- نيكي ليزا كول
- ترجمة: ندى محمد
- تحرير: رمضان مشتهى
ولدت في عام 1802 في انجلترا. تُعد ’هارييت مارتينو’ من أوائل علماء الاجتماع، وخبيرة تعلمت النظرية الاقتصادية السياسية ذاتيًا، وكتبت بغزارة طوال حياتها المهنية حول العلاقة بين السياسة، الاقتصاد، الأخلاق والحياة الاجتماعية، كان عملها الفكري قائم على منظور أخلاقي قوي متأثرة بإيمانها الخالص (على الرغم من أنها ستصبح ملحدة لاحقًا)، كانت معارضة للاستعباد، وانتقدت بشدة عدم المساواة والظلم التي تواجهه الفتيات و النساء و العاملين الفقراء.
باعتبارها واحدة من أوائل الصحفيات في ذلك العصر، عملت أيضًا كمترجمة وكاتبة خطابات وروائية، دعت رواياتها الخيالية المُمتدة القُراءَ إلى التفكير في القضايا الاجتماعية المُلِحة في ذلك الوقت، اشتهرت بقدرتها الشديدة على تقديم الأفكار المعقدة بطريقة سهلة الفهم، حيث قدمت العديد من نظرياتها حول السياسة والاقتصاد والمجتمع في شكل قصص جذابة وسهلة المنال.
حياتها المبكرة:
ولدت ‘هارييت مارتينو‘ في (نورويتش) بانجلترا عام 1802، كانت الطفلة السادسة بين ثمانية أطفال ولدوا لاليزابيث رانكين و توماس مارتينو، كان ‘توماس‘ يعمل بقالًا و يمتلك مصنع للنسيج ومصنع للسكر؛ مما جعل الأسرة مستقرة مادياً وأكثر ثراءً من معظم العائلات البريطانية في ذلك الوقت.
منزل الطفولة لهارييت مارتينو كما هو موضح في كتاب (سيرة هارييت مارتينو الذاتية- المكتبة العامة / طبعة عام 1879م)، كانت عائلة مارتينو من أحفاد المسيحيين الفرنسيين الذين فروا من فرنسا الكاثوليكية إلى إنجلترا البروتستانتية، كانوا موحدين وغرسوا أهمية التعليم والتفكير النقدي في جميع أطفالهم، ومع ذلك كانت اليزابيث من أشهر المؤمنين بالأدوار التقليدية للجنسين، فبينما ذهب أولاد مارتينو للكلية، فتياته لم يذهبن وكان عليهن أن يتعلمن الأعمال المنزلية بدلا من ذلك، من المفترض أن يكون هذا أساس حياة ‘هارييت‘ التي خالفت كل التوقعات التقليدية عن الجنسين وكتبت على نطاق واسع عن عدم المساواة بين الجنسين.
حياتها الفكرية، تعلمها الذاتي وعملها:
كانت ‘مارتينو‘ قارئة نهمة منذ صغرها، وكانت مُلمِّة بمؤلفات توماس مالتوس عندما بلغت الخامسة عشر، وأصبحت بالفعل اقتصادية وسياسية في ذلك السن، كما ذكرت هي. ونشرت أول عمل مكتوب لها بعنوان “تعليم الإناث” عام 1821م كمؤلفة مجهولة، كان هذا العمل بمثابة نقد لتجربتها التعليمية الخاصة وكيف تم ايقاف هذه التجربة رسميًا عندما بلغت سن الرشد.
عندما فشل عمل والدها عام 1829م، قررت أن تُعيل أسرتها وأصبحت كاتبة، كتبت في(المخزون الشهري)، وهو منشور موحد، و نشرت أول مجلد لها “ايضاحات للاقتصاد السياسي” بتمويل من الناشر (تشارلز فوكس) عام 1832م، كانت هذه الايضاحات عبارة عن سلسلة شهرية استمرت لمدة عامين، انتقدت فيها مارتينو السياسة و الممارسات الاقتصادية في ذلك الوقت من خلال تقديم دلائل توضيحية لأفكار “مالتوس”، “جون ستيورات ميل”، “دايفيد ريتشاردو” و”آدم سميث”، تم تصميم هذه السلسلة لتكون بمثابة برنامج تعليمي للقراء عمومًا.
فازت ‘مارتينو‘ بجوائز لبعض مقالاتها، و كان عدد النسخ المُباعة من أعمالها أكثر من أعمال “ديكينز” في ذلك الوقت، ناقشت مارتينو موضوع (التعرفة الجمركية في المجتمع الأمريكي) وأنها أفادت الأغنياء وألحقت الضرر بالطبقات العاملة في كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كما دعت إلى إصلاح قانون الفقراء، الذي حوّل المساعدة للفقراء البريطانيين من التبرعات النقدية العاجلة إلى نموذج طويل المدى من الإصلاحات.
في سنواتها الأولى ككاتبة دعت إلى مبادئ اقتصاد السوق الحرة بما يتماشى مع فلسفة “ادم سميث”، وفي وقت لاحق من حياتها المهنية دعت الى اتخاذ إجراءات حكومية للقضاء على عدم المساواة والظلم، وذكرها البعض على أنها (مصلحة اجتماعية) بسبب إيمانها بالتطور التدريجي للمجتمع.
تخلّت مارتينو عن توحيدها وإيمانها عام 1831 م واعتمدت الموقف الفلسفي للتفكير الحر، الذي يسعى أتباعه الى الحقيقة بناءً على العقل و المنطق و التجربة، بدلًا من أوامر السلطات، التقاليد أو العقيدة الدينية، يتردد صدى هذا التحول مع تقديرها لـ: علم الاجتماع الواقعي للكاتب ” اوقست كومتي”، وإيمانها بالتقدم.
في عام 1832 انتقلت ‘مارتينو‘ إلى لندن، حيث اختلطت بكبار المفكرين والكُتاب البريطانيين، من ضمنهم ” مالتوس”، “ميل”، “جورج ايليوت”، “ايلازبيث باريت”، “براونينق”،” توماس كارلي”، من هناك واصلت كتابة سلسلتها السياسة الاقتصادية حتى عام 1834م.
رحلاتها داخل الولايات المتحدة الأمريكية:
عندما اكتملت السلسلة، سافرت ‘مارتينو‘ إلى الولايات المتحدة لدراسة “الاقتصاد السياسي الجديد و الهيكل الأخلاقي”، مثلما فعل “اليكس دي توكويفيل”، وأثناء تواجدها هناك تعرّفت على الكُتّاب المؤمنين بالفلسفة المتعالية، والمؤيدين للقضاء على العنصرية، وكذلك المنخرطين في تعليم الفتيات والنساء، نشرت لاحقًا (المجتمع في أمريكا، تأملات السفر للغرب، كيف تتقيد بالآداب والأخلاق). ويعد الأخير أول منشوراتها القائمة على الابحاث الاجتماعية، ولم تقتصر فيه على انتقاد حالة تعليم النساء، ولكن عبرت أيضًا عن دعمها لإلغاء العبودية لانعدام أخلاقيتها، وعدم كفاءتها الاقتصادية وتأثيرها على الطبقة العاملة في أمريكا وبريطانيا، بصفتها معارضة للعبودية، باعت ‘مارتينو‘ قطعًا مطرزة للتبرع للقضية، وعملت أيضًا كمراسلة إنجليزية للقاعدة الأمريكية لمكافحة العبودية حتى نهاية الحرب الأهلية الأمريكية.
مساهماتها في علم الاجتماع:
كانت مساهمة ‘مارتينو‘ الرئيسية في علم الاجتماع هي تأكيدها على أنه عند دراسة المجتمع على المرء التركيز على جميع جوانبه، و شدّدت على أهمية فحص المؤسسات السياسة، الدينية والاجتماعية من خلال دراسة المجتمع بهذه الطريقة شعرت بأنه يمكن للمرء ان يستنتج سبب وجود عدم المساواة لاسيما تلك التي تواجهها النساء، في كتاباتها قدمت منظور نسوي مبكر؛ للتأثير على قضايا مثل: العلاقات العرقية والحياة الدينية والزواج والأطفال والمنزل (هي نفسها لم تتزوج قط ولم تنجب اطفال).
غالبًا ما كان منظورها الاجتماعي النظري يركز على الموقف الأخلاقي للشعوب، وكيفية توافقه أو عدمه مع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، قاست ‘مارتينو‘ التقدم في المجتمع من خلال ثلاثة معايير هي:
1- أوضاع أولئك الذين لديهم أقل سلطة في المجتمع.
2- الآراء الشعبية للسلطة والاستقلالية.
3- الوصول إلى الموارد التي تسمح بالاستقلالية و العمل الأخلاقي.
فازت ‘ مارتينو ‘ بالعديد من الجوائز على كتاباتها، ورغم أنها كانت مثيرة للجدل إلا أنها مثالًا نادرًا للكاتبة الناجحة والشعبية في العصر الفكتوري، نشرت أكثر من (50) كتابًا و أكثر من (2000) مقال في حياتها. ترجمتُها إلى اللغة الإنجليزية و مراجعتها لـ: النص الاجتماعي التأسيسي لأوقست كوت لاقت استحسان القراء و استحسان ‘كوت‘ نفسه حتى أنه طلب ترجمة نسخة ‘مارتينو‘ من الإنجليزية إلى الفرنسية.
فترة المرض و تأثيرها على عملها:
بين عام 1839 وعام 1845 م لازمت ‘مارتينو‘ المنزل بسبب إصابتها بورم في الرحم. انتقلت إلى لندن باحثة عن مكان أكثر هدوءًا خلال فترة مرضها. واصلت الكتابة في هذه الفترة ولكن بسبب تجربتها الأخيرة تحول تركيزها إلى المواضيع الطبية. نشرت بعد ذلك ” الحياة في غرفة المرضى” الذي طعن في علاقة الهيمنة/الخضوع بين الأطباء ومرضاهم وانتقدت بشدة المؤسسة الطبية لقيامها بذلك.
رحلاتها إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط:
في عام 1846م استعادت ‘هارييت‘ صحتها وشرَعَت في جولة إلى مصر وفلسطين وسوريا ركّزت على الأفكار والعادات الدينية، ولاحظت أن العقيدة الدينية تزداد غموضًا مع تطورها استنتجت في عملها المكتوب القائم على هذه الرحلة “الحياة الشرقية بين الماضي والحاضر”..، تسببت الطبيعة الإلحادية لأعمالها المتأخرة بالإضافة الى تأييدها للتنويم المغناطسي، الذي آمنت بأنه عالجها من ورمها وأسقام أخرى عانت منها سببت انقسامات عميقة بينها وبعض من أصحابها.
سنواتها الأخيرة ووفاتها:
كان لمارتينو إسهامات في صحيفة “ديلي نيوز” في سنواتها الأخيرة وصحيفة “وستمنستر”، استمرت كناشطة سياسية، ودافعت عن حقوق المرأة في الخمسينات والستينات، أيّدت قانون ملكية النساء المتزوجات،.. والتنظيم القانوني للعملاء، وحق النساء في التصويت.
توفيت عام ( 1876 م) بالقرب من” امبليسايد” في بريطانيا، تم نشر سيرتها الذاتية عام 1877 م.
إرث هارييت مارتينو الفكري:
غالبا ما يتم التغاضي عن إسهامات مارتينو الساحقة في الفكر الاجتماعي، والالتفات إلى النظرية الاجتماعية الكلاسيكية، على الرغم من الإشادة بعملها على نطاق واسع في عصره، كما أن أعمالها سبقت أعمال” ايملي دوركيمي” و” ماكس ويبر”.
تأسست عام 1994 م “جماعة مارتينو” بواسطة الموحدين[1] في (ورويتش) وتم دعمه من كلية مانشستر، واوكسفورد في بريطانيا، يقيم هذا المجتمع مؤتمر سنوي على شرف هارييت، معظم أعمالها متاحة في القطاع العام، ومتاحه بشكل مجاني على ( the online library of liberty) والعديد من رسائلها متاحة للعامة عبر الأرشيف الوطني البريطاني.
[1] -التوحيدية هي حركة لاهوتية مسيحية دينية سميّت كذلك استنادًا إلى مفهومها بوحدانيّة الله حيث ترفض عقيدة التثليث. (المراجع)
المراجع:
- Illustrations of Taxation، 5 volumes، published by Charles Fox، 1832-4
- Illustrations of Political Economy، 9 volumes، published by Charles Fox،
- 1832-4
- Society in America، 3 volumes، Saunders and Otley، 1837
- Retrospect of Western Travel، Saunders and Otley، 1838
- How to Observe Morals and Manners، Charles Knights and Co.، 1838
- Deerbrook، London، 1839
- Life in the Sickroom، 1844
- Eastern Life، Present and Past، 3 volumes، Edward Moxon، 1848
- Household Education، 1848
- The Positive Philosophy of Auguste Comte، 2 volumes، 1853
- Harriet Martineau’s Autobiography، 2 volumes، posthumous publication، 1877