- شوق الحسين
- تحرير: سهام سايح
في يومٍ ما كنتُ مكبَّةً أقرأ في رواية لا يحضُرني اسمها، حيث لا شيء أحبّ إليّ من أن أختلي بنفسي وببعض وريقات أُمتِّع بها عقلي وأسري بها عن نفسي، حتى داهمني على حين غفلة أخي الذي يكبرني سنًا متّهمًا إياي بإضاعة الوقت في تُرّهات لا تسمن ولا تغني من جوع. هذا ما جعلني أفكر في سؤال جوهري لقارئة مثلي تقرأ الرواية باعتبارها صنفًا من صنوف الأدب لا يستهان به، فأخذت أفتش هنا وهناك عن إجابات لهذا السؤال الذي لمع في خاطري للمرة الأولى “لماذا نقرأ الرواية؟”.
الرواية تجربة فريدة من نوعها للدخول في عوالم أخرى من صُنع الإنسان إذ تجد نفسك غارقًا في عالم آخر لا يشبه عالمك، متقمصًا شخصية أخرى لا تعرفك ولا تعرفها، مارًا بأحداث قد لا تمر بها هنا، في واقعك. في الرواية أنت ترى أناسًا آخرين، تتحدث مثلما يتحدثون، ترتدي مثلما يرتدون، تفرح لفرحهم و تبكي لبكائهم، وقد تشعر بمرور الوقت أنهم جزءٌ منك وأنت جزءٌ منهم حتى يتماهى شخصك بشخصهم وشعورك بشعورهم ووجودك بوجودهم، فتشعر كما لو أنّ العالمان تداخلا بعضهما بالآخر. ثمّة ارتباط خفيّ يتكوَّن بيننا وبين الشخصيات التي نجدها في الرواية لاسيما تلك التي تترك أثرًا لا يُمحى. ثمَّة علاقة بيني وبين “جان فالجان” في البؤساء، “مارغريت” في العبرات، “ضاري” في ارتطام لم يُسمع له دوي و غيرها الكثير. عندما تقرأ الرواية قد تجد أنك “سانتياغو” ضائعًا وسط صحراء فسيحة باحثًا عن إشارة كونية تدلك إلى “الخيميائي”، أو هائمًا في “الليالي البيضاء” الأربعة لقصة حب قصيرة المدى، أو “عائشة تنزل إلى العالم السفلي” بعدما ثكلت طفلها. تخيَّل أن تكون أنت -الشخص الواحد- كل هذه الشخصيات في أزمنة وأمكنة مختلفة.
هذا ما تفعله الرواية وهنا تكمُن لذتها؛ في أن تعيش حيوات متعددة في حياة واحدة، وأن ترتدي عدة أوجه فوق وجهك الأوحد، وكما يقول العقاد “أقرأ لأنّ حياةً واحدةً لا تكفيني” وهذا شأننا في كلِّ ما نقرأ.
الرواية أفضل تنشيط للمخيِّلة. فلا يكاد يَصفُ لك الرَّاوي أمرًا حتى تتخيله بحذافيره. يصف ملامح الشخصية فتنتشلها من العدم إلى الوجود، أو يصف مكانًا فتراه وكأنّك جزء منه، أو يصف حدثًا فتحدق به ماثلاً أمام عينيك كما لو أنّك تختبئ في إحدى الزوايا. في الرواية أنت المصوِّر والممثل و المخرج، أنت صانع الزمان و المكان، وهذه المسرحية لا تكون إلا على خشبة دماغك. إنّها عبقرية الكتابة الروائية، أن يرميك هذا الكاتب في فضاء فسيح فتنسج الصورة وترى الشخص وتعيش الحدث وتمرِّر الفكرة بين كل ماسبق. في الرواية لا عجب أن تنهال عليك الأفكار أشيالا بصورتها غير المباشرة بين الشخوص والأحداث والعناصر الأخرى فتتلقى العديد منها بشكلها البسيط أو العميق دون أن تشعر بذلك. الأسلوب القصصي من أكثر الأساليب وقعًا في النفس حيث يوصل المعنى بشكل خفيٍّ، مؤثر، ومدروس. كما للرواية من دور في تحسين مهارات تحليل وفهم الأحداث والمجريات من حولنا، كما أنّها تنمي الذكاء العاطفي، المهارات الاجتماعية، الشعور بالتعاطف و القدرة على الحب. يمكن للرواية أن تجعلنا أكثر إنسانية، وجميع ماسبق يكون بالاختيار الصحيح للرواية الحقة.
في الرواية عزاء. عندما تقرأ نصًا أو سطرًا ما فتجد شيئًا من ألمك الذي قاسيت نوباته وأيامك التي نشبت أظافرها في قلبك و همومك التي تجرَّعت سمومها، فتهدأ نفسك وتسكن خلجاتك حيث أنّ للألم بصمةً مشتركة، ونحن جميعنا في هذا سواسية، وفي الأدب مُواساتنا. إنّه المصحة النَّفسية القابعة بين الورق، والجرعات المسكنة التي مهما تعاطيناها لا تزيد عن حدها وستشفينا ولو قليلاً. الرواية تقول لك أنّك لست وحدك، وتسري عنك شيئًا مما فيك. هذا بعض مما يدفعني لأقرأ الرواية التي هي “مسرح اللغة، ومصنعُ الخيال، وتصوُّف الشعور، ومنبع الإنسانية”.
لماذا نجد انفسنا ننجذب لقراءة الرواية المؤلفة والمنسوجة أكثر من انجذابنا لقراءة التاريخ والسيرة المروية
مقال جميل، بعض الروايات أيضًا يكون فيها معلومات وتزيد حصيلتك العلمية.
أيضًا قراءة الروايات بين الكتب المتنوعة له أثر بالغ ومتعة مميزة، عند قراءة الكتب العلمية او التي تتحدث عن موضوع معين وتطرح أفكار مختلفة يجب عليك التركيز حين قراءتها حتى يتسنى لك الفهم الكامل، لكن في الرواية أجد المتعة في قراءتها قبل النوم أو حين انتهائي من كتاب مليء بالمعلومات والفوائد.
رغم أني قارئ للروايات .. ولكن لم أجد جوابا كافيا ومُقنعا على السؤال الذي طرحتيه على نفسك وأصبحتي ملزمة بإجابته .. ببساطة كل ما قلتيه يمكن الرد عليه بقول أحدهم: ” شاهدي فيلم وستجدين فيه نفس الشعور الذي تتحدثين عنه، وربما وقت الفيلم سيكون أوفر بكثير من وقت قراءة الرواية”.
يعني مافي فائدة
أنصحك بالاستماع لدروس الشيخ أحمد عبد المنعم والدكتور عبد الرحمن الهاشمي لتعلم أن الرويات لها تأثيرات جانبية غير التي تتحدث عنها إضافة.
حين يقتنع الإنسان بصحة شيءٍ ما، سيبذل جهدًا ليُقنع الآخرين بذلك ولو كانت الأسباب والمبررات غير مقنعة!
لا يمكننا أن نساوي القارئ المتبحر في كتب العلم على اتساعها وتنوعها خاصةً علوم الشريعة بمن يزجي وقته وجهده ووقت قراءته بحكاياتٍ مُتخيلة مهما حوت من علم وفائدة فهي مجرد رتوش ويبقى الأصل في كتب أهل العلم لا الأدباء..