- تحرير: سهام سايح
نقد العلموية، لا العلم
“من يستطيع إنكار الإنجازات غير العادية للعلم؟ إنّ التقنية التي نعتمد عليها كل يومٍ والإجراءات الطبية المنقذة للحياة التي لم تكن متاحة في الأزمنة السابقة، كلُّها ثمرة البحث العلمي”[1].
ولكن النقد ليس متوجهًا للعلم التجريبي، وإنّما للعلموية، فما نعني بها؟
العلموية هي اعتبار العلم التجريبي الوسيلة الموضوعية الوحيدة التي يجب على المجتمع تحديد القيم المعيارية والمعرفية بواسطتها[2]. مصطلح العلموية يستبطن تطبيقًا تبجيليًّا للعلم التجريبي في سياقات لا مسوِّغَ لها، وتُعتَبَرُ غير قابلة لتطبيق المنهج العلمي أو المعايير العلمية المماثلة.[3]
بمراجعة الإشارات إلى العلموية في الأعمال المعاصرة، يمكن استخلاص موضوعين رئيسيين:
- يُستخدم هذا المصطلح لانتقاد النظرة الشمولية للعلم التجريبي كما لو كان قادرًا على وصف كلِّ الواقع والمعرفة، أو كما لو كان الطريقة الحقيقية الوحيدة لاكتساب المعرفة حول الواقع وطبيعة الأشياء.
- يُستخدم في كثير من الأحيان في سياق الانتقاد، للإشارة إلى انتهاك الحدود حيث تُطبَّق نظريات وطرق أحد المجالات العلمية التجريبية بشكل غير ملائم على نطاق تخصص آخر (تجريبي أو غير تجريبي). مثالٌ على هذا الاستخدام الثاني هو الوصف بالعلموية لمن يطالب باعتبار العلم التجريبي مصدرًا وحيدًا أو أساسيًّا للقيم الإنسانية (التي هي مجال أخلاقيات تقليدي)، أو مصدرًا للمعنى والغرض (التي هي مجال تقليدي للدين والرؤى الكونية ذات الصلة).
شاع مصطلح العلموية على يد فريدريش هايك، الذي عرّفه بأنّه “التقليد العبودي لمنهج ولغة العلوم التجريبية”.[4] ووفقًا لميكائيل ستينمارك، تنصُّ أقوى صيغة للعلموية على أنّ العلم التجريبي ليس له حدود وأنّ جميع المشكلات الإنسانية وجميع جوانب المساعي الإنسانية، في الوقت المناسب، سيتم التعامل معها وحلُّها عن طريق العلم التجريبي وحده. وُصفت هذه الفكرة أيضًا بأسطورة التقدم.[5]
في فلسفة العلوم، يُستعمل مصطلح العلموية في كثير من الأحيان في سياق نقدي للصيغ الأكثر تطرفًا من الوضعية المنطقية. وقد استخدمه علماء الاجتماع وفلاسفة العلوم لوصف المصادقة العقائدية (غير المبرهَنة) للمنهجية العلمية، واختزال المعرفة في المعرفة التي يمكن قياسها فقط.
بشكل عام، تُفسَّرُ العلموية في كثير من الأحيان على أنها تطبيق مُفْرِط للعلم التجريبي. ومصطلح العلموية له مغزيان:
- الاستخدام غير الصحيح للعلوم التجريبية أو الادِّعاءات العلمية. يُستعمل هذا الاستخدام في السياقات التي قد لا يلائم فيها العلم التجريبي، مثل أن يُنظر إلى الموضوع على أنّه خارج عن نطاق البحث العلمي التجريبي، وفي السياقات التي لا توجد فيها أدلة تجريبية كافية لتسويغ الاستنتاج العلمي. فالمصطلح يشتمل على مراعاة مُفْرِطة لمطالب العلماء التجريبين أو ضعف تمييز في قبول أي نتيجة توصف بأنّها علمية. وهذا يمكن أن يتناول أيضًا محاولة تطبيق منهجية “العلم الصلب” وادعاءات اليقين على العلوم الاجتماعية، والتي وصفها فريدريش هايك في (الثورة المضادة للعلم) بأنّها مستحيلة؛ لأنّ تلك المنهجية تتضمن محاولة القضاء على العامل البشري، في حين أنّ العلوم الاجتماعية (بما في ذلك الاقتصاد) تتركز بشكلٍ كاملٍ تقريبًا على التصرُّف البشري.[6]
- الاعتقاد بأنّ أساليب العلوم الطبيعية، أو التصنيفات والأشياء المعترف بها في العلوم الطبيعية، تشكِّل العناصر الملائمة الوحيدة في أيِّ تساؤل فلسفي،[7] أو أنّ العلم الطبيعي وحده هو الذي يصف العالَم كما هو في حدِّ ذاته، مستقلّاً عن المنظور، مع ما يصاحب ذلك من القضاء على الأبعاد النفسية والروحية للتجربة.[8]
وحسب توم سوريل فإنّ: “العلموية مسألة ذات قيمة عالية جدًا في العلوم الطبيعية مقارنة بفروع العلم أو الثقافة الأخرى”.[9] واعتبر ألكسندر روزنبرغ أيضًا العلمويةَ مصطلحًا يجعل العلم التجريبي المصدر الوحيد الموثوق للمعرفة.
يُستخدم هذا المصطلح أيضًا أحيانًا لوصف قابلية التطبيق الشامل للمنهج العلمي، والرأي القائل بأنّ العلوم التجريبية تشكِّل أكثر النظرات موثوقية للعالَم أو الجزء الأكثر قيمة في التعلم البشري، وفي بعض الأحيان الاستبعاد التام لوجهات النظر الأخرى، مثل التاريخية والفلسفية، ووجهات النظر الاقتصادية أو الثقافية. وعُرِّفت العلموية بأنّها “الرأي القائل بأنّ الأساليب الاستقلالية المميزة للعلوم الطبيعية هي المصدر الوحيد للمعرفة الواقعية الحقيقية، وبصفة خاصة، هي وحدها التي يمكنها أن تنتج معرفة حقيقية عن الإنسان والمجتمع”. يستخدم مصطلح العلموية أيضًا من قبل المؤرخين والفلاسفة والنقاد الثقافيين لتسليط الضوء على الأخطار المحتملة في الاختزال المفرط في جميع مجالات المعرفة الإنسانية.
العلموية والدين
في عام 2006 م أصدر الفيلسوف الأمريكي الملحد دانييل دينيت كتابه “كسر التعويذة: الدين بوصفه ظاهرة طبيعية”، وفيه زعم أنّ الدين بحاجة إلى تحليل علمي حتى يمكن فهم طبيعته ومستقبله بشكل أفضل، وأنّ علم الأحياء التطوري وعلم التطور الثقافي Memetics يشيران إلى نظريات محتملة تتعلق بأصل الدين والتطور اللاحق للأديان الحديثة من المعتقدات الشعبية القديمة، وأنّه ليس هناك شيء خارج عن نطاق البحث العلمي التجريبي أو يتجاوزه كالأديان.
وُصف الأفراد المرتبطون بالإلحاد الجديد بِسِمَة العلموية من قِبَل العلماء المتدينين وغير المتدينين. جادل اللاهوتي الكاثوليكي جون هات بأنّ الفيلسوف دانييل دينيت وغيره من الملحدين الجدد يشتركون في نظامِ مُعتَقَدٍ من الطبيعانية العلمية، يحمل العقيدة المركزية المتمثلة في أنّ “الطبيعة وحدها، بما في ذلك البشر وأفعالهم، هي الحقيقية، وأنّ الله غير موجود ]تعالى الله[؛ وأنّ العلم التجريبي وحده يمكن أن يعطينا معرفة كاملة وموثوقة بالواقع”. وجادل هات أن نظام الاعتقاد هذا يدحض نفسه لأنّه يتطلب من أتباعه الموافقة على المعتقدات التي تنتهك متطلباتها المعلنة الخاصة بالمعرفة. جادل الفيلسوف المسيحي بيتر ويليامز أنّه فقط من خلال ربط العلم التجريبي بالعلموية يشعر الملحدون الجدد بأنّهم مؤهلون للكلام في القضايا الميتافيزيقية على طريقة الأساقفة.
جادل مؤرخ الأفكار ت. ج. جاكسون ليرز أنّه ثمة في الآونة الأخيرة عودة لظهور الإيمان بوضعية Positivism القرن التاسع عشر، يتجسد بأنّ العلم التجريبي قد اكتشف، أو على وشك اكتشاف، جميع الحقائق المهمة عن حياة البشر. القياسات الدقيقة والحسابات الصارمة في هذا الرأي، هما الأساس لتسوية الخلافات الميتافيزيقية والأخلاقية الدائمة. يَعتبر ليرز على وجه التحديد عمل عالم النفس بجامعة هارفارد ستيفن بينكر بأنّه يقع في هذه الفئة.[10]
قدَّمَ الفيلسوفان جون جراي وتوماس ناجل (مع كونهما ملحديْن) انتقاداتٍ مماثلة ضد الأعمال الشهيرة التي قام بها عالم النفس الأخلاقي جوناثان هايدت، وعالم الأعصاب سام هاريس، والكاتب مالكولم جلادويل.
ربط أيضًا علماءُ غيرُ متدينيين بين الإلحاد الجديد والعلموية أو الوضعية. يقول الفيلسوف الملحد توماس ناجل إنّ عالم الأعصاب سام هاريس خلط بين المعرفة التجريبية والمعرفة العلمية. وقال الناقد الماركسي تيري إيجلتون إنّ كريستوفر هيتشنز لديه “فكرة علمية قديمة عن ما يُعتبر دليلًا”، وهو يختزل المعرفة في ما يمكن وما لا يمكن إثباته عن طريق الإجراء العلمي. انتقد الفيلسوف اللاأدري أنتوني كيني أيضًا كتابَ الفيلسوف الملحد ألكسندر روزنبرغ: (دليل الملحد إلى الحقيقة) لإحيائه نظرية المعرفة الذاتية الدحض: الوضعية المنطقية، ولاختزاله جميع معارف الكون في علم الفيزياء.
مايكل شيرمر، مؤسس جمعية الشُّكَّاك، خلص إلى وجود توازٍ بين العلموية والحركات الدينية التقليدية، ويشير إلى عبادة الشخوص التي تتمحور حول بعض العلماء التجريبيين في نظر الجمهور. وقد عرّف العلموية بأنّها رؤية للعالم تشمل التفسيرات الطبيعية، وتتحاشى خوارق العادة والطبيعة، وتتبنَّى الإمبريقية (التجريبية) .
واستخدم الفيزيائي والفيلسوف ماريو بانج مصطلح العلموية في سياق إيجابي في العديد من الكتب التي نُشرت على مدى عدة عقود، وفي مقالات بعناوين مثل “دفاعًا عن الواقعية والعلموية” و”دفاعًا عن العلموية”. ورفض بانج نُقَّادَ العلوم مثل هايك وهابرماس بوصفهما دوغمائيين وظلاميين.[11]
وصرَّح سيد حسين نصر أنّه في العالم الغربي، يقبل الكثيرون أيديولوجية العلم التجريبي الحديث، ليس بصفته علمًا عاديًّا بسيطًا، ولكن بصفته بديلًا عن الدين.[12] وكتب غريغوري بيترسون أنّه “بالنسبة للعديد من اللاهوتيين والفلاسفة، فالعلموية من بين أعظم الخطايا الفكرية”.[13] ومن أعظم خطاياها فقدان الغاية؛ ففي “العالم العتيق كان التفكير الغائي سائدًا أكثر من عصرنا… ومع ظهور العلم الحديث، لم يعد يُنظر إلى الطبيعة باعتبارها نظامًا ذا هدفٍ، بل صار يُنظر إليها ميكانيكيًا”.[14] يقول دوغلاس اكس: “لا يجب أن ينكر أحدٌ أهمية العلم [التجريبي]، لكن لا يجب أيضًا أن ينكر أهمية الوقائع الأكثر جوهرية التي تكسو العلم [التجريبي] معنىً ومغزى. وعند القيام بذلك تقوم المادية والعلموية بنقض المنهج الذي تسعى لإشادته.”
وفي الوقت الذي يحاول فيه الملاحدة اختطاف العلم التجريبي واجتذابه إلى ناحيتهم، تُظهر بعض الإحصائيات أنّ ٤٠٪ من العلماء الأمريكيين يؤمنون بإله شخصي [ذي صفات] مجيب للدعوات.[15]
تجاوزات العلموية
العلموية تحاول أن تلعب أحد أهم الأدوار الخاصة بالدين. هذا الدور هو تقديم تصوُّر شامل للوجود، وتوفير إجابات للأسئلة البشرية المهمة… يمكن أن يُطلَق على هذه الطبيعانية وصف (المذهب الشبيه بالدين)َQuasi-religion. [16]
افتتح الفيزيائيان ستيفن هوكينج وليونارد ملودينوف كتابهما الصادر في عام 2010م (التصميم العظيم) بطرح الأسئلة التالية:
“ما هي طبيعة الحقيقة؟ من أين أتى كل هذا؟ هل يحتاج الكون إلى خالق؟ تقليديًا، هذه أسئلة للفلسفة، لكن الفلسفة قد ماتت… لم تواكب الفلسفةُ التطوراتِ الحديثةَ في العلوم، وخاصة الفيزياء. أصبح العلماء التجريبيون حاملي شعلة الاكتشاف في سعينا للحصول على المعرفة”.
الفيلسوف بول فييرابند، الذي كان مؤيدًا متحمسًا للعلموية في شبابه، وصفَ العلمَ التجريبي لاحقًا بأنّه “مؤسسة فوضوية أساسًا”. وجادل بشكل قاطع بأنّ العلم التجريبي لا يستحق الاحتكار الحصري لـ “التعامل مع المعرفة” وأنّ العلماء التجريبيين لم يعملوا أبدًا ضمن تقاليد متميزة ومحددة ذاتيًّا. في مقالته “ضد المنهج” ، وصف عملية التعليم العلمي المعاصر كشكل آخر من التلقين، يهدف إلى “جعل تاريخ العلم مملًّا، وأبسط، وأكثر اتساقًا، وأكثر موضوعية، ويمكن الوصول إليه بسهولة عن طريق قواعد صارمة لا تتغير”.[17]
“وهكذا وُضع العلماء [الطبيعيون] في مكانة خاطئة بواسطة أولئك الذين يجعلونهم أوصياء العقلانية الوحيدين في المجتمع… ولدرجة غير صحية نوعًا ما، حلّ العلم محل الدين باعتباره المصدر الأساسي للحقيقة والقيم في العالم الحديث”.[18]
الصورة النمطية للعالِم النموذجي تتمثل في شخصٍ يعرف زاوية واحدة صغيرة من العالم الطبيعي ويعرفها جيدًا، أفضل من معظم البشر الآخرين الذين يعيشون الآن، وأفضل حتى من معظم الذين عاشوا على الإطلاق. ولكن خارج مجالات خبراتهم المقيدة، يتردد العلماء في التعبير عن رأي موثوق. كان هذا الموقف جذَّابًا على وجه التحديد لأنه كان في تناقضٍ حادٍّ مع غطرسة فلاسفة الوضعية المنطقية، الذين ادَّعوا للعلم الطبيعي وممارسيه سلطةً واسعةً لم يكن العديدُ من العلماء الممارسين أنفسهم مرتاحين لها.
ومع ذلك، فإن إغراء التخطي والتجاوز، يبدو اليوم منتشرًا بشكل متزايد في المناقشات حول العلوم. سواءً في عمل الفلاسفة المحترفين أو في الكتابات الشعبية من قبل علماء الطبيعة، كثيرًا ما يُزعم أنّ العلوم الطبيعية تشكِّل أو ستشكِّل قريبًا مجال الحقيقة بالكامل. وأصبح هذا الموقف أكثر انتشارًا بين العلماء أنفسهم. لقد قبل الكثيرون من المعاصرين الضجيجَ الذي يشير إلى أنّ الحصول على درجة علمية متقدمة في بعض مجالات العلوم الطبيعية يمنح القدرة على الإدلاء بالحكمة في أي موضوع وكل الموضوعات.
يقول عالم الأحياء الوراثية أوستن هيوز في (حماقة العلموية) إنّه منذ بداية المشروع العلمي الحديث، كان ثمة علماء وفلاسفة أُعجبوا بقدرة العلوم الطبيعية على تطوير المعرفة، مؤكدين أنّ هذه العلوم هي الطريقة الصحيحة الوحيدة للبحث عن المعرفة في أي مجال. لقد عبَّر الكيميائي بيتر أتكينز عن تعبير صريح عن وجهة النظر هذه، والذي أكَّد في مقالته عام 1995م (العلم حقيقةً) على “الكفاءة العالمية” للعلوم. وقد أطلق على هذا الموقف اسم “العلموية”، وهو المصطلح الذي كان في الأصل يهدف إلى أن يكون تحقيرًا، إلاّ أنّ بعض أنصاره الأكثر صراحةً كانوا يدافعون عنه باعتباره شعار شرف. في كتابهم الذي صدر عام 2007م بعنوان “كل شيء يجب أن يذهب: الميتافيزيقيا باعتبارها طبيعة”، ذهب الفلاسفة جيمس ليديمان، دون روس وديفيد سبورت إلى أبعد من ذلك فعنونوا لأحد فصول الكتاب: “في الدفاع عن العلموية”.
من الأمور الملاحظة في العلموية الاستيلاء على أجوبة جميع الأسئلة تقريبًا التي كانت تنتمي إلى نطاق الفلسفة. العلموية لا تَعتبر العلم التجريبي أفضل من الفلسفة في إجابة الأسئلة الوجودية، بل تعتبر العلم التجريبي هو الطريق الوحيد لإجابة هذه الأسئلة.
احتكار العقلانية
يحتكر دعاة العلموية اليوم ارتداء وشاح العقلانية، وكثيرًا ما يسوُّون العلم التجريبي بالعقل نفسه. ومع ذلك، يبدو أنّ نقيض العقل هو الإصرار على أنّ العلم التجريبي يمكن أن يفعل ما لا يستطيع، أو حتى أنه فعل ما لم يفعله حقًا بشكلٍ واضح.
يقول هيوز: “بصفتي عالمًا تجريبيًّا، لن أنكر أبدًا أنّ الاكتشافات العلمية يمكن أن يكون لها آثار مهمة على الميتافيزيقيا، نظرية المعرفة، والأخلاقيات، وأنّ جميع المهتمين بهذه الموضوعات يحتاجون إلى معرفة علمية. لكن الادعاء بأنّ العلم التجريبي وحده قادر على الإجابة عن الأسئلة القديمة في هذه المجالات يثير مشاكل لا حصر لها.
على النقيض من العقلانية، فإنّ السِّمة المميزة للخرافات هي الإصرار العنيد على أن شيئًا ما، مثل صنم أو تميمة، له قوى لا تدعمها الأدلة. من هذا المنظور، يبدو أنّ للعلموية الكثير من القواسم المشتركة مع الخرافة كما هو مع الأبحاث العلمية التي أجريت بشكل صحيح. تدعي العلموية أنّ العلم التجريبي قد حل بالفعل أسئلة تتجاوز بطبيعتها قدرتها على الإجابة.
من بين جميع أوجه القصور في التاريخ الطويل من السذاجة الإنسانية، فإنّ العلموية بكل مظاهرها المتنوعة – من علم الكونيات الخيالي إلى نظرية المعرفة التطورية والأخلاقيات- يبدو أنّها من بين الأفكار الأكثر خطورة؛ لأنّها تدعي أنها شيء مختلف تمامًا عما هي عليه حقًا، ولأنها حصلت على التزام واسع النطاق وغير منتقَد. إنّ الإصرار المستمر على الكفاءة العالمية للعلوم التجريبية لن يؤدي إلا إلى تقويض مصداقية العلم ككل. ستكون النتيجة النهائية هي زيادة الشكوك الجذرية التي تشكك في قدرة العلم التجريبي على معالجة حتى الأسئلة المشروعة ضمن مجال اختصاصه. يتوق المرء إلى التنوير الجديد لنقض ادعاءات هذه الخرافة الأخيرة”.[19]
قصور الاختزالية
من الانتقادات الشائعة للوضعية المنطقية، ما قاله فيلسوف الأديان كيث وارد، بأنّ العلموية غير متسقة من الناحية الفلسفية أو هي ذاتية الدحض، حيث إن مقولات من قبيل: “لا توجد عبارات صحيحة ما لم يتم إثباتها علميًّا (أو منطقيًّا)” أو: “لا توجد عبارات صحيحة ما لم يكن من الممكن إثبات صحتها تجريبيًّا”، لا يمكن إثباتها علميًّا أو منطقيًّا أو تجريبيًّا.
العلم التجريبي يقوم على فرضيات قبلية متعالية عليه، فلا يمكن الاكتفاء بالعلم التجريبي عن غيره. إن المبادئ العقلية الضرورية مثل مبدأ الهوية واستحالة اجتماع النقيضين ومبدأ السببية هي قوانين متعالية على العلم التجريبي ولا يمكن إثباتها من داخله. يقول دوغلاس اكس: “لا يُعقل أنّ العلم [التجريبي] يستطيع أن يعطينا شيئًا أكثر وثوقًا من الإيمان الذي صدَّقنا به الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها العلم. العلم [التجريبي] لن يكون أبدًا الطريق الأولي للمعرفة، فضلًا أي يكون الطريق الأوحد”.
انتقد إرنست شوماخر في كتابه (دليل الحائرين) العلموية بوصفها وجهة نظر قاصرة للعالم، تقتصر فقط على ما يمكن حسابه وقياسه ووزنه. “افترض مهندسو النظرة العالمية الحديثة، ولا سيما غاليليو وديكارت، أنّ تلك الأشياء التي يمكن وزنها وقياسها وإحصائها كانت أكثر صدقًا من تلك التي لا يمكن حسابها”.[20]
أحد أكبر الأخطاء في تبني الادعاءات الميتافيزيقية لأيديولوجيا العلموية هي أنّها ملتزمة باختزال جميع تجارب الوعي والحس في الخواص الموصوفة في الفيزياء وسردها للقوانين السببية. ومع ذلك، عند إجراء فحص دقيق، فإنّها في أحسن الأحوال، تمثل مجهودًا غير كافٍ وغير مكتملٍ لشرح ظواهر الوعي.
يقول هيوز إنّ علماء الطبيعة، مثلهم مثل سائر الناس، عرضة للأخطاء الفلسفية والمنطقية. يمكن للعلماء أن يكونوا عرضة لأخطاء المنطق الأولي، وغالبًا ما لا يتم اكتشاف هذه الأخطاء من خلال عملية مراجعة الأقران. على سبيل المثال، الخلط بين الارتباط والسببية، أو الخلط بين التلازم والتكافؤ. يمكن أن توفر الفلسفة طريقة لفهم وتصحيح مثل هذه الأخطاء. إنها تتناول مجموعة متميزة إلى حد كبير من الأسئلة التي لا يمكن للعلم الطبيعي وحده الإجابة عليها، ولكن يجب الإجابة عنها حتى يمكن إجراء العلوم الطبيعية بشكل صحيح.
تشتمل هذه الأسئلة على كيفية تعريف وفهم العلم التجريبي نفسه. من الأسئلة الجوهرية سؤال التمييز بين العلم والفلسفة ودور كل واحد منهما، وكيفية التمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف. من بين أكثر هذه المعايير انتشارًا، معيار كارل بوبر في كتابه (منطق الاكتشافات العلمية)، وهو معيار المدحوضية أو القابلية للدحض.[21]
النظرية القابلة للدحض هي تلك التي تقدم تنبؤًا محدَّدًا حول النتائج المفترض أن تحدث في ظل مجموعة من الظروف التجريبية، بحيث يمكن دحض النظرية عن طريق إجراء التجربة ومقارنة النتائج المتوقعة بالنتائج الفعلية. فعلى هذا، النظرية أو التفسير الذي لا يمكن دحضه يقع خارج نطاق العلوم. على سبيل المثال، التحليل النفسي الفرويدي، الذي لا يطرح تنبؤات تجريبية محددة، قادر على مراجعة نظريته لمطابقة أي ملاحظات، من أجل تجنب رفض النظرية تمامًا. بهذا المعيار، تعد الفرويدية بمثابة علم زائف، وهي نظرية تدعي أنّها علمية ولكنها في الواقع محصنة من المدحوضية. على النقيض من ذلك، على سبيل المثال، فإن نظرية النسبية لأينشتاين قد طرحت تنبؤات محددة (مثل انحناء ضوء النجوم حول الشمس)، ووفرت فرصًا لدحض النظرية من خلال الملاحظة التجريبية المباشرة. يبدو أنّ المدافعين عن تعريف كارل بوبر يعتبرون من العلم الزائف كلَّ عبارةٍ عن الميتافيزيقيا، والأخلاق، واللاهوت، والنقد الأدبي، التي لا تلبي معيار القابلية للدحض.[22]
وحسب ماغنوس برادشو فإنّ النزعة الإنسانوية تجد نفسها اليوم أنّها صارت مفتقدة للترابط المنطقي بفعل العلوم الاختزالية التي لا تتوافق في الأساس معها؛ وذلك أنه حين يغفل العلماء المعاصرون عن أية حدود لتخصصهم ثم يريدون منا أن نصدق أنّ البشر مجرد حيوانات عليا وعقولهم مجرد ظواهر ثانوية مصاحبة تقررها قوانين وعمليات فيزيائية صارمة، فإنّ أصحاب النزعة الإنسانوية، الذين يتبنون مقدمات النزعة المادية للعلوم ويمنحون مناهجها مكانة متميزة، تقل قدرتهم باستمرار على تسويغ ولائهم للأفكار المتعلقة بتفرد الإنسان وتميزه بالعقل والحرية والإرادة. ويبقى مثل هذا الموقف ذا اتساق منطقي عند المؤمنين بالدين وحدهم، بينما يتهافت العلموي تهافتًا مضطربًا.[23]
يقول ماكسيم يوبادِن: إنّ الذين يلتزمون بالعلموية ليسوا متسقين وماديين تمامًا كما تُظهر معتقداتُهم مبدئيًا. إنّ التزامهم بتقليص الظواهر بخصائص العلوم الطبيعية واختزالها في ما يمكن تجربته، يعتمد في الواقع على افتراضات دوغمائية تتعلق باعتبار كيانات العلوم الطبيعية على أنّها شاملة. يميل العلمويون إلى أن يكون لديهم تصور محدود لما يُسبغون عليه الشرعية من العلوم، فهي في نظرهم: الفيزياء، والكيمياء، والأحياء. ثم يختزلون كل المعرفة وجميع العلوم في علم الوجود النهائي الذي اكتشفته الفيزياء. يوجد افتراض حاسم في هذا المنطق -ألا وهو الاختزال الـمُلِحّ- الذي لا يصمد أمام التدقيق. وهذا تظهر فيه مغالاة العلموية في دعاواها.
يبدأ تبني النظرية العلمية بافتراضات محددة مدمجة فيها، ويجب أن تؤخذ الافتراضات كأمر مسلَّم به. الأول هو افتراض وجود توحُّدٍ معيَّنٍ للطبيعة يجعل قوانينها، التي يكتشفها العلم الطبيعي، تعمل في جميع الأماكن وفي جميع الأوقات. يمكن للمرء أن يقول إنّ هذا الاعتقاد بتوحُّد الطبيعة أو انتظامها قد تُوُصِّلَ إليه بعقلانية، لكن مشكلة العلموية تكمن في أنّه لا يمكن التحقق من هذه الفكرة بشكل “علمي”. من أجل البدء في اختبار هذه الفكرة بطريقة علمية، يجب على المرء أن يفترض أنّها صحيحة. وبالمثل، يتعيَّن على المرء اعتبار تجارب الفرد الحسية جديرة بالثقة تمامًا من أجل حساب نجاح أو فشل الفرضية العلمية. عندما يحلل عالمٌ ما نتائج تجربتها ويصوغ استنتاجًا حول ذلك، فستُفترَض بالفعل صحةُ مُدْخَلاتها الحسية كنموذج دقيق للواقع، وهو مرة أخرى افتراضٌ لا يمكن اختباره علميًا.[24]
ويقترح يوبادِن أنّ العلم في نهاية المطاف هو مجرد مرشِّح أو عدسة تمكِّننا من رؤية العالم بطريقة معينة. لا تدل المادية العلمية بالضرورة على حقيقة مطلقة، وإنَّما هي منظور. المراقب المحايد الموضوعي، اتضح أنّه مجرد خيال، وكان من قبل يُعتبر نقطة انطلاق البحث العلمي. العلم التجريبي بالأحرى، هو نتيجة لجهد منظَّم للعديد من البشر لتمرير وجهة نظرهم بشأن ما ينظرون إليه من خلال الأصوات والإيماءات التي نسميها اللغة، وتحقيق اتساق ذاتي حول النتائج المكررة والقابلة للتكرار التي يحصلون عليها من تجاربهم، ويقومون بذلك بدعوى الحياد والموضوعية. تحاول الطريقة العلمية في حد ذاتها القضاء على التحيز الشخصي من خلال تطبيق إجراءات مزدوجة التعمية، ولكن هذه التدابير لا يمكن أن تقضي تمامًا على احتمال تلف العملية من خلال الافتراضات الثقافية النظامية التي تم تأكيدها قبل بدء التحقيق.
وحسب يوبادِن فإنّ الشخص الذي يلتزم بالعلموية، ويَتَّسِق في التزامه، لن يعترف بالتاريخِ معرفةً، بل سينظر إليه على أنّه غير منتِج وغير ذي صلة. ومن المثير للاهتمام، أنّ العلم التجريبي نفسه يحتضن الخلل والحاجة إلى المراجعة، لكن وجهة النظر الفلسفية هذه تؤيد العلم التجريبي باعتباره مجمل المعرفة.[25]
من الضروري بيان كيف تدحض العلموية نفسها في نظرتها الأحادية. إنّ اعتبار العلم التجريبي المعرفة الوحيدة يُبطل مصداقيته؛ لأنّ هذه الفكرة نوع من ممارسة الفلسفة وليس العلم التجريبي… الجمهور المنتبه للوازم ذلك لن يكون أمامه خيار إلاّ ترك أخذ هذه الدعاوى بجدية. قد يقول عالم أنطولوجي متسق منطقيًا إنّ العلم التجريبي هو المعرفة الوحيدة التي لدينا، لكنه لن يستطيع أن يعرف ذلك لأنّ التفكير بهذه الطريقة ليس علميًا، مما يؤدي إلى حجة سخيفة قطعًا.[26]
التحيز واستحالة الموضوعية
يقول الرياضي والفيزيائي هنري بوانكاريه: ” كثيرًا ما يقال يجب أن نفكر دون فكرة سابقة، وهذا غير ممكن؛ لأنّ هذا سيجعل كل تجربة عقيمة، ولو حاولنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. ومهما يكن المرء متحفظًا فلا بد له من أن يُدخل شيئًا من عنده؛ لأنّ التجربة لا تعطينا غيرَ عددٍ معيَّن من النقط المنعزلة فلا بد من ربطها برباط متصل”.
هل نتائج العلم الطبيعي متفقة وتقطع النزاع – كما يتصور بعض الناس الذين يقولون: إنّما نحتكم للعلم-؟ يقول الابستمولوجي الفرنسي آبيل راي: “يجب أن نلاحظ أنّ العلم – وخاصةً الفيزياء-، مثل الفنّ، له مدارسه العديدة، بنتائج أحيانًا متباعدة، وأحيانًا متناقضة ومعادية”.[27]
تَصَوُّرُ أن كل بحث تنشره مجلة علمية هو بحثٌ يستحيل عليه الخطأ تصورٌ مغرق في السذاجة، وكم مرة نشرت مجلات علمية أبحاثًا تبين فيما بعد وقوعها في أخطاء كبيرة. ثمة مقالات تكشف ظهور برمجيات يمكن أن تُعِدَّ ورقة مزيفة مبنية على قراءات مختلقة ثم تنشر في مجلات معتبرة مثل Nature وغيرها.[28] فمن المبالغة أن نصوِّرَ العلم [الطبيعي] حصريًّا كعملية منطقية موجهة باختبارات تدقيق موضوعية، ومدفوعة فقط بدافع البحث عن الحقيقة”[29] بل هناك الأهواء والتحيزات والبحث عن الأضواء والمجد الشخصي.
ولمن يفترض النزاهة والموضوعية -دائمًا- في مخرجات العلم الطبيعي يقول عالم الحفريات القديمة ستيفن جولد:”إنّ اللجوء إلى الأساليب الاحتيالية…أمرٌ مستوطن في العلم [التجريبي]؛ ذلك أنّ العلماء هم بشر متجذرون في السياقات الثقافية، ليسوا آليين موجَّهين نحو الحقيقة الخارجية”[30]. وحسب عالمي النفس ريكاردو مانزوتي وباولو موديراتو فإنّ علوم الأعصاب أيضًا ليست بريئة من الانخراط في الماورائيات، وأنّه يجب تفسير البيانات التجريبية من منظور فرضية ما.[31] فمجال العلوم [الطبيعية] يعاني من العصبيات والتحزبات كأي مهنة أخرى. وهذا ليس مفاجئًا بأي حال من الأحوال، إلاّ أنّ العلماء يُنكرون أن يكون الأمر كذلك”[32].
درجات القطعية والظَّنية
من الأفكار التي يجب توضيحها عند من يفتعل التعارض بين نصوص الوحي والعلم التجريبي، أنّ ملاحظات العلم التجريبي ليست على درجة واحدة من القطعية، بل فيها من الظني القَدْر الكثير – كما أن في نصوصِ الوحي الظنيَّ والقطعي- فكيف لعاقل أن يَطَّرِحَ نصًّا قطعيَّ الثبوت قطعيَّ الدلالة بملاحظةٍ ظنيةِ الدلالة مبنيةٍ على عيناتٍ ناقصة أو خطأ محتمل في الرصد؟!
يقول رينيه جينو: “هناك كثير من التنازلات غير السائغة عند التوفيقيين أصحاب الأطروحات الدفاعية، حيث يسعى مؤلفوها إلى التوفيق بين العقيدة وكل فرضية مجردة تقوم على أساس واهن في العلم الحالي”.[33] ويقول فيلسوفا العلم جيليان باركر وفيليب كيتشر: “العلم [الطبيعي والتجريبي] قابل للمراجعة، ولذلك فإنّ الحديث عن (البرهان) العلمي أمرٌ خطير؛ لأن هذا المصطلح يعزز فكرة أنّ الاستنتاجات العلمية أشياء منقوشة على حجر”.[34]
في كثير من الأحيان، لا يقدِّم العلم التجريبي إجابة واحدة لتفسير ظاهرة ما، فنشأة الكون الكون مثلاً كان لها عدة تفسيرات، كانت نظرية الحالة الثابتة، ثم نظرية الانفجار العظيم، وهكذا. وعلى هذا فإن المؤمن العقلاني ليس مجبرًا على إعادة توجيه شراع سفينته كلما هبّت نسمة هواء يثيرها العلم الطبيعي. ليس من المعقول أن يغيّر المؤمن اعتقاده كلما غيّر العلم التجريبي رأيه.[35]
كسوف الأخلاق
يذكر هيوز أنّه ربما لم يشهد أي مجال من مجالات الفلسفة جهدًا أكبر في الاستيلاء من قِبل دعاة العلموية أكثر من الأخلاق. كثير منهم يميلون إلى موقف النسبية الأخلاقية. وفقًا لهذا الموقف، يتعامل العلم مع الموضوع والواقع، في حين أن تقريرات الأخلاق تمثل مجرد مشاعر الناس الذاتية؛ لا يمكن أن يكون هناك حق عالمي أو خطأ.[36]
ويقول يوبادِن أنّه يجب أن نعترف بأنّ هناك تاريخًا واسعًا قُدِّمَت فيه أدلة علمية لدعم حتى التحيُّزات البائسة. مثال على ذلك، علم قياس الجماجم وصامويل مورتون الذي جمع فيه المئات من الجماجم البشرية لإقامة أيديولوجية عنصرية شائعة في ذلك الوقت تستند إلى قياسات حجم الجزء الداخلي من الجمجمة، واستنتج من ذلك ما يؤيد الانقسامات العرقية للتفوق والنقص المفترضَيْن. إنّ السعي وراء العلموية يعرّض للحدس غير المنطقي والتحيّز، شأنه شأن محاولاتنا الأخرى لتوسيع قاعدة معارفنا، على الرغم من أنّه يبذل عمومًا جهدًا لتجنُّب مثل هذه المزالق في منهجيته الصارمة. طبقًا لتقاليد العلم التجريبي، على الأقل في مفهومه المعياري، فإنّ دورنا هو إجراء تحليل شامل للعمليات، وكذلك نقطة انطلاقها، للبحث قبل تقديم أي ادعاءات محددة. ولكن أيضًا يجب أن نضع في اعتبارنا الحاجة إلى إعادة تعريف نظرية المعرفة والغايات العلمية.[37]
غالبًا ما يُنظر إلى الأحياء التطورية على أنّها وثيقة الصلة بالأخلاقيات. كانت الداروينية الاجتماعية -على الأقل فيما يتعلق بتفسيرها وفهمها من قبل الأجيال اللاحقة- أيديولوجيا تسوِّغ الرأسمالية الحرة بالإشارة إلى “الصراع من أجل الوجود” الطبيعي. في كتابات المؤلفين مثل هربرت سبنسر، تراكُم الثروة في أيدي الأقلية في مقابل أولئك الأقل حظًا، سُوِّغَ بأنّ هذا هو “طريقة الطبيعة”[38]. ومن المفارقات أنّ الداروينية الاجتماعية نشأت في نفس الوقت الذي بدأت فيه الطبقات الغنية في الدول الغربية في الحدِّ من تكاثرها (ما يسمى “التحول الديموغرافي”) وكانت النتيجة أن الصراع الاقتصادي والصراع الدارويني كانا أهدافًا مشتركة.[39]
وفي هذا الأيام، يظهر قصور العلموية واضحًا في الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية الملحّة، فعند تفشّي الوباء وشُحِّ الموارد الطبية، يقترح النظر العلموي المجرَّد أن يُقدَّم علاجُ من كان بقاؤه أنفع لدوران عجلة الاقتصاد، لكنهم اختلفوا، هل يُبدأ بعلاج الشباب لأنّ لديهم متوسط عُمرٍ متوقع أعلى من كبار السن، أم يُقدَّم الكبار لأن لديهم الخبرة الاقتصادية!.
اقرأ ايضاً: مسيرة العلم الطبيعي، الوشيجة الهزيلة
[1] Robert A. Delfino, The Cultural Dangers of Scientism and Common Sense Solutions, p.1.
[2] Ibid.
[3] Martin Ryder, “Scientism”, Encyclopedia of Science, Technology and Ethics.
[4] Friedrich Hayek, The Counter Revolution of Science: Studies on the Abuse of Reason.
[5] Giovanni Monastra and Mehrdad Zarandi, Science and the Myth of Progress.
[6] Friedrich Hayek, The Counter Revolution of Science: Studies on the Abuse of Reason.
[7] Simon Blackburn, The Oxford Dictionary of Philosophy, p. 331.
[8] Robert Bannister, Behaviorism, Scientism and the Rise of the Expert.
[9] John H. Evans, Morals Not Knowledge: Recasting the Contemporary U.S. Conflict Between Religion and Science, p. 169.
[10] T.J. Jackson Lears, “Get Happy”, The Nation.
[11] Mario Bunge, In Defense of Scientism.
[12] William Chittick, The Essential Seyyed Hossein Nasr, p.30.
[13] Gregory Peterson, Demarcation and the Scientistic Fallacy.
[14] مايكل ساندل، العدالة، ص ٢١٠.
[15] Alvin Planting, Where the Conflict Really Lies: Science, Religion, and Naturalism, p. 74.
[16] Ibid., p. 311.
[17] Paul Feyerabend, Against Method.
[18] ويليام برود ونيكولاس واد، خونة الحقيقة، ص ٢٧١-٢٧٢.
[19] Austin L. Hughes, The Folly of Scientism, The New Atlantis, p.15.
[20] David Orr, Environmental Literacy: Education as if the Earth Mattered.
[21] Karl Popper, The Logic of Scientific Discovery, p.17.
[22] Austin L. Hughes, The Folly of Scientism, The New Atlantis, p.2-3.
[23] ماغنوس برادشو، من الإنسانية إلى العدمية، ترجمة: محمد سامر الست، ص 25.
[24] Maxim Uybadin, A Critique of Scientism: Its Implications and Limitations, p.1.
[25] Ibid., 2.
[26] Ibid., 3.
[27] آبيل راي، نظرية الفيزياء، ص ٣١.
[28] Richard Van Noorden, Publishers withdraw more than 120 gibberish papers.
[29] ويليام برود ونيكولاس واد، خونة الحقيقة، ص ٢٧٠.
[30] المرجع السابق، ص ١٠٧.
[31] Hamza Andreas Tzortzis,The Divine Reality God, Islam & The Mirage of Atheism, p. 130.
[32] ويليام برود ونيكولاس واد، خونة الحقيقة ص ٢٢٥.
[33] مقدمة ترجمة: الشرق والغرب، رينيه جينو، ص ٨٠.
[34] Hamza Andreas Tzortzis,The Divine Reality God, Islam & The Mirage of Atheism, p. 220.
[35] Alvin Planting, Where the Conflict Really Lies: Science, Religion, and Naturalism, p. 121.
[36] Austin L. Hughes, The Folly of Scientism, The New Atlantis, p.10.
[37] Maxim Uybadin, A Critique of Scientism: Its Implications and Limitations, p.2.
[38] Ndubuisi C. Ani, Does scientism undermine other forms of knowledge? p.5.
[39] Austin L. Hughes, The Folly of Scientism, The New Atlantis, p.10.