- بنيامين إليشا ساو
- ترجمة: طارق بن زياد حجو الرفاعي
- تحرير: أمل عربي عبد الوهاب
يولد الأطفال لا يعرفون شيئًا عن المجتمع الذي ولدوا فيه؛ والتنشئة الاجتماعية هي العملية التي يكتسب الأفراد من خلالها الثقافة اللازمة للاندماج في المجتمع.
تستمر التنشئة الاجتماعية طوال مراحل حياة الشخص، حيث يتعرف خلالها على اللغة والأعراف والقيم والأدوار الاجتماعية والعادات والتقاليد. من خلال هذه العملية، يشكّل الإنسان شخصيته وشعوره بذاته.
مثلًا: تميل الحكومات، إلى توحيد التعليم من أجل رعاية المخالفين للقانون والسيطرة على المتطرفين. وجميع المجتمعات بها مخالفين ولا بد. فهناك العديد من مصادر التنشئة الاجتماعية تسمى “عوامل” وهي: العائلة والأقران والمدارس ووسائل الإعلام. وسنتكلم عنها كلٌ على حدى.
العائلة
أول رابطة عاطفية للطفل، وهي العامل الأكثر أهمية في عملية التنشئة الاجتماعية. يعتمد الرُّضع بشكل كامل على غيرهم من أجل البقاء، ويتحمل الوالدان دور توجيههم ليكونوا قادرين على رعاية أنفسهم. يزود الوالدان أو الأوصياء الأطفالَ بالمعتقدات الأولية والمعايير والقيم الخاصة بهم، ويستند النظام إلى مجتمعهم العرقي ووضعهم الاجتماعي ودينهم وعوامل أخرى. عادة ما يكون للنظام الذي يغرسه الآباء على الأطفال تأثير عميق طوال حياتهم. وبالواقع يمكننا القول أنه قد تم تحديد الطبقة الاجتماعية كعامل حاسم في عملية التنشئة الاجتماعية.
شرح ملفين كون (1965 – 1977) الأسباب التي جعلت الآباء من الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة يتواصلون اجتماعيًا مع أطفالهم بطرق مختلفة. يمتلك الوالدان من الطبقة العاملة تعليمًا أقل ويقومون بواجبات عمليّة بشكل متكرر، مع القليل من الاستقلالية، إذن الطاعة هي نقطة ضرورية ليتم نقلها إلى الجيل الآخر. من ناحية أخرى، يشغل الآباء من الطبقة المتوسطة وظائف ذوي الياقات البيضاء[1] حيث يتم تشجيع الإبداع والفكر المستقل ويمررون هذه القيم إلى أطفالهم.
المدرسة
يلتحق معظم الأطفال بالمدارس لغرض أساسي وهو الحصول على التعليم. تقوم المؤسسات التعليمية بتنشئة الأطفال بطرق مختلفة. في البداية: يتلقى الأطفال تعليمهم وفقا لمنهج رسمي، بنظام يعرّف بشكل غير رسمي بالقراءة والكتابة والحساب. يمثل المعلمون شخصيات السلطة في المدرسة، وهم يعززون باستمرار قيم المدرسة والممارسات الراسخة الأخرى لغرس الطاعة. أطلق علماء الاجتماع على هذا النوع من الأنظمة التي تفرض القيم المجتمعية على الأطفال على أنه “المنهج الخفي”.
عندما يتم تجميع الأطفال للمشاركة في مشروع، على سبيل المثال، فإنهم يتعلمون أهمية العمل الجماعي والتعاون. دور المنهج الخفي هنا هو تهيئة الأطفال للعالم الخارجي أوعالم البالغين. ويتعلم الأطفال كيفية إدارة التوقعات واللوائح والبيروقراطية والجلوس ثابتًا لعدة ساعات. و بالطبع فإن الطريقة التي تتعامل بها المدارس مع التلاميذ تختلف من ثقافة إلى أخرى.
الأقران (الأصدقاء)
تتكون مجموعات الأقران من رفقاء السن والأطفال الذين يشتركون في وضع مماثل. تُمكِّن مجموعات الأقران الأطفال من تكوين روابط شخصية بشروطهم الخاصة ويتعلمون من بعضهم البعض دون وجود شخصية ذات سلطة بينهم. تبدأ التنشئة الاجتماعية لمجموعة الأقران في سنوات تكوين الطفل، مثل عندما يتعلم الأطفال الذين يلعبون في الملعب سمة تبادل الأدوار. قد تكون عملية اختيار الصديق عرضية مثل: الانضمام إلى فصل دراسي وتكوين صداقات عشوائية فيه، لكن يصبح اختيار الأصدقاء عملية واعية عندما ينضجون.
عندما يقترب المرء من مرحلة المراهقة، تتمحور مجموعة الأقران حول اهتمامات ونشاطات مماثلة. تؤثر الأصدقاء على اختيار الشخص لأشياء مثل: اتجاهات الموضة والمظهر والعلاقات والموسيقى والمخدرات والجنس والتكنولوجيا.
يعتمد الأصدقاء على بعضهم البعض من أجل الرفقة والدعم العاطفي والمرح. ومع ذلك، ترتبط دوائر الأقران سلبًا بضغط الأقران الآخرين. يحدث هذا الموقف عندما تشجع مجموعة أقران الفرد على انتهاك القيم المجتمعية، وحقيقةً فإن تأثير الزملاء ينخفض عندما يصل الشخص إلى العشرينيات والثلاثينيات من العمر، خاصة إذا بدأوا بتكوين أسرة. لا يتضاءل هذا التأثير في نهاية المطاف حيث يلتقي الأزواج، ولا سيما أولئك الذين لديهم أطفال صغار، ويتواصلون اجتماعيًا.
وسائل الإعلام الجماهيرية
تشمل وسائل الإعلام الجماهيرية جوانب مثل البرامج التلفزيونية والمجلات والإذاعة والمواقع الإلكترونية والموسيقى والأفلام. وقد ثبت أن هذه الجوانب تؤثر على تفضيلات الفرد في الثقافة الشعبية. يتفق علماء الاجتماع على أنه من الصعب قياس مدى تأثير وسائل الإعلام. تنقل وسائل الإعلام المعلومات غير الشخصية في اتجاه واحد للجمهور، حيث تؤثر الإعلانات التجارية بشكل كبير على اختياراتنا لمنتجات التجزئة مثل الملابس والمواد الغذائية والأدوات المنزلية.
تتعرض وسائل الإعلام دائمًا لنقد حاد لأنها تعرض الأطفال والشباب لسيناريوهات سلبية. في عالم اليوم، ينغمس الطفل العادي في آلاف من الأعمال العنيفة التي تعرض على شاشة التلفزيون قبل بلوغه سن الرشد. ذكرت دراسات مختلفة عن وجود علاقة قوية بين مشاهدة الأفلام والعروض العنيفة، وارتكاب أعمال عنيفة على الرغم من أن مشاهدة مثل هذه البرامج لا تؤدي دائمًا إلى العنف.
ينخرط العلماء باستمرار في نقاش حول العلاقة بين العنف الإعلامي والعنف الذي يرتكبه الشباب. أثار الارتباط المتصوّر دعوات الجماعات المجتمعية للرقابة وحتى حظر أعمال عنف معينة. تمكّن وسائل الإعلام جمهورها من خلال تزويدهم بمعلومات أوسع ليس فقط حول منطقة إقامتهم الخاصة ولكن أيضًا حول العالم بأسره.
اقرأ ايضاً: ثلاثة طرق لمساعدة الأطفال على التفكير بصورة نقدية في الأخبار
[1] – الياقات الزرقاء: هم العمال في المصانع وغيرها؛ الياقات البيضاء: هم من يباشرون عملهم من المكتب. (المراجع)