- إد يونج
- ترجمة: عبد الله عاطف
هذا الصباح، حصل الفيزيائيون راينر فايس وكيب ثورن وباري باريش على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافهم موجات الجاذبية (تشوهات في نسيج الزمكان). الثلاثة، الذين قادوا مشروع مرصد موجات الجاذبية بالليزر (LIGO) الذي سجل هذه الموجات، سيتقاسمون جائزة مقدارها 9 ملايين كرونة سويدية بينهم. ربما الأهم من ذلك أنهم سيحملون وسم “الحائز على جائزة نوبل” لبقية حياتهم.
ولكن ماذا عن العلماء الآخرين الذين ساهموا في مشروع (LIGO)، والذين تبرز أسماؤهم في قائمة المؤلفين المكونة من ثلاث صفحات في الورقة التي تصف الاكتشافات؟ قال عالم الفيزياء الفلكية مارتن ريس لأخبار البي بي سي: “يعود نجاح (LIGO) إلى مئات الباحثين؛ حقيقة أن لجنة جائزة نوبل لعام 2017 ترفض منح جوائز جماعية تسبب مشاكل متكررة بشكل متزايد وتعطي انطباعًا مضللًا عن كيفية إنجاز الكثير من العلوم بالفعل”.
هذه الوتيرة مألوفة. في كل عام، عندما تُمنح جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء وعلم الفيسيولوجيا أو الطب، يلاحظ النقاد أنها تُمنح بطريقة سخيفة وعفا عليها الزمن، إنها أسوأ الطرق للإشادة بالعلماء نتيجة عملهم. وبدلاً من تكريم العلم، فإنهم يشوهون طبيعته، ويعيدون كتابة تاريخه، ويتغاضون عن العديد من المساهمين المهمين فيه.
هناك أشياء جيدة بالتأكيد حول الجوائز؛ حيث يجب التعرف على الاكتشافات العلمية نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه في المشروع البشري. موقع جائزة نوبل هو كنز تعليمي دفين، مليء بالتفاصيل التاريخية الغنية الغائبة إلى حد كبير في الأوراق العلمية المنشورة؛ لكن الطريقة التي تُعرَض بها أحداث تسليم الجوائز عامًا بعد عام تقدم للعلم نفس النوع من الترقب المثير الذي عادة ما يكون مخصصًا لمرشحي أوسكار أو إيمي. لكن حقيقةَ أن جوائز نوبل العلمية أثارت الجدل منذ بدايتها تشيرُ إلى مشاكل عميقة الجذور.
مُنحت الجائزة الأولى في الطب لإميل فون بيرينغ في عام 1901 لاكتشافه مضادات السموم، ولكن لم ينل مساعده المقرب شيباسابورو كيتاساتو أي ذكر. منحت جائزة الطب والفيسيولوجيا لعام 1952 إلى سلمان واكسمان Selman Waksman لاكتشافه المضاد الحيوي -الستربتومايسين، وتم تجاهل طالب الدراسات العليا في معهد واكسمان: ألبرت شاتز، الذي اكتشف هذه المادة الكيميائية بالفعل. ذهبت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2008 إلى ثلاثة باحثين لاكتشافهم بروتين الفلورسنت الأخضر (GFP)، وهو جزيء يستخدمه العلماء الآخرون عادة لتصوير ما يجري داخل خلايانا. لم يكن دوجلاس براشر، الرجل الذي استنسخ الجين الخاص ببروتين الفلورسنت الأخضر (GFP) لأول مرة، من بينهم.
في بعض الحالات، احتج العلماء على نسيانهم وتجاهلهم. في عام 2003، قام راي داماديان بإخراج سلسلة من الإعلانات على صفحة كاملة في نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز للاحتجاج على حرمانه من جائزة نوبل في الطب لدوره في اختراع التصوير بالرنين المغناطيسي. اعترفت لجنة نوبل فقط بـ بول لوتربر وبيتر مانسفيلد كمستحقين للجائزة مقابل هذا العمل الفذ، وهو إغفالٌ وصفَهُ داماديان بأنه “خطأ مخجل يجب تصحيحه”. قال لصحيفة التايمز: “استيقاظي صباح يوم الاثنين ورؤية كيف أنه قد تم إغفالي من التاريخ هو عذاب لا يمكنني العيش معه”.
المشكلة الأكبر، بخلاف من كان يجب أن يحصل على الجائزة ومن لا ينبغي له، هي أن جوائز نوبل تكافئ الأفراد -ثلاثة على الأكثر- لكل جائزة علمية، في أي عام معين. والعلم الحديث، كما كتب إيفان أورانسكي وآدم ماركوس هو “أكثر الرياضات الجماعية جماعية”. نعم، يقوم الباحثون أحيانًا بعمل اكتشافات فردية فريدة، ولكن هذا نادر جدا اليوم. حتى ضمن المجموعة البحثية الواحدة، تشارك مجموعة من باحثي ما بعد الدكتوراه والطلاب والفنيين عادةً في اكتشاف يتم ربطه باسم باحث واحد. وفي أغلب الأحيان، تتعاون العديد من المجموعات في مشروع واحد. تحتوي الورقة التي أعلن فيها فريق (LIGO) عن اكتشافهم على قائمة مؤلفين تتكون من ثلاث صفحات. هناك ورقة بحثية أخرى حديثة، قدرت بدقة عالية كتلة بوزون هيغز المراوغ، وتحتوي على 5154 مؤلفًا.[1]
يلاحظ المدافعون عن الجائزة أن لجنة نوبل ملتزمة بالشروط المنصوص عليها في وصية ألفريد نوبل وهي الوثيقة التي أسست للجائزة. لكن الوصية تدعو إلى تكريم “الشخص” -الفرد- الذي حقق الاكتشاف المهم في مجال تخصصه “خلال عام سابق”. على النقيض من ذلك، تعترف لجنة جائزة نوبل بما يصل إلى ثلاثة أشخاص، لأعمال قد يكون قد مر عليها عقود. إذا كانوا يخالفون القواعد الأصلية بالفعل، فلماذا لا نذهب إلى أبعد من ذلك؟ كما اقترح محررو مجلة ساينتيفيك أميريكان في عام 2012، لماذا لا يتم منح الجوائز العلمية للفرق والمنظمات، تمامًا كما يمكن أن تكون جائزة نوبل للسلام؟
إن ثمن الإصلاح منخفض، وتكلفة تجنبه باهظة. كما كتب عالما الأحياء أرتورو كاساديفال وفيريك فانغ في عام 2013، أسس مانحو جائزة نوبل لفكرة العبقرية الفردية، وهي الفكرة التي لخصها الفيلسوف توماس كارلايل، أن “تاريخ العالم ما هو إلا سيرة رجال عظماء”. ليس الأمر كذلك في العلم، ومع ذلك فإن مانحي جائزة نوبل يغذون هذه الأسطورة الخبيثة. وبفعلهم ذلك، كما يقول كاسادفيل وفانغ، فإنهم “يعززون نظام المكافآت المعيب في العلم الذي يأخذ فيه الفائز كل شيء، ويتم إهمال مساهمات الكثيرين من خلال الاهتمام غير المتناسب بمساهمات الآخرين”. في بعض النواحي، لا تتعلق الجوائز بمن قدم المساهمات الأكثر أهمية، ولكن من نجا بشكل أفضل من المتاهة الخطرة في الأوساط الأكاديمية.
وفي كثير من الحالات، تدور الجوائز حول من بقي حيًا، فلا يمكن منح جوائز نوبل بعد الوفاة. لذلك لم تُكرّم روزاليند فرانكلين لدورها المحوري في اكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي لأنها توفيت قبل أربع سنوات من منح جائزة نوبل لجيمس واتسون وفرانسيس كريك وموريس ويلكنز. قدمت عالمة الفلك فيرا روبن دليلًا على وجود المادة المظلمة من خلال دراسة الطريقة التي تدور بها المجرات -وهو إنجاز أحدث ثورة في فهمنا للكون- وقالت الكاتبة العلمية راشيل فيلتمان في أكتوبر 2016: “تستحق فيرا روبن جائزة نوبل. لكن ربما لن تحصل عليها في الوقت المناسب.”، ماتت روبن بعد ذلك بشهرين.
تشير مأساة روبن وفرانكلين إلى قضية أخرى طويلة الأمد مع مانحي جائزة نوبل. بقدر ما ينشرون أسطورة العبقري الوحيد، فإن ذلك العبقري الوحيد دائمًا ما يكون ذكرًا أبيض. فازت النساء بـ 12 جائزة فقط من أصل 214 جائزة في علم الفيسيولوجيا أو الطب، و 4 فقط من 175 جائزة في الكيمياء، وجائزتين فقط من 204 جائزة في الفيزياء. فازت ماريا جوبرت ماير، أحدث فائزة في الفيزياء، بالجائزة منذ 54 عامًا.[2] ليس بسبب نقص المكرمين المحتملين أيضًا. كانت روبن تستحق ذلك بلا شك، كما كانت تستحقها ليز مايتنر التي ساهمت في اكتشاف الانشطار النووي جنبًا إلى جنب مع الحائز على الجائزة أوتو هان. بين عامي 1937 و 1965، تم ترشيح مايتنر 48 مرة من قبل أشخاص مختلفين، ولم تفز أبدًا. قالت عالمة الفيزياء الفلكية كاتي ماك على تويتر العام الماضي: “هناك أشياء عظيمة بخصوص جائزة نوبل، لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن ديموغرافيا الفائزين تعكس وتوضح التحيزات المتأصلة في هيكل الجائزة: وهي تحيزات عرقية وجنسية تقلل من فرص الآخرين”.
ربما لا يهم أي من هذا إذا لم تكن جائزة نوبل بهذه السمعة الضخمة؛ فبالإضافة إلى القيمة النقدية للجائزة، يضمن الفائزون فعليًا تدفقًا من الأرباح. تحصد أوراقهم المزيد من الاستشهادات، ويميلون إلى العيش لمدة عام أو عامين أطول من الأشخاص الذين تم ترشيحهم ولكنهم لم يفوزوا في الواقع. والجائزة تميزهم ببصمة عظمة دائمة. جائزة نوبل ليست، على سبيل المثال، منحة ماك آرثر للعبقرية، والتي تُمنح للأشخاص “الذين يظهرون إبداعًا استثنائيًا في عملهم”. إنها تخص اكتشاف معين. ومع ذلك، يُعتبر المكتشف إلى الأبد قوة فكرية في حد ذاته – مما يخلق تكافؤًا بين مساهمة تاريخية واحدة ومجموعة أفكار كاملة، ويظل ذلك إلى الأبد.
وهذا يخلق مشاكل عندما يصبح الفائزون بالجائزة مؤيدين للعلم الزائف أو التعصب الأعمى، كما فعل الكثيرون. أصبح ويليام شوكلي، الذي حصل على جائزة نوبل للفيزياء لعام 1956 لاختراعه الترانزستور، من دعاة تحسين النسل، مجادلاً أن الأشخاص ذوي معدل الذكاء المنخفض -معظمهم من الأمريكيين الأفارقة– يجب قطع نسلهم. ادعى جيمس واتسون أيضًا أن الأفارقة أقل ذكاءً من المتوسط. أصبح كاري موليس، الذي حصل على جائزة نوبل للكيمياء في عام 1993 لاختراع تقنية (PCR) -وهي تقنية لنسخ الحمض النووي تُستخدم في كل مختبر أحياء حول العالم- مؤيدًا صريحًا لعلم التنجيم، ومنكرًا للتغير المناخي، وللصلة بين فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز. وكتب أيضًا في سيرته الذاتية أنه واجه ذات مرة حيوان راكون متوهج ربما كان أو لم يكن فضائياً.
للإنصاف، على عكس مشكلة عدد العلماء الذين سيتم منحهم جائزة نوبل في عام معين، فإن مسألة ابتعاد الفائزين بالجائزة عن العقلانية والعلوم ليست مشكلة يمكن للجنة نوبل حلها. حل هذه المشكلة علينا، فيجب علينا أن نتوقف عن رؤية جائزة نوبل على أنها تأليهٌ للقيمة العلمية. إنها ليست كذلك. مثلها مثل أي جائزة أخرى، فهي معيبة وشخصية. لكن من خلال تقديسها، فإننا نبالغ في غرور أولئك الحاصلين عليها، وندمر أولئك الذين لم يحالفهم الحظ. كتب كاتب العلوم ماثيو فرانسيس العام الماضي: “في النهاية، الأمر متروك لنا للتخلي عن جوائز نوبل؛ إنهم يتحكمون في تصورنا للعلم بموافقتنا، وقد حان الوقت لسحب هذه الموافقة”.
[1] – https://www.nature.com/news/physics-paper-sets-record-with-more-than-5-000-authors-1.17567
[2] – المقال نشر عام 2017، ومنذ ذلك الوقت تغيرت هذه الإحصائيات قليلا، فوجب التنبيه. -الإشراف.