يجب على العلماء أن يشاركوا في السياسة ويعيدوا تأكيد قيمها للمجتمع
- ترجمة: الجراح القويز
- تحرير: أحمد العراك
نيتشر: 7 أغسطس 2019
انتقد الوزيرُ الأول في حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن (مايكل جوف) تحذيراتِ الأكاديميين-وغيرهم من المختصين- بخصوص مخاطر خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي انتقادًا لاذعًا بقوله: “الناس في هذا البلد لديهم خبرة كافية”!
وكان هذا قبل التصويت على مغادرة الاتحاد بوقت قصير.
بعد ثلاث سنوات… مع تدهور العلاقات بين الأكاديميين والسياسيين في عدد من الديمقراطيات، فإنّ الباحثين أحوج ما يكونون لتغيير الصورة النمطية عنهم _ المتمثلة بأنه لا يمكن الوثوق بهم كطرف سياسي _ ، لأنهم – لأسباب عدة – بعيدون عن أوساط عامة الناس. (رغم إشارة استطلاعات إلى أن الثقة بالعلماء في الولايات المتحدة في ارتفاع حاليا)
الحاجة ملحة:
في نهاية الأسبوع الماضي: أقالَ الرئيسُ البرازيلي (جايير بولسونارو) رئيسَ معهد أبحاث الفضاء الوطني. جاءت الإقالة ردةَ فعلٍ على أحدث تقارير الوكالة القائل بأن تلاشي غابات الأمازون قد تسارع خلال فترة رئاسته.
وفي الولايات المتحدة: بيَّنَ مكتبُ مساءلةِ الحكومة-وهو جهاز رقابيٌّ فيدراليّ- أنّ وكالة حماية البيئة انتهكت الضوابط الأخلاقية خلال الشهر المنصرم، وذلك باستبدالها علماءً أكاديميين بممثلي قطاع الصناعة كأعضاء في اللجان الاستشارية العلمية!
وفي هنغاريا أيضا: سيطرت الحكومة خلال الشهر الماضي على ما يقارب أربعين معهدًا تابعًا لأكاديمية العلوم الهنغارية!
كما صاغ أكثر من مائة خبيرٍ اقتصاديٍّ في الهند خطابًا يعارض ويندّدُ بالتأثير السياسي على الإحصاءات الرسمية، وجّهوه لرئيس الوزراء (ناريندار مودي).
وفي تركيا ، اتهمت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان 700 باحث- كانوا قد وقّعوا عريضة تطالب بالسلام- بتهم متعلقة بالإرهاب! وتبعًا لذلك أُقيلَ المئاتُ منهم وسُجن بعضُهم.
منذ عقودٍ :رحّبت العديد من الحكومات بالعلماء والأكاديميين و عينتهم مستشارين، واستمعت لمخاوفهم بشأن حماية تمويل البحوث خلال التقشف الذي أعقب الأزمة المالية في 2008 ، لكن هذا الموقف يتغير الآن، والباحثون بحاجة لطرق أخرى لإسماع أصواتهم؛ ومعرفة ما يجب فعله تمثل تحدّيًا جديدا بالنسبة لبعض هذه المجتمعات الأكاديمية.
في الماضي: عندما كان خطر انتشار التقنية النووية مهددًا دون رقابة إبان سباق التسلح في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كتب كلٌّ من آلبرت آينشتاين، والفيلسوف برتراند راسل بيانًا يحذر من هذا الخطر الداهم، ما جعلَ مؤتمرَ (باجواش) أولَ مؤتمرٍ علميٍّ يناقش شأنًا عالميًا، وتمّ ذلك باجتماعٍ لباحثينَ من مختلف البلدان والأيديولوجيات السياسية.
المزيد من الاجتماعات – الرسمية وغير الرسمية – أعقبت ذلك، لأن وجود ما أصبح يُعرف باسم (حركة باجواش) أعطى صوتًا عالميًّا للباحثين العاملين على الحد من انتشار الأسلحة النووية، والذين مثلوا وسيلة تواصل بين القوى العظمى. أفضى مؤتمر باجواش في نهاية المطاف للتوصل إلى الاتفاقات الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، التي كانت سببا لمنح جائزة نوبل للسلام للمؤتمر في 1995.
حاليًّا : يواجه الباحثون أيامًا عصيبةً وتحدياتٍ مختلفةً وأكثر تنوّعًا، ما يعني أن أي محاولةٍ لاستخدام ورقة سياسية على غرار ما حدث في مؤتمر (باجواش) لمعالجة الضغوط الحالية ينبغي تعزيزها بإبراز أهمية الشمولية في الموقف السياسي، مع دور حقيقي للمشاركة العامة، ووضع مكان على الطاولة للباحثين من خلفياتٍ متنوعةٍ وتخصصاتٍ مختلفةٍ.
وبما أن هناك أوجه تشابه مع ( باجواش)، منها: الحاجة إلى إعادة التأكيد على قيمة الأنشطة العلمية في حل المشكلات المجتمعية، و دورها في إيجاد وسيلة للتواصل بين الحكومات والمجتمعات البحثية.
فمن المهم إعطاء العلماء صوتًا يمكن الباحثين من الابتعاد عن جدل السياسة وذلك بالتأكيد على أن دعم المنح الدراسية لا يمثل قضية بين اليمين واليسار، بل هو تعزيز بقاء ورفاهية الإنسانية.
المصدر: nature