- جورج وارنر*
- ترجمة: أنس بن سعود الجروان
- اسم الكتاب: تاريخ الإسلام الشيعي
- المؤلف: فرهاد دفتري**
- الناشر: London: I.B.Tauris & Co Ltd
- عام النشر: 2014
- عدد الصفحات: 288
يقدم فرهاد دفتري في تاريخ الإسلام الشيعي أربعة تواريخ منفصلة لأربع فرق شيعية منذ نشأتهم الأولى وحتى يومنا هذا: الإمامية الاثنا عشرية، والإسماعيلية، والزيدية، والنصيرية. وهذا توسع جدير بالثناء في نطاقه مقارنة بالدراسات السابقة عليه. ومن بين الأعمال المرجعية المتاحة باللغة الإنجليزية، لا يتضمن كتاب الشيعة لهاينز هالم سوى معاجلة قصيرة للإسماعيلية، وخمس صفحات فقط عن الزيدية، وبالنسبة لكتاب موجان مؤمن، فيقتصر كتابه مقدمة للإسلام الشيعي تقريبا على الإمامية الاثني عشرية. إن مساعي دفتري الجديرة بالترحيب لتقديم صورة أشمل، هي شهادة مشجعة على التقدم المحرز في الدراسات الشيعية في السنوات الأخيرة. يتم عرض التواريخ الأربعة بطريقة قابلة للقراءة بدقة للقراء غير المتخصصين، بدون علامات التشكيل، ومع مناقشة المصادر الموضوعة بالكامل تقريبا في الهوامش. والواقع أن السرد نفسه يُشكل أقل من ثلثي النص، والباقي هو ملاحظات، وببليوغرافيا مذهلة للموضوع ومسرد للمصطلحات الرئيسية. والنتيجة هي مقدمة سليمة تماما لهذا الموضوع.
يبدأ الكتاب بدراسة مطولة للدراسات الشيعية في أوروبا. هذه المقدمة التتبعية لحالة هذا الحقل المدروس مفعمة بالحيوية، حيث ترجع بتاريخ دراسة الشيعة إلى زمن الحملة الصليبية الأولى. هذا التأريخ، بطبيعة الحال، لا يخلو من التعريج على التلون الشيعي، إذ كان الصليبيون هم من نقلوا “أساطير الحشاشين” لأول مرة بين الأوروبيين، والتي تشكل إلى حد ما أول لقاء بينهم وبين الشيعة في أوروبا الغربية، وإن كان لقاء مشوشا إلى حد ما. من الطبيعي أن تكثف هذه المناقشة كتابات دفتري الخاصة حول هذا الموضوع، وتعمل بشكل رئيسي على دحض أي فكرة تؤيد أن هذه الأوهام الصليبية قد تشكل حقيقة واقعة. ما يثير الفضول هو أن المناقشة القريبة لدراسات القرن التاسع عشر خالية تماما من النقد. وفي حين أن دي ساسي وأمثاله يشكلون بلا شك قيمة أكاديمية كبيرة عند مقارنة بماركو بولو، فقد أصبح من المعتاد في الآونة الأخيرة رفع المعايير إلى حد ما، وتقييم دفتري الإيجابي لعصر الاستشراق -بعد أن انتقد الصليبيين- يبدو غريبا إلى حد ما.
يبدأ الكتاب بنبذة عن القرنين الأولين في الإسلام والتطورات التي سبقت ظهور فِرق الشيعة المختلفة، والتي سيتحدث عنها في الفصول اللاحقة. بدءا بوفاة النبي، يؤخذ القارئ بأناقة منذ البروز المبكر لشخصيات مثل المختار من خلال الأحداث المحورية للثورة العباسية وما تلاها من أحداث إلى حياة محمد الباقر وجعفر الصادق. وترد التطورات الفكرية الهامة، مثل ظهور المعتقدات المسيانية (انتظار المهدي) بين بعض الشيعة، مع التقدم في الأحداث، مقدِّمة للقارئ مفهومها وسياقها التاريخي التي ظهرت فيه. ولعل الإسلام الشيعي يرمز إلى حقيقة أن مثل هذا السرد يجب أن يكون حتما موضع خلاف كبير، ولا شك أن طريقة دفتري للإبقاء على تدفق روايته من خلال حذف النقاش المتعلق بالمصادر إلى حد كبير= قد تجعل سرديته النهائية من الاحداث معادية للبعض. ومع ذلك، ينبغي أن يكون القراء الذين يصعب التعامل معهم مسرورين بالهوامش، والسرد التوليفي الناتج عن ذلك هو مقدمة قوية لتلك الفترة للطلاب الذين يرغب الأساتذة في تجنيبهم المتاهة التأريخية التي يمكن أن يكون عليها الإسلام المبكر.
بعد استعراض المشهد، يبدأ دفتري بأول فرقه الأربعة، الإمامية الاثني عشرية. سرده في الأساس ينطلق من التاريخ الرسمي للإمامية الاثني عشرية، متسلسلاً عبر المحطات الرئيسية مثل البداية المضطربة لعصر الغيبة، والصراع بين التقليديين والعقلانيين في عهد البويهيين، ومدرسة الحلة، وتوسع سيطرة المراجع الدينية في ظل الصفويين، والثورة الإيرانية. يعزز هذا الفصل بمناقشة نفوذ الاثني عشرية في شبه القارة الهندية، لكنه لا يزال يركز على بلاد فارس والمناطق المحيطة بها، ويرسم مسار معين للتشيع في الأماكن التي حدثت فيها تطورات فكرية ذات صلة بها. في الواقع، في القرن السابع/الثالث عشر، سبق تحذيرنا من أن أفكار العلامة الحلي المتعلقة بالسلطة القضائية سوف تبلغ ذروتها في جمهورية إيران الإسلامية.
ولا ينبغي أن يكون هذا المسار مشكلة، ولا شك أنه يتوافق مع عدد ليس بالقليل من المناهج الدراسية القائمة. ومع ذلك، فإن هذا الشكل من السرد الذي يقدمه دفتري له عيوبه، لا سيما في المفارقات التاريخية الخطيرة التي تُشكل على تاريخه للتطورات الأولى للاثني عشرية. كتاب الكافي للكليني، على سبيل المثال، ليس أقدم كتاب حديث للإمامية، وكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، ليس الكتاب الرئيسي الثاني، ونادرا ما يعتبر كتابا تهذيب الأحكام والاستبصار أهم عملين لمحمد بن الحسن الطوسي. وهذه الكتب تعد الآن “الكتب الأربعة” للحديث الاثني عشري، إلا أنها لم تكتسب هذه الرمزية إلا بعد قرون.
إن الفصل المتعلق بتاريخ الإسماعيليين مستمد بالطبع من مراوغة دفتري الهائلة حول هذا الموضوع، بحيث يقدم مختصراً عن كتابه الآخر “الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم“. ولذلك فإن المطلعين على هذه الأعمال لن يُفاجأوا، على الرغم من الاحتفاظ بمجموعة كاملة من المصادر الأولية في المراجع. يبدأ دفتري بتحديد المراحل المتميزة لتاريخ الإسماعيليين التي يجب معالجتها، ويوجه القارئ من البدايات الغامضة لهذه الفرقة مروراً بالفاطميين وقلعة آلموت حتى العصر الحديث، ويسرد بشكل منفصل تاريخ الفرعين الرئيسيين، وهما المستعلية والنزارية. ويبرز الفصل في الكتاب من خلال إشارته الثرية إلى التفاعلات مع الفكر غير الشيعي؛ ومن خلال ردود الغزالي على الباطنية، والعلاقات النزارية-السلجوقية، يراودنا إحساس كبير وذو قيمة بالإسماعيليين الذين يحاولون إيجاد مكان لهم في المجتمع الإسلامي الكبير.
الفصل الذي سعدت به، هو فصل الزيدية، الذين لا يزال تاريخهم كمجال للدراسة في مهده. يسعى دفتري إلى تقديم رواية موازية لروايتي الإسماعيلية والاثني عشرية، ويعتمد بشكل كبير على روايات المسلمين في العصور الوسطى حيث إنه لا تتوفر دراسات حديثة بشأنهم، فيروي تراث مختلف أئمة الزيدية في اليمن ومنطقة بحر قزوين. وفي الوقت نفسه، فإن اشتباكه مع دراسات التاريخ الفكري الزيدي التي ظهرت في السنوات الأخيرة يجعل من هذا الفصل مصدراً قيماً وخصوصاً للقارئ المبتدئ. وبشكل مستغرب، فإن مناقشته للعصور الحديثة للزيدية، والتي تكون مصادرها متوفرة بشكل كبير، مبتورة بشكل واضح بالمقارنة مع الفصول الأخرى. لقد أعطانا الكاتب سردية للزيدية المتسننة للشوكاني في القرن الثالث عشر/التاسع عشر، ولكن معالجته لأحداث ما يقرب من مائتي عام من التاريخ الحديث جاءت في بضعة أسطر فقط.
الفصل الأخير، الذي يناقش النصيرية، هو أيضا الأقصر وربما الأكثر إثارة للحيرة. إن اختيار دفتري لهذا القسم الرابع من الشيعة كنقاش مميز منفصل، من المفترض أن الدافع وراءه هو اعتبار أن النصيرية تشكل رابع أكثر فرق الشيعة تأثيرا في العالم الحديث، على الرغم من أن معرفة وجودها قبل هذا العصر محدودة للغاية. وبالطبع، فالمصادر المحدودة لمثل هذا التاريخ تدفع دفتري ليبدأ هذا الفصل بالإحالة إلى مقدمته التمهيدية عن حالة الدراسات الشيعية، وتقييم الدراسات النصيرية.
ومساهمته في هذا الفصل، مقسمة بين ومضات مضيئة قليلة في تاريخ الجماعة ووصف لمعتقداتها، على الأقل كما هي عندما كانت المصادر المتاحة المؤلفة، قوية وجذابة. على الرغم من هذا، فإن الفصل الأخير له تأثير سلبي على الكتاب ككل. هناك عبارة متكررة في هذا الفصل هي “مشابه للإسماعيليين”، مما يشير إلى العديد من أوجه التشابه العقائدية بين المجموعتين، ولا شك أنها مرتبطة بتفاعلاتهما التاريخية كما يشير دفتري. هذا، إضافة إلى اعتبار النصيرية كفرع من الأمامية، يجعل قرار وضع الفرقة في فصل منفصل على المحك، بدلا من استكشاف الفروقات بين الروايات الأربع التي يزودنا بها دفتري. في الواقع، العديد من النقاط الأكثر ثراء وجاذبية في كتاب دفتري تتعلق بمواضيع معينة، كدراسة شخصيات نصير الدين الطوسي وطاهر الحسيني، أو الاشتباكات بين الإسماعيليين والزيديين في جبال الديلمي، ولأن القصص متداخلة ومختلطة، ووضعها في بنية تحجب مثل هذا التداخل هي محاولة فاشلة.
ومن علامات المقدمة الجيدة ألَّا يأسى المرء على ما تُرِك وأُهمل فيها، ولا شك أن المزيد من المناقشة لما يتم تقاسمه وتبادله بين مختلف المجموعات ينتمي إلى حد كبير إلى هذه الفئة. ومع ذلك، فإن معاملة أكثر دقة لعناصر تاريخ الشيعي التي لا تتناسب مع مخطط دفتري الرباعي للتشيع لن تخطئ. وإذا كان وضع النصيرية في فصل خاص بهم يبدو مرجحا بشكل غريب بين المجموعات الشيعية الأخرى الأقل عدداً في التاريخ، فهذا بسبب وسم عدد كبير من هذه الجماعات، والنصيرية من ضمنها، بالغلاة. وفي غياب أي تعريف لهذا المصطلح، فإنه من غير المفيد الإشارة إليه كانحراف عن الدين الصحيح.
من الواضح أن هذا العمل يفضل أن يؤرخ للفرق الشيعية بدلا من التأملات الخطرة فيما يتعلق بجوهرها، وهذا لا ينبغي انتقاده. ولكن إذا كانت النتيجة هي فضاء مصطلحي يتشارك فيه القرامطة مع غيرهم بالألقاب، فيمكن العثور على إجابة واضحة في مناقشة وجود التشيع بين الروايات الأربعة التي يقدمها الكتاب: تراثها العريض، والغامض كما هو، حيث تحدث العديد من التبادلات والتحولات الرائعة التي تصفها هذه المقدمة.
* جورج وارنر: أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بوخوم بألمانيا.
** فرهاد دفتري: أستاذ الدراسات الدينية بمعهد الدراسات الإسماعيلية بلندن.