- محمد علي فرح
- تحرير: محمود سيّد
لديّ طفلة عمرها ست سنوات ونصف، لديها قلة تركيز فقط دون فرط الحركة، فأعطيها (كونسرتا) 18 ملجم، حبةً واحدةً في أيام الأسبوع، وأُوقفها أيام الخميس والجمعة، علمًا بأني أعطيها (كونسرتا) بعد وجبة الغداء، وأُلاحظ عليها الهدوء المحزن طوال اليوم.
بهذه العبارات بدأت الأم سؤالها على أحد المنتديات.
تتشابه حالة تلك الأم وابنتها ذات الهدوء المُحزن العديد من أفراد مجتمعاتنا اليوم، ممن يبحث عن أي وسيلة للاستمرار.
لا يبدو لي أنّ نزع طفل من مشاعره الحرة هو أمر علمي أو طبي بأيّ صورة كانت، لا يحقّ لأحد التدخّل في حياة الطفل ونزع مشاعره منه ليبدو هادئًا ساكنًا بلا حركة لغرض الدراسة التي لم يُكلِّف الأهل أنفسهم عناء البحث وراء فعاليتها كمواد تُدرس وما فائدتها أو أهميتها على الإطلاق.
بينما يصف الطبيب للأم أنّ ابنتها لا ينبغي أن تتوقف عن استخدام الدواء، يُجادل الدكتور هيل الطبيب النفساني والمستشار للحكومة البريطانية أنه لا يمكن توصيف الأطفال بهذه الصورة السريعة التي تحدث بالمدارس دون تدخّل تربوي نفساني، ولا يمكن أن يكون التدخّل الدوائي كذلك بنفس تلك السرعة.
وتقول الدكتورة مارلين ويدج مؤلفة كتاب “مرض يُعرف باسم الطفولة” أن الأعداد التي تُشخّص بـ(ADHD) هي أعداد كثيرة جدًّا وزائدة عن الحدّ، وربما صارت الطفولة مرضًا يومًا مّا.
لكن ربما بسسبب الضغط المادي ومتطلّبات الحياة اليوم لم تعتبر الأم اعتباراتٍ غايةً بالأهمية مثل النطاق الضيّق الذي يعيش فيه الطفل ووجوب حركة الطفل وتحرّره لاكتشافه للعالم حوله وأنّ الحركة المُفرِطة بالنسبة للبالغين هي حركة طبيعية للطفل ولا يقوم بقياسها إلا المتخصّص الذي يتعامل مباشرة مع الأطفال مثل المدربين للرياضات والمتخصصين النفسانيين إلخ، وليس مجرد معلمة أو مربية تعلّمت -بشكل نادر- عددًا محدودًا من الدورات لكيفية التعامل مع الأطفال!
هل تشعر بالألم أو بالخوف؟! ….. لماذا لا تسيطر عليه؟! …لماذا لا تستمر؟!
كانت تلك الكلمات هي ملخص ما كُتب على موقع (wikiHow) وصف عقار (أديرال) للموظفين وربات البيوت، لم يكن مطلوبًا أن يشكو المريض -على حسب وصف علم النفس الحديث- من القلق وعدم الصبر أو التشتت أثناء أداء عمله، ولم يُلتفَت لحالته المادية ولا ما يتعرّض له من ضغوطات في حياته.
يبدو أنّ الأمر لا يتوقّف عند الأطفال الذين لا يستطيعون التحوّل إلى آلات بشرية للحفظ والتركيز والانتباه، لكنه طالَ الموظف والعامل والأم فيبدو أنّ كل أفراد المجتمع عليهم أن ينضبطوا أولًا في مهامهم قبل أيّ شيء آخر، ربما قبل شعورهم بالحرية أو حتى شعورهم بالحياة إن بقي منها شيء حيّ.
“إنّ الناس خائفون من أنفسهم، خائفون من واقعهم، وفوق كل ذلك خائفون من مشاعرهم.
إنكم تدَعون للمجتمع فرصة أن يُدمِّر واقعكم، عليكم أن تحاربوا من أجل حقّكم في الشعور بآلامكم الخاصة!”.
جيم موريسون
يبدو أنّ الخوف هو سمة هذا العصر، وهذا ما كان انتهى إليه العالم النفساني والسلوكي جون بي واطسون ووافقه على ذلك عدد من كبار معاهد الأبحاث في العالم خاصةً في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ أنّ الخوف هو المحرّك الأساس للجماهير، الألم هو الشعور الطبيعي الذي ينبُع من الخوف الذي دومًا ما دُفِع الإنسان بغريزته إلى الهروب منه أو حتى الوقوف لمواجهته، ولربما قامت الحروب لا بدافع القوة إنما بدافع الخوف الذي أنتج ألمًا بنفوس أصحابه.
ربما كان الخوف واضحًا معروفةً أسبابه، لكن ماذا لو كان الألم الذي نشعر به أو الخوف الذي يُلاحقنا لا تُعرَف أسبابه أو دُلِّس علينا حتى لا نشعر بالفاعل أو ندرك وجوده، أو ماذا إن كان الخوف الذي يدفعنا للهرب هو حياتنا ذاتها!
إنه الخوف من ضياع الوظيفة والخوف من عدم القدرة على سدّ الاحتياجات المادية، الخوف الذي يدفع الجميع إلى الهرب!
عالم جديد شجاع !
أجد نفسي مضطرًّا لاستدعاء أحد أهمّ الأفكار التي طرحها ألدوس هاكسلي[1] بروايته عالم جديد شجاع[2]، حيث قام هاكسلي بالتركيز على شكل تطوّر الفرد في المجتمع بالمستقبل، وقد اعتمد هاكسلي على عدد من المُعطيات العلمية التي لم تكن موجودةً في عصره، ربما يرجع ذلك إلى مكانة هاكسلي نفسه الذي كان نشأ على يد جده توماس هنري هكسلي المُلقب بـ(كلب داروين)، هذا الرجل الذي كانت له مكانة علمية متجاوزة، وكذلك جوليان هاكسلي الأخ الأكبر لألدوس الذي نُصِّب كأول رئيس لليونسكو.
على أيّ حال، لا يتسع المقال لمعرفة الأسباب التي دعت هاكسلي للتوصّل للمعطيات العلمية التي تحقق أغلبها إن لم يكن كلها في العصر الحديث والتي يُعَدّ من أهمها فكرة ملخصها أن الحكومات لا بدّ لها من إخضاع أفراد المجتمع عبر استخدام العقاقير المهدِّئة بطريقة غير مباشرة لفرض سيطرتها على المجتمع في المستقبل.
خلق هاكسلي في مخيلته عقار (سوما) باعتباره أحد أدوات الضبط المستخدمة في الدولة العالمية، عندما يتعاطى الفرد العقار يعرف أنه يستطيع الطيران لعالمه الخاص أو إلى عالم يريد أن يكون فيه، عالم تتوقف فيه مشاعر معيّنة كالشعور بالألم والخوف وكذلك بالزمان أو المكان، لا يعني ذلك أنه ينفصل تمامًا عن الزمان أو المكان إنما يصير الشعور نسبيًّا فيقلّ أو ينعدم شعوره بالملل ولا ينفد صبره.
هذا العقار يُشعرك أنّ كل شيء على ما يرام وربما أخذك بداخلك إلى مكان هادئ وجميل؛ حيث يمكنك أن ترتاح هناك قليلًا ثم تعود إلى أداء عملك ومُزاولة نشاطاتك الحياتية دون تذمّر!
لم يعُدْ على الناس أن يُقاوموا مشاكلهم الخاصة بالحياة، بل عليهم أن يستسلموا لمجريات الحياة بكل هدوء وسعادة مستخدمين ذلك العقار فحسبُ، فلم يكن لهذا العقار سوى مشكلة واحدة أو عرَض جانبي واحد وهو أن تقبّل متعاطيه للحياة بالكلية يكون قليلًا أو قل -إن شئت- زهيدًا.
لم يكن عقار (سوما) صعبًا للحصول عليه بل كانت الدولة توفّره لأفراد المجتمع، هكذا شأن العقاقير المهدئة بالولايات المتحدة الأمريكية إن كان الموصوف له مؤمَّن عليه بسبب وظيفته؛ ليس عليه سوى أن يُوصَف له عقار مّا ثم يُصرف له من المشفى من غير مقابل، حتى في العالم العربي من اليسير الوصول إلى المهدِّئات إن وُصِفت عبر طبيب معترَف به وأسعاره زهيدة، لكن دعنا نتذكّر أننا نُجاري أحداث رواية خيالية.
لم يكن أحد قادرًا على تجاوز اليوم المُعتاد في مجتمع هاكسلي بدون هذا المخدِّر، ومن كانت له هذه القدرة كان يُعَدّ غريبًا ولم يكن أحد يتصوّر أو يقدر على الاستغناء عنه.
عالم مُصمَّم مُخدَّر من الطفولة للتوظيف
يبدو أننا نقترب من حقبة سنكون فيها آلاتٍ بلا مشاعر، بدايةً من الطفل الذي يدرس انتهاءً بالعامل الذي يعمل لأربعة أيام مُتواصلة، فكلٌّ له عقاره المصمَّم لوجوده ما بين (الريتالين، المودافينيل، أو الأمفيتامين، أو البريجبالين) وما الفرق بينها و(الكوكايين) على سبيل المثال؟!
ربما الأولى صمّمتها الحكومات واستخرجت الملايين أو المليارات من عبيدهم؛ إنها ثورة اقتصادية للأسياد، أما الثاني فيمكن الحصول عليه من الطبيعة وضبط كمّيات استخدامه.
إنّ مجتمعاتنا تعتمد اليوم على المخدِّرات سواء في صورتها الشرعية أم غير الشرعية كـ(الترامادول) و(المفترات) كالحشيش[3]؛ لغرض واحد هو الاستمرارية بدون الشعور بالألم أو الخوف أو الإرهاق، مهما بدا الأمر مصنَّعًا أو مصمَّمًا من الشركات الكبرى المُحتكِرة لتجارة العقاقير المهدِّئة، ولكن إن كان الحل في قرص فلا بدّ أن يكون هو الحل.
هذا العقار مُصمَّم لينزع من الفرد مشاعر الألم والخوف كما يقضي على الإرهاق في آخر اليوم أو أثناءه ليستطيع الاستمرار.
فالناس في هذا المُجتمع يختارون ألّا يشعروا بالألم على أن يعترفوا بحقيقة حياتهم ومُعاناتهم وألم التعايش مع اعترافهم هذا، كبديل لهذه المشاعر يملأ الأفراد بهذا المجتمع حياتهم بأفعال غير سويّة وعقلانية ليتمكّنوا من الحصول في النهاية على عقارهم الذي يجعلهم سعداء.
يعتمد المرء على هذا العقار لتعديل مزاجه وإشعاره بالبهجة بدلًا من إعمال المنطق واستخدام عقله وتحليل مُعطيات هذا العالم ومعرفة الصواب من الخطأ واللازم من غير الضروري!
لماذا لا نتبنّى رؤية أنه لا توجد اضطرابات نفسانية أو دعنا نقل أنه توجد أمراض تُصيب النفس، لكن الداء ليس في النفس بقدر ما يمكن أن يكون الداء هو حياتنا نفسها، ربما لا تكون الحياة التي نعيشها طبيعيةً ليتمكّن أحد أن يصف شخصًا مّا بالمريض أو المُضطرب وآخر بأنه مُعافى.
هل تصوّرت يومًا أنّ شبابًا قد أضاعوا أعمارهم في دراسة موادّ تعبوا في حفظها وعانوا من اضطرابات في النوم والنفس من أجلها؛ ليجدوا أنفسهم بعد سنوات هي الأهمّ قد ضاعت من أعمارهم أمام وهمٍ كبيرٍ اسمه (الوظيفة) لا علاقة له بما درسوه في الغالب الأعمّ، وقبل أن تبدأ حياتهم التي يختارونها تنتهي عند حدّة نقاش ذويهم حول المصروفات والماديات، فيصدّهم مرةً أخرى جدارُ الواقع المُؤلم أنّ حياتهم مبنية على المادة مجردّة من المشاعر!
تتسارع الأحداث ليجدوا جُدران الحاجة المادية قد حبستهم فقط لتأمين الهواء الذي يتنفّسونه والطعام والشراب والإيجارات ومصاريف السكن ولا بدّ لهم من الاستسلام -في آخر الأمر- لوظيفة الزوج أو كليهما أو معاناة الزوجة للوحدة المصحوبة بالألم على ما ضاع ويضيع من عُمرها في تربية أبنائها لتدور عليهم نفس الدائرة.
إنّ الحث الدائم على السكن في مناطق معينة مُغلَقة على أصحابها معروفة باسم (الكومباوند) هو مدعاة للخوف من السكن خارجها، كما أنّ البطالة التي صارت ترتبط بالمِهَن الحِرَفية صارت سببًا للخوف، صار عدم التوظّف في وظيفة ثابتة لها تأمينات خاصة سببًا للخوف، وصار البقاء في هذه الوظيفة سببًا للخوف من الفصل من العمل أو الإيقاف المُفاجئ.
لماذا لم تجرب الذهاب للطبيب النفساني؟
ربما كان هناك أحد وراء ذلك الكرسي الذي جلس عليه سيجموند فرويد بعد أن قُدِّم باعتباره أول محلّل نفساني للجماهير إلى أن تطوّرت المجتمعات -ومعها علم النفس- إلى وجوب وجود متخصص نفساني في حياة الفرد في المجتمع، فمن الطبيعي أن يكون لكل زوجين طبيب نفساني، ثم لكل شاب طبيبه النفسي بالجامعة، ثم لم يَسلَم من ذلك الموظفُ على مكتبه وفي حياته، والمدرسُ في عمله وبيته، والعامل بالمصنع وخوفه على مستقبل أبنائه، وشعرَ غالبية أفراد المجتمع أنّ عليهم إيجاد حلّ للتخلّص من هذه المشاعر، ثم وجب وجود متخصّص نفسي للأطفال يُرشد الأهل ويُعلّمهم كيف يتحكّمون بأطفالهم وما الصواب وما الخطأ، وأصابَ الأمهاتِ هوسُ البحث عن كلمة (توحد، علة، خجل، لا اجتماعي، تخاطب).
ثم يُوصَف دواء أو عقار مّا، يُعرَف تجاريًا باسم (ريتالين)، أو (كونسرتا)، وللكبار منشِّط وهو (الأديرال)، وبعض البالغين يحتاج إلى مهِّدئ مادته الفعالة هي (البرازولام) واسمه التجاري (زانكس)، ومن عائلته (الفاليوم) يمكنه تهدئة بعض النسوة لتحمّل حياتهنّ، نعم هي عائلة (البنزو)، وعائلة المنشطات، و(الأمفيتامين)…!
المهم هو الوصول إلى طبيب نفساني يحسب عدد المُستشيرين له ليمكنه تحديد أيّ سيارة يستطيع دفع أقساطها وفي أيّ مكان بالساحل الشمالي يمكنه أن يقضي الصيف مع أولاده! وقليلٌ -ولا أعرف أين هم- من يتّقي ربه في علاج مرضاه، ولا أدري بالأصل مَن هو المريض وما هو المرض النفسي في هذا العصر؟!
تحليل نفساني أم أنماط جاهزة للتحليل؟
إنّ التحليل النفسي يقوم على التشخيص من قِبَل الطبيب غالبًا، فالطبيب لا يقوم بإجراء فحوصاتٍ تتعلّق بصورة الدماغ أو نشاط الجهاز العصبي أو غير ذلك من الوظائف المادية، إنما عليه -فحسبُ- أن يعتمد على عدد محدّد من الأنماط التي إذا ما وُجِدت كلها أو بعضها عند الحالة المُراد تشخيصها؛ فسرعان ما يصف الطبيب حالته بـ “س” من الأمراض أو الاضطرابات النفسانية.
القضية في الحقيقة هي لماذا لم يبدأ الطبيب من توصيف البيئة التي أنتجت تلك الحالات المُتشابهة، لماذا لم يُعمِل الطبيب عقله في أنّ ما تلقّاه من علوم هي علوم وضعيّة أو نحتَتْها الدولة أو وزارة الصحة العامة فيها؛ للتواؤم مع المجتمع، أو لماذا لم ينظر -بعين فاحصة- فيما إذا كانت أصول هذه العلوم صحيحةً أم لا، وهل سبق تلك الأصولَ علومٌ أخرى أم لا، وما الذي أنتجَ البيئة التي يُعاني مَن يعيش بها مِن تلك الأعراض؟
ربما تعرّض هؤلاء الأطباء إلى والتر ميتشل وجدالاته أو جوليان روتر ونظرياته، أو ربما انتبه بعضهم لأصول العلم منذ عام 1830، أو مرّوا بمحطة كارل يونج وجداله الصامت أو المعلن مع سيجموند فرويد وأين اتفقا أو اختلفا الخ، وبالطبع الجميع درس ما تلقّاه من تعليمه الخاص بالجامعة وربما طوّره وواكبَ الدراسات الحديثة.
لكن كم هو عدد الأطباء الذين تعرّضوا لمعنى النفس بالجمع بين الحضارات الهندية الشرقية والفلسفة اليونانية فيما حاور فيه أفلاطون وسقراط وأرسطو أنفسهم أو غيرهم أو فيما أنتجته العقول العربية الجاهلية أو الإسلامية الفلسفية أو الأصولية أو أيًّا كان المسمى الذي عالج وتناول معنى النفس وقدرتها وحمولتها وعلاقتها بالعقل أو الروح أو اتّحاداها مع أحدهما أو كليهما أو توحّدهما الخ…!
السؤال المراد هو ما الذي أعطى الحق للطبيب النفساني بالحكم على أطفالنا أو على أولئك العاملين البائسين في المصنع؟
ربما أكون مُبالغًا في شيء مما كتبته، لكن ما أتيقّن منه هو أنني أستدعي مُرغَمًا رواية هاكسلي (عالم جديد شجاع) كلما قرأت عن عقار مهدِّئ سواء بشكل مُحزن أم لا، وأكثر ما أذكره هو قول ألدوس هاكسلي: “قد يكون هذا العالم جحيمَ عالم آخر”، ربما يكون العالم الذي نعيشه هو جحيم العالم الطبيعي الذي خلقنا الله لنعيشه!
[1]– ألدوس هاكسلي: وُلد ألدوس ليونارد هكسلي في إنجلترا عام 1894، وظلّ حتى نهاية حياته لا ينأى عن الكتابة والتأليف ولا يفتر. وقد بدأ حياته الأدبية شاعرًا محتذيًا في ذلك حذو أكثر الكُتّاب المعاصرين له، نشر شعره أول الأمر في مجلة ويلز (Wheels)، ثم جمعه في ديوان عنوانه العجلة المُحترقة (The burning wheel)، نشره عام 1916، وفي هذه السنة عينها اشترك مع غيره من الأدباء في جمع ديوان شعر أكسفورد (oxford poetry)، وقد بقي شاعرًا طوال حياته، مخالفًا بذلك الكثيرين من أدباء عصره الذين انحرفوا من الشعر إلى النثر. يُعدّ الآن شاعرًا ثائرًا على إفراط نفوذ العلم في الحياة. وهو حفيد توماس هكسلي العالم الشهير الذي تلقّى عليه العلم هربرت جورج ويلز، وبين الحفيد وجدّه شبه كبير في الصورة والقَسمات.
[2]– عالم جديد شجاع: رواية (عالم شجاع جديد) كتبها ألدوس هاكسلي ونُشرت عام 1932، وصارت بعدها من أشهر قطع أدب الخيال العلمي، وأُهملت هذه الرواية في مقابل قرينتها لجورج أوريل (1984) التي كان صاحبها من تلامذة ألدوس هاكسلي، وقد لا يعرف كثيرون أنّ هاكسلي كتب خطابًا لجورج أوريل يعلّمه أنّ رواية (1984) هي رواية سادية ولا معقولة الأحداث بينما تُعدّ رواية (عالم شجاع جديد) “أشدّ جحيميةً” على حدّ تعبير هاكسلي.
[3]– قد لا يتصوّر المرء أن (النيكوتين) الذي يُوضع في السجائر -بالإضافة إلى مواد كيميائية أخرى- يُعتبر مخدِّرًا بل من أقوى أنواع المخدرات المهدّئة، والتي تصرفها الدولة مهما كانت آثارها قاتلة، ولم يطّلع أحد على تقرير خاص بالمخدرات سواء كان من منظمات مستقلة أم كان من إدارات مكافحة المخدرات العالمية والمحلية؛ إلا وكان (النيكوتين) متصدّرًا لقائمة المخدرات!
لايقتصر الأمر على العقاقير المهدئة بل في أغلب النشاطات يوجد عقار مّا، تعي الدولة جيدًا أنّ هذه العقاقير ممكنٌ الوصول إليها، تتعاطي تلك الشرائح المنضمّة هذه العقاقير مثل المنشطّات الهرمونية والذهنية التي يحصل عليها لاعبو الرياضات المختلفة والدارسون وربات البيوت والموظفون والعاملون؛ وذلك بسبب الاعتمادية النفسية التي استدعتها بيئة النشاط نفسه، والتي تجعل من العسير جدًّا على المتعاطي أن يعيش حياته بداخل أحد هذه المجالات بدون تلك العقاقير.