًا المعاملات التي يتشارك فيها الناس المخاطر وعدم اليقين بطريقة غير شرعية، وهذا هو سبب حظر استخدام الفائدة [الربوية].
فكما هو معروف، أنك إذا اقترضت مالًا من بنك “عاديّ” للبدء في عمل ما، فإن البنك يضمن قرضه وزيادة (الفائدة) بينما تتحمل أنت -المقترِض- جميع مخاطر كسب أو خسارة الأموال من العمليات التجارية. ويحظر التمويل الإسلامي مثل هذه الترتيبات. وبدلاً من نظام مصرفي قائم على الفائدة، يُفضل التمويل الإسلامي نظامًا يتم فيه تقاسم الأرباح والخسائر. لذا فبدلاً من إقراض الأموال مقابل ردها بفائدة، فإن البنوك الإسلامية تُقرض الأموال مقابل حصة نهائية من الأرباح أو الخسائر الناتجة عن العمل.
لا للمضاربات
يسمح النظام المالي القياسي بنشاط المضاربة، وينظر إليها في الحقيقة على أنها وسيلة للحفاظ على “كفاءة” السوق. ولسوء الحظ، يمكن أن يكون لنشاط المضاربة أيضًا تأثيرات غير مرغوب فيها، كما يحدث عند تكون الفقاعات المالية ثم انفجارها.
وعلى عكس النظام المالي القياسي، يحظر التمويل الإسلامي المعاملات المالية التي تنطوي على المضاربة. ووفقا للنصوص الإسلامية يجب أن تكون المعاملات المالية على ارتباط واضح بنشاط “حقيقي” كامن في تلك المعاملات؛ لذلك، يمكنك شراء وبيع الأصول المالية إذا كان لديك مصلحة حقيقية في قيمتها الأساسية، وليس لأنك ترغب في المقامرة على التغيرات في سعرها. (انظر الورقة البحثية بعنوان “مدفوع” لشهناز وتوني نوغتون لمناقشة واضحة ومفصلة حول هذه النقطة).
وعلى هذا النحو، فإن التمويل الإسلامي أكثر من مجرد استثمار أخلاقي. إنه يتحدى “الفجوة” المتزايدة التي ظهرت منذ التسعينات بين القطاع المالي وبين ما يسميه الاقتصاديون “الاقتصاد الحقيقي: أي ذلك الجزء من الاقتصاد الذي يرتبط بإنتاج السلع والخدمات على عكس القطاع المالي الأقل اتصالًا بها. ويسعى كذلك التمويل اﻹسلامي إلى إعادتنا إلى تلك الأيام التي كان فيها القطاع المالي خادمًا للاقتصاد “الحقيقي”.
من خلال التأكيد على الحاجة إلى أن تكون للمعاملات المالية صلةٌ بنشاط “حقيقي”، يحد التمويل الإسلامي من حجم الدَّيْن في النظام، وهو بذلك يخلق فرصًا أقل للمضاربة، ونتيجة لذلك، يُقلل من فرص عدم استقرار النظام المالي. إن التمويل الإسلامي كان ليحظر نوع المنتجات التي ساهمت في عدم الاستقرار في النظام المالي الأمريكي في عام 2007.
ومن خلال حظر استخدام الفائدة مع تشجيع المشاركة في الربح والخسارة، فإن النهج الذي اعتمده التمويل الإسلامي سيحول بعض المخاطر التي يتحملها المستهلكون إلى المؤسسات المالية. ويجادل أنصار التمويل الإسلامي في أنه يقدم منهجًا آمنًا وعادلًا لتنظيم التمويل أكثر من النظام القياسي.
هل من سبيل لنظام مالي أكثر إنصافا؟
من الناحية العملية، لم يتمكن التمويل الإسلامي حتى الآن من تحقيق مآربه. فعلى الرغم من أن الفائدة محظورة وأنه يجب على البنوك المشاركة في الأرباح والخسائر، إلا أنّ البنوك الإسلامية تميل عن قصد إلى هيكلة المنتجات التي تبيعها حتى تحقق نتائج مشابهة جدًا للمنتجات القائمة على الفائدة. ونتيجة لذلك، تحصل المؤسسات المالية الإسلامية على نتائج محددة سابقًا بدلاً من تحمل مخاطر الربح وترتيبات تقاسم الخسارة.
وحتى الآن، جادل أنصار التمويل الإسلامي بأن هذه الخيارات كانت ضرورية من أجل التنافس مع القطاع المالي”القياسي”، وأنه سيتم التخلي عنها بمجرد أن يصبح التمويل الإسلامي أكثر رسوخًا وتعقيدًا. ولكن بتقليد التمويل الإسلامي للقطاع المالي “القياسي” فإنّه يخاطر بخيانة جذوره.
وبهذا التقليد يقوض التمويل اﻹسلامي من فرصته في تقديم نظام مهم ومختلف إلى حد كبير.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات، لا يزال بإمكان التمويل الإسلامي إعادة صياغة النقاش حول دور القطاع المالي في المجتمعات الحديثة. وهو بهذا يجبرنا على التشكيك في علاقتنا الحالية مع التمويل: هل يجب استخدام التمويل للمضاربة أم يجب استخدامه فقط لتمويل الأنشطة “الحقيقية”؟
ونظرا للأزمة المالية العالمية و النقاش الدائر حول إعادة هيكلة القطاعات المالية، فإن نهج التمويل الإسلامي يقدم لنا طريقة واحدة ممكنة للتفكير في كيفية إصلاح القطاع المالي لخدمة احتياجات المجتمع بشكل أفضل.