- أحمد عبد العزيز
- اسم الكتاب: جدل التصميم: من داروين إلى الحمض النووي
- تحرير: مايكل روس، ويليام ديمبسكي
- سنة الإصدار: 2004م
- دار النشر: منشورات جامعة كامبريدج
على مدى العقد الماضي، كان الجدل حول طبيعة مفهوم ”التصميم الذكي“ وأهميته كبديل عن الداروينية شرسا وحادا. لا يمكن لمراجعة واحدة أن تغطي ساحة الجدل كاملة، لكن جميع الأطراف في هذا الجدل قد يستفيدون إذا نظروا بعناية في حجج بعضهم البعض، فمجرد العداء المتبادل لن ينتج أي شيء مفيد.
كتاب جدل التصميم: من داروين إلي الحمض النووي قيد المراجعة هنا هو أفضل مجلد متاح يغطي أربع وجهات نظر رئيسية حول الداروينية والتصميم في الطبيعة. كل المقالات في هذا المجلد مدروسة بعناية وخالية بشكل ملحوظ من الحدة والشخصنة التي قد يجدها البعض في بعض المناظرات والنقاشات العامة حول هذا الموضوع، لكن كما هو الحال في أي كتاب، فإن بعض الفصول أقوى من غيرها.
في البداية هناك مقدمات بواسطة المحررين، الدارويني البارز مايكل روس ومنظر التصميم الذكي البارز ويليام ديمبسكي متبوعة بنظرة عامة على حجج التصميم الذكي من قبل الفيلسوف/عالم الكمبيوتر انجوس مينوج. بعد ذلك، هناك أربعة أجزاء رئيسية في الكتاب يتبادل فيها علماء وفلاسفة بارزين بكل احترام وجهات نظرهم وحججهم المنطقية والعلمية حول الداروينية والتصميم في الطبيعة، الجزء الأول: نظرية التطور الداروينية (نظرية الانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية)، الجزء الثاني: نظرية التعقيد، الجزء الثالث: التطور الإلهي، الجزء الرابع والأخير: التصميم الذكي.
الجزء الأول: نظرية التطور الداروينية
المشاركين في هذا الجزء، البيولوجي فرانسيسكو أيالا، والبيولوجي الكاثوليكي كينيث ميلر، وبروفيسور العلوم والتكنولوجيا روبرت تي بينوك، والفيلسوف إليوت سوبر.
كل من فرانسيسكو أيالا وكينيث ميلر يرون أن تبني الداروينية لا يلغي ولا يتعارض مع وجود الإله الخالق، ويقدمان دفاعا عاما عن نظرية التطور الداروينية ونقدا لبعض حجج التصميم الذكي مثل حجج التعقيد غير القابل للاختزال (حجة مايكل بيهي عن تعقيد السوط البكتيري علي سبيل المثال)، حجتهما الرئيسية في أول فصلين من هذا الجزء هي أنه ”إذا بدأت من لا شيء، يبدو الأمر مستحيلًا تقريبًا لشرح كيف يمكن إنشاء نظام معقد بواسطة عملية عشوائية. ولكن إذا نظر المرء إلى نظام واحد معقد على أنه مكون من وحدات بناء أقل تعقيداً كانت موجودة في الأصل لغرض مختلف ثم تم ضم هذه الأجزاء مع بعضها البعض فستبدو المهمة أقل صعوبة بكثير“ وبالتالي فالتصميم الذي نراه في الطبيعة لا يحتاج إلي أي مصمم ذكي ويمكن تفسيره بالكامل من خلال الآليات الداروينية.
في الفصل الثالث من هذا الجزء يجادل إليوت سوبر بأن منظري التصميم يرون أن نهج التصميم هو الأفضل لتفسير التعقيد في الطبيعة، وهذا ليس فيه أي شيء خاطيء نحن نفعل ذلك طوال الوقت من وجود التصميم نستنتج تلقائياً ضرورة وجود المصمم: صخور مقابل رؤوس أسهم، موت عرضي مقابل جريمة قتل معدة مسبقاً، إشارات عشوائية في الفضاء مقابل إشارات صادرة من كائنات واعية موجودة في مكان آخر في الكون خارج كوكب الأرض، لكن وفقاً لسوبر في كل حجة من حجج منظري التصميم الذكي هم يفترضون مسبقاً في مقدمات هذه الحجج أن الإله أو الخالق يشبهنا إلي حد كبير، لذلك تنهار حجج التصميم الذكي لأن المصمم، أي الإله، هو بالضرورة مختلف في طبيعته عندنا لدرجة أن الأمثلة ذات الصلة للتصميم البشري غير قابلة للتطبيق عليه.
في الفصل الرابع والأخير في هذا الجزء يجادل روبرت تي بينوك بأن التصميم الذكي يفترض وجود كيان فوق طبيعي هو الإله وبالتالي فإن حركة التصميم الذكي ليست حركة علمية لأنها تفترض وجود كينونة لا يمكن للعلم التعامل معها، على سبيل المثال لا يمكن أن نعرف ما هي الآليات التي استخدمها هذا المصمم الذكي لخلق الكائنات؟
الجزء الثاني: نظرية التعقيد
المشاركين في هذا الجزء عالم البيولوجيا النظرية والأنظمة المعقدة ستيوارت كوفمان، عالم الكيمياء الحيوية بروس ويبر مع بروفيسور الدراسات التواصلية ديڨيد ديبو، عالم الكونيات والفيزياء بول ديڨيز، بروفيسور تاريخ العلوم جيمس بارهام.
العلماء في هذا الجزء المكون من أربعة فصول يتفقون مع مناصري التصميم الذكي من جهة ويختلفون معهم من جهة أخرى، يتفقون معهم أن الآليات الداروينية ”العشوائية“ والتي يزعم المدافعون عن النظرية الداروينية أنها قادرة على خلق كل التعقيد الذي نراه في الكائنات الحية من خلال عملها في الأنظمة الحيوية الأبسط، تعجز بالفعل عن تفسير التعقيد الكبير الموجود في العديد من جوانب الأنظمة الحيوية مثل الأجهزة المناعية وآليات تجلط الدم، وينادون بضرورة إجراء تعديلات وتنقيحات في نظرية التطور الداروينية حتي تتمكن من تفسير التعقيد الموجود في الكائنات الحية، لكنهم يختلفون معهم في إسناد هذا التصميم إلى مصمم ذكي خارجي، ويرون أن ”المواد لها القدرة على تنظيم نفسها بشكل تلقائي دون الحاجة إلى مصمم ذكي“، وحتى لو هناك العديد من الألغاز التي لا نستطيع حلها الآن في مجال تعقيد الأنظمة الحيوية فهذه الألغاز لا تعني بأي حال ضرورة وجود مصمم ذكي خارجي بل تعني أننا نحتاج للمزيد والمزيد من البحث فقط.
الجزء الثالث: التطور الإلهي
المشاركون في هذا الجزء هم كبار فلاسفة الدين، الذين يحاولون التوفيق بين العلم والإيمان في العالم الأكاديمي الغربي وهم الفيلسوف جون هوت، الفيلسوف كيث وارد، الفيلسوف ريتشارد سوينبورن مع عالم الفيزياء الرياضية الذي له هو الآخر جهود كبيرة في التوفيق بين العلم والدين جون بولكينهورن، والجيولوجي واللاهوتي مايكل روبرتس.
في الفصول الخمسة من هذا الجزء، يتفق هؤلاء مع مؤيدي نظرية التطور الداروينية أن نظرية التطور الداروينية يمكنها تفسير التعقيد الموجود في الكائنات الحية، لا يوجد مصمم ذكي يتدخل في عملية التطور، وأن طريقة الإله في الخلق هي التطور بالانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية، وظيفة الإله الوحيدة هي أنه وضع القوانين المختلفة التي يبدأ من خلالها تطور الأنظمة الحيوية من تلقاء نفسها وفق هذه القوانين بعد ذلك، وبالتالي فلا يوجد أي تعارض بين الإيمان وبين نظرية التطور.
الجزء الرابع: التصميم الذكي
المشاركون في هذا الجزء الفيلسوف وعالم الرياضيات واللاهوتي ويليام ديمبسكي، بروفيسور الهندسة الميكانيكية والتر برادلي، عالم الكيمياء الحيوية مايكل بيهي، فيلسوف العلوم ستيفن ماير.
في الفصول الأربعة من هذا الجزء يتم عرض التصميم الذكي باعتباره أفضل تفسير لظواهر مختلفة في عالم الأحياء، علي سبيل المثال:
– الأنظمة الحيوية المعقدة بشكل كبير مثل الخلية لا يمكن أن تنتج من خلال الآليات الداروينية بل تحتاج مصمم ذكي.
– منشأ الحياة، جمع مواد كيميائية بدائية غير حية وماء وتربة مع بعضهم البعض لن ينتج حياة أبدأ بشكل تلقائي بدون مصمم ذكي.
– نمو التعقيد البيولوجي بشكل كبير كما حدث في الإنفجار الكامبري، يشير أيضاً لوجود مصمم ذكي.
هذه الفصول تستخدم بشكل عام نظرية المعلومات كأساس للمجادلة، هذه النظرية تنص على أنه ”من غير المرجح بشكل كبير أن تأتي أنظمة بيولوجية معقدة (أنظمة تحتوي علي معلومات معقدة كبوليمر الحمض النووي علي سبيل المثال) من أنظمة أقل منها تعقيداً (تحتوي علي معلومات أقل) بدون إضافة معلومات في هذه الأنظمة الأقل تعقيداً من مصدر آخر خارجي“ وهم يجادلون أن هذا المصدر لابد وأن يكون مصدرًا ذكيًا أو ”مصممًا واعيًا“.
لا يصنع هؤلاء أي ادعاءات إيمانية أو لاهوتية هم يصنعون ادعاء واحدًا فقط ”أفضل تفسير لظواهر مختلفة في عالم الأحياء هو وجود مصمم أو ذكاء أوجدها على هذا الشكل“ لا يصنعون أي ادعاءات حول طبيعة هذا المصمم هل هو إله أو هل هو كائن فضائي مثلاً؟ الفكرة الرئيسية أنه لابد وأن يكون مصممًا ذكيًا واعيًا وليس آليات مادية طبيعية عمياء.
ويجادلون على هذا الأساس بأن موقفهم موقف علمي حيث يمكن رصد التصميم الذي لا يمكن أن ينتج إلا عن ذكاء واعي في الأنظمة الحيوية كما نرصده بشكل طبيعي في علوم الآثار (نرى نقوشا بشكل معين مثلاً على جدران المعابد فنستنتج أنه لابد من وجود ذكاء واع خلف هذه النقوش) وعلوم الطب الشرعي (أشياء في مسرح الجرائم تشير إلى أنه لابد من وجود ذكاء واع خلف الجريمة) والأبحاث الفضائية الحديثة التي تفتش عن وجود ذكاء واعٍ خارج كوكبنا في مكان ما من الكون (وجود إشارات معينة في الفضاء لا يمكن أن تنتج إلا عن ذكاء واعٍ)، وعدم معرفتنا بالآلية التي أوجد بها هذا الذكاء الكائنات لا يعني أن موقف التصميم موقف غير علمي، كما عدم معرفتنا بالطريقة التي بنيت بها أهرامات الجيزة علي سبيل المثال لا يجعل من ادعاء أنها مصممة بواسطة ذكاء ادعاء غير علمي.
يوفر هذا الكتاب نظرة عامة غنية بخصوص البدائل الرئيسية فيما يتعلق بمشكلة التصميم في الطبيعة، من الجدير بالملاحظة أن كل المشاركين في هذا الكتاب يتفقون على أن هناك تصميم في الطبيعة بالفعل ولكنهم يختلفون بالتأكيد في الطريقة التي يفسرون بها هذا التصميم، والقارئ له الحرية في اختيار التفسير الذي يراه أكثر منطقية بالنسبة له.