التربية والتعليم

امنحوا أطفالنا المعارف، وستتاح لهم الوظائف!

  • ماريا حنيف
  • ترجمة: ريم المكينزي
  • مراجعة: مصطفى هندي
  • تحرير: أمل عربي عبد الوهاب

على الرغم مما تملكه الدول العربية من موارد بشرية ضخمة. ورغم الأهمية البالغة التي لطالما أعارها العرب للمعرفة والتعلم، إلا أنها عانت لعقودٍ طويلة نتيجة البطالة وتهميش الشباب. فهل يعقل إذًا أن تكون منهجيتنا في التعليم معيبة وتوقعاتنا لمؤسساتنا وأنظمتنا ومناهجنا الحالية خاطئة؟

يندر أن يسأل شخصٌ: لمَ على الأطفال أن يقضوا ١٤ سنة في المدرسة -هذا إن لم نحسب المرحلة الجامعية، وهي غالبًا ما تكون أربع سنوات؟ في حين يشتكي الناس باستمرار مما يسمى بالفجوة بين المعرفة التي نتلقاها في المؤسسات التعليمية وبين متطلبات النجاح في سوق العمل اليوم، إلا أن القليل منهم من يقف ليطرح عددًا من الأسئلة المهمة: هل يتوجب على سوق العمل أن يكون هو الموجه لتعليمنا؟ أم العكس؟ والأهم: ما جدوى التعليم؟ وهل التعليم وسيلةً لبلوغ غاية؟ أم هو غاية بذاته؟ وقبل أن نحدد كيف على المدارس أن تكون، وما لو كان ثمة أمل في إصلاح التعليم وإنقاذ مستقبل الأجيال القادمة، علينا أن نبدأ بالأساسيات، وأن ننظر فيما ننتظره من المدارس من أجل أطفالنا ومجتمعنا بأسره.

لمَ التعليم مهم؟

يدور التعليم بكل بساطة حول اكتساب المعرفة، ويعود التعليم بلا شك بمنافع اقتصادية هائلة للأفراد المتعلمين بل وللدول التي يعيشون فيها أيضًا، فكل سنة يقضيها المرء في المدرسة تساوي زيادة ما نسبته ١٠٪ من أرباحه المحتملة، ولكن لم يكن هذا القصد من التعليم، فالبحث عن المعرفة جزء لا يتجزأ من فطرة الإنسان وطبيعته بصرف النظر عن حالته الاجتماعية والاقتصادية، لذا يعيش الأطفال في شغف ليكتشفوا وليجربوا وليطرحوا أسئلةً لا حصر لها؛ فالبشر فضوليون بطبعهم، ولربما كان ذلك لأهميته لاستمرارنا وتطورنا، كما أن فضولنا هو ما دفعنا لأن نصنع لأنفسنا -رغم محدودية مصادرنا- عالمًا بالغ التعقيد والتطور.

ولنا في الحكايات التاريخية للعلماء والفلاسفة وغيرهم دلالة على هذا السعي للكشف عن معاني الأمور ومسبباتها في وقتٍ لم توجد فيه شهادات علمية ولا سوق عمل كما اليوم، فقد كان الإنسان على مر التاريخ دؤوبًا في بحثه عن تفسير للعالم من حوله، متحديًا في ذلك المخاطر التي يجرها التشكيك بالمسلّمات والصعوبة اللوجستية في محاولة البحث عن المزيد من الإجابات والحقائق، وقد حوكم الكثيرون مثل جاليليو وغيرهم، كما نُبذوا ونُفوا، غير أن ذلك لم يردع غيرهم عن الإبحار في بحار المعارف متخطين حدود المعلوم والمقبول، فإن دلت مثل هذه القصص على شيءٍ فهي دالة على تعطشنا الفطري لتعلم المزيد عن كل شيء حولنا.

من سبق من؟

منذ أن كبر ابني وارتاد الحضانة نشأت لديّ معضلة “البيضة والدجاجة”، فهل يجدر بالأنظمة التعليمية أن تُخرّج طلابًا مؤهلين للعمل؟ أي هل على سوق العمل أن تملي على الجامعات التخصصات التي يجب أن توفرها لطلابها والمهارات التي يجب أن تدربهم عليها ليكونوا مؤهلين للعمل؟ أم هل يتوجب على الجامعات أن تصب تركيزها على مساعدة الطلاب ليكتشفوا التخصصات التي تناسب شغفهم وتعلمهم كيف يوظّفونه ليجنوا منه مستقبلًا؟

كُتبت مقالات لا حصر لها عن وظائف المستقبل وكيف للطلاب أن يتهيؤوا لها، في حين بالكاد تُكتب مقالة واحدة عن كيفية تكسّب الطلاب من مهارة يستمتعون بها، أتساءل كيف سيبدو عالمنا إن ركزنا على التنويع في سوق العمل بتشجيع الناس لأن ينشؤوا وظائفهم الخاصة التي تعتمد على اهتماماتهم الفردية، بدلًا من تخريج أعداد هائلة ممن يمكن أن يقال أنهم “مؤهلون للعمل” و”مستوفون لمتطلبات سوق العمل” بصرف النظر عن شغفهم ومواهبهم.

نظرًا لضبابية مستقبل سوق العمل، سيكون من الرائع أن تُصقل مواهب الطلاب واهتماماتهم وأن يُدربوا على المهارات المهمة ليتكلوا عليها في ظل أي ظروفٍ اقتصادية وليشيّدوا بها حياتهم الخاصة، فثمة عدد لا حصر له من المجالات التي لم تستغل بعد، خاصةً في العالم العربي، ويمثل كل مجال من هذه المجالات فرصةً وظيفية.

لا تحرص المؤسسات التعليمية في العالم كله اليوم على توعية الطلاب بقيمة المعرفة وفوائد استحثاث الفضول، فقد فشلوا في إعداد طلابهم لسوق العمل، كما فشلوا -إلى حد كبير- في مساعدتهم لاكتشاف أهدافهم، لماذا إذًا لم نفكر بأن نرمي بنظامنا التعليمي الحالي عرض الحائط وأن نبدأ من جديد؟ بلا أجراس مدرسية تقليدية، ولا اختبارات موحدة، ولا مواعيد صارمة لبدء الحصص وانتهائها، ولا مراحل دراسية تمتد لأربع عشرة سنة، بل نستبدل هذا كله بتجربة مناهج جديدة مطورة والاستثمار في برامج تدريبية والبدء باستخدام وسائل أكثر تقدماً وتقنية محاولةً لرفع جودة مخرجاتنا، فعلينا إذًا أن نعيد النظر في نظام التعليم بأكمله، وإن كنا سنصمم وسيلة لنقل المعارف وتيسير الوصول إليها في هذا العصر، فكيف سنحقق ذلك؟

ليس لدي أجوبة، فقد أمضيت ثلاثة عقود وأنا طالبة، ثم موظفة، حتى اكتشفت الحاجة للتغيير، وحين اكتشفت ذلك، توقف بي الزمن، وما أدركه الآن هو أن أطفالي بحاجةٍ لأن يعوا قيمة المعرفة من أجل أن يسعوا إليها، وأن ما يختارونه تخصصًا بناءً على شغفهم الخاص هو ما سيحدد دورهم مستقبلًا في مجال الاقتصاد، لا العكس. إن ما نحتاجه الآن إذًا ليس المباني الدارسية الجديدة بمستوى التقدم الجاري وأساتذة بشهادات علمية، بل توفير الوسائل التعليمية وتيسير الوصول للمعارف والمصادر، والأهم من ذلك، توظيف مستشارين موجهين يرشدون الطلاب لمعرفة مواهبهم وصقلها حتى يتمكنوا من تشييد مستقبلهم بهمة.

المصدر
arabnews

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى