- ثيودور كيني
- ترجمة: فاطمة البراك
- تحرير: إيثار الجاسر
- اسم الكتاب: الحمل الزَّائد: كيف ساءت الوظائف؟ وما يمكننا فعله حيال ذلك؟
- تأليف: إرين كيلي وفلي سموين
- سنة الإصدار: 2020
- الناشر: مطبعة جامعة برينستون
قدَّم كلٌّ من إرين كيلي وفلي سموين في كتابهما الجديد المعنون بـ”الحمل الزَّائد” نتائج تجرِبة ميدانيَّة صارمة دامت خمس سنوات في إعطاء الموظَّفين قدرًا كبيرًا من السَّيطرة على وظائفهم.
قريبًا، عندما تعود المحرِّكات الاقتصاديَّة حول العالم للعمل، سيتأمَّل أرباب العمل ما كشفت عنه جائحة كُرُونا بشأن سبل ووسائل العمل في شركاتهم.
ولهذا ننصحهم بقراءة كتاب الحمل الزَّائد للكاتبين إرين كيلي -أستاذة العمل ودراسات التَّنظيم في كلِّيَّة سلون للإدارة في معهد ماساتشويس للتِّكنولوجيا- وفلي سموين عالمة الاجتماع في جامعة مينسوتا.
يحتوي كتاب الحمل الزَّائد على نتائج لدراسة دقيقة أجريت في تكنولوجيا المعلومات في تومو -وهو اسم مستعار لشركة فورتشن 500-، وشملت التَّجرِبة الميدانيَّة العشوائيَّة ما يقارب 1000 من المهندسين والمديرين التَّنفيذيِّين في 56 فريق، 50% هم من غيَّروا وظائفهم، والبعض الآخر عمل كمجموعة مراقبة، والبعض لم يغيِّر وظيفته.
عمل فريق كيلي وموين وهما تحت رعاية شبكة العمل والأسرة والصِّحَّة، وهي مجموعة بحثيَّة متعدِّدة التَّخصُّصات تركِّز على التَّدخُّلات في مكان العمل.
الحمل الزَّائد: هو الشُّعور بأنَّ متطلَّبات العمل غير واقعيَّة، مع محدوديَّة الموارد التي يمكن استثمارها لتلبية هذه المتطلَّبات. وكشف استطلاعهم الأوَّليُّ لموظفي الأقسام المختلفة: أنَّ 41% من العمَّال و61% من المديرين وافقوا بشدَّة على أنَّه لم يكن هناك وقت كافٍ لإنجاز عملهم.
وهؤلاء هم نفس الأشخاص الَّذين -بالإضافة لقضائهم أيَّام طويلة في العمل- كانوا يتلقَّون وبشكلٍ مستمرٍّ مكالمات العمل في المنزل وفي اللَّيل وفي عطلات نهاية الأسبوع.
وفي الحقيقة: واحد على الأقلِّ من المديرين قدَّم إخطارًا مسبقًا إلى كلِّ الأشخاص الَّذين تحت إدارته أنَّ من حقِّهم ألَّا يكونوا متاحين خارج ساعات العمل الرَّسميَّة. وجدير بالذِّكر أنَّ إحدى المديرات قالت إنَها تتوقَّع أن تكون تقاريرها المباشرة متاحة على مدار السَّاعة وطول أيَّام السَّنة.
ما العواقب الوخيمة لهذا العمل الكثير؟
لقد كشفت الدِّراسات الاستقصائيَّة لأكثر من 400 مقابلة فرديَّة في تومو عن مستويات عالية من الإجهاد المزمن واعتلال الصِّحَّة والشُّعور بالعجز والصِّراع بين العمل والأسرة والإرهاق، وكلُّ هذا أثَّر سلبًا على أداء الموظَّفين بطبيعة الحال.
وإنَّه لأمرٌ مزعجٌ أن نعلم من المؤلِّفين أنَّ قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة تومو لم يتعاملوا مع الموظَّفين عن قصد وكأنَّهم سلع.
تقول كيلي ومون: عمومًا توفِّر تومو وظائف جيِّدة وشركة تخدم المجتمع. وتتكوَّن القوَّة العاملة في القسم من مطوِّري البرمجيَّات وموظَّفي ضمان الجودة ومديري المشاريع والمحلِّلين. ويبلغ متوسِّط الرَّاتب السَّنويِّ 90000 دولارًا أمريكيًّا، مع فوائد سخيَّة للعيش الكريم في مدن أمريكا الوسطى حيث تقع مكاتب تومو.
وما يزعج أنَّ تومو ليست قيمة شاذَّة فبالإضافة إلى المسح الأوليِّ الخاصِّ بموظَّفي الشَّركة الَّذين يعانون من فرط العمل المذكور في البداية. تستشهد المؤلّفات بالمسح الاجتماعيِّ لعام 2018 حيث وافق 35 بالمئة من الأمريكيِّين العاملين على أنَّهم يجب أن يؤدُّوا الكثير من العمل في وظائفهم الحاليَّة. وبعبارة أخرى أنَّ حمل الموظَّفين الزَّائد هو عمل اعتياديٌّ في العديد من الشَّركات.
توجَّهت كيلي وموين وفريقهم إلى تومو لمعرفة إذا كان هناك طريقة الأفضل للعمل؛ وتحقيقًا لهذه الغاية قدَّموا مبادرة تسمى (STAR).
وهو اختصار لدراسة كلٍّ من: الدَّعم، والتَّحويل، والتَّحقيق و النَّتائج، لدى نصف فريق قسم التِّكنولوجيا.
(ستار) هو برنامج إعادة تصميم عمل مزدوج؛ وتتطلَّب مثل هذه البرامج أن يشارك جميع الموظَّفين والإدارة في تحديد الطَّريقة الَّتي يُعمَل بها. وأن يلبِّيَ التَّصميم النِّهائيُّ للعمل احتياجات كلٍّ من أرباب العمل والموظَّفين.
وكما قد تتصوَّر فإنَّ إعادة تصميم آليَّات العمل على أساس الأجندة المزدوجة يمتدُّ إلى ما هو أبعد من ذلك النَّوع الأبويِّ من سياسات العمل المرنة المعمول بها في العديد من الشَّركات.
وفي تومو حدَّدتْ فِرَق برنامج ستار الممارسات والعمليَّات اللَّازمة لتمكين الموظَّفين من إدارة وقتهم وتحديد جداول عمل جديدة والحدِّ من المهامِّ متدنِّية القيمة مثل الاجتماعات غير المثمرة.
ودُرِّب المديرين على تقديم دعم أفضل للحياة الشَّخصيَّة للموظَّفين، وفاعليَّة أدائهم للعمل وهذا استغرق شهور.
وبمجرَّد أن بدأت مجموعة ستار في العمل استخدم فريق البحث بيانات الأعمال والمقابلات والبيانات الإثنوجرافيَّة لتقييم آثار المبادرة مقابل نتائج المجموعة الضَّابطة على مدى نفس الفترة.
وتقول كيلي وموين: في عام واحد شهدت الشَّركة مع مبادرة (ستار) رضاء وظيفيًّا متزايدًا وإنهاكًا أقلَّ وصار الموظَّفين أقلَّ بحثًا عن وظائف أخرى.
وأفاد موظفو الشَّركة الَّذين طُبِّقت عليهم المبادرة عن فوائد عادت على حياتهم الشَّخصيَّة وصحَّتهم وعلاقاتهم الاجتماعيَّة وعلاوة على ذلك لم يكن هناك أثر سلبيٌّ ملحوظ على الإنتاجيَّة أو نتائج العمل.
هل يعني هذا أن تومو حقَّقوا الانتصار؟ ليس بالضَّبط. حيث عندما كانت التَّجربة الميدانيَّة قائمة اندمجت شركة تومو مع شركة أخرى، ولعب الفريق الجديد دورًا مسيطرًا في المنظَّمة الموحَّدة حيث تخلى فريق القيادة الجديد عن مبادرة (ستار) وعادوا إلى أساليب العمل القديمة.
ربطت المؤلّفتان هذا التَّعثُّر بالعديد من الصِّفات، أهمّها: الاختلافات الثَّقافيَّة.
وأضافوا بأنَّها لم تفسِّر قيادة المؤسَّسة المندمجة حديثًا إلغاء مبادرة (ستار) للموظَّفين العاديِّين.
إنَّها نهاية جيِّدة للقصَّة وإن لم تكن نهاية سعيدة؛ لأنَّها توحي بتفسير لسبب انتشار الحمل الزَّائد ولماذا لم تعالج الإدارة الأمر بشكل صحيح.
وأخبرتنا المؤلّفتان إلى أنَّ ذلك يعود في بعض الأحيان إلى التَّردُّد في طريقة السَّيطرة الَّتي يعمل بها المديرون. فالقادة يريدون رؤية الموظَّفين يملؤون الكراسي بلمح البصر عندما يدعون لاجتماع، والسَّبب وراء هذا أنَّهم بحاجة ماسَّة لممارسة قدر أكبر من السَّيطرة.
قامت كيلي وموين بدراسة ستِّ عمليَّات إلغاء مماثلة لمبادرات إعادة تصميم آليَّات العمل وأشاروا إلى أنَّ في كلِّ الحالات أعلنت الإدارة عن حاجتها لمزيد من التَّعاون والابتكار كسبب منطقيٍّ لقرار تثبيت مثل هذه المبادرات وفي نفس الوقت يبادر المديرين إلى تقليص حجم الموظَّفين والاستغناء عنهم في الوقت الَّذي يتراجعون فيه عن أساليب العمل الجديدة؟ وهذه الحالات لا تجعلهم مديرين جيِّدين.
ولكن ربَّما تنجح جائحة كُرُونا والطَّرائق الجديدة للعمل الَّتي فرضتها على العديد من الشَّركات في كسر المقاومة الإداريَّة لإعادة تصميم آليَّات العمل على النَّحو الموصوف في الكتاب. و إذا حدث ذلك وأصبحت الوظائف على حدِّ تعبير الكاتبات أكثر عقلانيَّة واستدامة فقد تكون نقطة مضيئة في الكآبة الحاليَّة.