- مارك بيكوف
- ترجمة: منة الله محمد مصطفى
- تحرير: عبد الرحمن روح الأمين
تمهيد
في إطار حرص أثارة على متابعة المستجدات على الساحة الفكرية؛ نُمهّد بهذه المقالة لملف جديد حول “النباتية”، نتناول فيه أهم الأسس الأخلاقية ووجهات النظر الطبّية المتعلقة بموضوع النباتية، ومن الجدير بالذكر أن النباتية لا تقتصر فقط على مسألة الطعام، بل هي بالأحرى أسلوبُ حياةٍ يقوم على الاستغناء -الكلي أو الجزئي- عن كل ما يأتي من الحيوان.
يبلغ نسبة النباتيين في العالم الغربي ما بين 1.5% إلى 2.5% بينما يبلغ نسبة النباتيين في الهند ما يقارب 40%، وذلك بسبب عقيدة الأغلبية الهندوسية الذين يرفضون أكل لحوم البقر؛ كما ترجع أشهر الحمى (جمع حِمية) إلى الهند ودول شرق آسيا. وتقوم هذه المبادئ على أساس تجنب العنف ضد الحيوانات؛ فهي تَعدّ ذبح الحيوان وأكله ممارسة عنيفة يجب التخلص منها. وترجع جذور هذه الفكرة إلى مبدأ “الرحمة – أهيمسا” في الديانة الهندوسية والجاينية؛ وفي البوذية تعد أول المبادئ الخمسة. إن الأهيمسا مفهوم متعدّد الجوانب، يبدأ من افتراض أن جميع الكائنات الحية لديها طاقة روحية إلهية، وبالتالي فقتلُها يُمثّل تعدّيًا على هذه الروح الإلهية. وقد ارتبطت الأهيمسا بتصوّر: أَنّ أي عنف ترافقُه عواقب أخلاقية متعلقة بقانون كارما (العنف لا يولّد إلا العنف) وقد كان علماء الهندوسية القدماء رائدين في مبادئ الأهيمسا وأَتقنوها على مرّ الزمن، إذ وصل المفهوم إلى مكانة استثنائية في الفلسفة الأخلاقية للديانة الجاينية. وقد كان المهاتما غاندي يؤمن بقوة بمبدأ الأهيمسا؛ الذي يتضمّن “عدم التسبّب بأيّ ضرر” لأيّ شيء. كما يُناقش الأدب الكلاسيكي للهندوسية مبادئ الأهيمسا عندما يواجه المرء الحرب والمواقف التي تتطلب الدفاع عن النفس. وقد ساهم الأدب التاريخي من الهند والمناقشات الحديثة في نظريات الحرب العادلة ونظريات الدفاع عن النفس؛ ثم تسربت هذه الفكرة للتعامل مع الحيوانات؛ إذ إن أديان الهند مرتبطةٌ بتقديس الحيوانات بشدّة.
أمّا عن النوازع الطبّية؛ فثمة العديد من الحجج والحجج المضادّة بين النباتيين وخصومهم، وهو الجانب الذي ستناقشه المقالات القادمة؛ أما هذه المقالة فتقدم موجزًا لأحد الجوانب الأخلاقية التي ينطلق منها النباتيون.
قسم الترجمات..
يتخيّل الخبراء بـأنه سيأتي وقت يُصبح فيه تناول الطعام شيئًا من الماضي…
ماذا نختار لنُعدّ وجباتنا التي تستهلك جزءاً كبيراً من إيقاع حياتنا اليومي. تختلف خطط وتجهيز وجبات الطعام بشكل كبير، لكن الكثير منها يرُكّز على لحم الحيوانات، يُثير تناول لحوم الحيوانات قضايا أخلاقية ضخمة حول كيف تتمّ معاملة الحيوانات نفسها، إضافة إلى الضرر الذي يُسبّبه الإنتاج الصناعي الغذائي لصحة الكوكب، لكن ماذا لو أصبح تناول اللّحم شيئاً من الماضي؟ تطرح عالمة الأنثروبولوجيا المستقبلية روان فان فورست في كتابها الجديد الذي ينطوي على التحدّي، “ذات مرة كنّا نأكل الحيوانات: مستقبل الغذاء”، “رؤية واضحة ومقنعة لما يعنيه أن نعيش في عالم بدون لحوم”، بين أيديكم ما قالته فان فوريت عن تصوّرها اتجاه الفكر المستقبلي:
مارك بيكوف: لماذا كتبتِ هذا الكتاب؟
روان فان: كعالمة أنثروبولوجيا، أجريتُ العديد من البحوث الميدانية حول العالم، معظمها جرى في أماكن كان تأثير التغيّرات المناخية واضحا بالفعل. لاحظت ارتفاع وتيرة النزاع الاجتماعي؛ وشهدت جموع من الناس اضطرّوا أن يلوذوا بالفرار من ارتفاع الفيضانات أثناء فترة مكوثي لأكثر من عام في حي فقير مهدّد بخطر الفيضان في إندونيسيا. على مدى سنوات، أدركت أن سبب معظم هذه الأحداث المأساوية هو مجال صناعة الأغذية، وعلى وجه الخصوص الزراعة الصناعية الكبرى؛ مما جذب انتباهي، لرغبتي في فهم إمكانية وجود سيناريو مستقبلي واقعي وبديل: ماذا لو غيرنا أعمال الزراعة؟ هل سيؤدي هذا لإنقاذ حياة الكثير من الناس، وحياة الأجيال القادمة؟
مارك بيكوف: من هم شريحتك المستهدفة؟
روان فان: مجرد أشخاص مثلي، يشعرون في أعماقهم أنهم يريدون تغير سلوك استهلاكِهم وطعامِهم، لكنهم يجدون صعوبة في ذلك، أشخاص قد سئموا من سماع الأساطير و”الحقائق” غير المثبتة عبر الانترنت عن اللحوم والنباتيين، ويودّون معرفة ما هو حقيقي، أشخاص يسعون لمعلومات موثوقة، أشخاص سئموا من كل القصص السلبية ويتوقون إلى الأمل؛ ليس أملاً ساذجاً، بل أملاً حقيقياً لتغيير الأمور للأفضل، ووجود عالم مختلف وأكثر لطفاً أمر ممكن، وأيضاً أناس يحبون الضحك، بالرغم أن الموضوع العام يأخذ الطابع الجدي، إلا أن الكثير من محتوى الكتاب خفيف، سواء تناوُلنا لموضوع التأثير الثقافي على النباتيين، أوالشعبية العجيبة وغير المتوقعة لنبات الكرنب، أو ظاهرة مواعدة النباتيين فقط.
مارك بيكوف: ما هي بعض رسائلك الرئيسية؟
روان فان: أعتقد أن طرق تناولنا للطعام الآن هي عادة حديثة نسبياً، بمعنى أنه بإمكاننا تغيير هذه العادة مجددًا. كثيرًا من الدروس التي تلقّيناها حول ما هو صحّي أو أخلاقي أو عادل كانت غير حقيقيّة، وقد حان الوقت لنصنع أفكارًا جديدة ما يعينه أن نحيا حياةً جيدة. الأهم من ذلك أن استهلاك الطعام يُعدّ شكلاً من اشكال التصويت، وخلقِ المستقبل، وأنه باستثمارك في نوع واحد من الطعام فأنت تخلق سيناريو مستقبلي محدّد: سيناريو فيه الكثير من معاناة الحيوانات، أو معاناة الآخرين، نوع يضرّ الكوكب أو الآخرين بشكل أقل.
جميعنا نلعب دورًا في التاريخ ونحن في نقطة محورية الآن— نقطة سيواجهنا أطفالنا بها لاحقاً: ماذا فعلت عندما علمت مسبقاً بشأن تأثير صناعة الأغذية على الكوكب وحياة الحيوان جيداً؟ القرار لنا لكيفية الإجابة عن هذا السؤال. وآمل أن يدرك أغلبنا هذه الحقيقة. أتحدث عن المزارعين ممن حاورتهم الذين تخلوا عن ثروتهم الحيوانية واتجهوا لإنتاج الفاصولياء، توقعاً منهم أن هذا هو مستقبل الطعام. أتحدث عن الطهاة المشهورين عالمياً ممن يمتلكون مطاعم تعتمد بشكل أساسي على النبات؛ أوجّه كلامي لأفضل رياضيي العالم الذين يتغذون “بطعام الفيلة”: النباتات. أتحدث عن اللحوم المصنّعة في المختبر وأطباق أخرى خالية من “القسوة”، وعن تطبيقات المواعدة للنباتيين، وعن آخر الصيحات التي حدثت بالفعل. العالم يتغير أسرع مما نتخيل.
مارك بيكوف: كيف يختلف كتابك عن الكتب الأخرى المهتمة بنفس الموضوع؟
روان فان: لا يهاجم هذا الكتاب آكلي اللحوم ومنتجات الألبان. ومن وجهة نظري، من المعقول أننا نجد صعوبة في عدم فعل ذلك، وليس علينا أن نلوم أنفسنا: لقد ولدنا ونشأنا في مجتمعات يُعتبر تناول لحوم الحيوانات ليس فقط أمرّا طبيعيًا، وإنما ضروريًا للحفاظ على الصحة. وهذا أمر غير حقيقي اكتُشِف مؤخرًا؛ وأعني حقيقة أن -وهذا عكس ما تصوره الناس- الإنسان لم ينشأ دائماً على تناول لحوم الحيوانات.[1] مضى زمن في تاريخ البشرية حيث كنا نتناول الطعام نباتي فقط. فكرة أننا كنا صيادين دائمًا هي فكرة خاطئة. لقد كنا نأكل البقايا، نأكل بقايا الحيوانات التي تقتلها الحيوانات الأخرى بأسناننا غير الحادة، وتشكّل فكّينا من ذلك، آن ذاك لم تكن لنا فرصة لقتل الحيوانات الكبيرة بدون أسلحة.
مارك بيكوف: هل تأملين أنه عندما يتعلم الناس المزيد عن الحياة الرائعة لما يسمى بـ “الحيوانات المأكولة” سيعاملونهم بمزيد من الاحترام والكرامة؟
روان فان: بلا شك. أوضحت أبحاث عديدة مدى الذكاء الاجتماعي للخنازير والأبقار، نعلم أنه إذا أبعدت عنهم صغارهم، فإن أدمغتهم تظهر نفس ردة الفعل لو حدث هذا للآباء. أي: يُصاب بالذعر، نفس الأمر ينطبق على الأخطبوطات والحيتان والدلافين ومخلوقات كثيرة أخرى الذين نعتقد غباءها حتى يومنا هذا، أو عديمي الشعور. هم يشعرون بالألم، والسرور، والضغط والسعادة— تماماً مثلما نشعر، لذلك علينا تحمّل مسؤولية تغيير حياتهم للأفضل، وبفعلنا ذلك، فإننا نغيّر حياة الكثير من البشر حول العالم في الجيل الحاضر والقادم. ولمن يظن أن هذه فكرة مُخيفة، أودّ أن أقول له: عد بذاكرتك للوراء حين كانت العبودية منتشرةً حول العالم ونظاماً مهيمناً، وكان يُعتقد على أوسع نطاق أنه من المستحيل تغيير هذا النظام: كيف والاقتصاد سينهار! ولكن في غضون 100 سنة، وبعد أن بدأت مجموعة صغيرة من الناشطين في مواجهة هذا النظام- أضحت العبودية غير شرعية في معظم أجزاء العالم، هذا خلال عمر واحد، فإذا كان بإمكانهم فعل ذلك، فنحن نستطيع.
[1] – هذه وجهة نظر الكاتبة، وثمة بحوث كثيرة تفندها، انظر: خرافة النباتية، لير كيث.
رائع منكم الالتفات نحو هذا الجانب ، وفقتم في اختيار الملف للترجمة .
نأمل حقاً أن يحقق العبارة الواردة (علينا تحمّل مسؤولية تغيير حياتهم للأفضل ) فإنها خلق الله الذي أمرنا بالإحسان إليها حتى أخر رمق من حياتها على لسان حبيبنا صلى الله عله وسلم .