- بيتريم سوروكن
- ترجمة: د. عارف فضل
– الخطوط العريضة والتقدير
بغض النظر عن النقد اللاحق، فإن دراسة توينبي للتاريخ[1] هي واحدة من أهم أعمال التأليف التاريخي في هذا العصر. وعلى الرغم من أن العديد من الإصدارات لم تصدر بعد، إلا أن ستة مجلدات منشورة تعرض مزيجاً نادراً من تفكير فيلسوف ذي كفاءة فنية وتخصص تجريبي دقيق. ويتأكد هذا المزيج حين يتم عرضه مقابل معرفة مجدبة لطائش “مكتشف حقائق”، وكذلك مقابل رحلة رائعة لمتخصص غير كفء. ومن هنا تتضح أهمية أعمال توينبي بالنسبة للمؤرخين وفلاسفة التاريخ وعلماء الاجتماع والسياسة ولكل من يهتم بكيفية نشوء الحضارات ونموها وانتكاسها وانحلالها.
يبدأ السيد توينبي بفرضية مفادها أن المجال المناسب للدراسة التاريخية ليس وصفاً للأحداث الفردية المتجاورة في المكان أو الزمان ولا تاريخ الدول والهيئات السياسية أو للبشرية باعتبارها “وحدة”
بل إن “المجالات المفهومة للدراسة التاريخية” ….. هي المجتمعات التي لها امتداد أكبر، في كل من المكان والزمان، من الدول القومية أو دول المدن، أو أي مجتمع سياسي آخر ….. المجتمعات، وليس الدول، هي “الجزيئات الاجتماعية” التي يتعين على طلاب التاريخ التعامل معها [المرجع في أسفل الصفحة، ص45].
من خلال الجمع بين الخصائص الدينية والخصائص الإقليمية والخصائص السياسية بشكل جزئي، يتعامل توينبي مع “الحضارة” على أنه الموضوع المناسب للدراسة التاريخية، حيث تكون “الحضارة” هي “محيط المجتمع” (المرجع نفسه، ص 129 وما يليها). من بين هذه الحضارات، أخذ واحداً وعشرين نوعاً (وزادت لاحقاً إلى ست وعشرين) نوعاً “مرتبطاً وغير مرتبط” وهي: الغربية Western، واثنان من المسيحيين الأرثوذكس Orthodox Christian (في روسيا والشرق الأدنى)، والإيراني Iranic، والعربي Arabic، والهندوسي Hindu، واثنان من الشرق الأقصى، الهيلينية Hellenic، والسريانية Syriac، والهندية Indic ، والصينية Sinic ، والمينوية Minoan، والسومرية Sumeric، والحثية Hittite ، والبابلية Babylonic، والأنديزية Andean، والمكسيكية Mexic ، ويوكاتيك Yucatec، والمايا Mayan، والمصرية Egyptiac ، بالإضافة إلى خمس “حضارات مصادرة”: البولينيزية Polynesian، والإسكيمو Eskimo، والبدوية Nomadic والعثمانية Ottoman والإسبرطية Spartan (المرجع نفسه، ص 132 وما يليها، الفصل الخام ، ص1 وما يليها). مع وجود هذه الحضارات الست والعشرين التي استخلصها، يهاجم توينبي، أولاً، مشكلة نشأة الحضارة: لماذا تصبح بعض المجتمعات، مثل العديد من المجموعات البدائية، ثابتة في مرحلة مبكرة من وجودها ولا تظهر كحضارات كما تظهر مجتمعات أخرى تصل إلى مستوى الحضارة في نفس المدة؟
وكان جواب توينبي هو أن نشأة الحضارة لا ترجع إلى عامل العرق ولا إلى البيئة الجغرافية ولكن إلى مزيج محدد من شرطين: وجود أقلية مبدعة في مجتمع معين وبيئة ملائمة لغاية أو غير ملائمة للغاية. فالمجموعات التي توفرت لها هذه الظروف ظهرت كحضارات. والمجموعات التي لم تكن لديها بقيت على مستوى الحضارة الفرعية. وقد تمت صياغة آلية ولادة الحضارة في هذه الظروف كتفاعل بين التحدي والاستجابة. إن البيئة من النوع أعلاه تتحدى المجتمع باستمرار؛ وكذا المجتمع، من خلال الأقلية المبدعة، يستجيب بنجاح للتحدي ويعالج الحاجة. ويتبع ذلك تحدٍ جديد، وتتبعه استجابة جديدة بنجاح؛ وهكذا تستمر العملية بلا انقطاع.
في ظل هذه الظروف، لا يوجد مكان للراحة، فالمجتمع يتحرك طوال الوقت، وهذه الحركة تجلب المجتمع، عاجلاً أم آجلاً، إلى مستوى الحضارة.
وبدراسة للظروف التي ولدت فيها الحضارات الإحدى والعشرون، وجد توينبي أنها نشأت بالضبط في الظروف المذكورة أعلاه (نفس المرجع ، 183-338 ؛ المجلد الثاني، متفرقات).
المشكلة التالية في الدراسة هي لماذا وكيف، فمن أصل ست وعشرين حضارة، أجهضت أربع حضارات (المسيحية الغربية، والمسيحية في الشرق الأقصى، والاسكندنافية، والسريانية) وتحولت إلى فاشلة. وتم كبح خمس منها (البولينيزيين، الإسكيمو، البدوية، السبارتان، والعثمانية) أثناء نموهم في مرحلة مبكرة؛ بينما نمت الحضارات المتبقية “من خلال نخبة نقلتهم من التحدي إلى الاستجابة لمزيد من التحدي ومن التمايز من خلال التكامل إلى التمايز مرة أخرى؟” (III ، 128).
من الواضح أن الإجابة تعتمد على معنى النمو وأعراضه. ومن وجهة نظر توينبي، فإن نمو الحضارة ليس توسعاً جغرافياً للمجتمع وليس بسببه. وإذا كان هناك أي شيء، فإن التوسع الجغرافي للمجتمع يرتبط بشكل إيجابي بالتخلف والتفكك ولكن ليس بالنمو (III ، 128 ff.). وبالمثل، فإن نمو الحضارة لا يتكون من، ولا يرجع إلى التقدم التكنولوجي وإلى سيطرة المجتمع المتزايدة على البيئة المادية: “لا توجد علاقة بين التقدم في التقنية والتقدم في الحضارة” (III ، 74- 173). يتكون نمو الحضارة من “التقدم التدريجي والتراكمي الداخلي في تقرير المصير أو التعبير الذاتي” للحضارة؛ في تقدم تدريجي وتراكمي “أثيري etherialization” لقيم المجتمع وفي “تيسير الأجهزة والتقنية الحضارية” (III ، 128if. ، 182 ff.). وبالنظر من منظور العلاقة بين المجتمع الأفراد، فإن النمو هو إبداع مستمر ” انسحاب وعودة” الأقلية الكاريزمية في المجتمع في عملية الاستجابات الناجحة الدائمة لتحديات البيئة الجديدة دائماً (المرجع نفسه، 248 if.). الحضارة المتنامية هي وحدة. يتكون مجتمعها من أقلية مبدعة قامت الأغلبية بتقليدها وتتبعها بحرية – بروليتاريا المجتمع الداخلية وبروليتاريا خارجية لجيرانها البرابرة. في مثل هذا المجتمع لا يوجد صراع بين الأشقاء، ولا انقسامات حادة وسريعة. إنه جسم متضامن. تكشف الحضارة المتنامية عن إمكاناتها المهيمنة، والتي تختلف في الحضارات المختلفة: فهو جمالي في الحضارة الهيلينية؛ ديني في الهندية والهندوسية؛ ميكانيكي علمي في الغرب؛ وهكذا دواليك (III، 1928-390). وكمحصلة، تمثل عملية النمو تكامل تصاعدي وحق تقرير للمصير للحضارة المتنامية وتمايز بين الحضارات المختلفة في النمو. وهذا هو ما يمثل الحل لمشكلة نمو الحضارة.
مشكلة الدراسة الرئيسية الثالثة هي كيف ولماذا تنهار الحضارات وتتفكك وتذوب. إن من الواضح أن ذلك يتم لأنه من بين ست وعشرين نوعاً من الحضارات، “أربع فقط أجهضن من اللاتي ولدن على قيد الحياة”، و”ما لا يقل عن ست عشرة من هذه الست والعشرين ماتوا ودُفنوا حالياً” (المصريون، والأنديز، والصينيون، والمينويون، والسومريون، والمايا، والهنود، والحثيون، والسريانيون، واليونانيون، والبابليون، والمكسيكيون، والعرب، واليوكاتيك، والإسبرطيون، والعثمانيون). ومن بين الحضارات العشر المتبقية التي ما زالت تعيش، الحضارات البولينيزية والبدو وهي الآن في معاناتها الأخيرة، وسبع من كل الثمان حضارات الأخرى، بدرجات مختلفة، كلها مهددة إما بالفناء أو الاستيعاب من قبل حضارتنا الغربية. علاوة على ذلك، ما لا يقل عن ست من هذه الحضارات السبع …. تحمل علامات الانهيار والتفكك [4 ، 1-21[.
يشير توينبي إلى أن الانحدار لا يرجع إلى بعض الضرورات الكونية أو العوامل الجغرافية أو الانحطاط العرقي أو الاعتداءات الخارجية للأعداء، والتي هي -كقاعدة عامة- تعزز الحضارة المتنامية؛ كما أنها ليست ناجمة عن تراجع التقنية والتكنولوجيا، لأن “تدهور الحضارة دائماً هو السبب وانحدار التقنية هو النتيجة أو العَرَض” (4، 40).
الفرق الرئيسي بين عملية النمو والتفكك هو أنه في مرحلة النمو، تستجيب الحضارة بنجاح لسلسلة من التحديات الجديدة باستمرار، بينما في مرحلة التفكك تفشل في تقديم مثل هذه الاستجابة لتحدٍّ معين. فأثناء التفكك، تحاول هذه الحضارة الرد على التحديات مراراً وتكراراً، لكنها تفشل بشكل متكرر. في النمو، تختلف التحديات، وكذلك الاستجابات، في كل مرة؛ في حالة التفكك، تختلف الاستجابات، لكن التحدي يظل واضحاً كالشمس ولا يُزال. وهنا، يحكم المؤلف بأن الحضارات تموت بالانتحار وليس بالقتل (IV ، 120). عبر صياغة توينبي، يمكن تلخيص طبيعة انهيار الحضارات في ثلاث نقاط: فشل القوة الإبداعية لدى الأقلية، وسحب الاستجابة من جانب الأغلبية، وما يترتب على ذلك من فقدان للوحدة الاجتماعية في المجتمع ككل.
وبشكل جلي، تعمل هذه الوصفة على النحو التالي:
عندما تتدهور الأقلية المبدعة في تاريخ أي مجتمع وتتحول إلى مجرد أقلية مهيمنة تحاول الاحتفاظ بالقوة بمنصب لم تعد تستحقه، وهذا التغيير القاتل في شخصية العنصر الحاكم يستثير-من ناحية أخرى- انفصال البروليتاريا (الأغلبية) التي لم تعد معجبة بطريقة عفوية بالعنصر الحاكم وما عادت تقلده باستقلالية، والتي تثور ضد اختزالها إلى مرتبة “المستضعف” المقاوم أو (المظلوم الضعيف). هذه البروليتاريا، عندما تؤكد نفسها، تنقسم منذ البداية إلى قسمين مختلفين. هناك “بروليتاريا داخلية” (غالبية الأعضاء) و … “بروليتاريا خارجية” من البرابرة في الجانب الآخر والذين يقاومون الاتحاد بعنف مع المجتمع. ومن ثم فإن انهيار الحضارة يؤدي إلى نشوب حرب طبقية داخل الجسد الاجتماعي لمجتمع لم ينقسم ضد نفسه بسبب الانقسامات الشديدة والسريعة، ولم ينفصل عن جيرانه بفعل ثغرات واسعة لا يمكن تجاوزها طالما كانت في حالة نمو [IV ، 6].
تتكون مرحلة الانهيار من ثلاث مراحل فرعية: (أ) انهيار الحضارة، (ب) تفككها، (ج) انحلالها. وغالباً ما يكون التفكك والانحلال مفصولاً عن بعضه البعض بقرون، بل وآلاف السنين. على سبيل المثال، حدث انهيار الحضارة المصرية في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وانحلالها فقط في القرن الخامس بعد الميلاد. ولمدة ألفي عام بين الانهيار والانحلال، كانت موجودة في “حياة متحجرة في الموت”. وكذلك في حالة “متحجرة” مماثلة حتى الوقت الحاضر، استمرت حضارة الشرق الأقصى في الصين بعد انهيارها في القرن التاسع الميلادي، كما انقضت حوالي ألف وثمانمائة عام، على التوالي، بين نقاط التغيرات في تاريخ السومرية و الحضارات الهيلينية (IV ، ff62 وما يليها؛ V، ff2 وما يليها)؛ وغيرها من الأمثلة. مثل جذع شجرة متحجرة، يمكن لمثل هذا المجتمع المنهار أن يبقى في تلك المرحلة من الحياة في الموت لعدة قرون، بل لآلاف السنين. ومع ذلك، فإن مصير معظم الحضارات، إن لم يكن جميعها، يبدو أنه سيتفكك نهائياً عاجلاً أم آجلاً. أما بالنسبة للمجتمع الغربي، فعلى الرغم من ظهور كل أعراض الانهيار والتفكك، إلا أن المؤلف يبدو أنه غير ملتزم بنظريته. فهو لا يزال يترك أملاً لمعجزة، حيث يقول: “يمكننا -ويجب- أن نصلي حتى لا يتم رفض التأجيل الذي منحه الله لمجتمعنا إذا طلبنا ذلك مرة أخرى بروح محطمة وبقلب مكسور” (VI، 3921).
نظراً لأن هذه هي الطبيعة العامة لانحدار الحضارات، فقد تم تطوير تحليل أكثر تفصيلاً لتوحدها وأعراضها ومراحلها في المجلدات الرابع والخامس والسادس. يمكن هنا تلمس عدد قليل فقط من هذه المتماثلات. بينما في فترة النمو، تقدم الأقلية المبدعة سلسلة من الاستجابات الناجحة للتحديات الجديدة،، لكنها تفشل في القيام بذلك في فترة التفكك. وبدلاً من ذلك، في سكرة النصر، تبدأ في “الاستناد على مجداف واحد” ، و”تمجيد” القيم الخاصة على أنها مطلقة؛ تفقد جاذبيتها الملفتة ولا تقلدها أو تتبعها الأغلبية. لذلك، يصبح عليها أن تستخدم القوة أكثر فأكثر للسيطرة على البروليتاريا الداخلية والخارجية. وفي هذه العملية تسعى لخلق “دولة عالمية”، مثل الإمبراطورية الرومانية التي أنشأتها الأقلية الهيلينية المهيمنة، كوسيلة للحفاظ على نفسها والحضارة على قيد الحياة؛ تدخل في الحروب؛ تصبح مستعبدة من قبل المنظومات المستعصية؛ وتفعّل بنفسها خراب حضارتها.
“البروليتاريا الداخلية” تنفصل في هذه المرحلة عن الأقلية. حيث تصبح غير راضية وساخطة؛ وغالباً ما تنشئ “كنيسة عالمية”- على سبيل المثال، المسيحية أو البوذية – كعقيدة ومنظمة خاصة بها. وفي حين أن “الدولة العالمية” للأقلية المهيمنة محكوم عليها بالفشل، فإن الكنيسة العالمية للبروليتاريا الداخلية (المسيحية على سبيل المثال) تعمل كجسر وأساس لحضارة جديدة “مرئية” من ومرتبطة بالحضارة القديمة.
حينها تنظم البروليتاريا الخارجية نفسها وتبدأ في مهاجمة الحضارة المتدهورة، بدلاً من الكفاح من أجل الاتحاد معها. وبهذه الطريقة يدخل الانقسام في جسد وروح الحضارة. ويؤدي إلى زيادة الفتن والحروب بين الأشقاء وهو ما يعمل على توسيع الدمار. يتجلى الانقسام في الروح في التغيير العميق في عقلية وسلوك أفراد المجتمع المتفكك. فهو يؤدي إلى ظهور أربعة أنواع من الشخصيات ويطلق عليهم “المنقذون أو المخلّصون”: الأثري، والمستقبلي (المنقذون بالسيف)، والمنفصل والرواقي غير المكترث، وأخيراً المنقذ الديني المتحول، المتجلي في عالم الله فائق الإحساس. وهنا يبدأ الإحساس بالانحراف والخطيئة بالنمو؛ ويصبح الخلط والتوفيق بين المعتقدات هو المسيطر. حيث يغزو الابتذال و”البروليتاريا” الفنونَ والعلومَ، والفلسفةَ واللغةَ، والدينَ والأخلاقَ، والعادات والمؤسسات.
ولكن دون جدوى. باستثناء تغيير المظهر، كل هذه الجهود و”المنقذون” لا توقف التفكك. ففي أفضل الأحوال يمكن أن تصبح الحضارة “متحجرة“؛ وفي هذا الشكل، يمكن أن تستمر “الحياة في الموت” لقرون وحتى آلاف السنين؛ ولكن انحلال هذه الحضارة -كقاعدة عامة- آتٍ بلا ريب. وهنا يتبين أن الطريقة المثمرة الوحيدة هي طريق التجلي، طريقة نقل الهدف والقيم إلى مملكة الله فائقة الإحساس. وهذا قد لا يوقف تفكك حضارة معينة، ولكنه قد يكون بمثابة بذرة لظهور وتطور حضارة تابعة جديدة؛ فمن خلال ذلك، تكون خطوة للأمام نحو السيرورة الأبدية للارتقاء بالإنسان إلى سوبرمان (الإنسان العظيم)، و”من مدينة الإنسان إلى مدينة الله”، كنقطة نهائية ختامية للإنسان والحضارة.
تختتم المجلدات بملاحظة شبه مروعة:
الهدف من التجلي هو أن تنير على أولئك الجالسين في الظلمة …. ويتم السعي وراءه من خلال البحث عن ملكوت الله من أجل إحياء حياته …. وهكذا فإن الهدف من التجلي هو ملكوت الله [VI ، 171].
وهكذا يتحول التاريخ البشري بأكمله أو العملية الحضارية الكلية إلى ثيودسي إبداعي Creative Theodicy: من خلال الحضارات المنفصلة وإيقاعاتها الموحدة، ولكن المختلفة بشكل ملموس، يكشف الواقع عن ثرائه ويؤدي من “دون الإنسان” و “دون الحضارة”، إلى الإنسان والحضارة، وأخيراً إلى الإنسان العظيم والحضارة الأثيريّة المتفوقة المتغيّرة Superman and Transfigured Etherial Super-Civilization إلى مملكة الله.
إن عمل روح الأرض، وهو يلوح ويرسم خيوطه على منوال الزمن، هو التاريخ الزمني للإنسان حيث يتجلى ذلك في جينات ونمو وانهيار وتفكك المجتمعات البشرية؛ وفي كل هذه الفوضى في الحياة …. يمكننا أن نسمع إيقاع عنصري …. من التحدي والاستجابة، والانسحاب والعودة، والانهزام والحشد، والتجلي والانتماء، والانقسام والتجمع. هذا الإيقاع الحيوي هو الإيقاع المتناوب بين (Yin وYang) ….. إن تدوير العجلة الدائم ليس تكراراً سدى إذا كانت تحمل، في كل ثورة، مركبة أقرب كثيراً إلى هدفها؛ وإذا كانت كلمة (إعادة التجمع palingenesia) تعني ولادة شيء جديد … فإن عجلة الوجود ليست مجرد أداة شيطانية لإحداث عذاب أبدي على Ixion اللعين. الموسيقى التي يدقها إيقاع (Yin & Yang) هي أغنية الوجود … لن يكون الإبداع مبدعاً إذا لم يبتلع في ذاته كل الأشياء في السماء والأرض، بما في ذلك نقيضه [VI، 324].
هذا هو الهيكل العام لفلسفة توينبي في التاريخ. وهو يكسوه بمجموعة غنية من الحقائق، والتحقق التجريبي، وعدد كبير من الافتراضات الفرعية. وقد تم اختبار الأطروحات الرئيسية، بالإضافة إلى الافتراضات الفرعية، بشق الأنفس من خلال التحقق التجريبي المعروف لتاريخ 21 حضارة تمت دراستها. وفي هذا الصدد، من المحتمل أن تكون نظرية توينبي، التي تم تصورها وتنفيذها على غاية سامية، موثقة بشكل كامل أكثر من معظم فلسفات التاريخ الحالية. وإجمالاً، فالعمل ككل هو مساهمة حقيقية في مجال التوليف التاريخي.
– النقد
إذا ما سألنا الآن عن مدى صحة المخطط العام لنظرية توينبي بالإضافة إلى عدد من مقترحاته الثانوية عن صعود وانحدار الحضارات، فإن الوضع يختلف. فعلى الرغم مع الفضائل التي لا جدال فيها، إلا أن العمل به عيوب خطيرة للغاية. ومن بين العيوب غير الأساسية وغير الضرورية، يمكن ذكر ما يلي: أولاً، إن العمل الذي قام به توينبي ضخم للغاية ويمكن/اختصاره دون أن يفقد أي شيء من وضوح نظريته واكتمالها. ثم إن الميل الواضح للمؤلف للاقتباس بكثرة من الكتاب المقدس والأساطير والشعر – لاستخدام الصور الشعرية والرمزية الوفيرة – مسؤول جزئياً عن هذا العيب الجزئي.
ثانياً، على الرغم من سعة اطلاعه المذهلة، يُهمل المؤلف إما جهلاً أو تعمّداً العديد من الأعمال الاجتماعية المهمة التي تتعامل بشكل أساسي مع المشكلات التي يواجهها توينبي أكثر من الأعمال الأخرى المقتبسة. حيث لم يتم ذكر أسماء Tarde أو Durkheim أو Max Weber أو Pareto أو أي عالم اجتماع ممارس. ومن عواقب هذا الإهمال أن على توينبي أن يكتب عشرات ومئات الصفحات عن الأسئلة التي في الأصل قد تمت دراستها في مثل هذه الأعمال بشكل أكثر شمولاً وأفضل مما يفعل توينبي. على سبيل المثال، يُعدّ التقليد أو العرف أحد النقاط الأساسية في نظريته التي كرّس لها العديد من الصفحات. وهنا فالقارئ الذي يعرف قوانين التقليد لـ Tarde ، ناهيك عن العديد من أعمال العلماء اللاحقة، لا يحصل من تحليل توينبي على أي شيء جديد. بل أكثر من ذلك؛ فهناك العديد من الأخطاء في نظرية توينبي عن المحاكاة ووحدتها والتي كان من الممكن تجنبها لو أنه درس بعض الأعمال الأساسية في هذا المجال. وبالمثل، فقد خصّص عدة مئات من الصفحات – في المجلدين الأول والثاني – للتحقيق في تأثير العرق والبيئة الجغرافية على المجتمعات والحضارة. ومع ذلك، فهو لا يضيف شيئاً جديداً إلى المعرفة الموجودة في هذا المجال. وفوق ذلك، فقد فشل في رؤية نقاط الضعف الظاهرة في ادعاءات بعض النظريات البيئية والعرقية (مثل نظريات هنتنغتون Huntington) والتي يقبلها هو إلى حد كبير. وقد كان من الممكن أن يستفيد من التوصيف الموجز للاستنتاجات الموجودة في هذه المجالات في حصر نظريته في بضع صفحات فقط وتجنب العديد من المزالق التي وقع فيها. ويمكن تطبيق نفس النقد على العديد من المشاكل الأخرى. وعلى الرغم من سعة الاطلاع غير العادية للمؤلف، إلا أنها تبدو -إلى حد ما- وكأنها من منظور واحد وأنها غير كافية.
ثالثاً، معرفته بتاريخ الحضارات الست والعشرين التي تعامل معها غير متكافئة تماماً. فهو ممتاز في مجال الحضارة اليونانية (اليونانية الرومانية)، وهو أضعف بكثير في مجال الحضارات الأخرى.
رابعاً، يبدو أيضاً أن درايته بالمعرفة الموجودة في مجال ظواهر مثل الفن والفلسفة والعلوم والقانون وبعض الجوانب الأخرى التي يتعامل معها غير كافية: فالقليل -إن وجد- من إنتاجه يتم الاستشهاد به في هذه المجالات، وتبدو استنتاجات المؤلف سطحية ومتسرعة.
خامساً، الأمر نفسه ينطبق على العديد من المجالات الأخرى التي يدلي فيها توينبي بتصريحات قاطعة. على سبيل المثال، يؤكد أن “شر الحرب في القرن الثامن عشر [تم تقليصه] إلى الحد الأدنى الذي لم يتم الاقتراب منه أبداً في …. تاريخنا الغربي، سواء من قبل أو من بعد، إلى حينه [IV، 143]. وفي واقع الأمر، تُظهر دراستنا المنهجية لحركة الحرب (انظر Social and cultural dynamics، المجلد الثالث) وهي تُقاس بعدد ضحايا الحرب أو بحجم الجيوش لكل مليون من السكان، على أنها كانت شاملة للقرون من القرن الثاني عشر إلى السادس عشر، وأن القرن التاسع عشر أقل عدوانية من القرن الثامن عشر. وفي المجلد الخامس، الصفحة 43 ، يبدو أنه هو نفسه يتنكر لبيانه السابق بالقول أن “حياة مجتمعنا الغربي كانت موبوءة بشكل خطير بوباء الحرب خلال القرون الأربعة الماضية مقارنة بأي عصر سابق”. وكمثال آخر: فهو يؤكد ذلك “الإحساس بالانحراف” كما يتجلى في الفلسفات الحتمية المختلفة وهذا ينمو مع عملية التفكك في كل الحضارات (V ، 422 وما يليها). إن الحركة الواقعية للمفاهيم الحتمية تختلف تماماً عنها في المفاهيم اللاحتمية وليس كما يدعي هو (انظر Dynamics, Vol. II, chap ix). مثال ثالث: يؤكد توينبي أنه في انتشار أو بروز ثقافة معينة، يتم اختراق الثقافة الأجنبية أولاً بواسطة العوامل الاقتصادية؛ ثانياً بالعوامل السياسية؛ ثم تأتي العناصر الثقافية في المرتبة الثالثة. وبهذه الطريقة، فإن ترتيب اتساق اختراق الثقافة الأجنبية يتم بواسطة عناصر محددة لنشر الحضارة (IV ، 57). وهذا التوحيد غير موجود في واقع الأمر. ففي بعض الحالات، تخترق العناصر الاقتصادية أولاً؛ وفي أخرى، الثقافية (انظر الأدلة في المجلد الرابع القادم من Vol. IV of my Dynamics).
يوجد في عمل توينبي العديد من الأخطاء الفادحة والوصف المبالغ فيه. ومع ذلك، في عمل بهذا الحجم الهائل مثل دراسة التاريخ، فإن مثل هذه النواقص أمر لا مفر منه. ولا ينبغي للمرء أن يعتب عليهم. خاصةً إذا كان المخطط المفاهيمي الرئيسي للمؤلف صلباً، حينها يمكن بسهولة استبعاد أوجه القصور هذه باعتبارها غير ضرورية تماماً.
يحتوي عمل توينبي -للأسف- على عيبين أساسيين، لا يتعلقان بالتفاصيل بل بقلب وروح فلسفة التاريخ. يتعلقان أولاً بـ “الحضارة” التي اتخذها توينبي كوحدة للدراسة التاريخية. وثانياً، بالمخطط المفاهيمي لتكوين الحضارات ونموها وانحطاطها وهو الموضوع الأساس لفلسفة توينبي للتاريخ. ولننظر إلى هذه الافتراضات عن كثب.
لا يعني توينبي بعبارة “الحضارة” مجرد “مجال دراسة تاريخية”، بل نظام موحد، أو الكل الذي كل جزء منه متصل ببعضه الآخر. لذلك، كما هو الحال في أي نظام سببي في “حضارته”، يجب أن تعتمد الأجزاء على بعضها البعض، وعلى الكل، والكل على أجزائه. ويصرح بشكل قاطع مراراً وتكراراً أن الحضارات هي عبارة عن كليات يتحد بعضها مع البعض الآخر ويؤثر الكل في بعضه البعض بشكل متبادل. ومن سمات الحضارات في طور النمو أن يتم تنسيق جميع جوانب وأنشطة حياتها الاجتماعية في كلٍ اجتماعي واحد، حيث العناصر الاقتصادية والسياسية والثقافية يتم الاحتفاظ بها في تكيف لطيف مع بعضها البعض من خلال الانسجام الداخلي للجسم الاجتماعي المتنامي. [III, 380, 152; see also I, 34 ff., 43 ff., 149 ff., 153 ff.].
وهكذا، مثل ما يسمى بعلم “الأنثروبولوجيا الوظيفية”، يفترض توينبي أن “حضاراته” هي نظام حقيقي وليست مجرد اختلافات أو تكتلات من مختلف الظواهر الثقافية (أو الحضارية) والأشياء المتجاورة في المكان أو الزمان ولكنها خالية من أي روابط سببية أو ذات مغزى. (انظر تحليل النظم الاجتماعية والثقافية والتضاريس في Social and cultural dynamics, Vol. I, chap. i; ؛ نظرية موضحة للأنظمة الاجتماعية الثقافية ترد في المجلد الرابع Vol. IV, of the Dynamics). إن كانت الحضارات أنظمة حقيقية، فهذا يعني كما هو الحال في أي نظام سببي، يجب أن نتوقع أنه عندما يتغير أحد مكوناته المهمة، تتغير بقية المكونات أيضاً، لأنه إذا كان A و B مرتبطين سببياً، فإن تغيير A يتبعه التغيير في B بطريقة محددة وموحدة. وإلا، فإن A و B مجرد تجمعات وليسا شريكين في النظام السببي. فهل افتراض توينبي هذا صحيح؟ أخشى أن الأمر ليس كذلك؛ فـ “حضاراته” ليست أنظمة موحدة ولكنها مجرد تكتلات لأشياء وظواهر حضارية مختلفة (تجمعات أنظمة وسمات ثقافية فردية) وما يوحدها فقط خصوصية التقارب ولكن ليست روابط سببية أو دلالات كاملة. لهذا السبب، فهي ليست “أنماط مجتمع” حقيقية؛ لذا، بالكاد يمكن معاملتهم كوحدات ولا يكاد يكون لديهم أي اتساق في الجينات والنمو والانحدار. وهذه المفاهيم لا يمكن -حتى- تطبيقها على التجمعات، لأن التجمعات لا تنمو ولا يمكن أن تنمو أو تغيض. مثل مكونات مكان الغمر (الإغراق)، لا يمكن إعادة ترتيبها أو الإضافة إليها أو الاقتطاع منها؛ لكن لا يمكننا الحديث عن نمو أو تدهور “مكان الغمر الحضاري” أو مجرد عن أي تكتل مكاني للأشياء والأحداث. وهذا التشخيص لـ “الحضارات” أكده بشكل علني توينبي بنفسه. حيث يشير في العديد من مواضع بحوثه -على سبيل المثال- إلى أن التقنية والحياة الاقتصادية للحضارة غالباً ما تتغير بينما لا تتغير بقية الحضارة؛ وفي حالات ثانية، تتغير بقية الحضارة بينما تظل التقنية ثابتة؛ وفي مواضع أخرى، تتغير التقنية بطريقة واحدة بينما تتحرك بقية الحضارة في الاتجاه المعاكس (IV ، 40ff. ؛ II ؛ 154if. ، etpassim). فإذا كان لدينا A و B حيث تغيير أحد المتغيرات لا يتبعه تغيير الآخر، أو عندما لا يظهر أي تغيير موحد، فهذا يعني أن A و B غير مرتبطين سببياً؛ لذلك فهي ليست مكونات من نفس النظام أو أجزاء من نفس الكل. يوضح توينبي نفسه -ويبرهن بشكل جيد- أن عنصرين من مكونات حضارته (التقنية والاقتصاد) غير مرتبطين سببياً ببقية “الكل”. وهكذا تتحول “حضارته” بأكملها – إلى مجرد تجمعات مكانية. وكذلك في أماكن أخرى من بحوثه، قدم العديد من الحالات التي يكون فيها العنصر الديني أو الفني أو السياسي لحضارته بأكملها – يبدو أن كل منها متغير مستقل لا علاقة له بباقي “الكل” المزعوم. وبهذه الطريقة يتنصل توينبي نفسه من افتراضه الأساسي أن “حضاراته” هي “كلٌّ تترابط أجزاؤه معاً”.
في الواقع، من السهل أن يُظهر – ويُظهر بشكل مقنع – أن أيّاً من حضاراته ليست “كُلاً” أو نظاماً على الإطلاق، ولكنها مجرد تعايش لعدد هائل من الأنظمة والتجمعات الموجودة جنباً إلى جنب وليست متحدة إما بعلاقة سببية أو ذات مغزى أو بأي روابط أخرى (ضرورية لأي نظام حقيقي) باستثناء أن تكون مجرد تواصل في المكان والزمان. ومثل هذا التواصل أو مجرد الجوار المكاني لا يصنع من “كتاب + حذاء مهترئ + زجاجة خمر” ملقاة جنباً إلى جنب أي وحدة، كاملة، أو نظام. بل تبقى هذه تجمعات، ليس إلا. وهي ليست بالتأكيد حضارة كلية لمثل هذه “المناطق الثقافية” الهائلة مثل اليونانية الرومانية، أو الصينية، أو أي حضارة أخرى من حضاراته، وليست كلاً أو نظاماً واحداً، ولكن الحضارة الكلية حتى لأصغر منطقة حضارية ممكنة – تلك التي حتى من فرد واحد – ما هي إلا تعايش بين عدة أنظمة وتجمعات لا علاقة لها ببعضها البعض بأي شكل من الأشكال باستثناء التقارب المكاني في كائن حيوي. ولنفترض أن هذا الفرد هو روماني كاثوليكي، جمهوري، أستاذ جامعي، يفضل الموسيقى الرومانسية على الكلاسيكية، والسكوتش على الجاودار، والشقراوات على السمراوات. الكاثوليكية الرومانية لا تتطلب، سببياً أو منطقياً، الحزب الجمهوري بدلاً من الحزب الديمقراطي أو أي حزب آخر؛ الحزب الجمهوري غير مرتبط منطقياً أو سببياً بالاستعمار المهني. هذا صحيح أيضاً مع تفضيل السكوتش على الجاودار، أو الموسيقى الرومانسية على الكلاسيكية. لدينا كاثوليكيون ليسوا جمهوريين، وجمهوريون ليسوا من الروم الكاثوليك، وأساتذة ليسوا كذلك، والعديد من المهن الأخرى من الكاثوليك أو الجمهوريين. ويفضل بعض الكاثوليك أو الجمهوريين أو الأساتذة السكوتش على الجاودار، والبعض الجاودار على السكوتش، والبعض الآخر لا يشرب الخمر، والبعض الآخر يفضل البيرة على النبيذ، نسبياً. وهذا يعني أن “الحضارة” الكلية لنفس الفرد ليست نظاماً موحداً واحداً، بل هي عبارة عن مجموعة من الأنظمة المختلفة والسمات “الحضارية” الفردية التي يوحدها فقط التقارب المكاني لنفس الكائن الحي البيولوجي. وهذا الكائن البيولوجي، باعتباره نظاماً حقيقياً، يتغير بيولوجياً ككل؛ لكن “حضارته” الكلية، كونها تجمعات، لا تتغير في التآزر، ولا يمكن أن تظهر “الحضارات الكلية” للعديد من الأفراد أي توحيد في تغييرهم. (انظر Dynamics ، المجلد الأول ، الفصل الأول. والمجلد القادم منه لتحليل منهجي لهذه المشكلة).
إذا لم تكن “الحضارة” الكلية للفرد نظاماً واحداً، فما زال النظام الواحد هو حضارة كلية لكتلة المدينة، أو المدينة الكلية، والأمة، و”المجتمعات المتحضرة” الأكبر حجماً. هذا يعني أن “حضارة” توينبي ليست “نوعاً” بل هي نوع من “مكان تجمعات كبير” حيث يتعايش، جنباً إلى جنب، عدد هائل من الأنظمة الاجتماعية والثقافية المختلفة التي لا يرتبط بعضها ببعض سواء بشكل سببي أو هادف: نظام الدولة، والأنظمة الدينية، والفن، والأخلاق، والفلسفة، والعلم، والاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا، والأنظمة والتجمعات الأخرى “ملقاة معاً” على مساحة شاسعة، ويقوم بها عدد كبير من الأفراد. لا يمكن للمرء أن يصمم كأنواع من نفس الجنس مجموعات مختلفة من التضاربات المتصادفة/العرضية: “حذاء – ساعة – زجاجة- “شحنة بريد مساء السبت – Saturday Evening Post” ، من هنا، ومن هناك “بنطلون – مشط – قصة محقق – صمام – وردة – سيارة”: ويظل أقل من أن يُتوقع اتساق البنية والتغيير في التكوين والنمو والانحدار لمثل هذه الأشكال المتباينة. فبعد أن أخذ على نحو خاطئ أشكال متضاربة من النظام، بدأ توينبي في معاملة حضاراته على أنها “أنواع من المجتمع” وأصبح يبحث باستبسال عن التماثلات في نشأتها ونموها وانحدارها. وبهذه الطريقة يرتكب الخطأ القاتل المتمثل في إقامة مبنى ضخم على أساس أقل استقراراً من الرمال كما يقول المثل.
وكل العيوب اللاحقة في نظريته تنبع من هذا “الأصل”. وقد تفاقم بسبب خطأ فادح آخر يرتكبه، أي بقبول المخطط المفاهيمي القديم من “فلوروس” إلى “شبنجلر”، وهو “التكوين – النمو – الانحدار”، كنمط موحد لتغيير الحضارات. ربما يكون هذا المفهوم هو الأسوأ بين جميع المخططات الحالية لتغيير الحضارات؛ وهو أمر فادح بشكل مضاعف بالنسبة لنظرية توينبي، وبالتأكيد، حين تكون حضاراته مجرد حضارات، لهذا السبب فقط لا يمكننا الحديث عن نشأة، ونمو، وانهيار، وتفكك، وانحلال هذه المتماثلات. لا تولد التماثلات (حية أو مجهضة) ولا يمكن أن تنمو أو تتفكك، لأنه لم يتم دمجها مطلقاً. وبشكل عام، فهذا المخطط المفاهيمي المشهور هو نظري بحت ولا يمثل نظرية عن كيفية تغير الظاهرة الاجتماعية والثقافية بل نظرية تقييمية للتقدم الاجتماعي والثقافي، أي كيف يجب أن تتغير الحضارات. وعليه فإن نظرية توينبي ليست نظرية تغيير حضاري بقدر ما هي نظرية تقييمية للتقدم أو التراجع الحضاري. وقد ظهر هذا بوضوح في معادلة توينبي؛ “النمو” و”التفكك”. إنها صيغ تقييمية للتقدم والتراجع ولكنها ليست صيغ التغيير.
من هاتين الخطيئتين تتبع كل التناقضات الواقعية والمنطقية لفلسفة توينبي في التاريخ. أولاً، تصنيفاته للحضارات. سيعترض العديد من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع بالتأكيد على ذلك باعتباره تصنيفاً تعسفياً، حيث لا يوجد تقسيم أساسي منطقي واضح. ويتم التعامل مع العديد من الحضارات المسيحية على أنها منفصلة ومختلفة، في حين أن تكتلاً من أنظمة مختلفة (دينية وأنظمة أخرى) متحد في حضارة واحدة. وتم قطع سبارتا بشكل تعسفي عن بقية الحضارة الهيلينية، في حين أن الحضارة الرومانية لا تنفصل عن اليونانية أو الهيلينية. والحضارات البولينيزية والإسكيمو أو “الحضارات المتأخرة” (يذكر توينبي، في جزء منها، أنها كانت حضارات حية؛ وفي جزء آخر، يدعي أنها بقيت على مستوى “الحضارة الفرعية” ولم تصل أبداً إلى حالة الحضارات) – تؤخذ كل منها على أنها حضارة منفصلة؛ بينما كل البدو من جميع القارات متحدون في حضارة واحدة، وهكذا.
ثانياً، الهجمة الجماعية لتوينبي على الحضارات بشكل جعل معظمها إما “مولوداً مجهَضاً” أو “موقوفاً” أو “متحجراً” أو “محطماً” أو “يتفكك” أو “ميتاً ومدفوناً”. فوفقاً لتوينبي، من بين ست وعشرين حضارة، واحدة فقط – الغربية – لا تزال على قيد الحياة في الوقت الحاضر، وجميع الأخريات إما ميتة أو نصف ميتة (“موقوفون”، “متحجرون، “متحللون”). فحسب المخطط المفترض، لابد للحضارات أن تتفكك وتتحلل وتموت، ويجب على المؤلف إما دفنها أو جعلها “مجهضة” أو “موقوفة” أو “متحجرة” أو على الأقل مفككة ومفتتة. وبما أن هذا هو مطلب المخطط، وبما أن توينبي ليس لديه أي معايير واضحة لماهية الموت أو الانهيار أو الاندماج أو تفكك الحضارة، فإنه يقوم -عن طيب خاطر- بدور متعهد الحضارات.
ثالثاً، باتباعه لمخططه بجرأة، لم يردعه حقيقة أن بعض حضاراته، وفقاً لمخططه، يجب أن تكون قد ماتت منذ زمن بعيد، وبعد انهيارها، عاشت قروناً، بل آلاف السنين، وهي لا تزال على قيد الحياة وإلى حد كبير جدا. وهو يتخلص من صعوبة هذا الوضع بوصف بسيط يطلقه على هذه الحضارات، “المتحجرة”. لذا فقد تحجرت الصين منذ آلاف السنين. ومصر نحواً من ألفي سنة. ولذلك فقد كانت الحضارة الهيلينية إما في تفكك أو تحجر بعد الحرب البيلوبونية حتى القرن الخامس الميلادي. ولم يكن التاريخ الروماني كله سوى تفكك مستمر من البداية إلى النهاية، وكذلك فعلت الحضارات الأخرى. ففي مخطط توينبي، الحضارات بالكاد لديها الوقت للعيش والنمو؛ هذا إذا لم تولد -في الأصل- مُجهضة. فمثلاً، يتم إيقاف بعض هذه الحضارات؛ فإن لم يتم إيقافها، فإنها تتعرض للانهيار على الفور تقريباً بعد ولادتها ثم تبدأ في التفكك أو تتحول إلى “جذع متحجر”. طبعا الولادة هي بداية الموت فلسفياً. لكن الباحث التجريبي عن حياة كائن حي أو حضارة يمكن ويجب أن يكون أقل فلسفية ويمكنه ويجب عليه دراسة سيرورة الحياة نفسها قبل حدوث الموت الحقيقي أو الشلل أو المرض العضال. وبالنسبة لمعظم الكائنات الحية وكذا الحضارات، هناك مسافة كبيرة بين النقاط النهائية للولادة والموت.
وهذا يعني أن توينبي يدرس القليل من الجزء الأكبر من وجود الحضارات ويغمر قروناً وآلاف السنين من وجودها ونشاطها وتغييرها في ميله ليكون “متعهد الحضارات”. ومن خلال هذا فأنا لا أنكر حقائق أي تفكك أو حتى انصهار أنظمة ثقافية أو حضارية أصلية. فمثل هذه الحقائق تحدث، ولكنها تحدث مع أنظمة حقيقية، وليس مع حضارات. ولا تحدث مباشرة بعد “ولادة” النظام ولكن في كثير من الأحيان بعد العمر الطويل والتغيير في بعض الأحيان إلى أجل غير مسمى. وفي واقع الأمر، لا تزال عناصر تجمعات حضارات توينبي موجودة، حتى تلك التي يعتبرها ميتة ومدفونة منذ زمن بعيد. عدد كبير من النظم الثقافية والسمات الثقافية المصرية أو البابلية أو الهيلينية بشكل خاص (الفلسفة والأخلاق والعمارة والنحت والأدب والفن وما إلى ذلك) حية إلى حد كبير كمكونات للثقافة الغربية المعاصرة أو الثقافات الأخرى. وهم على قيد الحياة ليس كأشياء في متحف ولكن كحقائق حية في ثقافاتنا وثقافات الآخرين.
رابعاً، ما سبق يفسر سبب وجود القليل من التحليل لمرحلة نمو الحضارات في عمل توينبي. حيث لا يوجد سوى عبارات غير محددة إلى حد ما تفيد بوجود أقلية مبدعة في تلك المرحلة تنجح في مواجهة التحدي بشكل كامل، وأنه لا توجد حرب طبقية، ولا حرب بين المجتمعات، وأن كل شيء يسير على ما يرام وأن كل شيء يتحرك ويصبح أكثر فأكثر “أثيري etherialized “. هذا هو كل ما يقال عن هذه مرحلة النمو. ومن الواضح أن هذا التوصيف لعملية نمو حضاراته الإحدى والعشرين خيالي في فضائلها “المثالية” وغيرها من الفضائل. وإذا كان علينا تصديق ذلك، فعلى ما يبدو يتعين علينا قبول ذلك في اليونان قبل 431-403 قبل الميلاد. (وفقاً لتوينبي، في انهيار الحضارة الهيلينية) لم تكن هناك حروب، ولا ثورات، ولا صراع طبقي، ولا عبودية، ولا تقليدية رافضة للتغيير، ولا أقلية غير مبدعة، وأن كل هذه “الآفات” ظهرت فقط بعد الحرب البيلوبونية. ومن ناحية أخرى، نتوقع، بعد ذلك الانهيار، توقف الإبداع في اليونان وروما، حيث لم يكن هناك أفلاطون، ولا أرسطو، ولا أبيقور، ولا زينو، ولا بوليبيوس، ولا آباء الكنيسة، ولا لوكريتيوس، ولا اكتشاف علمي – لا شيء خلاق. ولكن في واقع الأمر، كان الوضع الواقعي في جميع هذه النواحي مختلفاً جداً قبل الانهيار وبعده. فقد كانت مؤشرات الحرب لكل مليون من سكان اليونان تسعة وعشرين بالنسبة للقرن الخامس، وثمانية وأربعين للرابع، وثمانية عشر وثلاثة على التوالي، للقرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وكانت مؤشرات الاضطرابات الداخلية (الثورات) 149 و468 و320 و 259 و 36 على التوالي للقرون من السادس إلى الثاني قبل الميلاد إجمالاً. هذا يدل على أن الحركة الحقيقية للحروب والثورات في اليونان كانت مختلفة تماماً عما يخبرنا به توينبي. وينطبق الشيء نفسه على روما (انظر البيانات التفصيلية في Social and cultural dynamics ، المجلد الثالث). وبالمثل، بلغ الإبداع العلمي والفلسفي والديني ذروته في القرن الخامس وبعده أكثر مما كان عليه قبل ذلك الوقت (انظر أرقام الاكتشافات والاختراعات والأنظمة الفلسفية في Dynamics ، المجلد الثاني، الفصل الثالث، etpassim). أما فيما يتعلق بالحضارة الغربية، كما ذكرنا، فإن تشخيص توينبي غامض إلى حد ما. فهو يقول، في العديد من الأماكن، أنه تعرض بالفعل للانهيار وهو في طور التفكك؛ ويلتزم الصمت في أماكن أخرى. ومهما كان تشخيصه، فإن الحضارة الغربية قبل القرن الخامس عشر بالنسبة له في طور النمو. فإذا كان الأمر كذلك، وفقاً لمخططه، لم تكن هناك ثورات موجودة في أوروبا، ولا حروب خطيرة، ولا انقسامات طبقية قاسية وسريعة قبل ذلك القرن. وفي الواقع، يعتبر القرنان الثالث عشر والرابع عشر أكثر القرون ثورية حتى القرن العشرين في تاريخ أوروبا؛ وبالمثل، كانت العبودية والانقسامات الطبقية الأخرى صعبة وسريعة، وكان هناك العديد من الحروب – الصغيرة والكبيرة (انظر البيانات في المجلدين الثاني والثالث من Dynamics).
أخيراً، لا تظهر الحضارة الغربية في العصور الوسطى في فترة النمو العديد من سمات حضارات توينبي المتنامية ولكنها تعرض مجموعة من السمات التي تمثل خصائص حضارات توينبي المفككة. وينطبق الشيء نفسه على حضاراته الأخرى. هذا يعني أن توحيد نمو الحضارات وانحدارها لدى توينبي رائع إلى حد كبير ولكن لا تؤكده الحقائق.
خامساً، عدد كبير من التماثلات التي يدعيها توينبي فيما يتعلق بمخططه المفاهيمي إما أنها خاطئة أو مبالغ فيها – على سبيل المثال، انتظام العلاقة السلبية بين التوسع الجغرافي للحضارة ونموها؛ بين الحرب والنمو. بين تقدم التقنية والنمو. إن منح جزء من الحقيقة لعباراته، في نفس الوقت لهذه الصياغة القاطعة هي بالتأكيد خاطئة. إذا لم تنتشر حضارات توينبي الإحدى والعشرون على مناطق واسعة وعدد كبير من الأشخاص وظلت مجرد حضارة لقرية صغيرة سومرية أو يونانية أو مصرية أو عربية، فبالكاد يمكن أن تصبح “تاريخية” وبالتأكيد لن تلفت انتباه المؤرخين وتوينبي ولن تصبح إحدى حضاراته الإحدى والعشرين. وذلك لأن كل حضاراته عبارة عن مجمعات واسعة، منتشرة على مساحات شاسعة من الأراضي وعدد كبير من السكان. وهذه الحضارات لم تظهر مرة واحدة في مثل هذا الشكل الواسع؛ ولكن بالبدء بمساحة صغيرة توسعت (في عملية نموها) على مناطق وسكان أوسع وأكبر، ومن خلال ذلك أصبحت حضارات تاريخية. وإلا لما تم ملاحظتهم. وإذا كان ادعاء توينبي، كما فعل في أماكن قليلة، أن مثل هذا الانتشار في مناطق واسعة قد تم بسلام، دون حرب، من خلال الخضوع التلقائي لـ “البرابرة” بسبب سحر الحضارة المنتشرة، فإن مثل هذا البيان غير دقيق مرة أخرى. كل حضاراته الإحدى والعشرون في فترة نموها (وفقاً لمخطط توينبي) توسعت ليس فقط بشكل سلمي ولكن بالقوة والإكراه والحروب. ومن ناحية أخرى، فقد تقلص العديد منهم في فترة التفكك، بدلاً من التوسع، وكانوا أكثر هدوءاً مما كانوا عليه في فترات نمو توينبي.
سادساً، بعد سبنجلر، الذي يلقي بظلاله بشدة على المؤلف، ينسب توينبي اتجاهات مهيمنة مختلفة لكل حضارة من حضاراته: الجمالية إلى الهيلينية، والدينية للهند، والآلات التكنولوجية على الإطلاق للغربية (لا يعطي مزيداً من هذه الاتجاهات المهيمنة لكل من الحضارات الثمانية عشر المتبقية). مثل هذا الوصف الموجز هو مرة أخرى مشكوك فيه للغاية. لم تُظهر الحضارة الغربية صفتها المهيمنة المزعومة على الإطلاق حتى القرن الثالث عشر الميلادي تقريباً: من القرن السادس إلى نهاية القرن الثاني عشر، بلغت حركة الاختراعات التكنولوجية والاكتشافات العلمية نحو الصفر في هذه الحضارة التكنولوجية المزعومة بامتياز؛ ومن القرن السادس إلى القرن الثالث عشر، كانت هذه الحضارة الآلية دينية باستفاضة، بل كانت أكثر تديناً من حضارات إنديكور الهندوسية في فترات عديدة من تاريخهم (انظر البيانات المتعلقة بالاكتشافات والاختراعات التكنولوجية في كتابي Dynamics ، المجلد الثاني، الفصل الثالث). ولم تُظهر الحضارة الهلنستية الجمالية المفترضة ميلها الجمالي (حسب وصف توينبي) قبل القرن السادس قبل الميلاد. وعرضت الكثير من الدلائل العلمية والتكنولوجية الصاخبة في الفترة من 600 إلى 200 م (انظر الأشكال، المرجع نفسه، الفصل الثالث). كما وأظهرت الحضارة العربية (والتي لم يشدد توينبي على صفتها المهيمنة) ميلاً علمياً وتكنولوجياً هائلاً في القرون من الثامن إلى الثالث عشر – بل أكثر بكثير من الحضارة الغربية خلال هذه القرون (انظر البيانات، المرجع نفسه، الفصل iii). كل هذا يعني أن كتابة Spenglerian-Toynbee لبعض النزعة الدائمة المحددة لهذه الحضارة أو تلك، بغض النظر عن فترة تاريخها، مضلل وغير دقيق.
يمكن للمرء أن يستمر في هذا النقد لفترة طويلة. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من صياغات توينبي المرتبطة بمخططه المفاهيمي إما أنها غير دقيقة أو غير صالحة. ومع ذلك، فإن العديد من هذه العبارات، والتي أعيد صياغتها بشكل صحيح ووضعت في مخطط مفاهيمي مختلف تماماً للتغيير الحضاري، أصبحت صالحة وعميقة. فعلى سبيل المثال، معظم السمات التي ينسبها توينبي للحضارات في فترة نموها وجزئياً في فترة “التحجر” دقيقة بالنسبة لمرحلة الحضارة التي يسيطر عليها ما أسميه “النظام الفكري الفائق للثقافة” (وليس المجموع الكلي الذي تظهر فيه الثقافة). والعديد من خصائص فترة “تفكك” توينبي نموذجية لمرحلة حضارة يهيمن عليها ما أسميه “نظام الإحساس الفائق” (وليس الثقافة أو الحضارة الكاملة). والعديد من خصائص المرحلة الحادة لدى توينبي هي التنظيم وهي ليست سوى خصائص الفترة التي تنتقل فيها ثقافة معينة من سيطرة الأنظمة الفكرية الفائقة Ideational إلى أنظمة مثالية Idealistic أو مدركة بالحواس Sensate ، والعكس صحيح. فقد تحدث فترات التحول هذه عدة مرات في تاريخ هذه “الثقافة الكلية” أو “الحضارة” أو تلك. ومع ذلك، فهي ليست موتاً ولا “ترهيباً” ولا “اعتقالاً” ولكنها مجرد انتقال كبير من نظام فوقي إلى آخر. وبوضع هذا في مخطط، وبإعادة تفسيره، تصبح العديد من الصفحات والفصول من عمل توينبي متألقة، نافذة، وصالحة علمياً. وفي مثل هذا السياق، يكتسب مفهومه عن الشخصية الإبداعية للتاريخ البشري معنى أعمق. وبالمثل، فإن تشخيصه المضطرب للحالة الحالية للحضارة الغربية يصبح أكثر تحديداً وتقييداً؛ حيث أن حالة الحضارة لا تدخل طريق الموت بل الطريق المؤلم للانتقال العظيم من مرحلة الإحساس مفرط النضج إلى مرحلة “الأثير/العالم الآخر”. أو مرحلة روحية خيالية أو مثالية. بل تترجم إلى مصطلحات أكثر دقة للأنظمة الاجتماعية الثقافية الحقيقية والإيقاع العظيم للنظم الفائقة (المحسوسة – المثالية – الفكرية)، دراسة التاريخ هي العمل الأكثر تحفيزاً وتنويراً لمفكر وباحث متميز.
[1] A study of history. By ARNOLDJ. TOYNBEE. 6 vols.; Oxford University Press, 1934- 39. Vol. I, pp. 476; Vol. II, pp. 452; Vol. III, pp. 551; Vol. IV, pp. 656; Vol. V, pp. 712; Vol. VI, pp. 663.