- هشام بن سعد العبيلي
- اسم الكتاب: مغامرة الإسلام الضمير والتاريخ في حضارة عالمية
- اسم المؤلف: مارشال هودجسون
- اسم المترجم: أسامة غاوجي
- دار النشر: الشبكة العربية للأبحاث
- سنة النشر: ٢٠٢٠م
أول تعرّفي على مارشال هودجسون وكتابه “مغامرة الإسلام” كان من خلال السيرة الذاتية لهشام شرابي (الجمر والرماد)، حيث وصفه بقوله: “كتاب مارشال هودجسون الشهير “مغامرات الإسلام” في ثلاثة أجزاء، هو خلاصة دراساته في الحضارة الإسلامية طيلة عشرين عاماً. نُشر الكتاب بعد وفاته، وهو بنظري أهمُّ ما كُتب في التاريخ الإسلامي في القرن العشرين”.
اقتبستُ هذا الكلام وغرّدت به في تويتر، علّق بعض الأصدقاء بأن الكتاب سيصدر قريباً بترجمة أسامة غاوجي، كنت في حالة ترقّب قصوى لصدوره، وما إن أُعلن عن توافره في الأسواق حتى سارعت إلى شرائه من أحد المتاجر الإلكترونية، وانكببت على قراءته مباشرة، استغرقتْ هذه القراءة ستةَ أشهر، نصف سنة في صحبة هذا الكتاب كنت أظنها ستفعل فعلها في تصوري العام للتاريخ الإسلامي، لكني لم أجد ذلك في نفسي، وإن كان هذا لا يقلل من قيمة الكتاب الإجمالية، أتحدث هنا عن تأثير الكتاب فيّ شخصياً.
استوفي المترجم أسامة غاوجي في مقدمته للكتاب وفي مقابلات صحفية الكلام عن المؤلف والكتاب، لكني أركز هنا على الخطوط العريضة في مغامرة الإسلام، من خلال الملاحظات العامة على مجمل الكتاب، علّها تساعد وتساهم في وضع تصوّر وتمهيد لمن أراد قراءة الكتاب، وتفيد في فهمه بعد قراءته.
قبل الملاحظات أقول: لن تصدق أن كاتب هذا الكتاب مات وعمره سبع وأربعون سنة، كيف لو امتد به العمر ماذا كان سيصنع؟، كان من أمنياته العلمية أن يكتب كتاباً بعنوان “وادي الرؤية” يقدم فيه رؤية مختلفة للعالم، هل كان دافع هذا الحماس والتوقّد الظن بأنه لن يُعمّر طويلاً؟
من هو مارشال هودجسون؟
مؤرخ أمريكي، ولد سنة ١٩٢٢م وتوفي عام ١٩٦٨م، ينتمي إلى طائفة “الكويكرز” وهي طائفة تدعو إلى المساواة الإنسانية مهما كان دين الإنسان أو عرقه، وأن التواصل مع الله يكون بدون وسائط، نشأت هذه الطائفة في إنجلترا، ثم انتقلت للولايات المتحدة بداية الهجرة إليها وأسست مجتمعاً لها في ولاية بنسلفانيا، وكان تعاملها مع السكّان الأصليين قائماً على الاحترام والود، تَمثّل هودجسون مبادئ الكويكرز على المستوى الشخصي، فامتنع منذ شبابه وحتى نهاية حياته عن اللحم والسجائر والخمر، ودرس في مدرسة تابعة لطائفة الكويكرز حتى حصل على البكالوريوس عام ١٩٤٣م من جامعة كولورادو في الاقتصاد والعلوم السياسية، كان على هودجسون أن يلتحق بالخدمة العسكرية بعد تخرجه، لكنه رفض ذلك معلناً أن القتال والحرب لا يتوافقان مع ضميره ومواقفه الدينية، احتُجز ثلاث سنوات في معسكر خاص بمن يرفض الخدمة العسكرية حتى عام ١٩٤٦م، تخلل هذه السنوات أعمال في الخدمة العامة، كَتَب في السنة الأخيرة التي قضاها عاملاً في مستشفى للأمراض العقلية دراسة مطوّلة حول تاريخ العالم.
بعد انتهاء الاحتجاز انضم هودجسون إلى لجنة الفكر الاجتماعي بجامعة شيكاغو، التي ظهر فيها اهتمامه بالتاريخ الإسلامي، التحق بالمعهد الشرقي وكتب رسالته للدكتوراه عام ١٩٥١م، بعنوان «مجتمع منشق في الإسلام الوسيط: تاريخ عام للإسماعيلية النزارية في حقبة آلموت».
بعد حصوله على الدكتوراه حصل على منحة في كلية عليكرة في الهند، زار خلالها تركيا وإيران، وقضى سنة في جامعة فرانكفورت بألمانيا.
شارك هودجسون عام ١٩٥٤ في كتابة تاريخ للعالم بتمويل من اليونسكو، كان لهذا المشروع تأثيره عليه، حيث أنه كتب معظم الفصول المتعلقة بالحضارة الإسلامية.
يقول شارل عيساوي في كتابه “تأملات في التاريخ العربي”: “كتاب مارشال هودجسون البارز والمتفرّد «مغامرة الإسلام» يُعدُّ أنجح المحاولات المبذولة لدراسة الحضارة الإسلامية في سياقها العالمي”.
رحلة المغامرة
بدأ هودجسون بكتابة «مغامرة الإسلام» ليكون كتاباً مدرسياً، ثم توسع الكتاب حتى أضحى بما هو عليه الآن، كان المجلدان الأول والثاني في حوزة الناشر ساعة وفاة المؤلف، فيما ظلت بعض فصول الكتابين الخامس والسادس بانتظار المراجعة النهائية حتى تم ذلك بمساعدة زملائه وزوجته فيليس، التي ظلّت وفيّة لتراث زوجها طيلة خمسين عاماً، حتى توفيت عام ٢٠١٧م.
كان هودجسون يكتب كتابًا آخر بالتوازي مع مغامرة الإسلام، وهو «وحدة تاريخ العالم» لكنه لم يتمه، ففي عام ١٩٦٨ توفي هودجسون فجأة وهو يسعى في الحرم الجامعي.
كان هودجسون مبتكراً في «مغامرة الإسلام» إذ أنه لم يقلد من سبقه، ممن كتب في تاريخ الإسلام، فقد أحدث قطيعة نظرية وفكرية وجغرافية، أما النظرية: فهي القطيعة مع تراث الاستشراق، فلم يكن مقلّداً، وإن كان وقع في بعض الأخطاء، فقد رفض هودجسون تلك النظرة التي تجعل الغرب هو مركز العالم، وأن تاريخ بقية الشعوب مجرد هوامش.
أما القطيعة الجغرافية: فهي أن الدراسات التاريخية دأبت على أن تجعل القاهرة هي بؤرة الدراسة، لكن هودجسون نقل هذه البؤرة إلى النطاق الإيراني التركي، وهذا تحيّز أيضاً من قبل هودجسون إذ يجعل حضارة الإسلام فارسية، وتراه يركّز بشكل ملفت على الانتقال بالتدريج من العربية إلى الفارسية، ويجعلها بؤرة التركيز الثقافي.
أما القطيعة الزمنية: فهو يقسم تاريخ الإسلام إلى ثلاث مراحل كبرى، كل واحدة منها تنقسم إلى قسمين، بواقع ست حقب وهي:
الأولى: من بداية الدعوة النبوية إلى انتهاء حكم الجيل الأول من الأمويين، (٦٩٢م، ٧٣هـ).
الثانية: مرحلة الخلافة العليا، من عهد المروانيين من بني أمية إلى نهاية العصر العباسي الأول، وسقوط بغداد في يد البويهيين (٩٤٥م، ٣٣٤هـ).
الثالثة: مرحلة الحضارة العالمية وتستمر حتى الاجتياح المغولي وسقوط الدولة العباسية. (١٢٥٨م، ٦٥٦هـ).
الرابعة: عصر النفوذ المغولي، امتدت هذه المرحلة حتى صعود إمبراطوريات البارود الثلاث (١٥٠٣م، ٩٠٩هـ).
الخامسة: وهو عصر إمبراطوريات البارود العثمانية والصفوية والتيمورية.
السادسة: العصر التقني الحديث (١٨٠٠م- وحتى تاريخ كتابة المؤلف).
وعلى هذا جرى تقسيم الكتاب.
يعتني المؤلف بالمصطلحات عناية فائقة، ومن ذلك نحته مصطلح (الإسلاماتي)، ويقصد به الممارسات التي تكون داخل المجتمع المسلم ولا يمكن وصفها بالإسلامية لأنها قد تخالف الشريعة، واستبداله مصطلح الشرق الأوسط إلى (النيل إلى جيحون)، لأن مصطلح الشرق الأوسط مصطلح عسكري.
تحدث المؤلف في بداية الكتاب وعَبْر مقدمة طويلة عن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، والمصاعب التي واجهته في ترجمة الأسماء والكلمات، ثم تحدّث عن المنهجية التاريخية في دراسة الحضارة، وهي جديرة بالقراءة والفهم.
كما بيّن في هذه المقدمة التحيّزات التي تلحق بالمؤرخ، كما لو دُرس الإسلام من داخل الالتزام المسيحي، مما يؤثر في سير هذه الدراسة، فتظل الأحكام الصادرة عن مثل هذه الدراسات محل شك وريبة، وهو ما لم يسلم منه هودجسون نفسه، في تحيّزه للجانب الفارسي على حساب الجانب العربي، ولعل هذا راجع إلى دراساته حول الإسماعيلية.
تحدث أيضاً عن اتخاذ اللغة معياراً للحضارة، لأن المؤلف يرى أن اللغة الفارسية مؤثرة في سير الحضارة الإسلامية كما اللغة العربية، ويرى أن التمركز حول العرب أو وجهة النظر «الاستعرابية» يمكن أن يكون مضللاً، وهو عين ما وقع فيه حين تمركز حول المحيط الجغرافي الفارسي واللغة الفارسية، وكان الأجدر به أن يكون شمولياً ويجعل العربية هي الأصل وإليها المرد.
ثم يشرع المؤلف بعدها في توطئة عامة حول الرؤية الإسلامية في الدين وفي الحضارة، وفيه يُشيد بالإسهام الكبير للإسلام في تغذية الحضارة العالمية، وأنه جاء شُمولياً وكُلياً قادراً على بناء مجتمع إنساني عالمي من الصفر.
يبتدئ بعدها في الكتاب الأول، وعنوانه: تغلغل الإسلام، أصول نظام اجتماعي جديد.
يُصر المؤلف أنه وخلال القرون الأولى من حياة الإسلام تم التدرّج باستخدام اللغة العربية ولاحقاً الفارسية.
كانت الحضارة الإسلاماتية -بحسب تعبير المؤلف- هي الوارثة الوحيدة للتقاليد الحضارية للبابليين، والمصريين، والعبرانيين، والفرس القدامى، وللحضارات القديمة التي جاورتها.
ومع إعلان الإسلام في الجزيرة العربية، وما تلا ذلك من فتوح، ظهرت ثقافة فرعية جديدة، مزيجٌ جديد من التقاليد الثقافية داخل المجتمعات الإيرانية – السامية. على أن تلك الثقافة الفرعية الأولى لم تكن هي الحضارة الإسلاماتية.
تحدث المؤلف أيضًا عن بداية التاريخ المعلوم، والإمبراطوريات وهيمنة العصر الزراعي، وأثره في سلوك الحضارات.
أعود إلى الملاحظات فأقول:
- لدى المؤلف تحيّز جغرافي، إذا يجعل حضارة الإسلام فارسية، وتراه يركّز بشكل ملفت على الانتقال بالتدريج من العربية إلى الفارسية، ويجعلها بؤرة التركيز الثقافي.
- للمؤلف اهتمام بالتصوّف الإسلامي، حتى جعله هو الروح المهيمنة على الإسلام.
- يبتعد المؤلف عن الجزيرة العربية مهد الإسلام، ويركز على مناطق الحكم.
- يعطي المؤلف وصفاً دقيقاً للعراك السياسي داخل الدولة الإسلامية بعمومها، سواء أكان ذلك في عهد الخلفاء الراشدين أو الأمويين أو العباسيين، ويحلل أسباب هذا النزاع والتجاذب بين الأطراف.
- من خلال المراجع التي يذكرها المؤلف عن أدق الأحداث والدول والشخصيات في العالم الإسلامي، يلفت النظر إلى مدى التغلغل الغربي والمعرفة الدقيقة بنا.
- من أكثر الفرق التي يستشهد بها المؤلف “الإسماعيلية” ويرجع هذا إلى دراسته حولها.
- الكتاب موجّه للقارئ الغربي بالدرجة الأولى، مع خلوه إلى حدٍ ما من النزعة الاستشراقية.
- يُظهر المؤلف لينه مع المغول ويبرر قيامهم بالإبادة.
- يختلف تركيز المؤلف في كل حقبة تاريخية إسلامية، فأحياناً يركز على الحالة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية.
- يركّز المؤلف على الشق المادي في الإسلام، أما الشق الروحي فيركز فيه على الصوفية فقط.
- يسهب المؤلف في الحديث عن الأدب الفارسي دون العربي.
- المؤلف سارد جيد للتاريخ من خلال إبراز أهم الأحداث، لكنه ليس بذلك الزخم حين يحلل الأحداث ويحاول الوصول إلى عمقها.
أخيرًا، هودجسون ينسب الفضل لأهله، ويتحلى بصفات العالم. ويجب القول إن قراءة واحدة لا تكفي لاستيعاب أفكار”مغامرة الإسلام”، وحتى تدرك هذا فإن بعض الغربيين أخذ في تدريس كتاب هودجسون خمساً وثلاثين سنة، وما زال يحتاج إلى المزيد، رغم أن الأوساط العلمية الغربية أخذت تتناسى كتاب هودجسون.
ليلتكم تكتبون الأسماء باللغة الإنجليزية (مثلاً) حتى يتيسر للقاريء الرجوع للمراجع الأصلية. ولكم جزيل الشكر.