- جراهام سميثام
- ترجمة: سهيل محمود
- تحرير: بلال الخصاونة
في الرابع من يوليو من عام 2012 ميلادية، أعلن المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN) أن أكبر تجربتين في مصادم الهادرونات الكبير قد كشفت عن أدلة على وجود بوزون هيغز. هذا “الجسيم”، الذي يسميه البعض “جسيم الإله”، والحقل الكمي الذي يحدثه[1] بُنِي افتراض أنه ضروري لشرح كيفية نشوء الكتلة. كما يقول الكاتب العلمي جيم باجوت في كتابه الأخير “هيغز: اختراع واكتشاف جسيم الإله”: “تُبنى الكتلة بالكامل من طاقة التفاعلات التي تتضمن جسيمات أولية عديمة الكتلة بشكل طبيعي…استمر الخلاف بين الفيزيائيين، وفي النهاية لم يجدوا شيئا على الاطلاق.” الكتلة -وبالتالي المادة- هي سمات مشتقة من عملية غير جوهرية للواقع. في الحقيقة، إنها أيضًا نتاج جوانب غير مادية من الواقع، أي أنها ليست مادية على الإطلاق.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون هذا الاستنتاج بمثابة صدمة، لأنه إذا كان هناك شيء واحد أكدته ميكانيكا الكم، فهو حقيقة أنه يجب التخلي عن “المادية” كموقف ميتافيزيقي قابل للتطبيق.
في الواقع، إن الاعتقاد بوجود مادة صلبة موجودة بشكل مستقل تمامًا عن العقل أصبح قبوله العلمي الآن بقدر قبول نظرية الفلوجستون للحرارة [التي تخلى عنها العلم منذ القرن التاسع عشر]. لهذا كتب الفيزيائي جون جريبين كتابًا بعنوان “نهاية أسطورة المادة”. ويجب ألا ننسى تصريحات مثل تلك التي أدلى بها في عام 1931 مؤسس نظرية الكم، الفيزيائي ماكس بلانك، حيث اعتبر أن “الوعي أساسي في الوجود، وأن المادة مشتقة من الوعي”، أو تلك التي أدلى بها إرفين شرودينغر، “لقد أقام العقل الوجود الموضوعي الخارجي للعالم…من داخله” (من كتاب شرودينغر ما هي الحياة؟ عام 1944).
فيما يتعلق بالآثار الميتافيزيقية لثورة الكم، يقول عالم فيزياء الكم البروفيسور هنري ستاب من مختبر لورانس بيركلي الوطني بجامعة كاليفورنيا في مقالته “لماذا لا تستطيع الميكانيكا الكلاسيكية أن تستوعب الوعي بشكل طبيعي لكن ميكانيكا الكم تستطيع”: إنّ “المادة” الموجودة في الفيزياء الكلاسيكية… لا وجود لها في الطبيعة.” كما سنرى، لا يوجد على الإطلاق “أشياء مادية” يمكن العثور عليها في أي مكان في الأبعاد الأساسية للكون، وهذا يعني أن الفهم الكلاسيكي لـ”الأشياء المادية” كان (خاطئًا).
– العقل فاعل وليس مجرد منفعل.
قبل أن ننظر إلى الأسباب التي تجعل مثل هذا الاستنتاج أمرًا حتميًا، سيكون من المفيد إجراء مسح موجز لما يقوله عدد قليل من الفيزيائيين المرموقين الآخرين بشأن مسألة الانعدام النهائي للمادة. كتب السير روجر بنروز، أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد (والحاصل علي جائزة نوبل في الفيزياء العام الماضي 2020م)، عن الانحلال الكمي للعالم المادي “البحت”:
“من الصعب بشكل خاص فهم نوع “الواقع المادي” – أو عدم وجوده – الذي يبدو أن ميكانيكا الكم توحي به لعالمنا.” (كتاب روجر بنروز ظلال العقل الصادر عام 1995، صفحة 237).
لا يمكن لأي شخص يقرأ كتب بنروز حول هذا الموضوع أن يفشل في استنتاج أنّ فيزياء الكم تستبعد أسبقية “المادة البحتة” من عالم الواقع المطلق، مع الحفاظ على الوعي بشكل ما في مركز الصدارة.
على سبيل المثال، في كتابه الطريق إلي الواقع عام 2004، كتب:
“تعتمد جميع التفسيرات التقليدية تقريبًا لميكانيكا الكم في النهاية على وجود “كائن مدرِك”. (صفحة 1031). و “بقدر ما أستطيع أن أفهم، فإن التفسيرات الوحيدة التي لا تعتمد بالضرورة على بعض من فكرة “المراقب الواعي”… تتطلب بعض التغيير الأساسي في قواعد ميكانيكا الكم” (صفحة 1032).
يقدم بنروز عدة ملاحظات تشير إلى أن الإدراك/الوعي متشابك بشكل أساسي مع الواقع الكمومي. علاوة على ذلك، يبدو أن بنروز كره هذا الاستنتاج دائمًا. ومع ذلك، فقد أجبره الدليل على استنتاج أنه في عالم الكم، “يتحدد الواقع الكمي من خلال تصوراتنا الواعية” (كتاب ظلال العقل عام 1995، صفحة 309). بمعنى من المعاني، يمكن للمرء أن يقول إن عمل بنروز كان جهدًا يائسًا ولكنه فاشل لتجنب هذا الاستنتاج.
يؤكد عالم فيزياء الكم ديفيد بوم بوضوح أيضًا على غياب المادة “الكلاسيكية” على المستوى الكمي:
“المتغيرات [أي فكرة الخصائص المستمرة] لم تعد تزودنا بمفهوم محدد وفريد لا لبس فيه للمادة في العالم الكمومي. فقط في المجال الكلاسيكي يمثل هذا المفهوم تقريبًا مناسباً”. (كتاب ديفيد بوم الكمال والنظام الضمني عام 1995 صفحة 95)
وكتب فيزيائي آخر هو روبرت أورتر، في كتابه (نظرية كل شيء تقريباً عام 2006):
“كانت قوانين الفيزياء تقول أن المادة كما نعرفها لا يمكن ببساطة أن تكون موجودة” (صفحة 59).
أجرى البروفيسور أنتون زيلينجر وفريقه تجارب دقيقة بشكل لا يصدق في حدود الإمكانات المادية؛ وفي مساهمته في مجموعة مقالات فيزياء الكم المتطورة بعنوان (العلم والواقع النهائي عام 2004)، استنتج أن النظرة ما قبل الكمية أو الكلاسيكية للعالم المادي تتضمن “المفهوم الخاطئ الواضح للواقع المستقل عنا.” (صفحة 201). في كتاب الواقع الكمي: النظرية والفلسفة (عام 2009)، يخبرنا جوناثان ألداي أيضًا أنه ضمن نظرية المجال الكمي، التي تتعامل مع المستويات الأساسية للواقع المادي، لا توجد مادة فيزيائية مستقلة عن العقل: “البنية الكاملة لحديثنا… تجعلنا نعتقد أن هناك بعض الأشياء أو الجواهر التي يمكن -بمعنى ما- إلحاق الخصائص بها…ظل الفلاسفة يناقشون مدى صحة مثل هذه الحجج لفترة طويلة. الآن، على ما يبدو، ظهر العلم التجريبي وأظهر أنه على المستوى الكمي على الأقل، ليس للأشياء التي ندرسها مادة موجودة بشكل مستقل عن خصائصها [المدرَكة]”. (صفحة 493)
يمكن تجميع العديد من الاقتباسات من هذا النوع من كتابات الفيزيائيين المعاصرين، بينما لم يتم العثور على أي شيء يؤكد وجهة النظر المعارضة.
كما أشار هنري ستاب باستمرار إلى الطبيعة الخاطئة والمعيبة للغاية لوجهات النظر المادية التبسيطية عند النظر إليها من منظور فيزياء الكم. في الواقع، إنه ينتقد كثيرًا من فلاسفة العقل:
“يبدو أن فلاسفة العقل قد توصلوا اليوم إلى حلول غير مرضية لمشكلتي العقل والجسد والإرادة الحرة، ويبدو أن الصعوبات، للوهلة الأولى على الأقل، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقبولهم لما هو معروف أنه فهم خاطئ لطبيعة العالم المادي، والدور السببي لأفكارنا الواعية بداخله.” (من ورقة لهنري ستاب بعنوان فلسفة العقل ومشكلة الإرادة الحرة في ضوء ميكانيكا الكم).
العبارة الأكثر إثارة للاهتمام هنا هي “معروف أنه فهم خاطيء”. الحقيقة المذهلة هي أن مجتمع الفلسفة الأكاديمي قد سمح لعدد كبير من أعضائه، وخاصة فلاسفة العقل أو العلم، بتجاهل أو تحريف الفيزياء المعاصرة بشكل صارخ من أجل الدفاع عن مواقف ما قبل الكم “الكلاسيكية” غير الصحيحة بوضوح والتي تفوح منها رائحة النظرة العالمية أواخر القرن التاسع عشر. كما أشار ستاب:
“يجب أن يُنظر إلى إعادة الربط [بين العقل والمادة في ميكانيكا الكم] التي حققها الفيزيائيون خلال النصف الأول من القرن العشرين على أنها تطور بالغ الأهمية: بمثابة رفع الحجاب. إن تجاهل هذا التطور الهائل والهام للغاية في العلوم الأساسية، وإعلان صلاحية المادية على أساس علم القرن التاسع عشر غير القابل للتطبيق في هذا السياق، هو عمل غير منطقي”. (ورقة لهنري ستاب بعنوان الثنائية الكمومية التفاعلية صفحة 18).
الأدلة من ميكانيكا الكم على ذلك ساحقة الآن. على الرغم من ذلك، يُسمح للماديين المتشددين (وهو اللقب المناسب) بشكل منتظم بالظهور على الساحة العامة وإعلان آرائهم غير العلمية باسم الفلسفة أو العلم، وبذلك يُضلِّلون الجمهور بشكل خطير.
ماذا تقول ميكانيكا الكم؟
وفقًا لستاب، فإن دليل نظرية الكم “يقلب عربة الكلاسيكية بأكملها” لقد أحدثت تحولًا زلزاليًا في أفكارنا حول كل من طبيعة الواقع وطبيعة علاقتنا بالواقع الذي يحيط بنا… إن تأثير هذا التغيير عميق: “إنه يستبدل عالم المواد المادية بعالم تسكنه الأفعال” (كتاب هنري ستاب الكون الواعي عام 2007 صفحة 20).
وبالتالي، وفقًا لستاب، فإن ما يخرج الواقع المادي من حالته المحتملة إلى واقع حتمي محدد، هو التفاعل العقلي مع الاحتمالات الكمية للكون. بعبارة أخرى، لا تظهر “الأشياء” على نطاق كمي بشكل كامل إلا عند ملاحظتها. كما يقول الفيزيائيان بروس روزنبلوم وفريد كوتنر بصراحة بشأن هذا:
“لم يكن الجسم موجودًا قبل أن تعثر عليه هناك؛ فعلك للعثور عليه هناك تسبب في وجوده”. (كتاب اللغز الكمومي: مواجهة العلم للوعي، عام 2006، صفحة 75).
طريقة التعبير هذه عنيفة إلى حد ما، ولكن كما يحرص المؤلفان على التأكيد، فإن النقطة الأساسية هي أنه على المستوى الكمي لا توجد مادية كلاسيكية. بدلاً من ذلك، ما هو موجود هو احتمالات مختلفة يمكن أن توجد عليها المادة، والمادة تظهر عندما يتم رصدها. وبالتالي فإن عالم الواقع المادي المطلق لنظرية الكم ”الأرضية الكمومية”، كما سأسميها – غير مادي إلى حد ما: فهو يمتلك نوعًا من الوجود الشبحي (الاحتمالات الكمومية المختلفة التي يمكن أن يوجد عليها النظام الكمومي) الذي يوفر إمكانية اختبار (تدخل الوعي) في الواقع المادي. نظرًا لأن التجارب الواعية تُنتج أو تُظهر العالم المادي على ما يبدو على المستوى الكمي، يبدو أن أحد المعطيات الضمنية هو أن العالم المادي بأكمله، أو على الأقل مظهر العالم المادي، يعتمد بطريقة ما على الوعي.
أطلق ديفيد بوم على الأرضية الكمومية للعالم المادي “النظام الضمني”. يتجلى هذا النظام “الضمني” على أنه النظام “التفسيري” للوعي الفردي، والعالم المادي كما [نختبره]. النقطة الحاسمة هنا هي أنه على الرغم من أنه على مستوى عالمنا اليومي هناك يبدو بقوة وبشكل حتمي أن هناك عالمًا مادياً مستقلًا ومكتفيًا بذاته، فقد أظهرت فيزياء الكم بشكل لا يقبل الجدل أنه في النهاية، ليس هذا هو الحال، والمادة تحتاج إلي العقل لكي توجد بشكل محدد.
لطالما اعتبرت نظرية الكم لغزًا كبيرًا. واليوم، هناك لغز أكبر هو السبب في السماح لدانيال دينيت، أو بول وباتريشيا تشيرشلاند، أو كثيرين غيرهم، بتدريس وجهات نظر “معروف أنها خاطئة” عن العالم المادي، وبالتالي الدماغ، في الكليات والجامعات.
ما هي المادية؟
نظرية الكم تدمر وجهة النظر المادية. لكن لفهم السبب، يجب أن نكون واضحين حول معنى “المادية”.
تقول النظرة المادية السائدة -المستمدة من تصنيفات الجوهر التي وضعها رينيه ديكارت في القرن السابع عشر- أن هناك عالمًا من “الأشياء” ليس له صفات عقلية وهو موجود بشكل مستقل عن العقل، وأن هذا هو العالم المادي. علاوة على ذلك، تؤكد وجهة النظر المادية أنه: بطريقة غامضة، هذه الأشياء المادية غير العاقلة تمكنت بطريقة ما من إنتاج وتشكيل العقول: ومع ذلك فإن المادة الفيزيائية لا تزال بطريقة ما هي المادة الوحيدة الموجودة. وفي توضيح مذهل لهذا الرأي من قبل دانيال دينيت [الملحد]:
“إن قطعة صغيرة روبوتية، غير عاقلة، غير مفكرة، (يقصد الدماغ) من الآليات الجزيئية هي الأساس النهائي لكل الفاعلية، وبالتالي المعنى، ومن ثم الوعي، في الكون” (كتاب دانيال دينيت فكرة داروين الخطرة عام 1996، صفحة 27).
ومع ذلك، من السهل إثبات أن مثل هذه النظرة خاطئة، على وجه التحديد لأنه على المستوى الكمومي لا توجد “آليات جزيئية” حيث تنبثق “الآليات الجزيئية” من “الأرضية الكمومية” وبالتالي فهي بالتأكيد ليست الأساس النهائي لأي شيء.
المادية حاليًا مدرسة شائعة في فلسفة العقل. الآن، من أجل الجدال، نقبل من الأدلة الدامغة أن تجربة رؤية جدار أصفر (على سبيل المثال) تتولد من خلال نوع من النشاط العصبي في الدماغ (ربما في “منطقة V4” في الجزء الخلفي من الدماغ)، يترتب على ذلك أن مادة الدماغ تحتوي علي تكوينات معينة تمكن الدماغ من إنتاج خبرات واعية. قد نقول على الأقل أن الدماغ يجب أن يتكون من أشياء لديها القدرة على خلق الخبرات الواعية في الظروف المناسبة. قد يعني هذا أن المرء قد أعاد بالفعل تعريف “المادة” على أنها “أشياء لها القدرة على إنتاج العقل”. ومع ذلك، ليس هذا هو نوع المادة المحبوب للغاية من قبل الماديين المخلصين، الذين يحبون أن تكون ماديتهم مرتبة بشكل جيد، إذا جاز التعبير، من دون عقل إضافي.
على مستوى التحليل الكمي، يتكون الدماغ من مساحة فارغة بنسبة 99.999%، بالإضافة إلى نظام من الجزيئات والذرات وما إلى ذلك. لكن هذه المكونات الذرية، كما يشير ستاب، لا توجد ككيانات مادية مستقلة قائمة بذاتها. في النهاية يخرجون من المجال الكمي للإحتمالية؛ وظهورهم بطريقة ما يعتمد على الوعي. عندما نعرف كل هذا (وكل هذا معروف)، فإن صورة الماديين لجزيئات الاهتزاز المستقلة عن العقل في دماغ جوهري ماديًا تتلاشى. كما يقول ستاب:
“لا يوجد مثل هذا الدماغ؛ لا يوجد دماغ أو جسد أو أي شيء آخر في العالم الحقيقي يتكون من تلك الأجزاء الصغيرة من المادة التي تخيل نيوتن أن الكون يتكون منها” (كتاب هنري ستاب الكون العقلي صفحة 139).
بدلاً من ذلك، فإن الأسس المادية في الدماغ لتجربة رؤية جدار أصفر تختزل إلى اهتزاز مجال كمي ليس له وجود مادي محدد بدون العقل كما يوضح الرسم التوضيحي.
على الرغم من أن التجارب وعمليات التفكير تعتمد بالتأكيد على خصائص المستوى الأعلى للحقل الكمي حيث يتم تنظيمه في هياكل مادية أكثر شيوعًا، يجب أن تكون الأشياء المحتملة للأرضيات الكمومية هي المصدر النهائي لكل من الهياكل المادية للعالم وتجارب الكائنات الحية داخلها. في أكثر فهم حداثة لنظرية الكم، من الواضح تمامًا أن جميع الهياكل والعمليات المادية على ما يبدو، بما في ذلك الدماغ، تنبثق من “الأحلام الكمومية [المقصود الاحتمالات الشبحية المختلفة التي يمكن أن يوجد عليها النظام الكمومي قبل رصده]“ التي ليس لها وجود مادي، لاستخدام وصف من قبل الفيزيائي فويتشخ زوريك. بعبارة أخرى، تخلق أفعال الإدراك حقيقة مادية من الأحلام الكمومية. لذا يكرر زوريك وجهة نظر ستاب بأن الأفعال الواعية تُنتِج الواقع من الكمون الكمومي. لذا تخبرنا نظرية الكم بوضوح أنه حتى وجود الدماغ هو نتيجة لأفعال عقلية على أرضية كمومية عميقة للاحتمالات. هذا يعني أن مادة الدماغ في النهاية غير مادية.
خاتمة
في جريدة الجارديان نُعي الفيزيائي الأمريكي العظيم جون ويلر في 16 أبريل 2008، فكان مما كتبوا: “في عام 2002، كتب ويلر: “كيف يأتي الكون؟ كيف جئنا؟ كيف يحدث أي شيء؟”… إجابة ويلر على هذه الأسئلة كانت “هذا نحن”. كان ويلر واحدًا من العديد من الفيزيائيين الذين أجبرهم الدليل الكمومي على قبول أن الوعي أساسي، وأن المادة المحددة يتم إنشاؤها من خلال عمل العقل في عالم الكم. إذن، يجب أن يكون الوعي صفة أساسية في المجال الكمومي، على الأقل بشكل محتمل. مثل هذا الاستنتاج له آثار لا مفر منها عندما نفكر في حالة الدماغ الذي يراقب، على سبيل المثال، جدار أصفر. قد نرغب في القول إن اهتزاز الجزيئات والذرات هو الذي ينتج تجاربنا وأفكارنا؛ ولكن إذا أخذنا العلم على محمل الجد، فإننا مضطرون للقول أنه من وجهة نظر أكثر أساسية، فإن الاهتزازات الاحتمالية داخل المجال الكمي هي المصدر النهائي، ويتم تحويل هذه الاهتزازات إلى مادة محددة من خلال إدراكها.
لقد ذهب ستاب إلى أبعد من ذلك ليقترح أنه نظرًا لأن الطبيعة النهائية للواقع الكمومي يمكن أن تكون فقط شبيهة بالعقل، فإن نظرية الكم تلمح إلى وجود إله:
“هذا الوضع [الكمي] يتوافق مع فكرة وجود إله قوي يخلق الكون و قوانينه لتبدأ الأمور، ولكن بعد ذلك يورث جزءًا من هذه القوة للكائنات التي تم خلقها على صورته”. (فصل كتبه هنري ستاب بعنوان “العقول والقيم في الكون الكمومي” في كتاب المعلومات وطبيعة الواقع، تحرير الفيزيائي بول ديفيز واللاهوتي نيلز هنريك عام 2010، صفحة 117.)
مثل هذه النظرة ليست مقبولة بأي حال من الأحوال من قبل جميع علماء الفيزياء. لكن ما هو مقبول بشكل عام هو أن الفيزيائيين أظهروا أن المادية التبسيطية الخام لا يمكن الدفاع عنها منذ سنوات. ربما يكون التفسير الأكثر قبولًا على نطاق واسع للطبيعة النهائية للواقع بين علماء الفيزياء، هو أنه يتكون نوع من المجال الكمومي “المعلوماتي” الذي يؤدي إلى ظهور كل من العالم المادي وكذلك التجارب الواعية. لكن من الواضح أن مجال المعلومات الكمومية ليس جوهريًا أو ماديًا، إلا إذا أعاد المرء تعريف “جوهري” أو “مادي” ليعني تقريبًا عكس ما تعنيه هذه المصطلحات تقليديًا.
[1] بحسب أحدث فهم للطبيعة “نظرية المجال الكمي Quantum field theory“ الكون مكون من أشياء تسمي ”الحقول الكمية“ منتشرة في كل نقطة من نقاط زمكان الكون وكل جسيم من جسيمات المادة في الكون له حقل كمي خاص به بحيث عندما تتم اثارة هذا الحقل اي زياده طاقته يخلق الجسميات التابعة له، فحقل الإلكترون يخلق جسيم الالكترون وحقل الفوتون يخلق جسيم الفوتون وحقل هيغز يخلق جسيم هيغز. المترجم.