- أندرو تشابمان
- ترجمة: رقية المليحي
- تحرير: عبد الله الغامدي
1- التحليل التقليدي للمعرفة.
ما المعرفة؟(1) لتوضيح مفهوم المعرفة، اقترح العديد من الفلاسِفة أن نُقدم تحليلًا لمفهوم المعرفة، مما يعني تفسير كل عنصر من عناصر المعرفة على حِدَةٍ. الفكرة هي أن العناصر الفردية سيكون كل منها ضروريًا، وكلها مجتمعة تكون المفهوم قيد التحليل.(2)
منذ أن كتب أفلاطون محاورةَ “ثياتيتوس” محاولًا إيجاد جواب لسؤال “ما المعرفة؟”، كاد أن يصبح التحليل التقليدي الذي قدَّمه للمعرفة هو المعتمد عالميًا لمفهوم المعرفة، وقد كان تحليله معتمِدًا على أن المعرفة هي: اعتقاد حقيقي مبرر.
- فأولًا/ لابُد للشخص أن يعتقد شيئًا ما ليتمكن من معرفته؛ لأنه من التناقض أن نزعم أنَّ ماكس يعرف بوجود مضرب التنس بالخزانة، لكنه لا يعتقد ذلك.
- ثانيًا/ من التناقض أن نقول ماكس يعرف بوجود مضرب التنس بالخزانة، بينما المضرب بالملعب. ربما يعتقد ماكس أن مضرب التنس بالخزانة وهو مخطئ، أو ربما يكون لديه دليل قاطع بوجود المضرب بالخزانة ومع ذلك فهو مخطئ في اعتقاده. في أيّ من هذه الحالات، لا نستطيع الجزم أن ماكس يعرف مكان مضربه، لأن اعتقاده خاطئ.(3)
أخيرًا يبدو أن ماكس يحتاج إلى مبرر، أو دليل، أو سبب وجيه للاعتقاد بأن مضربه في الخزانة ليمكننا القول بأنه يعرف ذلك، فلو افترضنا أن ماكس لم يكن لديه سبب وجيه للاعتقاد بأن مضربه في الخزانة -أي إذا خمن ماكس أن مضربه بالخزانة- فحتى لو كان مصيباً بالصدفة، يبدو كما لو أن اعتقاد ماكس الصادق غير مبرر، لذلك فلا يمكن أن نعده معرفة.(4)
2- المشكلة
تشكل مقالة “هل يعد الاعتقاد الحقيقي المبرر معرفة؟“ لإدموند غيتييه (1963م) تحديًا خطيرًا للتحليل التقليدي للمعرفة. حيث تمكن من دحض التحليل المفهومي بتقديم أمثلة واضحة تخالفه، أو بتوفير مفاهيم تتوافق مع التحليل ولكنها ليست أمثلة على المفهوم قيد التحليل. يُقدم لنا غيتييه في مقالته مثالين متشابهين هيكليًا ويُقدم حالتين كأكبر الأمثلة على وجود اعتقاد حقيقي مبرر ولكن على الرغم من ذلك لا تبدو أنها أمثلة على المعرفة، سنُلقي نظرة عليهما.
قدم كل من سميث وجونز على وظيفة معينة، ثم أخبر رئيس الشركة سميث بأن جونز فقط من سيحصل على الوظيفة. ثم قام سميث بعدّ العملات المعدنية الموجودة بجيب جونز فوجدها عشرة، فعدَّ سميث ذلك دليلًا قاطعًا على أن جونز سيحصل على الوظيفة، ومن ذلك استنتج أن الرجل الذي سيحصل على الوظيفة لديه عشر عملات معدنية بجيبه؛ لكن سميث كان لديه عشر عملات معدنية، ولم يكن يعلم بذلك. وفي اللحظة الأخيرة يتغير قرار من سيحصل على الوظيفة من جونز إلى سميث. لذلك يمكننا أن نستنتج أن الرجل الذي لديه عشر عملات معدنية هو الذي سيحصل على الوظيفة لأن سميث لديه عشر عملات في جيبه وقد حصل على الوظيفة.
في هذه الحالة لدى سميث اعتقاد حقيقي مبرر، مفاده أن الرجل الذي سيحصل على الوظيفة لديه عشر عملات معدنية في جيبه، ولكن ينكر معظمنا إسناد معرفة ما إلى سميث في هذه الحالة، على الرغم أن لديه اعتقادًا حقيقيًا مبررًا، إلَّا أنه وصلَ إليه لأن الحظ قد حالفه فقط. فإذا كان هذا صحيحًا فقد أثبت غيتييه أن الاعتقاد الحقيقي المبرر غير كافٍ في تعريف المعرفة، وبناءً على ذلك فإن غيتييه دحض التحليل التقليدي.
3- حل مقترح
تلقت معضلة غيتييه ردودًا عديدةً -كما أصبح معروفًا- واعترفوا أن مفردات (اعتقاد – حقيقي – مبرر) كل منها ضروري للمعرفة، لكن ليست هي البُنى الوحيدة لها، واقترحوا إضافة شرط رابع للمعرفة.
في البداية كان الاقتراح الشائع هو حظر الاعتقاد المبني على مقدمة زائفة كأحد عناصر المعرفة. لاحظ في مثال غيتييه، استنتج سميث اعتقادًا حقيقيًا (الرجل الذي سيحصل على الوظيفة هو الذي يمتلك عشر عملات معدنية بجيبه) من مقدمة خاطئة (أن جونز سيحصل على الوظيفة لأن بجيبه عشر عملات نقدية).
ولكن سرعان ما واجه علماء نظرية المعرفة هذه المقالة ومن أبرزهم رودريك تشيزوم وألفين غولدمان وكارل جينيت؛ لنتمعن بمثال جولدمان المضاد الشهير:
تخيل أنك بين الحين والآخر تقود بأرجاء الريف وبكل يوم تمرُّ على حظيرة، ودون علم منك وصلت إلى مجمع حظائر، ولكن في الواقع أغلبها تعلق واجهات حظائر مزيفة، وبينــما تتحدث مع رفيق رحلتك أشرت إلى حظيرة منها وقلت له: “هناك حظيرة”، ولحسن الحظ أنك نجحت بتحديد الحظيرة الوحيدة الحقيقية في “مجمع الحظائر المزيف”، لذلك كان ادعاؤك صحيحًا.
4- الخاتمة
لاحظ أننا في معضلة غيتييه ذكرنا الحظ كثيراً. لقد أدى إدراك هذه الحقيقة إلى اجتهاد العديد من علماء المعرفة المعاصرين لتحليل مفهوم “الحظ المعرفي”.(5) وإذا تمكنا من تحديد هذا النوع من الحظ فبوسعنا منع حدوث أنواع الحظ المدمرة للمعرفة.(6)
الهوامش:
(1) هناك ثلاثة طرق للمعرفة: المعرفة النظرية، ومعرفة القدرة، والإدراك بالمعرفة. على سبيل المثال:
- تعلم أنك تقرأ مقالة عن الفلسفة من 1000 كلمة
المعرفة النظرية
- وتعرف كيف تقرأ
معرفة القدرة
- وتعرف صديقك المقرب
الإدراك بالمعرفة
لكن هذه المقالة تهتم بالمعرفة النظرية فقط.
(2) في بعض المصطلحات العلمية يُطلق على الموضوع المراد تحليله “مُحلل” ويسمى الشخص الذي يقوم بالتحليل “محلِّل”.
(3) من الجدير بالذكر أن هناك مناظرات قوية بين علماء المعرفة بشأن المصطلحات التالية “المبرر، والدليل، والسبب”، لكن نستطيع التعامل معهم كمترادفات.
(4) ضع في اعتبارك توقعات معارفك المتشائمين، فعندما تحصل مشكلة في بعض الأحيان، تؤكد لهم بانتصار أنهم كانوا على علم بذلك، لكنك لست متأكداً إن كان لديهم علم بذلك، لأنها فقط مجرد ثرثرة تصيب توقعاتها بعض الأحيان، ولكن ليس لها مبرر منطقي، لذلك فهي لا تعد معرفة.
(5) See Engel (1992)
(6) See Pritchard (2005)