- د. جونيس ويب
- ترجمة: عفاف الحربي
- تحرير: تركي طوهري
- مراجعة: أروى الشاهين
“كونور” بعمر ستة أعوام
إنها السابعة صباحًا حيث يستعد كونور ذو الستة أعوام ليومه الأول في المدرسة بعد صيف ممتع، بينما يكافح كونور لارتداء جواربه كان جسده الصغير وخلده مثقلين بالأفكار والمشاعر.
“سوف ألتقي معلمتي الجديدة، ماذا لو كانت لئيمة! أو قامت بتوبيخي!، أنا متأكد أنها ستكون لطيفة، أتمنى أن تكون راتشيل في صفي… ماذا لو لم تكن!”.
بالإضافة إلى تلك المشاعر والأفكار المختلطة، أحس كونور بضجيج في صدره أشعره بالرغبة في الجري، جرى كونور باتجاه المطبخ ليحصل على عناق من والدته على أمل أن يُسكت ضجيج أفكاره ومشاعره، ومن زاوية المطبخ رأى كونور والدته وهي تحتضن أخاه الأصغر، نظرت إليه بلطف ثم أدارت عينيها لأخيه بين يديها، استشعر كونور شيئا ما في عيني والدته جعله يتوقف لوهلة، ثم استدار وذهب باتجاه غرفته بالطابق العلوي حيث يمكث وحيدًا بأفكاره ومشاعره والضجيجُ بداخله.
الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
يحدث الإهمال العاطفي عندما يفشل الأب والأم في ملاحظة مشاعر الطفل ثم لا يلبوا الاحتياجات العاطفية للطفل أثناء التربية.
في اللمحة الصغيرة التي أُخذت من حياة كونور أعلاه، آمل بأن تشعر ولو لحظةً كيف يشعر المرء عندما ينشأ مهملاً عاطفيًّا.
في هذه القصة قد تلاحظ بأن كونور لم يتعرض للإيذاء أو المعاملة السيئة، في الواقع من الممكن أنَّ لوالدة كونور أسبابًا وجيهة لعدم الاستجابة له بالطريقة التي يحتاجها في تلك اللحظة، قد تكون مرهقة من رعاية شقيقه الرضيع أو قد تشعر بالقلق على زوجها ومواردها المالية أو وظيفتها، بعد كل شيء إنها إنسانة لديها هموم وقضايا ومخاوف ومشاكل.
بالتأكيد هذه الحادثة الوحيدة لا تكفي لجعل كونور يكبر مع متلازمة الإهمال العاطفي في الطفولة، بالرغم من حدوثها. للوقوف على آثار الإهمال العاطفي الضارة يجب أن تتكرر حوادث مثل هذه في كثير من الأحيان بما يكفي لكونور حيث يتعلم عقله الطفولي الدروس المؤلمة من الإهمال العاطفي للطفولة.
ما يتعلمه الطفل من الإهمال العاطفي:
١- لا تظهر الكثير من المشاعر.
٢- لا تطلب الكثير من الدعم العاطفي أو السلوان.
٣- لا تظهر احتياجك.
٤- لا تتوقع الكثير من المساعدة.
٥- لا تعبر عن آرائك ولا تظهر شخصيتك.
“كونور” بعمر الستة عشر
يقود كونور وحده لأول مرة في حياته، ويعود إلى المنزل بعد اجتيازه اختبار القيادة، بينما يواجه كونور مسؤولية جديدة حيث يكون مسؤولاً عن سيارة، فإنه يشعر بإحساسٍ بالحرية والبهجة لم يعرفه من قبل.
بعد ذلك يبدأ كونور في التفكير في اللحظة التي سيخطو فيها باب المنزل، وكيف ستبدأ والدته بالاستفسار رغبة منها في معرفة تفاصيل الاختبار. كما يتخيل كونور هذه اللحظة السعيدة، يبدأ في إبعاد تلك المشاعر السعيدة والأفكار استعدادًا لتلك المحادثة.
وكما كان متوقعًا عندما خطا كونور خطوته الأولى عبر الباب بادرت والدته بالسؤال “هل اجتزت اختبار القيادة؟”
جلس كونور وبدأ في رواية قصة اختباره، أثناء روايته للقصة اعتقد كونور بأنه قد لمح بعض الفخر في عيني والدته وبناء على ذلك أحس بالفخر بنفسه. وقبل أن يبدأ كونور بإظهار ذلك الشعور، استبدله بشعورٍ بالخزي وأخفض رأسه للأسفل واستمر في الإجابة على استفسارات والدته بطريقة آلية، وبعد أن أتم كونور القصة هرب إلى غرفته طوال فترة الظهيرة.
في هذه اللمحة البسيطة من حياة كونور في فترة المراهقة، يبدو كونور كأي مراهق عادي، وغالبًا ما يكون المراهقون صامتين ومزاجيين ومنعزلين في غرفهم، ولكن ما يحدث مع كونور أكثر من ذلك بكثير.
وفي هذه اللحظة حيث يتعلم كونور الدروس الصعبة الناتجة عن إهماله عاطفيا، حيث إنه عندما كان طفلًا كانت لديه العديد من التجارب، لنأخذ تجربته عندما كان بعمر الستة أعوام كمثال.
لقد تعلم كونور في تلك الأثناء ألا يُظهر الكثير من المشاعر، لأن هناك فرصة ٧٠٪ على الأقل أن تأخذ تلك المشاعر مجرى آخر مع والدته، أو أن تجعلها غير مرتاحة. كل تلك الأوقات -حيث يتعرض كونور للرفض- مؤلمة للغاية، لدرجة أنها جعلته يتوقف عن اقتناص أي فرصة عاطفية، لأنها من الممكن أن تعرضه للأذى. أما الآن فأيًّا كان شعوره فهو يراه على خطأ ودليلا على الضعف.
أما الآن فإن طفل الأمس ومراهق اليوم -كونور- يعلم ما يجب عليه فعله وما لا يجب عليه فعله، فإنه قد كبُر ليصبح جيدًا في كليهما.
“كونور” بعمر السادسة والأربعين
“أنا هنا!” هكذا صاح كونور أثناء دخوله المنزل لزيارة والديه يتبعه طفلاه المراهقان، وبينما كان والديّ كونور يسيران باتجاه كونور وعائلته، أحس كونور بإحساس يتسلل بداخله.
في داخل كونور مُزجت مشاعر الملل والفراغ والرهبة، بالإضافة إلى شعوره بالحب والذنب في نفس الوقت، بدأ كونور بالتساؤل: كم من الوقت يجب عليهم المكوث لأداء واجبه بصفته ابنًا لهما؟ وتبعًا لذلك أحس بالذنب لأنه يفكر بتلك الطريقة تجاه والديه.
غالبًا ما يكبر الأطفال المهملون عاطفيًّا ويكوِّنون علاقات مؤلمة ومعقدة لا يمكن تفسيرها مع والديهم، وهذا بسبب أنه من الصعب أن ترى أو تتذكر كيف فشل والداك في الاستجابة لك وإعطائك ما تحتاجه، ونظرًا لقلة التواصل العاطفي معهم؛ فإنه حتى وإن كنت تعلم أنهم يحبونك فلا يمكنك أن تشعر بهذا الحب، وهذا ما يجعل تفاعلك مع والديك يشعرك بالوحدة والفراغ والإرهاق.
الدروس المؤلمة من الإهمال العاطفي في الطفولة:
الدروس التي يعلمنا إياها آباؤنا في الطفولة تصبح الدروس التي نطبقها على العالم الأوسع، لذلك فإن كل طفل يعاني من إهمال عاطفي بدرجة كافية؛ سيستمر في إخفاء مشاعره بعد أن يبلغ، مثل كونور، وأي فتاة تعرضت لإهمال عاطفي؛ ستفترض أن مشاعرها مصدر إزعاج ويجب أن تبقى طي الكتمان، سوف تمر بحياتها البالغة غير قادرة على الشعور بمشاعرها بالطريقة التي من المفترض أن تشعر بها. سوف تمر بحياتها البالغة وهي تشعر بأنها خارجة عن المألوف، وخارج المكان، ومنفصلة، ووحيدة، إلى أن تصبح الدروس المؤلمة من الإهمال العاطفي وأنت طفل دليلك اللاواعي للحياة وأنت بالغ.
لا تقلق، هناك أمل:
كما تعلم كونور كيفية إخفاء وإنكار مشاعره وإظهار احتياجات قليلة، فإنه بإمكانه تعلم العكس في أي وقت من حياته.
إن الدروس المؤلمة من الإهمال العاطفي للطفولة قابلة للعكس، ويمكن الشفاء التام من الضرر الذي تسببت فيه، وكطفل مُهمَل عاطفيًّا يمكنك تحدي تلك الدروس، والبدء في الشعور ومشاركة مشاعرك واحتياجاتك العاطفية، وتغيير حياتك إلى الأبد.
وبعد أن تبدأ بتحدي تلك الدروس لا يمكنك أن تتبع القواعد الخاطئة دون وعي منك، بدلًا من ذلك ستعيش وفقًا لقلبك وتستمع لنفسك وتعبر عن شخصك ومشاعرك.
يمكن أن يكون الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة خفيًّا وغير مرئي، لذا قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كنت تعاني منه أم لا.
اقرأ ايضاً: الجانب المظلم للذكاء العاطفي